الإقبال على تطعيم كوفيد ــ 19

22 مارس 2021

سؤال طرح مؤخرا يستحق المناقشة والبحث فى دوافع من يروج لمسئولية الناس عن عدم الاهتمام بالتطعيم الخاص بوباء كوفيدــ19؟
الواقع أنه وبالبحث فى التاريخ الوبائى فى مصر نجد أن مثلا فى عام 1927 كانت قد مرت مائة سنة تقريبا على إدخال التطعيمات عموما كأسلوب علمى وطبى ناجع للوقاية والحماية من الأمراض السارية الوبائية عموما خاصة مرض الجدرى الذى أودى بحياة آلاف الأطفال فى ذلك الوقت والذى تم بإجراءات حازمة وإلزامية على يد كلوت بك فى عصر محمد على والذى واجه فى البداية مقاومة عنيدة من الأهالى فى الريف راجعة لعدم الثقة فى جدوى هذا الإجراء ولكن انتهت هذه المقاومة لما تأكدوا من أهمية ونجاعة التطعيم فى الحفاظ على حياة أطفالهم وفى هذا السياق التاريخى المثير كان أحد الأطباء الأجانب الذى قام بجولة تفتيشية فى الدلتا عام 1848 لاحظ أن حملات التطعيم تسير بصورة جيدة وإقبال فى مديريات الدلتا وأن حوالى 200 ألف طفل وطفلة قد تم تطعيمهم بالفعل بنجاح فى ثلاث مناطق من البلاد بفضل رقابة أطباء المديريات وحلاقى الصحة والدايات المدربات جيدا. ولذلك، بالنظر إلى ما يخص كوفيدــ19 وتطعيماته نجد أنه من الضرورى الإشارة إلى الفوائد العديدة لللقاحات ضد كوفيدــ19، فهى تحمى من الإصابة بالفيروس، ومن الإصابة بمضاعفات خطيرة، أو من الموت بسبب كوفيدــ19.
وتمنع التطعيمات من نشر العدوى للآخرين، حيث يزيد عدد الأشخاص المحميين فى المجتمع من الإصابة بـ كوفيدــ19 تدريجيا مما يجعل انتشار المرض أكثر صعوبة ويساهم فى الوصول للمناعة المجتمعية.
واللقاحات تكسر سلسلة الانتشار والعدوى، مما قد يسمح للفيروس بالتحور وربما يصبح أكثر مقاومة للقاحات.
واللقاحات من الضرورى توفيرها للعاملين/ات بالقطاع الصحى، فعندما يمرض موظفو/ات الرعاية الصحية بفيروس كوفيدــ19، فلن يكونوا قادرين على العمل وتقديم الخدمات الرئيسية للمريضات والمرضى. بالنظر إلى الواقع الذى يشير إلى استمرار انتشار عدوى كوفيدــ19 بين موظفى/ات الرعاية الصحية، ومع الأخذ فى الاعتبار الدور الحاسم الذى يلعبونه فى رعاية الآخرين/ات، تظل الحماية المستمرة لهم فى العمل والمنزل والمجتمع أولوية وطنية. يعد الوصول المبكر للقاح أمرًا بالغ الأهمية لضمان صحة وسلامة هذه القوة العاملة الأساسية، وأيضا تطعيمهم بلقاح كوفيدــ19 لا يحميهم فحسب، بل يحمى مرضاهم وأسرهم ومجتمعاتهم والصحة العامة على نطاق أوسع. ونظرًا لأن التجارب السريرية للقاحات كوفيدــ19 بدأت فقط فى صيف عام 2020، فليس من المؤكد بعد مدة الحماية التى توفرها هذه اللقاحات ولكنها على الأقل لن تقل عن 5 أشهر.
***
يقدر العديد من الخبراء أنه يجب تطعيم حوالى 70٪ من السكان لمنع انتشار الفيروس الوصول إلى المناعة المجتمعية، وهو ما سيحدث عندما يكون عدد كافٍ من الأفراد محصنين ضد الفيروس بحيث يمنع انتشاره.
كما أن أحد أكبر المعوقات التى تقف فى طريق إنهاء الجائحة هى المعلومات الخاطئة حول لقاحات كوفيدــ19. وتتشكل بعض المشاعر السلبية تجاه التطعيمات من خلال سياقات مختلفة، خاصة بكل بلد، مثل الخلفيات الاجتماعية والثقافية، بما فى ذلك المعتقدات الشخصية. ومع ذلك، تلعب المشكلات الهيكلية أيضًا دورًا فى ظهور حركات مناهضة للقاحات.
فيمكن القول إن عدم الثقة فى الترتيبات الخاصة بالحصول على اللقاحات فى ظل تصارع مصالح الشركات المنتجة يحث البعض على رفض اللقاحات برمتها. فضلا عن عدم الثقة فى النظام العالمى وغياب عدالة توزيع اللقاحات فى جميع أنحاء العالم.
ولاحتواء هذه الاتجاهات الرافضة للقاحات التى ظهرت مجددا فى وسط انتشار وباء كوفيد:
