في اليوم العالمي للمرأة: "الدورة الشهرية في السجون" - من أجل اعتراف القانون بالاحتياجات الجسدية للنساء

بيان صحفي

8 مارس 2019

"انتي كست، مش متشافة في نص القانون"، ذكرت سجينة سابقة [1] للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية حين سُئلت عن كيفية تعاملها مع دورتها الشهرية أثناء فترة حبسها. "جسمك مش متشاف في نص القانون، غير الحاجات عن الحوامل".

على وجه التحديد، كانت السجينة السابقة تشير إلى قرار وزير الداخلية رقم 468/2017 بشأن كيفية معاملة المسجونين ومعيشتهم (القرار الذي  عدّل قرار وزير الداخلية السابق رقم 691/1998)، والذي لا يعترف بأي احتياجات خاصة لأجساد النساء حتى الشهر الثالث وحينها فقط، حين تكون أجساد النساء منتجة، يراعي احتياجاتهن من حيث توزيع وجبات خاصة لتلبية الاحتياجات الغذائية الإضافية للنساء الحوامل .

والمفارقة هي أن الدورة الشهرية التي تسبق الحمل - وهي جانب أساسي  ودوري من صحة المرأة - غائبة تماماً عن المنظور القانوني للسجينات اللواتي يحتجزن في السجون العامة الإحدى عشر المخصصة للنساء في مصر. [2] هذه الحملة كمحاولة ضغط حتى يعترف القانون بالاحتياجات الجسدية للنساء، وتدعو الحملة قطاع مصلحة السجون إلى توفير الفوط الصحية القطنية للسجينات دون مقابل، إلى جانب تهيئة الظروف الهيكلية للصحة داخل مرافق السجون.  

المقابلات المفتوحة مع خمس سجينات سابقات (سجيناتان جنائيتان وثلاث سجينات سياسيات) [3] في سجني القناطر ودمنهور سلطت الضوء على تأثير غياب اعتراف القانون بحاجاتهن الجسدية في حياتهن اليومية من المنظورين الاقتصادي والصحي، وكلاهما مفصل أدناه.

 وفي إطار ذلك، تسعى الحملة أيضا إلى رفع الوصمة عن الحيض ورؤية  المنتجات الصحية للدورة الشهرية كحاجة أساسية جسدية وصحية اللنساء. هذه الحملة هي خطوة نحو النظر إلى النساء (والرجال العابرين جنسيا وغيرهم من الأشخاص من ذوي الهويات الجنسية غير النمطية والذين قد يكون لديهم احتياجات فترة الدورة الشهرية) وأجسادهن بشكل أوسع، إنها خطوة نحو إتاحة مجال لطيف أوسع من الأجساد في نظامنا القانوني، بخلاف نموذج الرجل الغيري.

العبء الاقتصادي لاحتياجات الدورة الشهرية

ذكرت جميع السجينات السابقات اللاتي تمت مقابلتهن أنهن يضطررن للاعتماد على الزيارات لجلب فوط صحية لهن قبل وقت الدورة لاستخدامها أثناءها. "لكن مش كل الناس بييجي لها زيارات"، قالت سجينة سابقة في سجن القناطر [4] معبرة عن رأي كثيرات، أعقبه اعتراف بالتفاوت الاجتماعي الاقتصادي بين السجينات، حيث هناك سجينات من طبقات اقتصادية أقل حظا (سواء بين السجينات السياسيات ولكن أيضا وبدرجة أكبر بين السجينات الجنائيات) ومن ثم تقل احتمالية أن يكون لديهن أقارب أو علاقات اجتماعية قادرة على أن تزورهن وأن تلبي احتياجاتهن المادية. أضافت السجينة السابقة:

"هو في موضوع الجنائي بالذات، هم في ناس ظروفها صعبة جدا. وحتى لو اشتغلت في السجن -- تنظف او تغسل هدوم او تبيع حاجات كروشيه مثلا-- ظروفها مابتسمحش انها تجيب أكل مثلًا عشان تجيب بادز (فوط صحية).  ففي جنائي كثير بييجوا يطلبوا مننا بادز (فوط صحية) ونديها لهم. فالموضوع بهدلة على الناس اللي ظروفها مش كويسة. صعبة قوي. ودي حاجة من حق الست يعني تبقى متاحة ليها من غير ما تضطر تشتريها من الكانتين بأسعار مضاعفة أو تطلبها من حد. دي حاجة طبيعية قوي في جسمها. حاجة أساسية."

هناك أيضا خيار شراء الفوط الصحية من كانتين السجن. ومع ذلك، فإن هذا الخيار يضع حواجز اقتصادية أكبر أمام الأشخاص الأكثر ضعفاً من حيث الوضع الاجتماعي والاقتصادي حيث يتم بيع الفوط الصحية بأسعار مضاعفة. تشرح لنا سجينة سابقة قضت بعض الوقت في سجني النساء في القناطر ودمنهور [5]: "دمنهور ممكن تبقى أسعار الحاجة اغلى 50%. في القناطر اغلى من كدة. ساعات ممكن توصل ضعفين". تقرير للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية "للبيع في الكانتين" لتوثيق أكثر تفصيلا للاستغلال الاقتصادي من خلال تضخم أسعار الكانتين) [6]

بالإضافة إلى توفير الفوط الصحية على نفقتك الخاصة – إذا كانت الإمكانيات المادية  تسمح بذلك – أشارت سجينة سابقة في سجن القناطر إلى أن تغطية التكلفة الاقتصادية لتنظيف وتوفير مستلزمات الحمامات يقع عبئها أيضا على السجينات وتعتمد على الطبقة الاجتماعية والقدرات المالية لهن.

