على النيابة العامة توجيه تهمة القتل للضباط المسئولين عن مصرع محتجزي سجن أبو زعبل - المبادرة المصرية تطلب تشكيل لجنة خماسية مستقلة لإعادة تشريح الجثث

بيان صحفي

21 أغسطس 2013

طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية النيابة العامة بتوجيه تهمة القتل لضباط الشرطة والسجن المسئولين عن وفاة 37 من المحتجزين في واقعة سجن أبو زعبل شمال القاهرة، وتشكيل لجنة خماسية مستقلة من خبراء الطب الشرعي لإعادة تشريح الجثث والوقوف على أسباب الوفاة الحقيقية بعد تضارب روايات وزارة الداخلية عن الواقعة وفي ظل الشكوك التي تحيط بظروف وفاة المحبوسين احتياطيا أثناء عملية ترحيلهم للسجن يوم الأحد 18 أغسطس.

وقال كريم عنارة، الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية: "رغم تضارب الروايات الرسمية بشأن سبب مقتل 37 متهما وهم في حوزة الشرطة، إلا أن الرواية المرجحة الآن هي أن الضباط المسئولين عن ترحيلهم قاموا بإلقاء قنبلة غاز داخل سيارة الترحيلات الضيقة التي تعاني أصلا من الاكتظاظ وسوء التهوية، وهو ما يجعلنا أمام جريمة قتل أسفرت عن هذا العدد الكبير من الضحايا تستوجب إنزال العقاب بالمسئولين عنها."

وكان 37 من المحبوسين احتياطيا على ذمة التحقيقات في قضية فض اعتصام رابعة العدوية قد لقوا مصرعهم داخل سيارة الترحيلات. وقد صدر عن وزارة الداخلية أكثر من رواية عن الأحداث، إحداها أن المحبوسين احتياطيا حاولوا الهرب وقاموا باختطاف ضابط داخل سيارة الترحيلات مما اضطر قوات الشرطة لإلقاء قنبلة غاز داخلها وهو ما تسبب في مقتل جميع المرحلين. وفي رواية سابقة قالت وزارة الداخلية إن السيارة تعرضت لهجوم من مسلحين في الطريق وإطلاق رصاص على الضباط المرافقين وهو ما اضطر قوات الشرطة للتعامل بالغاز. في حين قال وزير الداخلية في تصريح تلفزيوني إن عددا من المضبوطين قاموا بإحداث شغب داخل فناء سجن أبو زعبل في نفس الوقت التي كانت سيارة الترحيلات تقوم بإنزال اخر دفعة من المحبوسين احتياطيا فيه وحاولوا اختطاف ضابط فقامت قوات الحراسة بتحريره واطلاق قنبلة غاز قتلت 37 قبل أن ينجحوا في اسعافهم.

وبالأمس نقلت صحيفة الوطن رواية أحد شهود الواقعة، وهو ضابط شرطة برتبة رائد كان مكلفا مع آخرين بتأمين نقل 612 سجينا إلى سجن أبو زعبل. وقال الضابط الذي رفض نشر اسمه إن مأمورية نقل المساجين بدأت في حوالى السابعة من صباح الأحد ووصلت السيارات جميعا وعددها خمسة إلى سجن أبو زعبل في الثامنة والنصف صباحا، وأن المأمورية فوجئت بأن مأمور سجن أبو زعبل رفض استقبال ودخول السيارات بزعم أنه لا مكان لديه لاستقبالهم. وأضاف الضابط أن الوضع استمر حتى الحادية عشرة صباحا وحدثت حالة من الهرج داخل إحدى سيارات الترحيلات بسبب ضيق مساحة السيارة وارتفاع درجات الحرارة مع وقت الظهيرة، وتوجه أحد الضباط برتبة ملازم إلى السيارة وفتح الباب فاحتجزه المسجونون بداخلها مطالبين بخروجهم. وبعدها توجه أحد ضباط العمليات الخاصة إلى السيارة وفتح بابها وقام برش مادة معينة تستخدم في الدفاع عن النفس وتمكن من إخراج الضابط. واختتم الضابط شهادته بأن المسجونين في السيارة لم يتوقفوا عن إثارة الضجيج داخل السيارة قائلا:

"وحدثت الكارثة عندما اقترح أحد الضباط - وهو برتبة مقدم أو عقيد- أن تطلق قنبلة غاز داخل السيارة للسيطرة، ولم يفكر لحظة في أن الأمر يمكن أن يؤدى إلى مصرعهم لضيق السيارة والزحام بها وقلة التهوية."

وقد صرح وزير الداخلية في اليوم التالي بأن الطب الشرعي أثبت أن سبب الوفاة هو الاختناق، وهو ما يثير الشكوك حيث أن تشريح الجثث تم بسرعة غير معهودة في حين أن عملية تشريح جثث ضحايا أحداث الأيام السابقة لم تنته بعد وما زال بعض الأهالي في انتظار معاينة وتشريح جثامين محتجزة منذ ما قبل يوم الأحد.

