في حين أن جميع الشهادات تؤكد السوء البالغ في المعاملة داخل أقسام الشرطة وتَعَرُّض الأفراد المقبوض عليهم المستمر للضرب والإهانة بل وإهانة ذويهم وأصدقائهم أوقات الزيارة، تتباين تجارب الأفراد داخل النيابة بل وقد تختلف تجربة نفس المجموعة مع النيابة من مرة إلى أخرى خلال مرات العرض المختلفة.


فشهير _الذي كان محبوسًا على ذمة أحد القضايا في 2014_ يقول: إن وكيل النيابة _أثناء أحد مرات عرضهم على النيابة هو ومن معه في القضية_ قام بتعنيف صحفية من موقع اليوم السابع ﻷنها تقوم بتصويرهم بالفيديو. أما سامح فيصف تجربته في النيابة ويقول: "حاولت أن أشرح لوكيل النيابة ما تعرضت له على يد الشرطة من إهانات وتعدٍ جسدي ولكنه كان يتغاضى عما أقول ويقول لي أجب بقدر ما أسألك فقط، وأخبرني في النهاية أنه غير مقتنع بكلامي وقالي: ما تعملش كده تاني".


وكان لفراس، اللاجئ السوري، تجربة قاسية داخل النيابة فيحكي: "وعند وصولي النيابة دخلت إلى رئيس النيابة وكان معه ٥ أشخاص ظلوا يسبوني ونعتوني بـ "يا خول" .. هانت عليَّ نفسي فبكيت فقام واحد منهم وضربني على مؤخرة رأسي وضحك. ثم بعدها دخلت إلى وكيل النيابة المختص بالتحقيق وحكيت له الرواية التي أخبرني بها الضابط تامر – الخاصة بتعرضي للاعتداء الجنسي في الصغر- ، ظنًّا مني أنها حيلة لخروجي، وعندما طلب وكيل النيابة مني التوقيع على أقوالي أحسست أنه تم خداعي مرة ثانية وأني بوَقَّع نفسي في خطر، فرفضت وطلبت أن يحضر معي محامٍ وبما أني طالب لجوء فمن حقي التواصل مع المفوضية فمن مهامها حمايتي، في البداية رفض واهتاج وشتمني، وعندما أصررت على طلبي وعدني أني إذا وقَّعت على المحضر فسوف يسمح لي بالاتصال بأحد معارفي، وﻷني لا أحفظ أرقامًا طلبت منه إحضار تليفوني ﻷخذ رقم منه، وقمت بالاتصال بأحد أصدقائي وهو موظف بأحد المؤسسات الدولية للهجرة وهو من قام بإبلاغ اصدقائي بما حدث".

بجانب ذلك يؤكد المحامون الذين تمت مقابلتهم أن أعضاء النيابة العامة بمختلف درجاتهم الوظيفية في كثير من الأحيان يكونون غير محايدين إزاء هذه القضايا. يحكي أحد محاميي قضية باب البحر – في مقابلة معه في مايو 2017 - أنه واجه تعنتا عندما توجه إلى النيابة لتصوير ملف القضية حيث قال لرئيس النيابة: "أنا المحامي () محامي المتهمين () و () و() فقال له رئيس النيابة: "إنت محامي الخولات يعني"، فرد عليه المحامي: "أظن أن هذه القضايا تسمى في القانون قضايا فجور إن لم يتغير القانون بحسب علمي ولا أعلم حقًّا كيف تحقق النيابة في هذه القضية إن كان هذا موقفها المسبق تجاه المتهمين".


ويحكي محامٍ حقوقي آخر – في مقابلة معه في يونيو 2017- أنه أثناء توجهه إلى نيابة العجوزة للسؤال عن أفراد مقبوض عليهم على ذمة قضايا فجور "لم يُعنَ وكلاء النيابة بالرد على سؤالي نظرًا إلى طبيعة القضية التي أسأل عنها وطلبوا من سكرتير الجلسة الإجابة على أسئلتي، فاصطحبني سكرتير الجلسة من يدي وتوجه بي نحو سلم النيابة وأشار إلى 16 فتاة كنَّ مُكوَّمات على السلم إلى حين عرضهن على النيابة، وكانت ليلة رأس السنة، وكن يرتدين ملابس يسيرة ومحبوسات على ذمة قضية دعارة، قال لي سكرتير الجلسة: "عندك كل الستات دي، ممكن تترافع عن أي واحدة فيهم ببلاش وتعمل النمرة بتاعتك وبعد كده البنت دي هتبقى تبعك، ولَّا إنتوا ليكم مزاج في الخولات؟!".

