ثانيًا: توفيق أوضاع الكنائس القائمة بدون ترخيص

أدت البيئة التشريعية المقيِّدة لبناء الكنائس إلى وجود أعداد كبيرة من الكنائس القديمة المقامة منذ مئات السنين، ولم يصدر لها قرار من الباب العالي أو قرار ملكي أو جمهوري فيما بعد، وكذلك كنائس أنشئت بموافقات شفوية من أجهزة الأمن، ويصلَّى فيها من عشرات السنين، وذلك بدون أوراق رسمية، يأخذ بعضها الشكل التقليدي للكنائس، والبعض الآخر قاعات أو منازل يصلَّى داخلها بانتظام.

وتضمَّن قانون بناء الكنائس ثلاث مواد تناولت تقنين أوضاع الكنائس والمباني الخدمية وبيوت الخلوة المستخدمة فعليًّا في الصلاة وتقديم الخدمات الدينية إلى المسيحيين، ولكنها مقامة بدون تراخيص رسمية. ونصت على تشكيل لجنة لتوفيق أوضاع الكنائس خلال فترة زمنية وتضمنت عدة شروط لمنح التراخيص.

في 26 يناير 2017، صدر قرار رئيس الوزراء رقم 199 لسنة 2017 بتشكيل لجنة توفيق أوضاع الكنائس المنصوص عليها في القانون. جاء تشكيل اللجنة برئاسة رئيس الوزراء وعشرة أعضاء: ستة من الوزراء هم وزراء الدفاع والإنتاج الحربي، الإسكان والمجتمعات العمرانية، التنمية المحلية، الشئون القانونية ومجلس النواب، العدل، الآثار، كما ضمت اللجنة ثلاثة ممثلين عن المخابرات العامة، الرقابة الإدارية، الأمن الوطني بوزارة الداخلية، بالإضافة إلى ممثل واحد عن الطائفة المعنية.

وأبدت المبادرة المصرية عدة ملاحظات على تشكيل اللجنة، كان من أبرزها:

- جاء تشكيل اللجنة غير عادل وغير ممثل لكل الأطراف ذات الصلة بعملية بناء وترميم الكنائس، فقد سيطرت عليها الجهات الحكومية، خصوصًا الأمنية، بما يثير الشكوك حول اتباع نفس السياسات القديمة بتغليب النظرة الأمنية على عملية اتخاذ القرار فيما يخص بناء الكنائس، لا سيما أن اللجنة ستتخذ قراراتها بالأغلبية، ما يعني أن هناك 10 أصوات للحكومة مقابل صوت واحد للطائفة المعنية. كما لم يحدد القرار ماهية ممثل الطائفة الدينية، وهل كل طائفة سيكون لها ممثل أم ممثل واحد لكل الطوائف المسيحية، وكيفية اختياره، وهل عضويته دائمة أم متغيره حسب الكنيسة أو المنطقة الجغرافية.

- إضفاء طابع السرية على عمل اللجنة، وهو ما ينتهك حق المواطنين في معرفة الأسس الحاكمة لعملية منح أو رفض الترخيص لكنيسة أو مبنى خدمات. هذه الطريقة السريِّة تشير إلى أن تشكيل اللجنة قد صدر لغرض شكلي، بغض النظر عن السعي إلى تحقيق مضمون النص القانوني والهدف منه، كما يفتح الباب للمواءمات والعمل بعيدًا عن القانون، لا سيما في ظل غياب أية معايير حاكمة لعمل اللجنة والمناقشات بداخلها.

- بالرغم من تحديد مدة زمنية لتقديم طلبات توفيق الأوضاع التي تنتهي في 28 سبتمبر 2017 وأنه لا يجوز للجنة نظر الطلبات التي تَرِد بعد هذا التاريخ، فلم يحدد قرار تشكيل اللجنة مدة زمنية للانتهاء من نظر الطلبات والرد عليها، وهو ما يعطي الفرصة للمماطلة وعدم الرد على الطلبات المقدمة بدون إبداء أية أسباب.

- نص قرار تشكيل اللجنة على نفس الشروط الخمسة التي وضعها القانون، والتي يجب توفرها في الطلبات المقدمة لتوفيق أوضاع الكنائس والمباني الدينية، وقد انتقدت المبادرة المصرية هذه الشروط في سياق تعليقها على القانون في وقتها. وخلصت إلى أن هذه الشروط تُخرج مئات الكنائس من إطار توفيق أوضاعها، وهى كنائس قائمة بالفعل.

- لم يحدد قرار تشكيل اللجنة الإجراءات التالية في حال رفض أحد الطلبات المقدمة، وما هي أوجه التظلم، كما لم يتضمن القرار ما جاء في قانون بناء الكنائس نفسه من عدم جواز منع أو وقف ممارسة الشعائر والأنشطة الدينية من الكنائس والمباني الخدمية. وهو ما يفتح الباب للتساؤل حول المباني القديمة التي يرفض طلبها في حال سقوطها أو تهدمها.

انتهت يوم 28 سبتمبر 2017 المدة المحددة للكنائس من مختلف الطوائف لتقديم الطلبات والأوراق والمستندات إلى لجنة توفيق أوضاع الكنائس. ووفقًا للإفادات التي حصل عليها باحثو المبادرة المصرية فإن الكنائس الثلاث الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية تقدموا بنحو 3730 طلب تقنين لكنائس ومباني خدمات قائمة بالفعل.


