"كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته، تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إكراهه ولا إيذاؤه بدنيًّا أو معنويًّا، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًّا وصحيًّا" المادة 55 من الدستور المصري.

"تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائى، ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان أو يعرض صحته للخطر" المادة 56 من الدستور المصري.
"من منطلق الحرص على رعاية المسجونين ومعاملتهم بما يحفظ عليهم كرامتهم ، وتنفيذًا لما تقضى به الأعراف الدولية... فقد أولت الوزارة [الداخلية] اهتمامًا بالغًا بالمعاملة الإنسانية [للسجناء]."

تقف الأوضاع المزرية للسجون المصرية في تناقض صارخ مع الضمانات الدستورية التي تنص على حق السجناء في المعاملة الكريمة، وما أعلنت عنه وزارة الداخلية من احترام لحقوق الإنسان. إن السجون المصرية، على جميع الأصعدة، تقصر دون التزاماتها الدستورية والدولية وتخفق في إعادة تأهيل السجناء ومعاونتهم على الاندماج في المجتمع من جديد. وتدور شكاوى السجناء حول ظروف المعيشة المتسمة بالقذارة و الاكتظاظ، ونقص ما يتم توزيعه من ماء وطعام من حيث الكم والكيف ونقص أو انعدام الوصول إلى الهواء الطلق وأية أنشطة ترفيهية أو تعليمية، وتقييد حقوق الزيارة والتواصل مع العالم الخارجي. كما أن تردي الخدمات الطبية أو انعدامها في بعض الأحيان قد أثار بواعث قلق متكررة، كما يتضح من التصاعد في حالات الوفاة التي كان يمكن منعها وسط النزلاء بسبب الإهمال الطبي أو ظروف المعيشة غير الصحية. ويظل التعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة بأيدي الضباط والمرشدين مثار قلق كبير. فمع أن السجناء اشتكوا في معظم الحالات التي وثقتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية من التعذيب البدني في فترة الاحتجاز المبدئي أو عند الوصول إلى السجن، فيما يطلق عليه "حفلة الاستقبال" المتمثلة في الضرب بالعصي وغيرها من الأدوات، أو الإرغام على الزحف على الأرض،  فإن العديد من حوادث التعذيب البدني الأخرى في السجون قد تم توثيقها. وتتواصل عمليات الإعتداء بالضرب والجلد والحبس الانفرادي المطول في زنازين مظلمة. وقد ترقى ظروف الاحتجاز المروعة بذاتها في بعض الحالات إلى مصاف التعذيب. أما ظروف السجناء المعيشية ووصولهم إلى الاحتياجات الضرورية، بل والمعاملة، فهي تتوقف إلى حد بعيد على قدرتهم على الدفع، فيتحمل ذوو الدخول المتواضعة أشد المعاناة.

وتنبع إحدى المشاكل الرئيسية الكامنة في السجون المصرية من تبعيتها لقطاع مصلحة السجون التابع لوزارة الداخلية، بتاريخها الطويل من ارتكاب الانتهاكات الحقوقية الجسيمة مع الإفلات من العقاب. ففي العديد من النظم العقابية في مختلف أرجاء العالم، تخضع السجون لسلطة وزارة العدل بدلًا من الداخلية. أما في مصر فإن مسؤولي السجون يتمتعون فعليًّا بسلطات مطلقة تتعلق بحياة السجناء ومصيرهم، في غياب أية آليات إشرافية كافية أو مستقلة لمنع الانتهاكات وجبر ما يقع من أضرار ومعاقبة الجناة. ورغم تفويض النيابة العامة لزيارة السجون وغيرها من مرافق الاحتجاز فإنها تخفق في الاضطلاع بدورها بفعالية، وسط بواعث قلق من مدى حيادتها واستقلالها. وقد أفاد معظم السجناء الذين أجرت معهم المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مقابلات على مدار العام بأنهم لم يشهدوا مطلقًا زيارة من النيابة العامة ولا علموا حتى بإمكان إجرائها. ويزيد من تفاقم الوضع رفض الحكومة المصرية المستمر لمنح هيئات مستقلة حق الوصول إلى السجون، رغم التصريحات الإعلامية التي تزعم أن "السجون مفتوحة" للرصد من جانب المنظمات غير الحكومية. وقد تقدمت المبادرة في 2014 بطلب كتابي إلى قطاع حقوق الإنسان وقطاع مصلحة السجون التابعين لوزارة الداخلية، ملتمسة الوصول إلى عدد من السجون، لكن الرد أتاها في محاورات هاتفية بأن زيارات الرصد من المنظمات غير الحكومية في مصر "تخالف القانون". ومع ذلك ففي معرض الرد على الانتقاد المتصاعد لأوضاع السجون، سمحت السلطات في 2014 ببعض الزيارات من جانب المجلس القومي لحقوق الإنسان ولجنة تقصي الحقائق في أحداث 30 يونيو ـ وكلاهما من الهيئات المشكلة بمعرفة الحكومة. إلا أن زياراتهما كانت مسبقة الترتيب، ولم تتضمن زيارات لكافة العنابر، وزنازين الحبس الانفرادي في السجون، ولا القدرة على التحدث على انفراد مع سجناء من اختيارهم. ولا شك أن هذا القصور المنهجي قد أثر في مصداقية نتائجهما ـ حيث زعمت الهيئتان على السواء أنهما أخفقتا في التوصل إلى أدلة على التعذيب البدني في السجون.