هذا العداء المسبق تجاه المثليين ومتغيري الجنس أو من يُعتقد أنهم مثليون من جانب النيابة يؤكده محامٍ حقوقي آخر – تمت مقابلته في مايو 2017- : إنه أثناء توجهه إلى النيابة لحضور تحقيق مع بعض متهمي اعتياد الفجور قال له وكيل النيابة: "إنت عارف إنت جاي تدافع عن مين؟!".هذه المواقف من النيابة تعكس _وفقا للمحامين الذين تمت مقابلتهم_ عدم حياد النيابة تجاه المتهمين في هذه القضايا وكذلك عدم اعترافهم بحق الأفراد المقبوض عليهم في الدفاع وفي حضور محامٍ معهم أثناء تحقيقات النيابة.

لا يقف الأمر عند عدم ضمان حيادية النيابة في التحقيق في مثل هذه القضايا بل يمتد إلى النواحي الإجرائية وسنتعرض في الأجزاء القادمة إلى نوعية الاتهامات التي توجهها النيابة إلى المقبوض عليهم في مثل هذه القضايا وكذلك إحالات المتهمين للطب الشرعي لإجراء كشوف الشرج الإجبارية ودور الطب الشرعي، وبعد ذلك نناقش سرعة إحالة هذه القضايا إلى المحاكم وما يتضمنه ذلك من تهديدٍ لحقوق المتهمين في المحاكمة العادلة.


الاتهامات التي توجهها النيابة:

من خلال ملفات القضايا التي حصلت المبادرة المصرية على نسخة منها، نجد أن الاتهامات الأكثر شيوعًا في هذه القضايا هي اتهام اعتياد ممارسة الفجور المجرَّم في الفقرة ج من المادة 9 لقانون 10 لسنة 1961 الخاص بتجريم الدعارة والفجور، ومن بين ملفات 23 قضية من الفترة من 2013 إلى 2017 جاءت تهمة اعتياد ممارسة الفجور ثابتة في جميع القضايا حتى في القضية الخاصة بالقبض على رجل يرتدي ملابس النساء في الشارع، تليها في الشيوع تهمة الإعلان عن طريق الإنترنت عن مواد تغري بالفجور وتتضمن الدعوة إليه والمجرَّمة في المادة 8 من نفس القانون السابق الإشارة إليه، وجاءت تهمة الإعلان في 14 قضية من الـ23، وتم توجيه الاتهام بإدارة مسكن/ محل/ منزل للفجور المجرَّمة في المادة 8 في 8 قضايا، وكذلك تهمة التحريض على الفجور تم توجيهها في 8 قضايا، وتسهيل ممارسة الفجور المجرم في المادة 11 تم توجيه الاتهام به ثلاث مرات. ذلك بالإضافة إلى اتهامات أخرى وردت في قضية واحدة أو اثنتين على الأكثر منها تعاطي مخدرات، عدم حمل بطاقة، إساءة استخدام أحد وسائل الاتصال، النشر بقصد التوزيع مواد خادشة للحياء العام، ارتكاب فعل فاضح في مكان عام.

لاحظ باحثو المبادرة والمحامون الحقوقيون الذين تمت مقابلتهم أن الطريقة التي تصيغ بها النيابة الاتهامات في بعض قضايا الفجور تجعل من السهل معاقبة الأفراد بأكثر من عقوبة على نفس الفعل، فعلى الرغم من تأكيد المحكمة الدستورية العليا1 على أنه لا يجوز معاقبة الشخص بأكثر من عقوبة على نفس الفعل وذلك لأن "الجريمة الواحدة لا تزر وزريين"، وفقًا لتعبير المحكمة، إلا أن تعدد الاتهامات التي توجهها النيابة إلى المقبوض عليهم على خلفية قضايا متعلقة باعتياد ممارسة الفجور يجعل من السهولة بمكانٍ معاقبة الأفراد على نفس الفعل بأكثر من عقوبة، وهذا ما يفسر أحكام السجن الطويلة التي ينالها بعض المتهمين في هذه القضايا.

وقد تم توثيق هذا التعدد في الاتهام على الأقل في ثلاث قضايا، أولها في قضية حمَّام باب البحر، إذ جاء ضمن الاتهامات اعتياد ممارسة الفجور وكذلك ارتكاب فعل فاضح علني مخل بالحياء ما دفع بمحامي المتهمين _في مذكرة دفاعه عنهم_ بطلب استبعاد اتهامهم بالفعل الفاضح تطبيقًا للمادة 32 من قانون العقوبات.

