فاتورة الأخطاء الأربعة: الخطة المصرية- الصندوقية لرفع أسعار الطاقة

 

مقدمة:


يعتبر دعم الطاقة من الموضوعات المثيرة للجدل. حيث يرى معظم الاقتصاديين أنه يفيد الأغنياء أكثر من الفقراء. لذا تتفق معظم الأدبيات الحديثة على أنه ينبغي التخلص منه وتعويض الفقراء بوسائل أخرى. كما أنه يضع عبئا على الموازنة العامة، ويساهم إلغاؤه في تقليص عجز الموازنة أو في تمويل الإنفاق الاجتماعي والتعليم والصحة.شرعت مصر في تحرير أسعار مواد البترول والكهرباء منذ عام 2014، واستمرت موجات رفع أسعار الطاقة (خاصة الكهرباء) حتى عام 2020، ومن المنتظر أن تستمر إلى العام 2021 على الأقل. واليوم، تبرز أهمية تقييم التجربة المصرية في رفع أسعار الطاقة وآثارها الاجتماعية والاقتصادية، وذلك في ضوء متغيرين جديدين:

  • تبدأ مصر برنامجا اقتصاديا جديدا، لمدة عام واحد، مع صندوق النقد الدولي مقابل قرض بقيمة 5.2 مليار دولار، بعد أربعة أعوام على برنامجها السابق، ومن المتوقع أن يستمر في ضوئه نفس نمط تخفيض دعم الطاقة، القائم على رفع أسعار الطاقة للمواطنين مقابل تخفيضها لبعض أصحاب المصانع،  ومن ثم تأتي أهمية تقييم البرنامج الماضي لتعظيم مزاياه وتفادي تكرار أخطائه.

  • جائحة الكوفيد-19، والتي تستلزم زيادات كبيرة في الإنفاق على الصحة والتعليم والمساعدات الاجتماعية. وبالتالي من المهم التعرف على حجم الوفورات التي تحققت من تحرير أسعار الطاقة، وأوجه الإنفاق التي توجهت إليها تلك الوفورات. كما يتوقع أن تؤدي الجائحة إلى زيادات كبيرة في معدلات الفقر والجوع، وتدهور مستويات المعيشة لدى الأغلبية العظمى من السكان، مما يحتم النظر أكثر من أي وقت مضى في عدالة توزيع عبء زيادات أسعار الطاقة.

ولكن يبدو من التجارب الدولية أن القول أسهل من الفعل، كما توضح العديد من تلك التجارب أن الفقراء هم دائما من يدفعون الثمن أكثر من غيرهم حين ترتفع أسعار الطاقة. ويفقد كثير من الناس جزءا من دخولهم الحقيقية. وكثيرا ما تقترن عملية التخلص من دعم الطاقة بقلة الشفافية والحوار المجتمعي، ولا تعتبر التجربة المصرية استثناء من ذلك. لذلك ترفض الورقة مبدأ رفع الدعم على الطاقة.

تنطلق تلك الورقة من مبادئ أساسية:

  • أن الطاقة بعناصرها (البترول، الغاز الطبيعي، الهواء، الشمس) كلها موارد طبيعية عامة مملوكة على المشاع لجميع المواطنين (جاي ستاندينج، 2017)، وتقوم الدولة بإدارة تلك الموارد بحيث تعظم عدالة استخدامها، بين المواطنين وبين الأجيال. 
  • يجب أن تأخذ أي خطة لخفض الدعم الموجه إلى الطاقة في الاعتبار مفاهيم"فقر الطاقة" و"العدالة في الطاقة"، كما ينبغي أن تستند إلى الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة: "طاقة نظيفة بأسعار معقولة".

في هذا الإطار يمكن تحليل وضع دعم الطاقة في مصر.

في 2019 ،كانت مصر واحدة من أكثر الدول دعما لأسعار الطاقة (IEA,2020)، وذلك بالرغم من أنها مستوردة للبترول، على عكس باقي الدول التي تدعم المنتجات البترولية وتكون عادة من كبار المنتجين للطاقة. وتحتل  مصر المرتبة السابعة عالميا في دعم الطاقة بعد الصين وإيران والسعودية وروسيا وغيرها من كبار الدول المنتجة للطاقة (المصدر:الوكالة الدولية للطاقة، 2020)

تعرف الحكومة المصرية (وصندوق النقد الدولي) دعم الطاقة بأنه المجموع التراكمي للمخصصات بالعملة المحلية الموجهة من الموازنة العامة إلى البنزين، والسولار، والكيروسين والبوتاجاز والمازوت، خلال العام المالي (صندوق النقد الدولي، أكتوبر 2019). أي أن دعم الطاقة هو الفرق بين تكلفة إنتاج وسعر بيع الوحدة، وسوف تتطرق هذه الورقة إلى نواقص هذا التعريف. 

أخيرا، يجدر الذكر أن كل ما أشارت إليه الورقة من أخطاء هي قابلة للإصلاح reversible، إذا ما توافرت النية السياسية للقيام بذلك. وتوضح تجربة البرنامج السابق المتفق عليه مع صندوق النقد أنه لا يعول عليه للتحقق من مدى عدالة وشفافية خطة تخفيض دعم الطاقة. لذلك يجب فتح نقاش عام شفاف بحيث يمكن مواصلة تخفيض فاتورة الدعم بدون الإضرار بالفئات الأدنى أو بجموع المستهلكين. ولكن يتطلب ذلك توافر النية السياسية والتي تبدأ بإتاحة المعلومات السليمة.