القضاء الإداري يلزم الحكومة بالإفصاح عن التسويات التي تُجرى على عقود الدولة المتعلقة بالمال العام

بيان صحفي

20 ديسمبر 2015

قضت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري، في الدعوى رقم 59439 لسنة 67 قضائية، المقامة من مؤسسة «حرية الفكر والتعبير»، و«المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، بإلزام مجلس الوزراء بتنظيم حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات والبيانات المُتعلقة بالتسويات التي تجريها الدولة مع المستثمرين في منازعات الخصخصة، وعقود الدولة المتعلقة بالمال العام، بما يُحقق الإفصاح عن هذه التسويات، وتداولها على النحو الذي يحقق المعرفة بالمعايير، والأسباب، والأسس التي تتم عليها كل تسوية على حدة.

وإعمالا لهذه المبادئ، فقد ذكرت المحكمة في حيثيات حكمها "إن الحق في المعرفة هو حق من حقوق الإنسان التي تمثل أمرًا بالغ الأهمية، وأن تنظيم حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات، والبيانات المتعلقة بالتسويات التي تُجرى على المال العام، من شأنه تعزيز مبدأ الشفافية، ويضمن طرقًا أفضل لإتمام هذه التسويات على أحسن وجه، ويقضي على الفساد، ويؤدي إلى اتخاذ قرارات مدروسة من القائمين على أمر هذه التسويات، ويجعل المواطنين مُشاركين فيها، باعتبار أن هذه التسويات تؤثر تأثيرًا مباشرًا في حياتهم وأوضاعهم الاقتصادية، ويضع قادتهم أمام المساءلة، ومن ثم يتعين على الدولة أن تنشئ الأطر القانونية القوية التي تحمي حق الأفراد في الوصول إلى هذه المعلومات –وبما يضمن الحفاظ على سريتها- وبالتالي يؤدي إلى خلق مجتمع مدني نشط قادر على تحقيق رقابة شعبية حقيقية، وفعالة على تصرفات الحكومة في أموال الدولة".

تعود خلفية الدعوى التي أعدها أحمد حسام المُحامي، إلى قيام الحكومة ممثلة في المجلس العسكري بإصدار المرسوم بقانون رقم ٤ لسنة ٢٠١٢ بتعديل بعض أحكام قانون ضمانات وحوافز الاستثمار، لإجازة التصالح في الجرائم المتعلقة بالمال العام، وإجراء تسويات في المخالفات التي شابت عقود الدولة. وعقب إصدار هذا المرسوم طالعتنا وسائل الإعلام بالعديد من الأخبار حول إجراء الحكومة عدة تسويات في جرائم ومخالفات تمثل وقائع فساد تتعلق بالمال العام، دون أن يحقق ذلك أي قدر من المعرفة بالمعايير والأسباب والأسس التي تتم بناء عليها هذه التسويات. ثم صدر بعد ذلك، وفي أثناء نظر الدعوى، القرار بقانون رقم 32 لسنة 2014 المعروف بتحصين /أو تقييد الطعن على عقود الدولة، فأصبحت الحكومة تُجري تسويات في عقود تتضمن وقائع فساد تتعلق بالمال العام، بعيدًا عن أعين المواطنين، والرأي العام، ولم تكتفِ بذلك بل سلبت منهم كذلك حق الطعن على هذه العقود دفاعًا وحفاظًا على المال العام، وهو ما شكل ضرورة أكثر إلحاحًا حول إلزام الحكومة بالإفصاح عن التسويات التي تُجرى على المال العام.

ورتبت الدعوى على ذلك أن إعمال قواعد الإفصاح، وتفعيل الحق في المعرفة، والحصول على المعلومات وكشف مضمون تلك التسويات التي أجريت في جرائم، أو مخالفات، أو وقائع فساد على المال العام، من شأنها إتاحة الرقابة الشعبية على التصرفات الواردة على المال العام الذي هو ملك للشعب في المقام الأول، ويضاف إلى هذا تمكين الرأي العام من إنزال أحكام موضوعية في مدى قيام الدولة بواجباتها في حماية المال العام، ونهوضها بواجباتها نحو حماية المقومات الاقتصادية للمجتمع، وضمانها للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومما لا شك فيه أن إطلاع الرأي العام سواء كانوا من الخبراء والاقتصاديين أو المواطنين على تفاصيل قرارات التصالح واجب في ظل انعدام الحد الأدنى من الشفافية حول محتوى، ومضمون القرارات الصادرة باعتماد هذه التسويات.

قانونيًّا استندت الدعوى بشكل أساسي إلى الحق في المعرفة، بما يتضمنه جوهره من حرية تداول المعلومات، والإفصاح عنها، وإتاحتها، باعتباره حقًّا دستوريًّا للمواطنين، ورد النص عليه بدستوري1 2012، و2014، أيضًا فقد تم النص على هذا الحق في المواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر، ووافق عليها البرلمان، ونشرت بالجريدة الرسمية وينبغي أن تنفذ كالقوانين الداخلية، وفق ما نص عليه الدستور2، كاتفاقية مكافحة الفساد، والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، كما ورد هذا الحق كذلك بقانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996، وقانون حماية المستهلك رقم 67 لسنة 2006.

وأخيرًا، تدعو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الحكومة إلى تفعيل ما ورد في الحكم من ضرورة التزام الحكومة بالإفصاح عن مبررات وشروط التسويات التي تجريها، كما ندعو البرلمان المقبل إلى أن يخلق الإطار التشريعي الذي يسمح من ناحية بحرية تداول المعلومات التي تختص بحقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية بما يساهم في تدعيم مبدأ الرقابة الشعبية على تصرفات الحكومة وإلى إعادة النظر من ناحية أخرى في كل القوانين التي حصنت العقود التي تعقدها الدولة مع المستثمرين ضد رقابة القضاء، وإلى إعادة النظر في قوانين التصالح في قضايا الفساد برمتها.

______________________________________

1-تنص المادة (68) من دستور 2014 على أن "المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا. وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة، وفقًا للقانون".

2-المادة (93) من الدستور "تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا للأوضاع المقررة".