وجاء في مذكرة الدفاع: "وحيث كان ذات السلوك المجرَّم المنسوب للمتهمين هو ممارسة الفجور على حد ما سطر بمذكرة مأمور الضبط، فقد وصفته النيابة العامة تارة كونه اعتياد ممارسة الفجور كما جاء في البند الأول، وتارة أخرى نجدها تصفه فعلًا فاضحًا علنيًّا مخلًّا بالحياء كما جاء بالبند الثاني، ولكل منهما نص تجريمي، فإننا نجد أنفسنا أمام اجتماع نصوص تجريم إزاء فعل واحد (الفعل الذي حدده مأمور الضبط بممارسة الفجور) فالفعل نفسه قد أفردت له النيابة العامة وصفين لجريمتين مختلفتين وهو ما يعرف بالتعدد المعنوي أو الصوري".2

كما شهدنا نفس النمط من تعدد الاتهامات في القضية المعروفة إعلاميًّا بزواج الشواذ، إذ أحيل المتهمون إلى محكمة الجنح بتهم:

- صنعوا ونشروا بقصد التوزيع فيديو على شبكة الإنترنت يتضمن مواد خادشة للحياء العام على النحو المبين بالتحقيقات.

- اعتادوا ممارسة الفجور على النحو المبين بالتحقيقات.

- أعلنوا بطريقة _نشر فيديو على شبكة الإنترنت يحتوي على مواد خادشة للحياء العام_ عن دعوة تتضمن الفجور والدعوة إليه ولفت الأنظار إلى ذلك على النحو المبين بالتحقيقات.

أما المتهمون من الأول إلى الثالث:

- حرضوا وسهلوا للمتهمين من الرابع حتى الثامن على ارتكاب الفجور على النحو المبين بالتحقيقات.

إذ جاءت تهمة نشر الفيديو على يوتيوب مرة في شكل اتهام: "نشر فيديو يتضمن مواد خادشة للحياء" ومرة ثانية في شكل "الإعلان عن دعوة تتضمن الفجور والدعوة إليه".

وفي حكم لمحكمة جنح العجوزة في إبريل 2016 وصلت فيه أحكام السجن إلى 12 عامًا، أدانت المبادرة المصرية تعدد الاتهامات على نفس الفعل،3 فقد وجهت النيابة اتهامات بالإعلان _من خلال شبكة الإنترنت_ عن مواد تتضمن الدعوة إلى الفجور وكذلك إساءة استخدام أحد وسائل الاتصال (الإنترنت)، ما يخالف القاعدة القانونية بالمادة 32 من قانون العقوبات الخاصة بالمعاقبة على نفس الفعل بأكثر من عقوبة،4 كما أن هذه الطريقة في كيل الاتهامات بالجملة تؤكد شهادة المحامين من ترصُّد بعض وكلاء النيابة المتهمين في هذه القضايا والرغبة في عقابهم على ميولهم وممارستهم الجنسية حتى لو تم ذلك بمخالفة القواعد القانونية الخاصة بتوجيه الاتهامات.


الطب الشرعي:

في كثير من قضايا اعتياد ممارسة الفجور تقوم النيابة بإحالة الأشخاص المقبوض عليهم إلى مصلحة الطب الشرعي لإجراء فحوصات إجبارية على منطقة الشرج والعانة لإثبات أن الماثلين لهذه الفحوصات "مستخدمين" من عدمه. وخلال هذه الفحوص يتم إجبار الأفراد على الكشف عن مناطق مؤخراتهم أمام أطباء شرعيين ينتهكون سلامة أجسادهم بدعوى أن هذه الفحوص الزائفة تكشف ممارسة الأفراد للجنس الشرجي.


هذه الفحوصات الطبية الإجبارية ليس لها أي أساس علمي على الإطلاق، وهي مبنية على علم زائف مضلل، إذ تفيد الدراسات أن هذه الفحوص تستند إلى كتاب لطبيب شرعي فرنسي يدعى أوجست أمبروز تاردييه نشر في منتصف القرن التاسع عشر عنوانه: "دراسة طبية شرعية للانتهاكات الأخلاقية" وفيها جزء مخصص للتحقيق فيما أسماه: "جرائم اللواط" وأشار تاردييه إلى 6 علامات يستدل من خلالها على اللواطيين: 1- النمو الزائد للأرداف. 2- تشوه الشرج بحيث يأخذ شكل القمع. 3- ارتخاء العضلة القابضة للشرج. 4- زوال الانثناءات والتعريجات والزوائد اللحمية حول محيط الشرج. 5- الاتساع الشديد لفتحة الشرج. 6- وجود القروحات والبواسير والنواسير.