وقال القمص ميخائيل أنطون نائب رئيس لجنة حصر الكنائس غير المرخصة بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية للمبادرة المصرية9: قمنا بتقديم 2600 كنيسة ومبنى خدمات خاصة بالكنيسة الأرثوذكسية من مختلف محافظات مصر، حيث تلقينا الطلبات والأوراق من الإيبارشيات حتى يوم 28 سبتمبر 2017، الذي تم تحديده لتلقي اللجنة الطلبات والأوراق والمستندات للكنائس غير المرخصة لتقنيين أوضاعها. وقد قامت لجان فرعية مشكلة من اللجنة بمعاينة كنائس في محافظتي الدقهلية والجيزة في بداية شهر سبتمبر الماضي، وعملها قاصر على رفع تقارير للجنة الوزارية بحالة الكنيسة هندسيًّاً، ولا يرافقهم في المعاينة أي مندوب من الكنيسة.


وتابع "تتقابل اللجنة الكنسية باللجنة الوزارية في جلسات رسمية للنقاش، ويعرض خلالها شريحة مختارة من الكنائس من محافظات مختلفة للنظر في أمرها، ولا أظن أن هناك كنائس بحاجة لتوفيق أوضاع لم تتقدم بأوراقها، والكنائس التي تقدمت هي كنائس مفتوحة ويصلي فيها المسيحيين".


وعن موعد البت في أوضاع تلك الكنائس قال: "لا يوجد ميعاد محدد، والقانون واضح ويحمي حق الصلاة في الكنائس، لحين البت فيها حتى لو اتخذ القرار سنوات، وسوف يتم الموافقة على كل الكنائس المتقدمة لتوفيق الأوضاع ﻷن لا سبب يدعو للرفض".


وقال نبيل نجيب سلامة مدير الإعلام والعلاقات العامة بالهيئة القبطية الإنجيلية للمبادرة المصرية10: تم تقديم حوالى 1020 كنيسة ومبنى خدمات، منها 39 مبنى للمؤتمرات والخدمات، وذلك بعد استكمال الأوراق والمستندات المطلوبة، و981 كنيسة من ضمنها 11 كنيسة تابعة للكنيسة الأسقفية. وبعد تقديم الورق والمستندات ننتظر اللجان المشكلة، والتي سيكون بها مندوب من كل طائفة.

وعن الفترة الزمنية المتوقع خلالها صدور موافقات توفيق الأوضاع قال: "خلينا نكون واضحين موضوع البت في الطلبات سيأخذ وقت طويل ربما يصل لسنتين ﻷن عدد الكنائس والمنشآت المسيحية المتقدمة أكثر من 3000 مبنى، والبت فيها عملية كبيرة يعني مش مجرد ورق بيتقدم وخلاص فهيقولوا آه، ﻷن طبعاً كل ده لازم يتعرض على الأمن ويقول كلمته، لكن لحين ما يتم البت في كل ملف فإن الأماكن إللي تقدمت بطلب لتوفيق أوضاعها هتظل مفتوحة بقوة القانون".

وقال جميل حليم المستشار القانوني للكنيسة الكاثوليكية للمبادرة المصرية11: تقدمت الكنيسة الكاثوليكية بأوراق 110 كنيسة ومبنى خدمات من محافظات مصر كلها، منها كنائس قديمة جدًّا وأثرية لم يكن قد صدر لها قرارات مَلَكِية أو جمهورية من قبل، وجميعها يقام بها الشعائر الدينية لسنوات.

في 8 أكتوبر 2017، عقد اللقاء الأول بين ممثلي الكنائس واللجنة المعنية بتقنين الكنائس من قبل مجلس الوزراء، في مقر وزارة الإسكان، وتقرر عقد اجتماع شهريًّا لتقديم باقي المستندات والنظر في طلبات التقنين. واتفق خلال الاجتماع على أن يبدأ عمل اللجنة بمراجعه الملفات والأوراق التي تقدمت بها مختلف الطوائف لتوفيق وتقنيين أوضاع الكنائس غير المرخصة، وإذا كان هناك طلبات تحتاج لاستكمال أو توضيحات سيتم مراجعتها حتى تكون جاهزة للمرحلة القادمة، ثم سيتم تكليف اللجان الهندسية المتخصصة بالنزول إلى أرض الواقع وإعداد تقارير في ضوء التقارير الهندسية المقدمة من قبل في ملفات الكنائس ومباني الخدمات وعلى ضوئها بعد انتهاء اللجان الهندسية من عملها نقوم كلجنة بإعداد تقارير عن موقف الكنائس ليرفع إلى اللجنة العليا المُشكَّلة برئاسة رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل لاتخاذ القرارات فيما يتعلق بتقنيين أوضاع الكنائس وإصدار تراخيص لها.12

  • 9. عدة إفادات تليفونية مع باحثي المبادرة المصرية، آخرها في الأول من أكتوبر 2017.
  • 10. عدة إفادات تليفونية مع باحثي المبادرة المصرية، آخرها في الأول من أكتوبر 2017.
  • 11. عدة إفادات تليفونية مع باحثي المبادرة المصرية، آخرها في الأول من أكتوبر 2017.
  • 12. إفادة من نبيل نجيب سلامة مدير الإعلام والعلاقات العامة بالهيئة القبطية الإنجيلية بتاريخ 20 أكتوبر 2017.