تناقش الدراسة الصعوبات التي تكتنف الحق في ممارسة الشعائر الدينية للمصريين الأقباط، والتي قصر القانون الجديد لبناء الكنائس عن فهمها، وحث الفاعلين الرئيسيين من أجهزة حكومية وأعضاء برلمان ومنظمات مجتمع مدني ومؤسسات دينية على الاضطلاع بمسئولياتهم في ضمان ألا يؤدي وضع القانون موضع التنفيذ لمزيد من التضييق على بناء الكنائس وصولًا إلى تعديل هذا التشريع المشوه في المدى المنظور في ضوء خلاصات ونتائج هذه الدراسة، خصوصاً أن بناء وترميم الكنائس أحد الأسباب الرئيسية ﻷحداث العنف الطائفي. فقد أقرّ مجلس النواب في أغسطس الماضي القانون رقم 80 لسنة 2016 الخاص ببناء الكنائس تلبيةً للاستحقاق الدستوري المنصوص بالرغم من موجة الاعتراضات الشديدة من قطاع واسع من الأقباط ومنظمات المجتمع المدني. وقد أطلقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حملة بعنوان “مغلق لدواعٍ أمنية” أثناء مناقشة هذا القانون، حاولت من خلالها إلقاء الضوء على أهم العراقيل التي تعترض حق المواطنين المصريين الأقباط في ممارسة شعائرهم الدينية، والتي تظهر بشكل جليّ في التعقيدات الأمنية والإدارية التي تعترض بناء الكنائس. كذلك شددت المبادرة في حملتها على أن استمرار هذه العراقيل يعد من أهم مسببات العنف الطائفي. وتؤكد المبادرة أن القانون لم يتجاوز شرعنة الأمر الواقع القائم على التمييز الصريح بين المواطنين المصريين من حيث الحق في ممارسة شعائرهم الدينية، عن طريق ترتيب شروط غاية في التعقيد لإقرار بناء كنائس جديدة، وإسناد مهمة تنظيم بناء دور العبادة عمليًا وبشكل شبه حصري للأجهزة الأمنية، فيما يعد وصفة جاهزة لإعادة إنتاج ظواهر العنف الطائفي مرة أخرى. أحداث العنف تلك، يتورط في ارتكابها قطاع واسع من المواطنين وأجهزة الدولة، وتجد لها سندًا قانونيًا، خصوصا لو كانت في منطقة عشوائية أو قرية بالريف المصري، فهي تحتاج إلى موافقات قد تستغرق عدة سنوات، وأحيانا بعد الحصول على الموافقات لا يستطيع المواطنون الراغبون في بناء الكنيسة أو افتتاحها تنفيذها نتيجة اعتراضات من الأهالي أو قيام أجهزة الأمن بنفسها بوقف التنفيذ. تنقسم الدارسة إلى جزء تحليلي و ملحقين. يستعرض الجزء التحليلي التشريعات المنظمة لبناء الكنائس والأحكام الشهيرة الصادرة في هذا الصدد، وأثر ذلك على قانونية أوضاع الكنائس الحالية وأنواعها من حيث التراخيص الرسمية. ثم تتناول الدراسة بالتحليل أنماط التوترات والاعتداءات الطائفية المرتبطة بالحق في ممارسة الشعائر الدينية، كما تقدم الدراسة تحليلاً كميا حول التوترات والاعتداءات الطائفية التي شهدتها مصر منذ 25 يناير 2011 وحتى أغسطس الماضي، وعددها أربع وسبعين حالة، وقامت بسرد بؤر التوتر وأنماط الاعتداءات وعلاقتها باﻷحزاب أو القوى الحاكمة، وهل تغير خلال السنوات الأخيرة تبعًا لتغير نظام الحكم. ويضم الملحق الأول من الدراسة توثيقًا تفصيليًا لأحداث العنف الطائفي التي نشبت على خلفية الجدل بشأن بناء كنائس جديدة أو ترميم كنائس قائمة. أما الملحق الثاني فيقدم مجموعة تمثل الحد الأدنى من المعايير التي كان من الواجب توفرها في أي قانون لتنظيم بناء الكنائس، كما يستعرض هذا الملحق نماذج لتعامل عدد من الدول لموضوع بناء دور العبادة. تضمنت الدراسة التي أطلقتها المبادرة المصرية عدة توصيات منها ضرورة استمرار ضغط المجتمع المدني من أجل فرض الشفافية التامة على عمل اللجنة الجديدة المكلفة ببحث أوضاع الكنائس القائمة وضمان مناقشة قراراتها ومنهجية عملها في وسائل الإعلام. واستمرار الضغط بهدف إدخال تعديلات جوهرية على القانون الجديد المنظم لبناء الكنائس انطلاقًا من أرضية المساواة التامة بين المصريين في الحق في ممارسة شعائرهم الدينية. كما وجهت الدراسة توصية لنواب البرلمان بضرورة المبادرة بإدخال تعديلات جوهرية على القانون الجديد تسقط تمامًا مبدأ التصريح المسبق من قبل الجهات الإدارية بناءً على تقدير “حاجات المنطقة” و“عدد السكان”، وأن تقتصر الشروط المنظمة لبناء الكنائس على المتعارف عليه من شروط في قانون البناء المعمول به حاليًا. وطالبت الحكومة وممثلي الكنائس المصرية بضرورة عمل اللجنة المكلفة بدراسة أوضاع الكنائس القائمة بشفافية تامة وإعلان منهجية عملها وقراراتها تباعًا للرأي العام لضمان حد أدنى من الحوار المجتمعي.