تؤكد ملفات القضايا التي شملها هذا التقرير الاعتماد على الأسس غير العلمية لنظرية تاردييه، كما تؤكد من ناحية أخرى أن هذه الفحوصات غير معنية إلا بفحص شرج الأشخاص المقبوض عليهم وبالتالي فالشغل الشاغل لمصلحة الطب الشرعي في القضايا التي تعرف باعتياد ممارسة الفجور هي لبيان ما إذا كان الشخص فقط يُمارَس معه الجنس الشرجي، فالمدان هنا هو من يشار إليه في أوساط الشرطة والنيابة بلعب الدور السالب في العملية الجنسية.

عندما تقوم النيابة بإحالة المتهمين إلى الطب الشرعي يقوم الأطباء بإجراء الفحص المشار إليه ويقومون بكتابة تقريرهم المبني على صيغ ثابتة، فالصفحة الأولى من التقرير كما هو مبين في الصورة أدناه، يذكر فيها أن الطب الشرعي يعيد أوراق القضية إلى النيابة مرفقًا معها تقرير الطب الشرعي لبيان ما إذا كان أيٌّ ممن يتم فحصهم "مستخدم من دبر في وقتٍ حديثٍ من عدمه" بحسب لغة التقرير. وبعد ذلك تأتي ديباجة يذكر فيها رقم القضية وأسامي المتهمين وتاريخ الحضور إلى الطب الشرعي وأخذ البصمات والسؤال عن العمر.

وفيما يلي نماذج من بعض تقارير الطب الشرعي للمتهمين في قضايا اعتياد ممارسة الفجور:


"وبفحصه موضعيًّا من دبر وجدنا فتحة الشرج بشكل ووضع طبيعي، والجلد حولها تعرجاته متواجدة وخالي من الإصابات، والانعكاس الشرجي سليم، وبالجذب الهين على الإليتين وجدنا العضلة العاصرة الشرجية متماسكة وطبيعية".


"وبفحص المذكور موضعيًّا من دبر تبينا الانعكاس العصبي الشرجي موجود وبحالة متزايدة وتبينا وجود كدم حلقي بنفسجي حول فتحة الشرج كما تبينا وجود جرح حوافه شبه مدممة مقابل الساعة 5 على قرص الساعة بفتحة الشرج ولا يصل إلى القناة الشرجية بطول حوالي 1 سم… ما يشير إلى إتيانه لواطًا بإيلاجٍ في زمن حديث وتبينا خلو منطقة الشرج من المظاهر أو العلامات التي تدل على تكرار استعماله لواطًا من الخلف بإيلاج...

الاستنتاج: بفحصه موضعيًّا من دبر تبينا خلو منطقة الشرج من المظاهر أو العلامات التي تدل على إتيانهن من الخلف لواطًا بإيلاج في زمن قديم أو حديث وكذا خلوهم من المظاهر والعلامات التي تدل على تكرار استعمالهم من الخلف لواطًا بإيلاج...

هذا ومن المعروف أنه يمكن إتيان شخص بالغ وذلك بالحرص الشديد والرضا بين الطرفين واستخدام المزلجات".

ومن بين جميع القضايا التي حصلت المبادرة المصرية على نسخة منها لم نجد سوى حالة واحدة أشار فيها تقرير الطب الشرعي إلى أن شخصًا ما "متكرر الاستعمال" وذلك في قضية اعتياد ممارسة الفجور تم خلالها القبض على شخصية عامة سنة 2015 وجاء في تقرير ذلك الشخص. يقول التقرير:

"وبمناظرة المتهم الثاني ويدعى () وجدناه يبلغ من العمر حوالي () عامًا وبتوقيع الكشف الطبي الشرعي على المنطقة الشرجية وجدنا فتحة الشرج قمعية الشكل عميقة الوضع وبها تمزقات واصلة للغشاء المخاطي للقناة الشرجية ومثلثية الشكل قواعدها إلى الخارج ورأسها إلى الداخل وهي تمزقات ملتئمة وعند الجذب الهين على جانبي الإليتين تتسع فتحة الشرج بقطر حوالي 3 سم ويظهر من خلالها القناة الشرجية فاقدة لتعاريجها ووجدنا الانعكاس الشرجي العصبي ضعيف ومن غير المجدي فنيًّا أخذ مسحة شرجية وذلك لنفس السبب المذكور سابقًا.

