الفصل الرابع: تشغيل المسجونين وأجورهم

يحدد قرار وزير الداخلية رقم 73 لسنة 1959 الأشغال التي تفرض على المحكوم عليهم، وقد فرق القرار بين ما يتم فرضه على المحكوم عليهم بالسجن المشدد، مؤبدًا كان أو مؤقتًا، وبين ما يفرض من أعمال على المحكوم عليهم بالسجن أو الحبس مع الشغل. وتتنوع الأعمال المذكورة بالقرار الوزاري سالف الذكر بين أعمال زراعية، واستصلاح أراضٍ، وأعمال صناعية حرفية، وأعمال الشحن والتفريغ. وجدير بالذكر أنه كان من ضمن الأعمال المذكورة بهذا القرار أشغال المحاجر وتكسير الأحجار والنحت إلا أنه تم إلغاؤها بقرار وزير الداخلية  رقم 10807 لسنة 1997.

وينص القرار الوزاري (73/1959) أيضًا على عدم جواز أن تنقص مدة تشغيل المحكوم عليهم بالسجن المؤبد أو المؤقت أو بالحبس مع الشغل عن ست ساعات في اليوم ولا أن تزيد على ثمانٍ، ولا يجوز تشغيل المسجونين فى أيام الجمع والأعياد الرسمية ولا غير المسلمين فى أعيادهم الدينية، وذلك كله فى غير حالات الضرورة.

أما إذا اقتضى الأمر تشغيل المسجونين فى أعمال تتعلق بالمنافع العامة وفى جهات بعيدة عن السجن جاز إيواؤهم ليلًا في معسكرات أو سجون مؤقتة، وتراعى فى هذه الحالة القواعد المقررة داخل السجن من حيث الغذاء والصحة والنظام والتأديب.

ولا يجوز وفقًا للقانون تشغيل المحبوسين احتياطيًّا والمحكوم عليهم بالحبس البسيط إلا إذا رغبوا في ذلك، وفي كل الأحوال يجب على اللائحة الداخلية أن تبين الشروط اللازمة لاستحقاق المحكوم عليهم أجورًا مقابل أعمالهم وأوجه صرف هذه الأجور، وتقرر عدم جواز الحجز على أجور المسجونين دون إخلال بحق إدارة السجن في خصم مقابل الخسائر التي قد يتسبب فيها المسجون، وفي حالة وفاة المسجون يصرف أجره إلى ورثته الشرعيين.

وقد أفردت لائحة تنظيم السجون، الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم 79 لسنة 1961، ثلاث عشرة مادة لتنظيم تشغيل المسجونين وأجورهم وهي المواد من المادة الأولى وحتى المادة الرابعة عشرة، كما أفردت اللائحة الداخلية للسجون المركزية ثلاث مواد بها لهذا الأمر وهي المواد أرقام 16، 17، 18. وجاء بهذه المواد وجوب تشغيل كل محكوم عليه بالسجن المشدد أو المؤقت أو الحبس مع الشغل في خدمات السجن الداخلية أو غيرها، ما لم يأمر طبيب السجن بغير ذلك، ويثبت عمل المسجون بكشف أحوال وتذكرة المسجون العمل الذي يتعين للاشتغال به. ويكلف المحكوم عليهم بالحبس البسيط والمحبوسين احتياطيًّا بتنظيف غرفهم (لا يعد ذلك عملًا بأجر) ويجوز إعفاؤهم من ذلك لأسباب إدارية أو صحية، ولا يجوز تشغيلهم في غير ذلك إلا بإقرار كتابي منهم بالموافقة على العمل، وفي هذه الحالة لهم حق اختيار نوع العمل الذي يريدونه.

ويتم تشغيل أصحاب المهارات الفنية من المحكوم عليهم بحرفهم أو بأي حرفة أخرى ذات صلة، أما المحبوس احتياطيًّا فيجوز السماح له بمزاولة مهنته لحسابه. ولا يتم تشغيل النساء المحكوم عليهن إلا في الأعمال المناسبة لطبيعة المرأة دون تحديد المعايير وأخذ رغبة السجينة في الاعتبار، كما لا يجوز تشغيل المسجونين المرضى أو المصابين بأمراض معدية، ويجب فحص جميع المسجونين الذين يشتغلون في تجهيز المواد الغذائية ونقلها وتوزيعها للتأكد من خلوهم من الأمراض، ولا يجوز تشغيل المسجونين المعينين لأعمال النظافة في أي عمل يتصل بغذاء المسجونين أو مياه الشرب أو الأدوات الخاصة بذلك.

وتقرر لائحة السجون الأعمال التي يكلف بها المسجون ويستحق عنها أجرًا بقرار من مدير مصلحة السجون، ومقدار الأجر المستحق عن عمله وقد حددته بسبعة جنيهات عن يوم العمل الواحد وذلك بعد تعديل اللائحة الداخلية للسجون بقرار وزير الداخلية مع جواز منح المسجون أجرًا مقابل تحقيق حجم إنتاج أكبر. وأجازت اللائحة للمسجون الجمع بين الأجر وأي أجر أو مكافأة أخرى، وحرمت المسجون من الأجر عن الأيام التي لا يؤدي فيها عملًا وكذلك عن الأيام التي يقل فيها إنتاجه عن معدل الإنتاج المقرر دون وجود آلية للتظلم. وتقررَ بالتعديل الأخير أن يصرف المسجون الأجر اليومي المقرر للمسجونين خلال مدة علاجه من إصابة أو مرض بسبب العمل بعد أن كان النص السابق يقرر أن يُصرف للمسجون أجر بما لا يتجاوز سبعة أيام في الشهر الواحد في أثناء علاجه من إصابة أو مرض بسبب العمل.

وتحدد اللائحة الداخلية للسجون ما يجوز للمسجون أن يتصرف فيه من الأجر المستحق له وهو النصف. ويمكن للسجين أن يصرف نصف أجره للحصول على ما يحتاجه من الأصناف المسموح ببيعها في السجن، ومساعدة أسرته، أما النصف الآخر من الأجر فلا يصرف له إلا عند الإفراج عنه.

وقد أنشئ في مصر صندوق للتصنيع والإنتاج بالسجون في عام ١٩٧٨ بهدف تدريب المسجونين مهنيًّا وتأهيلهم للاندماج في المجتمع عند انتهائهم من قضاء عقوبتهم في السجن. وبالنظر إلى نصوص قانون السجون ولائحته التنفيذية، والقرارات الصادرة والمتعلقة بتشغيل المسجونين وأجورهم أو ما يطلق عليه "العمل العقابي"، سنجده يفتقد الكثير من شروط العمل داخل السجون المتعارف عليها دوليًّا والمتمثلة في ضرورة أن يكون العمل ذا طابع مفيد. فبالرغم من وجود مزارع ومصانع لمصلحة السجون، إلا أنه لا تتوفر أية معلومات عن إنتاج هذه المصانع والمزارع، الأمر الذي يرجح معه أن إنتاجها لا يذكر وضئيل جدًّا إلى الدرجة التي تجعلنا نقول إن العمل العقابي بمصر غير منتج. والعمل المنتج وحده هو الذي يدفع المحكوم عليه إلى إتقانه داخل السجن، والحرص على ممارسته بعد الإفراج عنه، كما أنه يرفع معنويات المحكوم عليه، حيث يشعره بقدراته و بقيمته الاجتماعية، ومن ثم يساعده على الاندماج في المجتمع أما العمل غير المنتج فإنه ضار بالمحكوم عليه، بل وغالبًا ما يكون سببًا للتمرد والإخلال بالنظام داخل المؤسسة العقابية.

ومن شروط العمل داخل السجون وفقًا للمعايير الدولية أن يكون نوع العمل ووسيلته والظروف التي يؤدى فيها مماثلًا لما يوجد خارج المؤسسة العقابية، أي أنه لا بد "أن يكون لنوع العمل الذي يؤديه النزيل مثيل في الوسط الحر، حتى يتسنى له أن يلتحق به بعد الإفراج عنه، كما يجب أن تكون وسيلة أداء العمل داخل المؤسسة العقابية متشابهة مع تلك الموجودة في الوسط الحر، وبالتالي فلا يجوز تدريب المحكوم عليه على عمل بالطريق اليدوي، في حين أن هذا العمل يمارس خارج المؤسسة العقابية بالآلات الحديثة، كما يجب أن تكون ظروف العمل، وأوقات الراحة، ووسائل الأمن والسلامة المهنية كذلك". لا تتوفر هذه الشروط في بيئة العمل داخل المؤسسات العقابية  في مصر، حيث أنه لم ينص صراحة على تطبيق قانون العمل المصري على المحكوم عليهم الذين يعملون بالسجون، ولا توجد نصوص تلزم إدارات السجون بتوفير وسائل السلامة والصحة المهنية أسوة بالنصوص المتعلقة بالعمل خارج السجون.

ومن أهم شروط العمل داخل السجون أن يكون العمل بمقابل، ويذهب الرأي الراجح في الفقه "إلى أن السجين يجب أن يتقاضى مقابلًا لعمله وذلك كون العمل القضائي لم يعد يفرض على المسجون باعتباره عقوبة وإنما يعتبر أحد أساليب المعاملة العقابية التي تهدف إلى إعادة تأهيله اجتماعيًّا، والأجر الذي يتقاضاه المحكوم عليه يشجعه على الإقبال على العمل والحرص على إتقانه، ويساعده أثناء عمله بالمؤسسة العقابية وبعد الإفراج عنه". وبالنظر إلى الأجر الذي يستحقه السجين المصري والمقرر بالمادة 11 من لائحة السجون بعد تعديلها فى 2014 "بسبعة جنيهات في اليوم الواحد" نستطيع القول إنه غير كافٍ وغير متماشٍ مع الحد الأدنى للأجور، حتى مع الأخذ بعين الاعتبار نفقات الدولة على المسجون.

وتعطي لائحة السجون سلطة مفرطة لإدارة السجن في تحديد "معدل الإنتاج" والمتعلق بالحرمان من الأجر، فلا بد  من تعديل الفقرة الثانية من المادة الثانية عشرة من لائحة تنظيم السجون، التي تقرر أنه لا يَصرِف المسجون أجرًا عن الأيام التي يقل فيها إنتاجه عن معدل الإنتاج المقرر حيث أنه لا يوجد معدل إنتاج مقرر ومعروف في اللائحة كي يتم القياس عليه، وبالتالي تستطيع إدارة السجن حرمان المسجون من أجره بالكامل، والتعلل بأنه لم يصل بإنتاجه إلى معدل الإنتاج المقرر، ولن يستطيع السجين العامل التظلم أو الطعن على قرار حرمانه من أجره، إذ أنه لا توجد آلية لمثل هذا الإجراء.

الوضع في المواثيق والاتفاقيات الدولية فيما يخص تشغيل المسجونين وأجورهم:

بالنظر إلى الوضع في القانون المصري فيما يخص تشغيل المسجونين، فإننا نجده يتفق في بعض المواضع مع القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء "قواعد نيلسون مانديلا"، ويخالفها في مواضع أخرى. وأوجه الاتفاق تتمثل في إقرار أنه يجوز للسجين أن يتصرف في نصف أجره فقط بشراء ما يحتاجه من كانتين السجن ومساعدة أسرته، أما النصف الآخر فلا يصرفه السجين إلا عند الإفراج عنه، وكانت بعض الأعمال في السجن ذات طبيعة مؤلمة إلى أن تم إلغاء عقوبة الأشغال الشاقة عام 2003.

