الفصل الخامس: تثقيف المسجونين وحياتهم الدينية

جاء تنظيم تثقيف المسجونين بقانون تنظيم السجون بدايةً من المادة رقم 28 وحتى المادة 32، ونظمت اللائحة الداخلية للسجون الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم 79 لسنة 1961 هذا الأمر بدءًا من المادة 15 وحتى المادة 23 منها، وكذلك خصصت اللائحة الداخلية للسجون المركزية المادتين 19، 20 منها لهذا الأمر.

وجاء بالقانون أن تقوم إدارة السجن بتعليم المسجونين مع مراعاة السن ومدى الاستعداد ومدة العقوبة، ويضع وزير الداخلية بالاتفاق مع وزير التربية والتعليم منهج الدراسة للرجال وللنساء وذلك بعد أخذ رأي مدير عام السجون. وقد صدر قرار وزير الداخلية رقم 1026 لسنة 1972 في شأن منهج تعليم وتثقيف المسجونين ليقرر أن يكون تعليم المسجونين وفقًا للمنهج الذي تعده وزارة التربية والتعليم تنفيذًا لقانون تعليم الكبار ومحو الأمية رقم 67 لسنة 1970.

كما تقرر بالقانون أن تنشأ في كل سجن مكتبة للمسجونين تحوي كتبًا دينية وعلمية وأخلاقية، يُشجَّعُ المسجونون على الانتفاع بها في أوقات فراغهم، وذلك إلى جانب جواز استحضار المسجونين الكتب والصحف والمجلات على نفقتهم، وذلك وفق ما تقرره اللائحة الداخلية. وأوقات فراغ السجناء تعني بشكل عملي كل وقت لدى السجين الذي لا يعمل بالسجن، وهو ليس وقت التريض فقط، وإن كان لا بد من تحديدٍ أكثر للوقت المسموح به للسجين لولوج المكتبة. وقد أكدت اللائحة الداخلية للسجون على إجازة ذلك للمحكوم عليهم والمحبوسين احتياطيًّا، ولكنها وضعت شرط ضرورة إطلاع إدارة السجن على ما يستحضره المسجونون من كتب وصحف ومجلات، وأعطت الإدارة الحق في عدم تسليمها للمساجين إلا بعد التأكد من خلوها مما يخالف النظام أو يثير الشعور أو الحواس أو يخل بالأمن والعقيدة.

ولا بد من أن تحدد اللائحة الداخلية المعايير أو الطريقة التي يقاس بها مدى مخالفةِ الكتب والصحف والمجلات المستحضرة من الخارج النظامَ أو إثارة الشعور أو الحواس أو الإخلال بالأمن والعقيدة. وذلك للحيلولة دون جعل حق استحضار المسجونين الكتب والصحف والمجلات من الحقوق المسلوبة أو المتوقفة على مدى رغبة إدارة السجن في منحه للمسجونين من عدمه.

وينص القانون على أنه على إدارة السجن أن تشجع المسجونين على الاطلاع والتعليم وأن تيسر الاستذكار (لم يحدد القانون كيفية الـ"تيسير") للمسجونين الذين لديهم الرغبة في مواصلة الدراسة، وأن تسمح لهم بتأدية الامتحانات الخاصة بها في مقار اللجان.

و بالنسبة إلى الحياة الدينية للمسجونين، فقد تم النص على أن يكون لكل ليمانٍ أو سجن عموميٍّ واعظ أو أكثر (على حسب الحالة وأعداد كل أصحاب ديانة من المسجونين) لترغيب المسجونين فى الفضيلة وحثهم على أداء الفرائض الدينية. وقررت اللائحة أيضًا وجوب أن يكون الواعظ ملمًّا بالنظم القائمة بالسجون بما يمكنه من أداء رسالته على الوجه الأكمل، والمشاركة الروحية والفكرية مع إدارة السجن في معالجة نفوس النزلاء، ويُقَسمُ المسجونون في دروس الوعظ إلى مجموعات بحيث تستمع كل مجموعة إلى الواعظ مرة على الأقل في الأسبوع. أما عن أماكن الاحتجاز الأخرى غير الليمانات والسجون العمومية، فنصت اللائحة أن يُكلَّف واعظ المركز أو القسم بزيارة المسجونين مرتين كل أسبوع لترغيبهم في الفضيلة وحثهم على أداء الشعائر الدينية.

كما يكون للمسجونين أخصائي أو أكثر في العلوم الاجتماعية والنفسية على الوجه الذي تبينه اللائحة الداخلية، والتي أوجبت أن يخصص لكل مسجون سجل يتضمن بحثًا شاملًا عن حالته من النواحي الاجتماعية والنفسية وما يطرأ عليه من تحسن أو انتكاس على أن يسجل هذا البحث وكذا أبحاث التتبع في استمارات خاصة مع مراعاة الاحتفاظ بالسرية التامة لهذه الأبحاث. وتقرر بلائحة تنظيم السجون أن يتولى رئاسة الخدمة الاجتماعية بالسجن أقدم الأخصائيين الاجتماعيين فيه، وقسمت اللائحة الداخلية للسجون العمل بين الأخصائيين النفسيين في السجنِ بحيث يعين أخصائي اجتماعي أو أكثر لبحث الحالات وآخر للعمل مع الجماعات وثالث للرعاية الخارجية عن طريق الاتصال بالهيئات والمؤسسات المختلفة. ويختص الأخصائي النفسي بدراسة شخصية المسجون دراسة كاملة وقياس ذكائه وقدراته المختلفة لمعرفة ميوله واتجاهاته والكشف عن النواحي الانفعالية والمزاجية عنده، ورسم سياسة لخطة المعاملة والعلاج والتوجيه بما فيها التوجيه في الناحية المهنية التي يصلح لها المسجون.

