الورقة الأولى "تليفونك وبطاقتك" الاعتداء الروتيني على الحياة الخاصة

 مقدمة:

هذه الورقة, وهي الأولى من ضمن سلسلة من الأوراق تنشرها على مدار الشهر كجزء من مشروع بحثي وحملة عنوانها "الاعتداء الروتيني على الحياة الخاصة - تجريد المواطنين من الحقوق الحمايات الدستورية كإجراء أمني استباقي".

في الأسبوع الثاني من الحملة الأمنية الموسعة التي شنتها أجهزة الأمن في أعقاب التظاهرات الصغيرة التي خرجت يوم 20 سبتمبر، يحكي خ. ع. عن مشهد استوقفه

"أثناء مروره في شارع محمود بسيوني. وسط التواجد الكثيف لقوات الأمن وقيادات الشرطة في ميدان طلعت حرب وشارع محمود بسيوني المتفرع منه، ظهر فجأة مكتبان على الرصيف في الناحية المقابلة لمدرسة الفرانسيسكان يجلس أمامهما اثنان من الضباط بالزي المدني محاطان الأمناء وأفراد الشرطة، بينما يقف على الناحية المقابلة للمكتبين طابوران طويلان من المواطنين، عشرات من المواطنين على حد قول خ. ع. ينتظرون دورهم في التفتيش الإجباري بعد توقيفهم عشوائيًّا في الشارع. يأتي الدور على كل من الموقوفين لتسليم بطاقته للضابط الجالس أمام المكتب الأول للكشف عليها ثم تسليم تليفونه لفحصه بالتفصيل للضابط الجالس أمام المكتب الثاني - ينطوي هذا النوع من التفتيش على فحص كل حسابات التواصل الاجتماعي الموجودة على التليفون والاطلاع على أي مراسلات خاصة بل والصور الخاصة في الكثير من الأحيان طبقًا لشهادات متواترة، بحثًا عن أي "محتوى سياسي"، أو محتوى يقرر على أساسه الضباط ما إذا كان الشخص محل التفتيش "مشتبه سياسي".

فعلى مدار فترة اقتربت من الشهرين أصبحت هذه الممارسة الشرطية التي تحتوي على انتهاك صارخ لأبسط حقوق المواطنين في الخصوصية جزءًا من عمل الشرطة العادي اليومي، تحديدًا وبشكل مكثف في منطقة وسط المدينة، وإن لم تقتصر بالضرورة على وسط المدينة فقط. العشرات من المواطنين تم القبض عليهم في سبتمبر وأكتوبر

في الفترة ما بين 21 سبتمبر ونهاية أكتوبر 2019، كانت إجراءات التوقيف والفحص القسري مصاحبة لحملة قبض عشوائي واسعة النطاق. ففي أغلب الحالات التي كان يعثر رجال الأمن فيها على محتوى سياسي على الهواتف مهما بلغت بساطته (مثل الكوميكس الساخرة)، ومهما بلغت خصوصيته (رسائل متبادلة عبر تطبيقات الرسائل الخاصة، صور شخصية)، كانت النتيجة الحتمية لذلك هو أن يتم القبض على صاحب/ة الهاتف.

لم يقتصر ذلك على عدد قليل أو استثنائي من حالات القبض والتوقيف التي صاحبت الحملات الأمنية، بل أصبح هو الغرض الرئيسي والنتيجة المتوقعة لتوقيف أي مواطن في الأسابيع الخمسة المذكورة بين 20 سبتمبر ونهاية شهر أكتوبر. يقدر المحامون أن نسبة كبيرة من المقبوض عليهم في القضية 1338 حصر أمن دولة عليا والقضية 1413 أمن دولة

عليا وقضايا أخرى تم استحداثها في سبتمبر وأكتوبر 2019 والذي فاق عددهم الثلاثة آلاف وقتها (ما زال عدد منهم يقترب من 950 شخصًا قيد الاحتجاز والتحقيق) ، كان قد تم توقيفهم والقبض عليهم بسبب العثور على محتوى سياسي على هواتفهم فقط، وليس لأي سبب آخر. يصعب حصر الأرقام بدقة حيث أن الاتهامات في التحقيقات كانت واحدة ومتكررة، ولأن محتوى الهواتف لا يتم إدراجه ضمن الأحراز في المحاضر المحررة ولا في محاضر الضبط نظرًا إلى عدم قانونية الإجراء. 

تستعرض هذه الورقة أمثلة من الحملة الأمنية الي بدأت في سبتمبر وانتهت بنهاية شهر أكتوبر ومن الحملة المماثلة التي حاولت استباق ما تدعي أجهزة الأمن أنه استعدادات لتنظيم مظاهرات في ذكرى 25 يناير، من أجل بيان طبيعة الانتهاك والملابسات المصاحبة له بعد أن نقوم بعرض تعليق وزارة الداخلية الوحيد على الإجراء ثم بتفنيد أي حجج قانونية تدعيها وزارة الداخلية لشرعنة هذا الإجراء شديد التعسف, والذي لا يمكن أن يبرره أو يحكمه أي منطق قانوني اللهم إلا ترهيب وترويع المواطنين.