مما سبق وتقدم نقرر

…….

أما المتهم الثاني () فإن المظاهر الموصوفة بالكشف الطبي الشرعي تشير إلى أنه متكرر الاستعمال من الخلف لواطًا بإيلاج ولا يوجد ما يمنع جواز حدوث لمواقعات في تاريخ () حسبما جاء في مذكرة النيابة".

ورصدت المبادرة المصرية في أحد القضايا قيام قاضٍ في نهاية 2015 بإحالة المتهمين إلى الطب الشرعي ليس فقط لإجراء الكشوف الشرجية لبيان وقوع الجنس الشرجي من عدمه لكنه طلب أيضًا فحص بعض المتهمين في القضية "لبيان إذا كان أيًّا من المتهمين قد تعاطى ثمة عقاقير طبية ساعدته على تغيير ملامح جسده وذكورته وبيان تحديد أسماء هؤلاء المتهمين إن وجدوا للخبير المنتدب". وفي التقرير الخاص بهؤلاء الأفراد جاء على لسان الطبيب الذي قام بالفحص "وبفحص عموم جسده لم نتبين بالمذكور أي أثر لاضطراب أو خلل هرموني أو مظاهر خاصة. هذا وقد تبينا الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل وحجم البلوغ وبمظهر وبتوزيع ذكوري".6

وكما هو الحال في نتائج الفحص الشرجي التي يذيل بها الأطباء الشرعيون تقاريرهم أنه يمكن للأفراد ممارسة الجنس الشرجي دون أن تظهر علامات هذه الممارسة على فتحات شرجهم، فالأطباء الشرعيون أيضًا في حالات الاختبارات الهرمونية قد ذيلوا تقريرهم بالتالي:


"انتفى الداعي لفحص المذكورين لبيان تعاطيهم مواد أو عقاقير من شأنها أن تغير الملامح الجسدية نظرًا إلى عدم وجود مظاهر خاصة بهم أو مظاهر خلل أو اضطراب هرموني ولطول المدة بين واقعة الضبط وكشفنا على المذكورين، الأمر من شأنه أن يؤدي إلى اختفاء تلك المواد أو العقاقير من دم المذكورين لتحللها إذا ثبت تعاطيها. وبناءً عليه لا يوجد لدينا فنيًّا ما يمكن الاستناد إليه للقول بصحة حدوث ذلك والعود في ذلك إلى أقوال الشهود والتحريات".

إلا أن أوراق نفس القضية تفيد بخضوع المقبوض عليهم في وقت سابق لاختبارات دم لقياس نسبة الهرمونات. ويقول التقرير السابق"حضر المتهمون التالي أسماؤهم إلى الإدارة المركزية للمعامل الطبية الشرعية وتم سحب عينات من الدماء لتحديد نسبة هرموني الـ FSH والـ LH في الدم". وبعد أن يقوم التقرير ببيان نسب هذه الهرمونات في الدم يذيل بأن "نسبة الهرمونات بالدم طبيعية وتلغي عن أي متهم تعاطي عقاقير طبية تساعد على تغيير ملامح أجسادهم أو ذكورتهم في الوقت الحالي".

وفي قضية اعتياد ممارسة فجور أخرى لسنة 2015 رصدت المبادرة أن النيابة العامة أحالت متهمين إلى الطب الشرعي بخمس طلبات: 1- توقيع الكشف الطبي لبيان اعتياد ممارسة الفجور بسابق إتيانهم من الخلف وإذا كانا متكرري الاستعمال وآثار ومظاهر ذلك عليهما... إلخ. 2- إجراء مسح لموضع الدبر لكلا المتهمين لبيان مدى احتوائهما على أية آثار لسوائل منوية ومدى تطابقها مع السائل المنوي لأيٍّ منهما. 3- فحص محتوى الأحراز لبيان احتوائها على أي سوائل منوية ومدى تطابقها مع السوائل المنوية لأيٍّ من المتهمين. 4- فحص الحرز وبيان كيفية استخدامها في الممارسات الجنسية. 5- أخذ عينة بول ودم للمتهمين لإخضاعهما للتحليل المعملي لبيان مدى احتوائهما على آثار يستدل منها على إيجابية تعاطيهما لأية مواد مخدرة أو منومة أو مسكرة او أية مؤثرات عقلية من عدمه وفي حال الإيجابية تبين طبيعة وكنه تلك المواد.