وترتكب الانتهاكات داخل أسوار السجون في غياب أية سبل فعالة تتيح للسجناء تقديم الشكاوى أو التعبير عن المظالم أمام هيئات محايدة ومستقلة. فبينما يجوز للسجناء من حيث المبدأ تقديم مطالبهم وشكاواهم إلى إدارات السجون، وطلب إحالة شكاواهم إلى السلطات القضائية، إلا أنه لا توجد آليات محددة تضمن وصول السجناء إلى إدارات سجونهم. وهذا دون أن نتطرق إلى تردد السجناء في مفاتحة إدارات السجون، مخافة التنكيل أو أن يكون مسؤولو السجون أنفسهم هم من يرتكبون الانتهاكات أو يتغاضون عنها. ومن ثم فإن معظم السجناء يعانون في صمت أو يشكون لمحاميهم أو أقاربهم عند الزيارة ـ المهمة التي لا تتسم بالسهولة، حيث يكون مسؤولي السجن عادة على مسمع من أحاديث السجناء وزائريهم.

وتتولى هذه الدراسة القانونية تسليط الضوء على الثغرات وأوجه القصور القائمة في الإطار القانوني المصري الحاكم للاحتجاز، والذي يسهل انتهاكات حقوق الإنسان داخل السجون ويحرم السجناء من حقهم في الحياة والمعاملة الكريمة.

المراجع:

  1. دستور جمهورية مصر العربية، ١٨ يناير ٢٠١٤، رابط http://www.sis.gov.eg/Newvr/consttt%202014.pdf
  2. الموقع الرسمي لوزارة الداخلية، حقوق الإنسان السجين، http://www.moiegypt.gov.eg/Arabic/Departments+Sites/Prisons/prisonHumanR...
  3.     تشير هذه العبارة إلى المساجين المحتجزين داخل السجون الخاضعة لقطاع مصلحة السجون، ولا تشير إلى السجون العسكرية وغيرها من مرافق الاحتجاز التي تديرها هيئات شرطية وأمنية ـ حيث تم توثيق استمرار التعذيب بعد "حفلة الاستقبال".
  4. انظر: المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، "الصحة في سجون مصر، يونيو 2014، رابط http://eipr.org/publications/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D9%81%D9%8A...  و"أماكن الاحتجاز تعذيب في حد ذاتها"، رضا مرعي، رابط http://eipr.org/blog/%D8%B1%D8%B6%D8%A7-%D9%85%D8%B1%D8%B9%D9%8A/2014/02...
  5.     يتسم مصير السجناء السياسيين بالتفاوت،  فبينما تتميز ظروف معيشتهم ومعاملتهم في بعض الحالات على ظروف ومعاملة سجناء القانون العادي، أو تخضع لنفس المنطق المالي، إلا أن السجناء السياسيين في حالات أخرى يواجهون إجراءات عقابية تشمل الحبس الانفرادي المطول أو الحرمان من فترة الفسحة في الهواء الطلق.
  6.     المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، "لصالح من يعمل محامي الشعب؟"، أغسطس ٢٠١٤، http://eipr.org/sites/default/files/reports/pdf/prosecution_study.pdf
  7.     الأهرام، "مساعد وزير الداخلية لحقوق الإنسان: السجون مفتوحة لأى منظمة للتأكد من عدم وجود معتقلين أو حالات تعذيب"، ٦ يوليو ٢٠١٤، رابط http://gate.ahram.org.eg/News/512315.aspx
  8. http://nchregypt.org/index.php/activities/2010-02-07-16-22-57/fact-findi... و"تقرير مبدئى عن زيارة وفد "القومى لحقوق الانبيانات المجلس القومي لحقوق الإنسان بخصوص زيارات السجون: "القومي لحقوق الإنسان يزور سجن شديد الحراسة 1 بطرة"، 1 أكتوبر 2016، رابط http://nchregypt.org/index.php/media-center/news-arabic/1785-the-nationa... و"تقرير المجلس القومى لحقوق الانسان عن زيارة بعثته لسجني دمنهور العمومى "الأبعادية" (رجال – نساء) بتاريخ 30 مايو2013"، 23 يونيو 2013، رابط سان" إلى سجن القناطر نساء"، 7 يونيو 2015، رابط http://nchregypt.org/index.php/media-center/news-arabic/1591-a-prelimina... ، و"وفد "القومي لحقوق الإنسان" يتفقد أوضاع سجن المرج"، 11 يونيو 2015، رابط http://nchregypt.org/index.php/media-center/news-arabic/1593-visit-of-th... ، و"بيان "القومى لحقوق الإنسان" عن زيارة سجن دمهنور"، 25 أغسطس 2015، رابط http://nchregypt.org/index.php/media-center/news-arabic/1614-a-statement... ، و"وفد "القومى لحقوق الإنسان" يزور سجن طرة"، 26 أغسطس 2015، رابط http://nchregypt.org/index.php/media-center/news-arabic/1615-delegation-... ، و"بيان زيارة وفد "القومى لحقوق الإنسان" لسجن العقرب"، 6 يناير 2016، رابط http://nchregypt.org/index.php/media-center/news-arabic/1703-visit-the-s... ، "وفد "القومى لحقوق الإنسان" يزور سجن المنيا شديد الحراسة"، 1 مارس 2016، رابط http://nchregypt.org/index.php/media-center/news-arabic/1722-delegation-... ، و"بيان زيارة وفد "القومى لحقوق الإنسان" لسجن بورسعيد العمومى"، 9 مارس 2016، رابط http://nchregypt.org/index.php/media-center/news-arabic/1725-visit-a-sta...