وقد توجه باحثو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إلى مشرحة زينهم ظهر الاثنين 19 أغسطس, ونجحوا في الاطلاع لوقت قصير على أحد الجثامين المحفوظة بإحدى الثلاجات. وكانت الجثة في وقت المعاينة منتفخة وشديدة السواد، كما ظهرت على الجثة وجود فتحات في الجسم من الأغلب أنها بسبب التشريح. كما تحدث باحثو المبادرة إلى عائلات ثلاثة من السجناء القتلى وهم حسن الكردي وأحمد الكردي ومصطفى عبد السلام. وأفاد الأقارب الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم أنهم  حضروا إلى المشرحة ونجحوا في الاطلاع على جثامين ذويهم, وأنهم استطاعوا التعرف على جثث ذويهم بصعوبة. ووصف أحدهم حالة الجثامين كالتالي:

"الجثث لونها أسود، وشكلهم متعذب. الجثث منتفخة، جثة حسن بالذات منتفخة جدا. وحسن دراعه متني ومرفوع لفوق بزاوية مستقيمة. الأطراف فيها حتت ناشفة جدا, معرفش ده معناه ايه بس واحد في المشرحة قال لي ان ده من علامات التعذيب. حسن شكله مات قبل التانيين لإننا تعرفنا عليه بصعوبة شديدة. احنا دخلنا جوة مرتين، أول مرة لقينا الجثث مشقوقة، تاني مرة لقيناها متخيطة".

ووصف شهود اخرون تواجدوا في المشرحة الشكل الظاهري للجثث بأوصاف مشابهة، وهو ما تطابق مع بعض الصور التي قام باحثو المبادرة بالاطلاع عليها. و شدد الشهود على سواد لون الجثة ووجود ما يبدو أنه جروح قطعية أو فتحات، إلا أنه من الصعب التحقق مما إذا كانت هذه المشاهدات سابقة أو لاحقة للتشريح، حيث أن المسؤولين بالمشرحة رفضوا تقديم أي من تلك المعلومات. وقد يستدل من انتشار اللون الأسود في عدد من الجثامين إلى أن أصحابها كانوا قد فارقوا الحياة منذ أكثر من يوم، حيث أن السواد يعد من المراحل المتقدمة من التعفن الرمي، ومن المحتمل أيضا أن يكون السواد مؤشرا على أن سبب الوفاة هو اسفكسيا الاختناق.

وأصر عدد من الأهالي على اتهام الشرطة بتعذيب ذويهم حتى الموت، وعبر بعضهم عن شكه في وقوع حالات الوفاة قبل يوم السبت. ويصعب التأكد من سبب الوفاة في ظل وجود روايات متضاربة وفي ظل صعوبة التحقق رسميا من وقت الوفاة.

 كانت السنوات الثلاث السابقة قد شهدت عددا من حالات استخدام العنف التي أدت إلى مصرع سجناء أو محتجزين داخل السجون، ولم تكن جميعها مرتبطة بحالات شغب أو تظاهر داخل السجون. وقد كانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قد كشفت عن استخدام قوات حراسة خمسة سجون مختلفة في الفترة ما بين 29 يناير و20 فبراير 2011, بقتل أكثر من 100 سجين، وإصابة مئات النزلاء الآخرين داخل هذه السجون وحدها (وهي سجون الاستئناف وطرة بالقاهرة، والقطا بالقليوبية، وشبين الكوم بالمنوفية، والأبعادية بالبحيرة). وانتهت تحقيقات المبادرة المصرية في هذه السجون الخمسة ـ التي لم تشهد أي محاولات للهرب أو الاقتحام وفقا لوزارة الداخلية ـ إلى وجود نمط متشابه لم يقتصر على الاستخدام المفرط وغير القانوني للأسلحة النارية بواسطة ضباط السجن، وإنما امتد إلى توجيه مجرى الرصاص إلى داخل عنابر السجن والزنازين، وضد سجناء غير مسلحين، وإلى أن القتل كان أغلبه متعمدا ولم يرتبط بمحاولات هروب أو تصدي لمحاولات تمرد داخل تلك السجون. وقد شهدت الفترة بين 28 يناير و16 فبراير 2011 مصرع 195 سجينا على أقل تقدير داخل السجون، وفقا للجنة الرسمية الأولى لتقصي الحقائق برئاسة المستشار عادل قورة. ورغم أن المبادرة المصرية تقدمت بهذه الأدلة والتحقيقات إلى النيابة العامة، إلا أن النيابة لم تحل أيا منها للمحاكمة رغم مرور أكثر من عامين.

للمزيد:

-         تقرير " شهداء خلف القضبان: قتل وتعذيب السجناء بعد اندلاع ثورة 25 يناير"

-         فيلم "شهداء خلف القضبان"