وفي نفس القضية هناك إحالة إلى أحد المستشفيات التعليمية لإجراء تحاليل لمعرفة إذا كان المتهمون مصابين بأمراض الاتصال الجنسي وإجراءات العلاج اللازم وإمكانية نقل العدوى إلى الآخرين وتحديد الطرق اللازمة للوقاية منها.

هذا الدور المتزايد للقطاع الطبي وللطب الشرعي تحديدًا في قضايا اعتياد ممارسة الفجور يعد مؤشرًا مثيرًا للقلق على تورط المنظومة الطبية في انتهاكات بمثل هذه الفداحة، فكشوف الشرج الإجبارية هي الآن وفقًا للجنة الأمم المتحدة الخاصة تعد ضربًا من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة والتي قد ترقى لمرتبة التعذيب وبالتالي فقيام الأطباء بها يعدُّ مخالفة صريحة للدستور الذي يكفل للأفراد حقهم في الكرامة كما أنها تمثل مخالفة لقسم الأطباء الذي يتعهد فيه الطبيب بأن يحفظ للناس كرامتهم وللمادة 35 من لائحة آداب المهنة، وكذلك المادة 28 التي تفرض على الأطباء عدم إجراء أي فحص طبي للأفراد دون موافقة مبنية على معرفة.7


تنص المادة 35 من لائحة آداب المهنة الخاصة بالأطباء:

"على الطبيب المكلف بالرعاية الطبية للمقيدة حريتهم أن يوفر لهم رعاية صحية من نفس النوعية والمستوى المتاحين لغير المقيدة حريتهم. ويحظر عليه القيام بطريقة إيجابية أو سلبية بأية أفعال تشكل مشاركة فى عمليات التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو التواطؤ أو التحريض على هذه الأفعال، وكذلك يحظر عليه استخدام معلوماته ومهاراته المهنية للمساعدة فى استجواب المقيدة حريتهم على نحوٍ يضر بالصحة أو الحالة البدنية أو العقلية لهم، أو المشاركة فى أي إجراء لتقييد حركة المقيد حريتهم إلا إذا تقرر ذلك وفقًاً لمعايير طبية محضة لحماية الصحة البدنية أو العقلية للمقيدة حريته".8

الأمر الأكثر إثارة للقلق بجانب زيف الأسس العلمية التي بنيت عليها هذه الفحوصات الشرجية وكل أشكال الانتهاك التي تمثلها هو تأكد القائمين عليها من عدم جدواها كدليل على أي ادِّعاء، فجميع تقارير الطب الشرعي تنتهي بهذه الجملة: "هذا ومن المعروف أنه يمكن إتيان شخص بالغ وذلك بالحرص الشديد والرضا بين الطرفين واستخدام المزلجات". وهو ما لا يدع مجالًا للشك أن استمرار مثل هذه الإجراءات يعد جزءًا من عقاب الأشخاص المتهمين في هذه القضايا.

ويفيد تقرير حديث لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" أن هذه الفحوص يتم تطبيقها في دولتين عربيتين أخريين بجانب مصر وهما تونس ولبنان9، إلا أن الوضع في لبنان وتونس يختلف عن مصر، أولًا من حيث ضعف الهجمة الأمنية على المثليين في البلدين مقارنة بما يحدث في مصر، وثانيًا من حيث الحراك المضاد وموقف نقابة الأطباء في تونس ولبنان من هذه الانتهاكات التي تتم باسم المعرفة الطبية. ففي لبنان دشنت مجموعة من النشطاء حملة "فحوص العار" لإدانة الدولة لقيامها بهذه الفحوص المهينة. وأسفرت الحملة عن تطورين مهمين، أولهما قيام نقابة الأطباء _من خلال مذكرة رسمية_ بحظر إجراء هذه الفحوصات10، كما قامت وزارة العدل بتبني موقف النقابة وحظرت هذه الممارسات. أمَّا في تونس، وفي يونيو من العام الماضي، أوصت لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة _في ملاحظاتها الختامية بشأن التقرير الدوري الثالث لتونس عن مدى التزام تونس باتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة_ بضرورة حظر مثل هذه الفحوص مؤكدة أنه لا مبرر طبيًّا لها. وأوضحت اللجنة أنه، نظريًّا، يمكن للأشخاص الذين يتعرضون لهذه الفحوص أن يرفضوا الخضوع لها، إلا أنها أعربت عن قلقها من خضوع الكثيرين للفحوص تحت تهديد الشرطة وبذريعة أن رفض الخضوع لهذه الفحوص قد يفسر على أنه ثبوت للتهمة. وقالت اللجنة في ملاحظاتها أنه لا يمكن لمن يخضعون لهذه الفحوص الموافقة عليها موافقة حرة مستنيرة، كما وصفت اللجنة هذه الفحوص بأنها تدخل في شئون الآخرين وأوصت بضرورة إلغاء الفصل الذي يجرِّم العلاقات الرضائية بين البالغين من نفس الجنس في قانون العقوبات التونسي.11