ــ يجب على جميع الجهات الفاعلة فى قطاع الصحة العمل معًا لبناء التفاهم والتواصل مع الجمهور حول أهمية اللقاحات وإشراك ودمج الرقابة المجتمعية والجمعيات والمنظمات الأهلية التى تعمل فى الصحة فى عملية توزيع اللقاحات والمراقبة على عملية التوزيع. ذلك لأن منظمة الصحة العالمية، بصفتها المنظمة الصحية الدولية الرائدة، لديها موارد مادية ومالية محدودة ولا يمكنها القيام بالمهمة بمفردها.
ــ من المهم أيضًا تعزيز المنظمات الدولية الرئيسية مثل منظمة الصحة العالمية مؤسسيًا وماليًا للحفاظ على دورها المركزى فى إدارة ملف اللقاح وتوزيعه.
ــ أن تتنازل الشركات المصنعة للقاحات عن حقوق الملكية الفكرية، والذى يضمنه القانون الدولى بالفعل، وأن يتم السماح للدول القادرة على التصنيع بالبدء مباشرة دون النظر لاعتبارات الملكية الفكرية.
ــ وأن يكون هناك قدر أكبر من الشفافية، من الشركات المصنعة، وأيضا من منظمة الصحة العالمية أو من الحكومات الوطنية، عن المعلومات الخاصة بالوصول للقاحات.
فى السياق المصرى، يمكن القول إن مصر لديها أحد أفضل برامج التطعيمات الأساسية والإجبارية فى المنطقة، وأنجحها، ولدى المواطنين/ات ثقة كبيرة فيه، وبشكل عام، لا يوجد فى مصر حركة مضادة للتطعيمات، بل إن هناك ثقة فى برامج التطعيمات الحكومية واستجابة جيدة لحملات الدولة الصحية الأخيرة، وحملة القضاء على فيروس سى الأخيرة نموذج لذلك.
***
يمكن رصد عدم قيام وزارة الصحة بتصميم حملات ورسائل لإقناع المواطنين/ات بأهمية لقاحات كورونا بشكل كاف وموسع. بالإضافة إلى أنه فى الأوبئة والكوارث الصحية من المفترض أن تقدم الدول الخدمات الصحية بما يشمل التطعيمات مجانا، وهو ما كفله القانون المصرى، ولكن الإعلان أن اللقاحات ستكون بمقابل (لا يتجاوز الـ 200 جنيه) قد يكون أيضا أحد الأسباب التى ستدفع المواطنين/ات إلى التردد أو عدم الاهتمام الكافى بلقاحات كورونا.
ووفقا للبيانات الرسمية، لدى وزارة الصحة الآن 400 ألف جرعة (350 ألف جرعة من لقاح «سينوفارم» الصينى و50 ألف جرعة من لقاح «أسترازينيكا»). بينما يصل عدد المجموعات التى لها الأولوية لتلقى اللقاح من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة حوالى 23 مليون مواطن ومواطنة بحسب وزارة الصحة. وعدد المسجلين/ات لتلقى اللقاح حتى يوم 8 مارس على موقع وزارة الصحة لتلقى لقاح «كورونا»، حوالى 400 ألف مواطن ومواطنة على الموقع الإلكترونى للقاحات.
أعلنت وزارة الصحة أن التسجيل سيكون على موقع إلكترونى، وبالإضافة للموقع الإلكترونى، يمكن التسجيل من خلال الذهاب لأقرب مستشفى أو وحدة صحية والتسجيل مباشرة. ومن الجدير بالملاحظة أن الاعتماد على موقع إلكترونى للتسجيل، فى ظروفنا وسياقنا، قد يعيق العديد من المواطنين/ات، مما يدفع إلى القول إن غياب النقاش المجتمعى الواسع مسبقا مع أصحاب المصلحة (مثل نقابة الأطباء وخبراء مستقلون) قد يؤدى إلى زيادة نسبة التردد فى أخذ اللقاحات أو عدم الاهتمام.
وأيضا غياب الشفافية حول الكميات التى تعاقدت عليها وزارة الصحة، وعدم نشر خطة عمل قومية مبكرا، ووضع إطار زمنى محدد، كلها عوامل قد تزيد من التردد لأخذ اللقاحات أو عدم الاهتمام.
فى الخلاصة، يجب على وزارة الصحة تصميم رسائل إعلامية وحملات لتوضيح أهمية اللقاحات للمواطنين/ات، والقيام بذلك بشكل موسع. والأهم، هو الإعلان بمنتهى الشفافية عن الكميات التى لدينا حتى الآن من اللقاحات، والكميات التى تعاقدنا عليها بالفعل، وما هى مواعيد الاستلام، والإعلان يوميا عن عدد المواطنين/ات الذين تلقوا التطعيم (عداد يومى)، وتوسيع نطاق المشاركة المجتمعية مع أصحاب المصلحة (كنقابة الأطباء وغيرها من النقابات الطبية، والجمعيات الأهلية التى تعمل على الصحة) فى الرقابة على والمتابعة لحملة التطعيم ضد كوفيدــ19.

تم نشر هذا المقال علي موقع الشروق  بتاريخ ١٤ مارس ٢٠٢١