" الحاجات اللي بيدوهالك هي جلابية و بنطلون. انتي بتجيبي ملابس داخلية، كيلوتات، وديتول للتنظيف.... ده يعتمد على الفلوس اللي معاكي, لو معندكيش فلوس الحاجات دي مش متوفرة" [7] كما أضافت سجينة سابقة من سجن القناطر أن السجينات يتحملن أيضًا تكلفة صيانة الحمامات " احنا اللي صلحنا الحمام والدش وجبنا سلة. يا إما نخلي حد يشتري الحاجات دي من بره السجن أو ندفع لسباك السجن يجيب الحاجة " [8]

المخاطر الصحية

نظرًا لأن العديد من السجينات يعتمدن على الحصول على  الفوط الصحية أثناء الزيارات (أو طلبها من سجينات أخريات)، فقد أعربت سجينة سابقة في دمنهور [9] عن كيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى أن تقرر السجينات ارتداء الفوط لفترات أطول مما ينبغي: ""في أوقات  بتبقي قلقانة ان مش هيجيلك زيارة قريب، أو مثلًا سلفتي حد فوط فمايبقاش عندك انتي كفاية..." وتحدثت السجينات السابقات أيضا عن الاضطرار لارتداء فوطة صحية متشبعة أثناء الذهاب من وإلى المحكمة أو مستشفى خارجي في سيارة نقل السجن: " عربية الترحيلات نفسها غير ادمية بالمرة بالنسبة لواحدة عندها بيريود، بشعة جدا. من أول الصاج اللي بتقعدي عليه للارتجاج الجامد في العربية... مش مريح خالص … وفي مشوار ساعتين رايح (من القناطر للمحكمة) وساعتين جاي. وهناك مش دايما بقدر اروح الحمام عند رئيس النيابة. ولو رايحة مستشفى القصر العيني بيبقى المشوار حوالي ٣ ساعات. ممكن في يوم زي ده أفضل طول اليوم بنفس الباد (الفوطة). "[10] إن ارتداء فوطة صحية رطبة لفترات طويلة (أكثر من 6 ساعات، أو أقل بحسب معدل التدفق) يضع النساء في خطر لطفح جلدي، أو التهابات المسالك البولية، أو الالتهابات المهبلية.

لا يمكن فصل هذه التوصية عن المطالبات بتحسين الظروف الهيكلية للصحة داخل مرافق السجون - من الوصول إلى المياه النظيفة والحمامات النظيفة المتاحة ووصول ضوء الشمس. هذه الشروط تختلف من سجن إلى آخر. ففي سجن دمنهور، على سبيل المثال، تحدثت سجينة سابقة عن سوء نوعية المياه ومحدودية توفرها: " الميه ريحتها زفرة تمامًا وبتعمل مشاكل جلدية. في كمان المشكلة الازلية ان الميه بتتقطع كثير - ساعات بتبقى موجودة ساعتين بس في اليوم كله-  فبيبقى في مرحلة اللي هو يللا نجري نلحق الميه. فدي مشكلة إنك بتحاولي تظبطي مواعيدك للحمام وتغيير الفوط على أوقات فيها ميه جارية". بالإضافة إلى قلة توفر المياه، أدى الوصول المحدود إلى الحمامات في سجن دمنهور أيضًا إلى قيام النساء بتعديل أو اختصار مرات تغيير الفوط بحسب ظروف السجن. " في دمنهور العدد كبير جدا على حمام واحد ففكرة ان انتي تبقي أولًا يبقى عندك القدرة على طول إنك تغيري الباد (الفوطة)... الموضوع مش بالسهولة دي...  فبتطولي الوقت اللي بتلبسي الباد (الفوطة) فيها عشان ما تتعبيش كثير" وفي الوقت نفسه، فإن عدم كفاية إتاحة الفوط الصحية النظيفة والمياه النظيفة والحمامات النظيفة يزيد من خطر إصابة النساء بالالتهابات المهبلية والطفح الجلدي، حيث تحدثت سجينات سابقات عن أن الظروف الصحية الناتجة لا تؤخذ على محمل الجد من قبل الفريق الطبي العامل في السجون.

