مقدمة:

صدر القانون رقم 80 لسنة 2016 بشأن بناء وترميم الكنائس وملحقاتها في 28 سبتمبر 2016، وسط ترحيب سياسي من جانب مسئولي الدولة وأعضاء مجلس النواب وقطاعٍ من القيادات الدينية المسيحية، باعتبار أن القانون الجديد ينهي مشكلة قائمة منذ عدة عهود مرتبطة بالصعوبات التي تواجهها عملية بناء وترميم الكنائس، ومن ثم يساهم في تقليل حدة التوترات والعنف الطائفي الذي يندلع لأسباب متعددة على رأسها غموض الإطار القانوني المنظِّم لممارسة المسيحيين شعائرهم الدينية. في المقابل، كان قطاع من المنظمات الحقوقية والنشطاء الأقباط قد أبدوا ملاحظات جوهرية على القانون قبل إقراره، بحجة أنه يُرسِّخ التمييز الديني بين المواطنين المصريين، ويضفي الشرعية على شروط العزبي باشا التي كانت مطبقة من قبل، والتي تجعل عملية بناء كنيسة جديدة عملية معقدة جدًّا.

وبالتزامن مع عملية مناقشة القانون، أطلقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حملة1 بعنوان "مغلق لدواع أمنية.. من أجل قانون مُنصِف لبناء الكنائس"، حاولت من خلالها إلقاء الضوء على أهم العراقيل التي تعترض حق المواطنين المصريين الأقباط في ممارسة شعائرهم الدينية، والتي تظهر بشكل جليٍّ في التعقيدات الأمنية والإدارية التي تعترض بناء الكنائس. كذلك أكدت المبادرة في حملتها على أن استمرار هذه العراقيل يعد من أهم مسببات العنف الطائفي، خصوصًا في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011.

كما أصدرت المبادرة المصرية تعليقًا مفصَّلًا على القانون الجديد تَضمَّن تحفظاتها الرئيسية على محتواه وعلى طريقة صدوره. وذهبت المبادرة في تعليقها إلى أن القانون لم يتجاوز تشريع الأمر الواقع القائم على التمييز الصريح بين المواطنين المصريين من حيث الحق في ممارسة شعائرهم الدينية، عن طريق ترتيب شروط شديدة التعقيد لإقرار بناء كنائس جديدة، وإسناد مهمة تنظيم بناء دور العبادة عمليًّا وبشكل شبه حصري إلى الأجهزة الأمنية، بما يُعدُّ وصفة جاهزة لإعادة إنتاج ظواهر العنف الطائفي مرة أخرى وبما يتناقض مع الهدف المعلن من القانون الذي طال انتظاره.

وانتقدت المبادرة طريقة صياغة هذا القانون وإخراجه إلى النور عبر مشاورات مغلقة اقتصرت على ممثلي الحكومة وممثلي الكنيسة المصرية، في عزلة شبه تامة عن إسهامات المجتمع المدني وعموم المواطنين، بل ونواب البرلمان أنفسهم، كما لو كان الحوار حول تنظيم حق دستوري أساسي هو شأن كنسي/أمني محض لا دخل لعموم المصريين من المسلمين والأقباط فيه.

ثم أصدرت المبادرة دراسة2 بعنوان: "مغلق لدواعٍ أمنية.. التوترات والاعتداءات الطائفية بسبب بناء وترميم الكنائس"، وذلك بهدف استعراض أهم نتائج بحثها القانوني والميداني حول الصعوبات التي تكتنف الحق في ممارسة الشعائر الدينية للمصريين الأقباط، والتي قَصَّر القانون الجديد عن فهمها، ناهيك عن السعي إلى إزالتها. وكانت تأمل في أن تسهم الحملة التي نظَّمتها والدراسة التي أصدرتها في توضيح حجم الأزمة التي قصَّر عن استيعابها القانون، وحثِّ الفاعلين الرئيسيين من أجهزة حكومية وأعضاء برلمان ومنظمات مجتمع مدني ومؤسسات دينية على الاضطلاع بمسئولياتهم في ضمان ألا يؤدي وضع القانون موضع التنفيذ إلى مزيد من التضييق على بناء الكنائس وصولًا إلى تعديل هذا التشريع المشوه في المدى المنظور في ضوء

وبعد نحو عام من صدور القانون، تصدر المبادرة المصرية تقريرًا جديدًا حول تطبيق القانون، وهل ساهم في حل مشكلات التوترات الطائفية المرتبطة ببناء الكنائس، وهل فعليًّا نجح في إزالة أوجه التمييز فيما يخص ممارسة الشعائر الدينية؟ كما تُقدِّم المبادرة المصرية تقييمها لأدوار الفاعلين من خلال قراءة القرارات الرسمية بإنشاء الكنائس الجديدة، وتشكيل لجنة توفيق أوضاع الكنائس والتوترات الطائفية خلال العام.

ينقسم التقرير إلى جزء تحليلي وملحق، نستعرض في الجزء التحليلي القرارات التنفيذية التي أصدرتها جهة الإدارة ونشرتها الجريدة الرسمية الخاصة، كما نستعرض تصريحات المسئولين الحكوميين في هذا الصدد، وكذلك تعليق المبادرة المصرية على قرار رئيس الوزراء بتشكيل لجنة توفيق أوضاع الكنائس القائمة بالفعل، والتي تُجرَى فيها الصلوات. كما يتضمن هذا الجزء تحليلًا للعنف والتوترات الطائفية المتعلقة بممارسة الشعائر الدينية للمسيحيين، والتي وقعت خلال الفترة منذ صدور القانون في 28 من سبتمبر 2016 وحتى نهاية أكتوبر 2017، والتي بلغت عشرين حادثة خلال نحو ثلاثة عشر شهرًا، مع تحليل تدخلات المسئولين ودورهم في التعامل مع هذه الأحداث. ويضم الملحق توثيقًا تفصيليًّا لهذه الأحداث.