التوصل إلى الاتفاق النهائي للمعاهدة الدولية للحد من التلوث بالزئبق

بيان صحفي

10 فبراير 2013

 أجراس الخطر تدق: على مصر أن تبدأ من الآن في إجراءات المرحلة الانتقالية للحد من التلوث

عقدت في جنيف يوم 19 يناير الماضي، وبحضور حوالي 140 دولة الجلسة الخامسة والأخيرة للتحضير للمعاهدة الدولية لمنع انبعاث الزئبق، والحد من آثاره الصحية والبيئية المدمرة. وقد توجت تلك الجلسة الختامية جهود أربعة أعوام من المفاوضات - شاركت فيها مصر- وذلك بإعلان التوصل إلى الصيغة النهائية للمعاهدة. وستطرح الاتفاقية، والتي سميت اتفاقية "ميناماتتا"،  للتوقيع الدولي عليها في أكتوبر 2013 في ميناماتا باليابان.

 وتصنف منظمة الصحة العالمية الزئبق كواحد من العناصر الكيميائية "شديدة الخطورة" على الصحة، وهو معروف بتأثيره الضار على الجهاز العصبي، كما يؤثر أيضًا على وظائف الكلى، وعلى معظم وظائف الجسم الأخرى بما فيها جهاز المناعة[1]. وقد حددت منظمة الصحة العالمية الفئتين الأكثر عرضة لمخاطر التلوث بالزئبق، وهما الأجنة للأمهات اللاتي يتناولن كميات مرتفعة من الزئبق، مما يؤثر سلبًا على نمو المخ والجهاز العصبي للأجنة، ويظهر هذا التأثير عليهم عندما يصبحون أطفالا، في شكل ضعف عقلي أو خلل حركي أو تخاطبي أو غير ذلك. أما الفئة الأخرى فهي أولئك الذين يتعرضون للزئبق بحكم عملهم أو الذين  يعتمدون على السمك كغذاء بشكل أساسي مثل الصيادين[2].

 

وتعد هذه الاتفاقية في غاية الأهمية بالنسبة إلى مصر، حيث تشير تقارير ودراسات متعددة إلى أن مصر تعاني من ترسب نسب عالية من الزئبق في البيئة خصوصًا بنهر النيل والسواحل الشمالية [3] [4]، وتتركز نسب شديدة الخطورة  للزئبق في بعض أنواع الأسماك البحرية التي تدخل على نطاق واسع في الغذاء[5].  وأشارت دراسة فريدة إلى أن الأطفال المصابين بالتوحد- الذي تتشابه أعراضه الرئيسية مع تلك التي يسببها التسمم بالزئبق- لديهم ارتفاع ملحوظ في نسبة تركيز الزئبق مقارنة بغيرهم،  وأن الزئبق يكون أكثر ارتفاعًا في الحالات الأشد في الأعراض[6].

 ولا تبدو هذه  النتائج المحزنة مفاجئة أو غير متوقعة على أية حال، فمصادر تلوث البيئة في مصر عديدة وواضحة للعيان، فأغلب الأنشطة الصناعية في مصر تعتمد على مشتقات  البترول، بما في ذلك الثقيلة منها، رغم جهود إحلال الغاز الطبيعي محلها، كما تعتمد عليها أغلب وسائل النقل التي تزدحم بها المدن والشوارع، وتنتشر ورش الصناعات الصغيرة والمسابك وأفران الفخار، والفحامات بشكل كبير وعشوائي، والتي تستخدم بعامة تقنيات عتيقة ومصادر للطاقة شديدة التلويث، ونادرًا ما تتخذ احتياطات كافية لمنع الانبعاثات[7]. ولدينا صناعات أخرى مثل الأسمنت والحديد والبلاستيك والقلويات التي ينبعث أو يتسرب منها الزئبق[8]،  وتذهب مياه صرف كثير من المناطق الصناعية إلى النيل أو البحر المتوسط،  ومعروف أن البحيرات الشمالية خصوصًا بحيرة مريوط شديدة التلوث بالزئبق[9]، وكذلك ساحل الإسكندرية[10]. ولا يوجد برنامج لإدارة المخلفات الكهربائية والإلكترونية كمخلفات خطرة، وتلقى كقمامة بلدية، كما إن النظام الصحي مازال يعتمد على أجهزة قياس الحرارة وأجهزة قياس الضغط الزئبقية، وتنفث المحارق سواء الطبية أو محارق القمامة الزئبق وغيره من الملوثات الخطرة في الهواء.

