مقدمة1- يشكل قرار رئيس الوزراء رقم 637 لسنة 2007 بإنشاء الشركة القابضة للرعاية الصحية ـ والذي قضت محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذه يوم 4 سبتمبر 2008 ـ الحلقة الأولي في سلسلة حلقات من المنتظر أن تكتمل في الدورة البرلمانية القادمة التي ستبدأ في شهر نوفمبر، والتي يتوقع فيها أن تتقدم الحكومة إلى مجلس الشعب بمشروع القانون الجديد بشأن قواعد التأمين الصحي. وتستند تلك القواعد كما تشير تصريحات المسئولين إلى مد مظلة التأمين بشكل وهمي لجميع المواطنين، على أن تكون مظلة قاصرة تشمل فقط الرعاية الصحية الأولية. أما باقي الحالات من أمراض وجراحات وأجهزة تعويضية فسيحصل عليها المواطنون حسب شريحة التأمين التي يشتركون بها، إلى جانب مشكلات عديدة تتعلق بفلسفة ونصوص مشروع القانون المقترح أدت إلى معارضته من جانب معظم القوى المدنية والسياسية. 
 
فمنذ عدة أعوام وهناك بوادر لتوجه حكومي نحو خصخصة التأمين الصحي، وحل الهيئة العامة للتأمين الصحي، أو تحويلها إلى مجرد كيان مالي وإداري لا يقوم بتقديم الرعاية الصحية التكافلية. ورغم أن بعضاً من مشروعات القوانين هذه كان قد طرح فعلياً، إلا إنها ووجهت بمقاومة منعت أياً منها من أن يقر حتى الآن ومن ضمنها مشروع القانون الذي قامت وزارة الصحة بتوزيع مسودة له سنة 2007.
 
وحسب التصريحات الرسمية، فقد عزمت الحكومة على تقديم مسودة جديدة لمشروع القانون إلى الدورة البرلمانية القادمة والتي ستبدأ عملها في شهر نوفمبر من عام 2008، وذلك بعد عرضها على مجلس الوزراء في شهر سبتمبر من نفس العام. وتشير التصريحات أيضاَ إلى أن المسودة الجديدة ستبقي على الشكل العام لنظام التأمين الصحي الذي عرضته مسودة 2007. وستضيف إليه تعديلات بسيطة من ضمنها ترك تحديد الاشتراكات للمؤمن عليهم إلى وزارة المالية. 
 
على خلفية ذلك، تتضمن هذه الدراسة الموجزة تحليلاً لبعض أبرز المخاطر التي وردت في مسودة مشروع قانون 2007 فيما يتعلق بالحق في الصحة، والتي من المحتمل أن تتكرر في المسودة الجديدة – التي لم تنشر بعد - بهدف تحديد هذه المخاطر أولاً والتحذير من تضمينها في القانون الجديد والمزمع تطبيقه وتنظيمه بحلول 2011 ثانياً. والجدير بالذكر أن بعض بنود القانون الجديد يتم الآن فعلياً تجربتها، وخاصة فيما يتعلق بالجوانب التمويلية، في محافظة السويس التي لا يزيد عدد سكانها عن 400 ألف نسمة نصفهم يتمتع بنظم صحية خاصة.

أولا: الديباجة والمرجعية القانونية

 
تعرض الديباجة المرجعية للقانون إلى:

الدستور، وقانون رقم 79 لســـــــنة 1975، وقانون رقم 32 في شأن نظام العلاج التأميني للتأمين الاجتماعي الصحي  وإلى قانون 99 لســــــنة 1992 الخاص بطلاب المدارس، وإلى قرار رئيس الجمهورية رقم 1209 لســـــنة 1974 في تأسيس الهيئة العامة للتأمين الصحي، إضافة إلى القانون رقم 203 لســــــنة 1992 في شأن إنشاء شركات قطاع الأعمال العام. وتعد الإضافة الأخيرة إضافة جديدة تماماً بالقياس إلى مشاريع القوانين السابقة التي تم إعدادها في السنوات الماضية (ما تم في عهد كل من وزيري الصحة السابقين د/ اسماعيل سلام ود/ عوض تاج الدين) وهو ما يعكس الحرص على توفير غطاء قانوني لتأسيس ما يسمى بالشركة القابضة للرعاية الصحة من أجل إعادة هيكلة ودمج أصول الهيئة العامة للتأمين الصحي من مستشفيات وخلافه من أصول رأسمالية ثابتة. وقد تعرضت هذه الخطة لنكسة حقيقية بعد صدور حكم القضاء الإداري في 4 سبتمبر 2008 بمخالفة قرار إنشاء هذه الشركة لكل من الدستور المصري والقوانين واللوائح الداخلية والمواثيق الدولية. 

ثانيا: مواد الإصدار

اشتمل مشروع القانون على خمس من مواد الإصدار. 

المادة الثانية:

ألغت المادة الثانية من مشروع القانون كلاً من القانون رقم 10 لسـ67ـنة في شأن تنظيم التعامل في أدوية الهيئة العامة للتأمين الصحي، والقانون رقم 32 لسـ75ـنة في شأن نظام العلاج التأميني، والقانون رقم 99 لسـ75ـنة في شأن التأمين الصحي على الطلاب. ولكنها نصت في الفقرة الثالثة منها وبشكل استثنائي على إلغاء ما يتعارض مع نصوص القانون المرفق من القانون رقم 79 لســـ75ـنة، وذلك يضع علامة استفهام كبيرة حول تلك الفقرة فيجب على المشرع تحديد المواد الملغاة بشكل واضح. بمعنى أن عليه أن يخصص مادة نصها "تلغى نصوص المواد رقم...."، وذلك لتفادي ما قد يحدث من لبس في التطبيق العملي، خاصو بين السلطتين القضائية والتنفيذية، فعلى الحكومة أن تكون اكثر وضوحاً. بالإضافة إلى أن هذا النص يعتبر تكراراً للفقرة الخامسة من ذات المادة. وعلى المشرع أن يرفع ما في  مشروع  النص من غموض للوقوف على حقيقة ما يقصده.
 
المادة الرابعة:

تنص هذه المادة على أن "يُصدر الوزير المختص بالصحة اللائحة التنفيذية لهذا القانون خلال ستة أشهر من تاريخ العمل به" والملاحظ هنا أن اللوائح التنفيذية في مثل هذه القوانين الهامة التي تمس مصالح عامة المواطنين مساساً مباشراً، من الأفضل أن تناقش مع النص الأساسي ضماناً  لعدم المساس يتلك المصالح والحقوق الحيوية حيث يكمن الشيطان دائماً في التفاصيل كما يقولون. ورغم أن العادة جرت على أن يتم الانتهاء من إقرار القانون أولاً ثم تبدأ صياغة لائحته التنفيذية، إلا أن أهمية مسألة التأمين الصحي وارتباطها بالحق في الصحة، وأهمية المسائل التي أحالها القنون للائحة التنفيذية، فضلاً عن الخبرات السابقة التي تضمنت فيها بعض اللوائح التنفيذية ما ينسف الضمانات التي تحتوي عليها نصوص القوانين، ملها عوامل تدفع للمطالبة بطرح لائحة هذا القانون للمناقشة في نفس وقت مناقشة القانون.
 

ثالثاً: مواد القانون

تشكل مشروع القانون في مسودته التي طرحتها وزارة الصحة للمناقشة من ستة فصول تحتوي على ست وعشرين مادة.
 

---

1- قام بكتابة هذه الدراسة الموجزة د. علاء غنام، مدير برنامج الصحة وحقوق الإنسان بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية