صندوق النقد الدولي وإنهاء دعم الطاقة في مصر.. حكاية حرب طبقية وغسيل أخضر للسمعة
تنشر المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم، بالشراكة مع المعهد العابر للقوميات (TNI) ورقة تحليلية بعنوان "صندوق النقد الدولي وإنهاء دعم الطاقة في مصر: حكاية حرب طبقية وغسيل أخضر للسمعة". وتحاول الورقة فحص نتائج المرتكزين الرئيسيين لسياسات الصندوق، وبرامجه المتعاقبة مع مصر، وهما تخفيض عجز الموازنة ومحاصرة التضخم، وتقييم عواقب الاستناد إلى هذه البوصلة على الفقر وعلى السياسات الاجتماعية. وتستنتج الورقة أن سياسات صندوق النقد الدولي في مصر لا تحقق الضبط المستهدف في أوضاع المالية العامة ولا التحكم في التضخم، وإنما انتهت إلى التسبب في تضخم مرتفع جدًا، وكذلك تنازلي (بمعنى أن تجربة الحياة مع التضخم في المتوسط تزداد حدة مع انخفاض الدخل). من ناحية أخرى، فشلت هذه السياسات أيضًا إلى حد كبير في تحقيق انضباط المالية العامة وتقليل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بالإضافة إلى كونها غير فعالة في تخفيض مدفوعات خدمة الدين والفائدة، والتي تعتبر من الأهداف المعتاد إعلانها لبرامج صندوق النقد الدولي، والتدابير الهادفة لضبط أوضاع المالية العامة التي يوجه بها الصندوق.
يتناول القسم الأول كيف تم تطبيق تدابير ضبط المالية العامة في مصر بطريقة رفعت من التضخم بأسلوب تنازلي حاد دون تحقيق وفورات ذات شأن في الموازنة. ويعود هذا إلى أن معظم الوفورات التي تحققت نتجت عن إنهاء دعم الطاقة، وهو ما أدى بشكل غير مباشر إلى زيادات كبيرة في بند آخر في الموازنة القومية، ألا وهو مدفوعات الفائدة.
ويركز القسم الثاني على سبب عدم تحقق وفورات كبيرة في الموازنة رغم التخفيضات الهائلة في الإنفاق الاجتماعي، ويتناول كيف أدت سياسات التحكم في التضخم (أي الزيادات الكبيرة جدًا في أسعار الفائدة الحقيقية والاسمية)، التي تم تبنيها للاستجابة للتدابير التي تسببت في التضخم، كإنهاء دعم الطاقة، إلى فرض ضغوط ضخمة على الموازنة بشكل يؤدي إلى زيادة النفقات بأكثر من 2% من الناتج المحلي الإجمالي في شكل مدفوعات الفائدة.
بينما يتناول القسم الأخير بدائل واقعية يمكن أن تزيد من استقرار الاقتصاد الكلي بدون أن تتحمل الأسر منخفضة الدخل عبء الإصلاح، وفي نفس الوقت تقلب وضعية بعضٍ من الدمار الذي تسببت فيه السياسات التي وضعها الصندوق.
ومن خلال تحليل بيانات الموازنة، توضح هذه الورقة أن سياسة صندوق النقد الدولي في مصر لا تعكس التزامًا بتقليل العجز في البلاد و/أو التحكم في التضخم كما يدعي الصندوق في معظم الأوقات. في الواقع، فإن التدابير التي يدفع بها صندوق النقد الدولي متناقضة في طبيعتها وتضّر غالبًا بهدفها المعلن. فهذه التدابير تبدو بالأحرى تحويلًا للموارد على أساس طبقي للإنفاق الحكومي يتحقق باستخدام سياسات ترفع التضخم وتعيد توزيع عبء التضخم على الشرائح الأفقر من السكان.
تبيّن الورقة أن سياسات صندوق النقد الدولي في مصر (إنهاء دعم الطاقة وزيادة معدلات ضريبة القيمة المضافة وتخفيض قيمة العملة) كانت محفزة للتضخم بشدة ولها آثار توزيعية تنازلية (أي تفيد الشرائح الأغنى من السكان) بشكل يثير الشك في ادعاءات الصندوق أنه يسعى للتحكم في التضخم. علاوة على ذلك، أوضحت الورقة أن الأسر منخفضة الدخل تتحمل عبء ارتفاع التضخم بشكل غير متناسب، بسبب عدم فاعلية السياسة النقدية الانكماشية التي يفرضها الصندوق في كبح تضخم المنتجات الأساسية والجوهرية التي تأكل نصيبًا أكبر من دخول الأسر منخفضة الدخل. بعبارة أخرى، أسعار الفائدة لا يمكن أن تكافح التضخم للمنتجات غير الأساسية. فالأسر منخفضة الدخل تنفق معظم – إن لم يكن كل – دخولها على المنتجات الأساسية، ولهذا يضرهم ارتفاع معدلات التضخم أكثر من غيرهم.
إن زيادة خدمة الدين الناتجة عن ارتفاع أسعار الفائدة (التي تصل حاليًا إلى حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي) تثير الشك في مصداقية واستدامة أهداف الصندوق لتقليل العجز. بعبارة أخرى، جزء كبير من الوفورات التي حققتها المالية العامة بسبب التدابير التقشفية تم إنفاقه على خدمة الدين وهو ما يفيد بالأساس طبقة صغيرة من المستثمرين المحليين والدوليين وتجار الفائدة. وبينما شهد الإنفاق الحكومي بعض الانخفاض، لم تكن السمة الأساسية لسياسات صندوق النقد الدولي التحكم في التضخم ولا ضبط أوضاع المالية العامة، وإنما إعادة ترتيب الإنفاق الحكومي على أساس طبقي.