" أصلا عشان تشرحي للحارسة لما تسالك انتي بتشكي من ايه، عشان تقرر تطلعك ولا لأ، فانتي لو بداتي تقولي ليها انا بهرش شوية بالنسبة لها ده جنان يعني ممكن تقولك ما كلنا بنهرش". كما قالت سجينة سابقة في سجن دمنهور " عشان تطلعي المستشفى -  دي معجزة - عشان بيتعاملوا مع كل الناس على أنهم بيتمارضوا. فساعات المعاملة في المستشفى سيئة قوي، الظابط ممكن يبقى عنيف او قليل الادب فالناس تفكر تقول لا اتعب أحسن من اني اسمعلي كلمتين. بتخلي الناس مش عايزة تطلع أساسا". باختصار، لا يمكن فصل المطالبة بضمان توفير الفوط الصحية القطنية لجميع السجينات عن المطالبات بمعالجة محددات وظروف صحية هيكلية أوسع. [12]

التحليل القانوني

ينص قرار وزير الداخلية رقم 468/2017 بشأن بشأن كيفية معاملة المسجونين ومعيشتهم  (الذي عدل قرار وزير الداخلية السابق رقم 691/1998)، ينص على احتياجات جسدية خاصة بالمرأة بمجرد وصولها إلى شهرها الثالث من الحمل من حيث توزيع الوجبات الخاصة لتوفير احتياجاتهن الغذائية الإضافية. كان ينبغي أن يتضمن القرار جوانب أوسع لصحة النساء واحتياجاتهن الجسدية.

وينبغي معالجة هذا النقص من خلال قرار جديد لوزير الداخلية ينص على صرف فوط صحية نسائية لمدة 7 أيام شهريا في المتوسط ​​. فيتصدى  هذا التدخل القانوني لواقع كون الاحتياجات الجسدية للنساء غير مدرجة في القانون إلا في حالات الحمل، ويرفض اعتبار احتياجات النساء الجسدية خلال دوراتهن الشهرية ترفاً وليست احتياجات ضرورية، تماماً مثل الغذاء والملابس.

وذلك في سياق العمل نحو تحقيق المبادئ التي حددها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (التعليق رقم 14 على المادة 12) التي تدعم مفهومًا محددًا للصحة يتضمن الاحتياجات الأساسية مثل الحق في: "الغذاء والتغذية والإسكان والحصول على مياه مأمونة ومياه صالحة للشرب ومرافق صحية ملائمة... وبيئة صحية" (الفقرة 4). [13]

الهامش:

[1] مقابلة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مع سجينة سابقة في سجن القناطر للنساء من يونيو 2014 إلى سبتمبر 2015.

[2] السجون العمومية الإحدى عشرة المخصصة للمرأة هي: سجون دمنهور، المنصورة، الزقازيق، بورسعيد، قنا، سوهاج، المنيا، طنطا، شبين الكوم، بنها، وسجن القناطر النسائية. ملاحظة: يشمل هذا الرقم فقط السجون العامة المخصصة للنساء وتستثني أماكن الاحتجاز الأخرى التي تسجن فيها النساء مثل مراكز الشرطة ومديريات الأمن والسجون العسكرية والمركزية.

[3] على الرغم من أن فئة الاعتقال السياسي لم تعد موجودة بالمعنى القديم الذي كان سائدا عندما كان يمكن اتخاذ قرارات الاحتجاز من قبل المسؤولين الإداريين (وزارة الداخلية) وفقا للمادة 1 من المادة 3 من قوانين الطوارئ المصرية (التي منحت الرئيس المصري سلطة اعتقال، واحتجاز، والبحث عن الأشخاص والأماكن غير المقيدة بتدابير قانون إجراءات العدالة الجنائية)، لا يزال اسم السجن السياسي قائماً ويتعلق بالسجناء الذين يتم القبض عليهم على أساسلتهملسياسية والمتهمين في قضايا بعضوية منظمات سياسية معارضة

[4] مقابلة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مع سجينة سابقة في سجن القناطر للنساء من مايو 2015 - أغسطس 2016 ومن نوفمبر إلى ديسمبر 2017 ؛ ودمنهور من مايو إلى سبتمبر 2014 ومايو 2015 - مايو 2016 و يناير 2018

[5] المرجع السابق

[6] المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (يوليو 2018)" للبيع في الكانتين :الإفقار العمدى في السجون المصرية".

[7] مقابلة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مع سجينة سابقة في سجن القناطر من يونيو 2014 – سبتمبر 2015

[8] مقابلة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مع سجينة سابقة في سجن القناطر من ديسمبر 2015 – يونيو 2016

[9] مقابلة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مع سجينة سابقة في سجن القناطر من مايو 2015 إلى أغسطس 2016 ونوفمبر-ديسمبر 2017، وفي سجن دمنهور من مايو – سبتمبر 2014، ومايو 2015 – مايو 2016 ويناير 2018

[10] مقابلة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مع سجينة سابقة في سجن القناطر من ديسمبر 2015 – يونيو 2016

[11] المرجع السابق

[12] المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (يونيو 2014). الصحة في السجون المصرية،"الصحة في سجون مصر: بحث ميداني عن محددات الصحة داخل عالم السجون"

[13] اعتمد في الدورة الثانية والعشرين للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التعليق العام رقم 14: الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه (المادة 12 من العهد)، 11 أغسطس 2000، E / C.12 / 2000/4، https://www.refworld.org/docid/4538838d0.html، تاريخ آخر زيارة 3 فبراير 2019