تحظى مصر بأعلى معدلات انتشار الفيروس "سي" في العالم، مما يجعل منه أحد أكبر التحديات الصحية العامة التي تواجه البلاد. وفي غياب آليات فعالة للكشف المبكر عن الفيروس "سي"، يستحيل تحديد العدد الدقيق لحاملي الفيروس، إلا أن الأبحاث بينت وجود ما يقدر بـ8-15 مليون مصري من المصابين بالفيروس.

وقد تزامن عام 2008 مع بداية الخطة الحكومية للتصدي لفيروسات الكبد، أو "الخطة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية". لكن منذ 2008 وحتى 2012 لم يحصل على علاج للفيروس "سي" سوى 2,8 بالمئة من المرضى، ولم يشف منهم سوى 1,67 بالمئة. كما أثبت الجانب المتعلق بالوقاية من الخطة عدم كفايته، حيث يستمر الفيروس "سي" في إصابة ما لا يقل عن 150 ألف من المرضى الجدد كل عام.

وفي الوقت الحالي يجري تطوير خطة عمل جديدة للفترة 2014-2018، بموازنة أعلى من موازنة الخطة السابقة. وقد تلقت الخطة الجديدة دعم العديد من الشركاء العالميين، وبينهم منظمة الصحة العالمية، ومعهد "باستير" الفرنسي، ومركز مكافحة الأمراض الأمريكي.

وفي 16 أكتوبر 2014 نشرت وزارة الصحة الملخص التنفيذي للخطة الجديدة، بعنوان "خطة العمل للوقاية والرعاية والعلاج من الفيروسات الكبدية 2014-2018". وفي اليوم نفسه تم إطلاق البرنامج العلاجي الجديد القائم على السوفوسبوفير (أو سوفالدي بحسب الاسم التجاري).

وقد أدت المفاوضات بين الحكومة المصرية، ممثلة في اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية، وشركة "جلياد ساينسز" الأمريكية المصنعة للسوفالدي، إلى صفقة تتيح للحكومة توفير الدواء الجديد لعدد محدود من المرضى بسعر مخفض هو 300 دولار للعلبة المحتوية على 28 قرصاً، علماً بأن المريض يحتاج إلى علبة شهرياً لمدة 6 أشهر. (وربما يتطلب البرنامج العلاجي أيضاً إضافة الإنترفيرون والريبافيرين، حسب البروتوكول المستخدم).

وبحسب اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية فإن الاتفاق مع شركة جلياد لا يمنع وزارة الصحة وغيرها من الهيئات الرسمية من التعاقد مع شركات أخرى لتصنيع الدواء محلياً. وتبين ورقة المبادرة أن الإنتاج المحلي للإنترفيرون، وهو العلاج المعياري السابق لفيروس "سي"، المتمتع بفعالية أدنى كثيراً من العقار الجديد، قد أدى سنة 2004 إلى انخفاض حاد في سعر العقار المستورد داخل السوق المحلية. وهذا النوع من المنافسة ضروري لمنع احتكار شركات الدواء الأجنبية للسوق المصرية، بما أن الضحايا الرئيسيين لتلك الاحتكارات هم المرضى المصريون.

في المراحل المبكرة من المفاوضات بين جلياد والحكومة المصرية، أبدت شركات الدواء المصرية اهتماماً واستعداداً لتصنيع السوفوسبوفير محلياً بسعر مخفض. إلا أن محاولاتها لم تلق الدعم الكافي من وزارة الصحة، التي كانت تخشى شبهة التعدي على حقوق الملكية الفكرية لشركة جلياد ـ وهي الحقوق التي لم تحصل عليها الشركة حتى الآن. وبما أن جلياد لم تحصل على براءة اختراع لحماية منتجها في مصر، ومن المستبعد حدوث هذا، فإن التصنيع المحلي للعقار يظل اختياراً فعالاً لتوفير منتج منخفض التكلفة لمجابهة الوباء.

كما تشير الورقة البحثية إلى مشكلة أخرى من حيث أن عقار السوفوسبوفير، الذي ستقوم شركات أدوية وطنية بإنتاجه محلياً، سيظل رغم هذا متأثراً بالسعر المرتفع الذي تفاوضت عليه الحكومة المصرية. واتفاقاً مع السياسة الحالية لتسعير الأدوية فإن سعر العقار المنتج محلياً سيصل إلى 65 بالمئة من سعر السوفالدي خارج البرنامج الحكومي للعلاج. ومن شأن هذا أن يجعل سعر البديل الجنيس المحلي نحو 10 آلاف جنيهاً مصرياً للعلبة، أي أن المقرر العلاجي الذي يستمر ستة أشهر سيتكلف 60 ألف جنيهاً مصرياً، وهو ما يظل بعيداً عن متناول معظم المصريين، خاصة بالنظر إلى أن معدل الإصابة بالفيروس "سي" يبلغ أقصى ارتفاع له وسط أفقر الفئات في البلاد. ويعيش نحو 26,3 بالمئة من المصريين في فقر، بدخل شهري متوسط يبلغ نحو 327 جنيهاً مصرياً.

ينبغي أن تكون الأدوية الجنيسة في متناول المرضى العاديين، لكن ارتفاع سعر السوفوسبوفير ـ الذي سجلته شركات عديدة لتصنيعه وبيعه في السوق المصرية ـ يبرهن على أهمية إعادة النظر في نظام تسعير الدواء المعمول به في مصر. لقد خضع تسعير الدواء لنقاشات مطولة على مدار السنوات القليلة الماضة، منذ 2009 حين توقفت مصر عن تسعير الأدوية بناءً على تكلفتها الفعلية مع إضافة هامش ربح ، واتجهت إلى استخدام الأسعار الأجنبية كمحددات.

وتطالب المبادرة بإعلان الحكومة عن تفاصيل التعاقد مع جلياد، وتعزيز الشفافية كسياسة معتمدة في المفاوضات الشبيهة المقبلة. كما تشدد المبادرة على أهمية دعم صناعة الدواء المحلية بهدف تخفيض الأسعار حتى تصبح في متناول المصريين. وعلى الحكومة أيضاً تبني سياسة تسعير دوائية تمنح الأولوية لوضع الأدوية في متناول كافة المرضى، الأغنياء والفقراء على السواء، كشرط أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية فيما يتعلق بالحق الأساسي للمصريين في الصحة.

للاطلاع على الورقة البحثية اضغط هنا