ومن خلال الشهادات الميدانية التي جمعتها المبادرة المصرية، يتأكد لنا أن جزءًا لا يتجزأ من هذه الفحوصات الإجبارية التي تتم دون موافقة الخاضعين لها تحدث في الأساس بغرض الإذلال والإهانة، ويأتي ذلك ليس فقط من خلال الفحص نفسه ولكن أيضًا من خلال معاملة أفراد الشرطة المسئولين عن اصطحاب المتهمين للأطباء الشرعيين، إذ في العادة يتم اقتياد الأفراد فيما يشبه مواكب فضائحية في الشارع يتعمد فيها أمناء الشرطة والعساكر المصاحبين ذكر التهم التي تعد مجتمعيًّا مخلة بالشرف لكل من يسأل عن أسباب تقييد الأشخاص في الشارع، وهذه الطريقة المهينة والمذلة في التعامل تم توثيقها من خلال شهادات مختلفة على مدار الأعوام الماضية.

على سبيل المثال، يقول (ع) الذي تم حبسه على ذمة قضية ممارسة اعتياد فجور قضية نوفمبر 2013- في مقابلة معه في فبراير 2014-:


"يوم 6 نوفمبر بعد الظهر رحنا الطب الشرعي في رمسيس، لم يقبل الأمناء إيقاف السيارة أمام مقر الطب الشرعي وأوقفوها على مسافة بعيدة ومشونا في الشارع، ولمَّا كان حد بيسأل كانوا بيقولوا دول خولات وضبطناهم وهمه نايمين مع بعض. لما طلعنا الطب الشرعي كان فيه ضباط إنهالوا علينا بالضرب والشتيمة وكانوا بيقولوا لنا إننا زبالة، ودلقوا علينا مية، فضلوا يشتمونا لحد لما الدكاترة جم. كشفوا علينا ولما سألت الدكتور هتكتب إيه في التقرير قال لي إنه مش مصرح ليه يقول. كتبوا تقرير مبدئي ورجعونا النيابة تاني، النيابة طلبت تحاليل طبية. وودونا بعدها معسكر أمن مركزي 6 أكتوبر نمنا هناك في أوضة جوة حجز وصحينا يوم 7. فضلنا في معسكر الأمن المركزي لحد وقت متأخر بعدين ودُّونا نعمل تحاليل وخدوا مننا عينات دم وبول عشان تحاليل الإيدز والتهاب الكبد الوبائي والمخدرات، ودونا النيابة وأخدنا تجديد 15 يوم".

ويحكي ربيع _أحد متهمي باب البحر_ تجربته مع الطب الشرعي قائلا: "أخدونا مشي من الأزبكية للطب الشرعي في رمسيس ماشيين مكلبشين كل 7 أنفار ببعض، وكنا حافيين، كل ما حد يسألهم مين دول وعملوا إيه يقولوا لهم دول شواذ بتوع حمام باب البحر… رجعونا بنفس الطريقة ورفضوا يلبسونا شباشب، كانت مسافة طويلة، فات 7 أيام على الطب الشرعي والضابط جه قال لنا: إنتوا كلكم مستخدمين وياريت إللي بيعمل حاجة يقول لنا وإحنا هنطلعه".

أما شهير الذي قبض عليه في 2014 فيقول: "توجهنا إلى الطب الشرعي وكنا 4 أشخاص، كل اثنين كشف عليهم طبيب، أول ما دخلت عالدكتور قال لي: إيه الكلام إللي أنا سامعه عنكم ده؟ قلت له: كلام إيه؟ قال: إنهم مسكوكم وإنتوا بتنيكو بعض، فقلت له: إحنا كنا لسه مأجرين الشقة نفس اليوم إللي قبضوا علينا فيه، قال لي: هيبان، إدخل إقلع ونام وإسجد وإحضن الكرسي. كان بيطلب كده عشان خرم المؤخرة يبقى باين وهوه يحدد".