أما ما يخالف قواعد نيلسون مانديلا فيتمثل في عدم اتخاذ إجراءات السلامة والصحة المهنية المنصوص عليها بقوانين العمل والتي تطبق خارج السجون بداخلها، وعدم حصول السجناء على أجور منصفة متقاربة مع أجور العمال خارج السجن حيث يبلغ أجر السجين المصري سبعة جنيهات عن اليوم الواحد للعمل، بينما الحد الأدنى للأجور في مصر الآن 1200 جنيه شهريًّا (بما يعادل أربعين جنيهًا يوميًّا). وتعطي لائحة السجون سلطة مفرطة لإدارة السجن حيث تقرر أنه لا يَصرِف المسجون أجرًا عن الأيام التي يقل فيها إنتاجه عن معدل الإنتاج المقرر ولا يوجد معدل إنتاج مقرر ومعروف كي يتم القياس عليه، وبالتالي تستطيع إدارة السجن حرمان المسجون من أجره بالكامل، والتعلل بأنه لم يصل بإنتاجه إلى معدل الإنتاج المقرر، ولن يستطيع السجين العامل التظلم أو الطعن على قرار حرمانه من أجره إذ أنه لا توجد آلية لمثل هذا الإجراء.

وجاء تنظيم عمل السجناء بقواعد نيلسون مانديلا (القواعد 96 - 103)، وأوجبت تلك القواعد ضرورة إتاحة فرص عمل منتج يكفي لتشغيلهم طوال اليوم العادي داخل السجن للسجناء اللائقين بدنيًّا وعقليا، وألا يكون العمل ذا طبيعة مؤلمة وألا يكون لمنفعة خاصة لأيٍّ من موظفي السجن، وأن يكون العمل من النوع الذي يزيد قدرة السجين على الكسب الشريف بعد إطلاق سراحه. وتضيف القواعد بأنه يجب تدريب السجناء مهنيًّا، مع إتاحة الفرصة للسجناء لاختيار نوع العمل قدر المستطاع، والحرص دائمًا على أن تقترب ظروف العمل داخل السجن مع ظروف العمل في الوسط الحر، ويجب تغليب مصلحة السجناء على أهداف تحقيق أرباح لمصلحة السجون من وراء العمل داخل السجن، وفضَّل أن تقوم إدارة السجن مباشرةً، لا المقاولون الخاصون، بتشغيل مصانعه ومزارعه.

وحين يُستخدَم السجناء في أعمال لا تخضع لسلطان إدارة السجن، يجب أن يكونوا دائمًا تحت إشراف موظفي السجن. وما لم يكن العمل لحساب إدارات حكومية أخرى، يجب على الأشخاص الذين يُقدَّم إليهم هذا العمل أن يدفعوا لإدارة السجن كامل الأجر الذي يُتقاضى عادةً عنه، مع مراعاة إنتاجية السجناء.

ويجب أن تُراعى في السجون احتياطات السلامة والصحة المهنية وأن توضع معايير واضحة لتعويض السجناء عن إصابات العمل، بما في ذلك الأمراض المهنية، بشروط لا تكون أقل من تلك التي يمنحها القانون للعمال الأحرار. كما يجب أن يحدد القانون أو اللوائح الحد الأقصى لساعات العمل اليومي والأسبوعي للسجناء مع مراعاة القواعد أو العادات المحلية المتَّبعة في مجال استخدام العمال الأحرار و يُشترَط في تحديدها أن يكون بها راحة أسبوعية وأن يترك وقت كافٍ للتعليم وغيره من الأنشطة المقرَّرة كجزء من معاملة السجناء وإعادة تأهيلهم.

وأوجبت قواعد مانديلا أن يوضع نظام أجور منصف للسجناء العاملين وأن يسمح لهم باستخدام جزء من الأجر لشراء الأشياء المرخص بها وبأن يرسلوا جزءًا آخر لأسرهم، كما يجب أن ينص النظام على احتجاز الإدارة جزءًا من الأجر كمدخرات للسجين يتم تسليمها إليه عند إطلاق سراحه