 حقائق عن الزئبق

يتواجد الزئبق كمعدن في الطبيعة كما يتواجد كشوائب في الوقود، أو في المواد الخام المستخدمة في الصناعة.  ومن أكبر مصادر التلوث بالزئبق حرق الفحم والبترول لتوليد الطاقة، وتصنيع الحديد والمعادن الأخرى مثل النحاس والرصاص، وأيضًا تصنيع الأسمنت واستخلاص الذهب في الورش الصغيرة. كما يستخدم الزئبق كعامل مساعد في عديد من الصناعات: مثل البلاستيك (فينيل كلوريد مونومير)، والكلور، والقلويات، والورق[11]. وأيضًا يستخدم الزئبق في البطاريات واللمبات الفلورسنت والمعدات الكهربائية والإلكترونية،  وفي أجهزة القياس والضبط مثل الترمومتر والبارومتر وفي حشو الأسنان، وفي منتجات أخرى مثل المبيدات والأدوية والدهانات  ومستحضرات التجميل[12].

 والزئبق قادر على البقاء في الهواء لفترات طويلة قد تصل إلى 18 شهرًا كما إنه ينتقل في الهواء والماء لمسافات بعيدة، وعندما يترسب الزئبق في التربة أو الماء، يتحول عن طريق البكتيريا إلى زئبق عضوي. يدخل الزئبق العضوي جسم الكائنات الحية عن طريق الغذاء ويزداد تركيزه في أجسام الكائنات الحية كلما صعدنا في السلم الغذائي[13]. ويتعرض الإنسان إلى الخطر من الزئبق إما عن طريق استنشاق بخار الزئبق في أثناء تصنيعه، أو عن طريق الطعام خصوصًا استهلاك الأسماك والقشريات الملوثة به وهو الطريق الأغلب[14].

 اتفاقية ميناماتا

سميت  الاتفاقية بهذا الاسم تخليدًا للذكرى المأساوية التي تعرضت لها مدينة ميناماتا في اليابان بسبب التلوث  بالزئبق في منتصف القرن الماضي، حين أدى تراكم الصرف الصناعي المحمل بالزئبق في الخليج الذي تقع عليه ميناماتا، ويعتمد عليه السكان في غذائهم إلى ظهور أعراض مرضية خطيرة لم تكن معروفة السبب في ذلك الوقت وكانت السبب المباشر في كشف الآثار الصحية الخطيرة للتسمم بالزئبق.

 أما الآن فقد وصل تلوث البيئة بالزئبق على مستوى العالم إلى حد كبير من الشدة والاتساع[15]. ويشير أحدث تقرير دولي إلى أن مستويات التلوث بالزئبق في مختلف بقاع العالم أصبحت تتجاوز بشكل منتظم المستويات الصحية الآمنة، وأظهر التقرير أن أكثر من 80% من الأسماك التي في  مناطق متفرقة من العالم تحتوى على نسبة أعلي من المستويات الآمنة للاستهلاك[16].

تأتي اتفاقية ميناماتا تتويجًا للجهود والنداءات المتوالية، التي طالبت عبر سنوات بالتصدي لمخاطر الزئبق. وتؤسس الاتفاقية لعدد من الإجراءات الحمائية، تتضمن الحد من انبعاث وتسرب الزئبق من مصادر متعددة، مثل محطات الطاقة والمصانع وأفران الأسمنت والمحارق وغيرها، وتعزيز الطاقة النظيفة والتقنيات المتطورة. كما تمنع استيراد وتصدير الزئبق، وتعزز إلغاء التنقيب عن الزئبق، والاكتفاء بإعادة استخدام  الزئبق الموجود في الصناعات اذا لم يكن هناك بديل عنه. وتحدد المعاهدة عام 2020 توقيتاً ينتهي فيه استعمال المنتجات التي يدخل فيها الزئبق، بما في ذلك الأجهزة الطبية مثل مقاييس الحرارة والضغط[17]. وتحدد الاتفاقية إجراءات تخزين الزئبق والتخلص الآمن منه، وتهتم المعاهدة بحماية الفئات الأكثر عرضة  لخطر التعرض للزئبق عن طريق اتخاذ التدابير للوقاية وتخفيف المخاطر كما تعمل على تحسين الرعاية والخدمات الصحية  بهذا الصدد [18].

ومن الهام أن نعرف أن الاتفاقية تتضمن إنشاء آلية لبناء القدرات وتوفير المساعدة المالية والتقنية من أجل دعم الأطراف من البلدان النامية للوفاء بالتزاماتها[19]. ومن المتوقع أن يساهم صندوق البيئة العالمي – وهي جهة مستقلة[20] - الدول النامية في تنفيذ بنود الاتفاقية، بعد أن تدخل المعاهدة إلى حيز النفاذ. وقد تعهدت اليابان بتقديم مساعدة للدول الراغبة في البدء في اتخاذ خطوات عاجلة لتقليل انبعاث الزئبق طبقًا للاتفاقية بدلا من الانتظار حتى تدخل حيز النفاذ[21].