سرعة الإحالة في قضايا الفجور:

تشير دورة حياة قضايا الفجور منذ بداية الإيقاع بالمتهمين إلى لحظة حكم الاستئناف إلى سرعة استثنائية خاصة بهذا النوع من القضايا، فمتوسط المدة الزمنية من لحظة القبض حتى صدور الحكم تتراوح من شهر إلى شهرين.

يقول علاء فاروق المحامي بالمبادرة المصرية والذي ترافع في عددٍ من هذه القضايا: "في بعض الأوقات تقوم النيابة بإحالة القضية سريعًا إلى محكمة غير مختصة إذا كان موعد المحكمة المختصة بهذه الجنحة أمامه قرابة الأسبوع". وتعليله لهذه العجلة أن النيابة بهذا الشكل تجعل موضوع الحبس الاحتياطي للأفراد المقبوض عليهم مسئولية المحكمة، إذ لا يصبح من الممكن للمحامين الاستئناف على قرار النيابة بحبس المتهمين على ذمة القضية".12

سرعة الإحالة من ناحية أخرى تجعل من الصعب على المحامين أن يطعنوا على أي إجراءات يرونها غير عادلة أو حتى قانونية، فالطعن على إجراء فحوص الشرج الإجبارية يقتضي أن يكون المحامي حاضرًا عند طلب النيابة إجراء هذه الفحوص. في هذا الشأن يقول أحمد حسام المحامي: "في جميع قضايا الفجور التي ترافعت فيها، لم يتسن لي في أي مرة حضور تحقيق النيابة نظرًا لسرعة سير هذه القضايا، فما إن يتم القبض على الشخص حتى يعرض على النيابة في اليوم التالي ويكون القرار بالتجديد 4 أيام وخلال هذه الأيام تتم إحالة القضية. في أحد القضايا التي تدخلت فيها تم القبض على الشخص في الأول من يونيو 2016 وفي ذات اليوم حققت معه النيابة العامة وجاءت أول جلسة لمحاكمته في الخامس من يونيو حيث قضت محكمة الجنح بحبسه سنتين وتحددت جلسة الاستئناف يوم 12 يونيو وفيها تم تخفيض الحكم لستة أشهر، يمكنك الملاحظة أنه خلال أقل من أسبوعين تم القبض على شخص والتحقيق وإصدار حكم أول درجة ضده بل وكذلك حكم الاستئناف، كل هذا خلال اثني عشر يوما".

سرعة الإحالة إلى المحكمة في هذه القضايا تشكل كما يتضح تهديدًا لحقوق الأفراد المقبوض عليهم في المحاكمة العادلة وأهمها الحق في الطعن على مشروعية الاحتجاز، والحق في الاستعانة بمحامٍ في مرحلة ما قبل المحاكمة، والحق في مساحة زمنية وتسهيلات تكفي لإعداد الدفاع والحق في عدم الإكراه على الاعتراف.

المراجع:

1http://hrlibrary.umn.edu/arabic/Egypt-SCC-SC/Egypt-SCC-49-Y17.html

الدعوى 49 لسنة 17 قضائية – المحكمة الدستورية العليا- مبادئ الحكم

2مذكرة دفاع أول درجة - قضية حمَّام باب البحر- بقلم المحامين: أحمد حسام، محمد خضر، محمد بكير، إسلام خليفة

3بيان المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: أحكام الحبس في قضايا الفجور صادمة وتعاقب الأفراد بأكثر من عقوبة على نفس الفعل- 30 إبريل 2016

4المادة 32 من قانون العقوبات‬ "إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها".

5تقرير في زمن التعذي: إهدار العدالة في الحملة المصرية ضد السلوك المثلي، هيومان رايتس ووتش، 2003، سكوت لونج ص 159.

619296 جنح العجوزة لسنة 2014، الحكم سنة 2015.

7لائحة آداب المهنة الصادرة بقرار وزير الصحة والسكان رقم 238 لسنة 2003.

8لائحة آداب المهنة الصادرة بقرار وزير الصحة والسكان رقم 238 لسنة 2003.

9تقرير: الدوس على الكرامة: الفحوص الفسرية في مقاضاة المثلية الجنسية، هيومان رايتس ووتش، 2016.

10الفحوصات الشرجية في لبنان، الجمعية الطبية اللبنانية للصحة الجنسية.

11http://tbinternet.ohchr.org/_layouts/treatybodyexternal/Download.aspx?sy...

12مقابلة مع علاء فاروق بمقر المبادرة المصرية – مايو 2017.