ولكي يؤتي تعليم المسجونين وتثقيفهم ثماره، ولكي يكون مجديًا لا بد من توافر العديد من العوامل غير المتوافرة في السجون المصرية منها:

  • عدم توافر عددٍ كافٍ من المدرسين المدربين للتدريس داخل المؤسسات العقابية لمحو أمية المساجين والمؤهلين بالمعرفة وأصول التعامل مع المحكوم عليهم.
  • عدم توفر مكتبات بكافة السجون تحوي القدر الملائم من الكتب، وعدم تمكين السجناء من الوصول إلى المكتبة إن وجدت.
  • عدم توافر العدد الكافي من الوعاظ الدينيين والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين بكل سجن وعدم جدوى المُتَّبَع في السجون المصرية من أسلوب إلقاء المحاضرات واللقاءات الجماعية، إذ أن الأسلوب الأجدى في التثقيف والتعليم لتحقيق الهدف المرجو وهو التهذيب الخلقي هو عقد لقاءات فردية بين الواعظ أو الأخصائي النفسي أو الاجتماعي مع المسجون.

الوضع في المواثيق والاتفاقيات الدولية:

بالنظر إلى الوضع بالقوانين المصرية فيما يخص تثقيف المسجونين وحياتهم الدينية نجدها مخالفة لما جاء بالقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء "قواعد نيلسون مانديلا"، حيث لم يُنَصْ بالقوانين المصرية على ضرورة أن يكون تعليم الأميين والأحداث من الأميين إلزاميًّا، كما لا يوجد بالسجون المصرية معلمون لرفع أمية المساجين. ولا ينص القانون على إلزام مصلحة السجون بتنظيم أنشطة ترويحية وثقافية، كما لم ينص القانون أيضًا على ضرورة توافر مكتبة بكل سجن مخصصة لمختلف فئات السجناء تضم قدرًا وافيًا من الكتب الترفيهية والثقافية على السواء، حيث المكتبات بالسجون تكون بالسجون العمومية فقط ولا يوجد تشجيع للسجناء على الذهاب إليها والاستفادة بما تحويه من كتب. وبهذه الأمور تكون القوانين المصرية مخالفة لما جاء بالقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء "قواعد نيلسون مانديلا" حيث جاء بالقواعد أرقام 104 و105 على ضرورة أن يتم تعليم جميع السجناء القادرين على ذلك وأن توضع آليات لضمان ذلك، وأن يكون تعليم الأميين من السجناء إلزاميًّا على أن يكون متوافقًا مع نظام التعليم في البلد حتى يستطيع السجين مواصلة التعليم بعد إطلاق سراحه دون مشاكل. وكانت قواعد مانديلا حريصة على النص على وجوب تنظيم أنشطة ترفيهية وثقافية حرصًا على صحة السجناء البدنية والعقلية.

وفيما يخص الحياة الدينية للمساجين، فإن القوانين المصرية قد نصت على أن يكون بكل سجن واعظ ديني أو أكثر بمعنى أن الحد الأدنى للوعاظ الدينيين لكل سجن هو واعظ واحد فقط، وبالطبع فإن واعظًا دينيًّا واحدًا لن يستطيع القيام بمهامه بالسجن مع الأعداد المودعة به وبالتالي ينبغي أن يكون عدد الوعاظ الدينيين متناسبًا مع عدد السجناء. كما لم ينص القانون على ضرورة توافر وعاظ دينيين لكل طائفة أو مذهب ديني بالرغم من تنوع وتعدد المذاهب والطوائف الدينية للسجناء فالأمر ليس اختلافًا في الديانة فقط. كما نصت القواعد أرقام 64، 65، 66 على أن يكون بكل سجن مكتبة تضم قدرًا وافيًا من الكتب يشجع السجناء على الاستفادة منها بتسهيل وصولهم إليها وتشجيعهم على القراءة، وعلى أن يتم تعيين واعظ ديني أو ممثل للديانة إذا كان عدد السجناء المنتمين إلى دين معين كبيرة بحيث يكون الواعظ أو الممثل الديني مؤهلًا لذلك متواجدًا بشكل دائم داخل السجن، وأن يسمح للممثل الديني المعتمد بإقامة الشعائر الدينية بانتظام وأن يقوم بزيارات خاصة للسجناء من أهل دينه رعاية لهم وألا يُحرم أي سجين من الاتصال بممثل الدين وأن يُسمح لكل سجين بممارسة شعائره الدينية وحيازة الكتب الدينية لديانته.