 مصر وضرورة التحرك السريع

ويكتسب التوصل إلى اتفاق نهائي لمعاهدة  ميناماتا أهمية خاصة بالنسبة إلى مصر، فقد رأينا، أن تلوث البيئة بالزئبق واسع المدى ومتعدد المصادر ويشكل خطرًا على الصحة العامة للبشر وعلى البيئة الحيوية، ولهذا لا بد من الإسراع باتخاذ خطوات جادة لتجنب مزيدًا من التدهور ومن الخطر.

ونحن ندعو وزيري البيئة والصحة إلى النظر بعين الجدية إلى معاهدة ميناماتا، والدفع تجاه انضمام مصر اليها بمجرد أن تطرح للتوقيع. كما ندعوهم، لتوقي مزيدًا من تدهور الوضع بالبدء في اتخاذ الخطوات التي رسمتها الاتفاقية للحد من التلوث بالزئبق اعتباراً من الآن وعدم الانتظار حتى تدخل الاتفاقية حيز النفاذ،  واتخاذ إجراءات مثل منع الاستيراد والتصدير للزئبق ومركباته، والبدء في الإلغاء التدريجي للمنتجات التي تحتوى على الزئبق، واستبدال التقنيات الجديدة في الصناعات بتلك التي تستعمل الزئبق، وأيضا تحديد المعايير القصوى للانبعاث بشكل مناسب واتباع قواعد التخزين والتخلص السليم من النفايات[22].  وهناك فرصة متاحة امام وزيري البيئة والصحة للاستفادة من المساعدات التقنية والمادية التي وعدت بها اليابان خصوصًا، كذلك الاستفادة من المساعدة التقنية التي تقدمها منظمة الصحة العالمية في المرحلة الانتقالية في المجال الطبي، من اختيار بدائل أخرى للأجهزة التي تستعمل الزئبق، والتدريب على استعمالها والتخلص الآمن منها لتقليل المخاطر على العاملين وتقليل الانبعاث في البيئة[23].

* تعليق أعدته الدكتورة راجية الجرزاوي، مسؤولة ملف الصحة والبيئة.



[1]  Mercury and Health, fact sheet No. 361, WHO.

[2] Mercury and Health, fact sheet No. 361, WHO.

[3]  Global Mercury report, Biodiversity research institute and IPEN, 2013.

[4] Technical Background report to the global atmospheric Mercury assessment, UNEP & AMPA, 2008, p 43

[5]  Environmental monitoring of mercury in urban soils, air and plants of a Mediterranean area, Alexandria, Egypt,  International Journal of Energy and environment, Vol 4, Issue 2, 2013.

[6]  Hair mercury measurement in Egyptian autistic children, The Egyptian Journal of Medical Human Genetics (2010) 11, 135–141

[7] The National environmental action Plan of Egypt 2002/17,  2001, EEAA, p 17

[8]  Estimation of Mercury intake from selected fish species commercialized in Alexandria, southeast Mediterranean Sea, Egypt, Human and Ecological Risk assessment, Vol 18, Issue2, 2012 .

[9]  The National environmental action Plan of Egypt 2002/17,  2001, EEAA , p 21

[10]  The National environmental action Plan of Egypt 2002/17,  2001, EEAA , p 55

[11] Global Mercury report, Biodiversity research institute and IPEN, 2013.

[12]  Technical background report to the global atmospheric Mercury assessment, UNEP& AMPA, 2008

[13]  Technical  background report to the global atmospheric Mercury assessment, UNEP &A, 2008

[14]  Mercury, Health impact of chemicals, WHO, http://www.who.int/ipcs/assessment/public_health/mercury/en/

[15] Global Mercury report,  Biodiversity research institute and IPEN, 2013

[16] Global Mercury report, Biodiversity research institute and IPEN, 2013,

[17]Minamata Convention agreed by Nations, UNEP News Center,  Geneva/Nairobi, 19 January 2013

[18]Mercury and Health, fact sheet No. 361, WHO http://www.who.int/mediacentre/factsheets/fs361/en/

[19]Draft text for a global legally binding instrument on mercury, UNEP (DTIE)/Hg/INC.5/3

[20] للمزيد من المعلومات عن الصندوق انظر:

http://www.thegef.org/gef/

[21] Minamata Convention agreed by Nations, UNEP News Center,  Geneva/Nairobi, 19 January 2013

[22]Draft text for a global legally binding instrument on mercury, UNEP (DTIE)/Hg/INC.5/3

[23]Health and Mercury, WHO, policy paper.