دروس من جائحة كوفيد ــ 19

5 أغسطس 2020

التجربة مصدر رئيسى للتعلم، وجائحة كوفيدــ19 تجربة جديدة علينا جميعا، وبينما نناقش القرارات الرسمية التى تم اتخاذها خلال جائحة فيروس كورونا المستجد فى مصر، نحتاج إلى استخدام الخبرة الناتجة فى هذه العملية كمصدر للتعلم، فى الحاضر والمستقبل.
***
بداية، هناك نقاط ظهرت خلال الجائحة بقوة يجب الوقوف عندها والتعلم منها:
1ــ يجب إعطاء الرعاية الصحية الأولية وأهمية أساسية فى نظامنا الصحى عن طريق دعم مستوى الرعاية الأساسية وطب الأسرة، وهو ما يوفره نظام التأمين الصحى الشامل. على سبيل المثال، فى ولاية كيرالا فى الهند، يعتبر النجاح فى احتواء كوفيدــ19 فى المقام الأول بسبب العمل على مستوى الرعاية الصحية الأولية. يتم تنفيذ جميع أنشطة الصحة العامة اللازمة لمكافحة الأوبئة ــ بما فى ذلك الاختبارات والكشف المبكر عن الحالات والتدابير الوقائية المختلفة من قبل موظفين على مستوى الرعاية الصحية الأولية.
2ــ توفير أقصى حماية ممكنة للفرق الصحية بتطبيق علمى صارم لإجراءات مكافحة العدوى، وتوفير مستلزماتها كاملة وتحديد ساعات عمل مقننة، فالعاملون فى القطاع الصحى هم الخط الأمامى للاستجابة لتفشى كوفيدــ19، وحمايتهم ضرورة لحمايتنا ورعايتنا جميعا. وما تزال الأخبار اليومية تتحدث عن وفيات فى العاملين فى القطاع الصحى. ولم يتم اتخاذ خطوات جدية من وزارة الصحة لبحث أسباب الإصابة والوفاة، فضلا عن عدم نشر قواعد البيانات التى قد تساعد الباحثين والخبراء فى مجال الصحة فى فهم أسباب الإصابة والوفاة والبحث عن حلول لها لتلافيها.
3ــ تطبيق منظومة الترصد الوبائى بدقة ومتابعة بؤر الانتشار وتوفير آليات التشخيص لا مركزيا. إن برامج الترصد والتنبؤ والاستجابة تسعى إلى تحقيق وقاية ومكافحة فعالتين للأمراض عن طريق وضع قواعد ومعايير وإرشادات وأدوات للصحة العامة. وعلى الرغم من استقرار الوضع الوبائى فى مصر حاليا، فإن هناك حاجة إلى توسيع نطاق الجهود الرامية إلى مراقبة انتشار الأمراض، وحماية الفئات سريعة التأثر، وتوفير إمكانية حصول الجميع على رعاية وعلاج جيدين، للإبقاء على هذا الزخم وإحداث تغيير دائم. والحقيقة، فإن جائحة كوفيدــ19 كشفت لنا بوضوح عن الحاجة لتطوير قطاع الطب الوقائى ومنظومة الترصد الوبائى، فالجائحة كشفت لنا أن نظام قطاع الطب الوقائى والترصد الوبائى لدينا ليسا بالقوة والكفاءة التى كنا نتصورها، لقد تم بذل مجهود كبير لا ينكره أحد، ولكن هذا القطاع يحتاج لتحديث وتطوير كبير، بحيث يكون قائم على التكنولوجيا الحديثة. ووجود ترصد وبائى قوى مرتبط بوجود محليات قوية وفعالة، وهو غير متوفر فى حالتنا فى مصر. لذلك، هناك احتياج قوى لإصلاحات تقوى وتعزز اللامركزية، والاهتمام بالوحدات المحلية. ومن المفيد النظر فى تجارب بعض الدول الآسيوية التى لديها نظم ترصد وتقصى متطورة على سبيل المثال كوريا الجنوبية.
4ــ أهمية تدعيم صناعة الدواء الوطنية والبحث العلمى الدوائى، ودعم شركات القطاع العام، بما فيها تصنيع المواد الخام، والتجهيزات والمستلزمات الطبية. وفى أحد بيانات مجلس الوزراء أخيرا، أشار بوضوح إلى ضرورة الإسراع بعملية تطوير الصناعات الدوائية فى مصر. ومن المهم فتح نقاش مجتمعى واسع فى هذا الشأن، والاستماع لآراء الخبراء والمصنعين ونقابات الأطباء والصيادلة وجميع المعنيين بتطوير الصناعة الدوائية.
5ــ تكامل المنظومة بكل أطرافها ومستوياتها فى الاستجابة وتنسيق مركزى محكم وتنفيذ لا مركزى. فنظام الإدارة والحكم المحلى فى مصر هو نظام يعكس مركزية شديدة فى يد السلطة التنفيذية المركزية مع ضعف شديد فى المحليات.
6ــ المشاركة المجتمعية فى إدارة الأزمة ورفع الوعى الصحى وإبراز قصص النجاح الصحية وتفعيل أدوات المساءلة والرقابة.
7ــ أهمية الشفافية، والكشف عن المعلومات للناس، فالجميع ينتظر البيان اليومى الخاص بأرقام الإصابات والوفيات الخاص بكوفيدــ19. فالإجراءات الوقائية حتى يتم تنفيذها بشكل جيد تعتمد على المواطن، وحتى يلتزم المواطنون فهم يحتاجون إلى قدر من المعلومات. ولكن، ما زالنا نحتاج لمستوى من الشفافية أكثر مما هو موجود حاليا. على سبيل المثال، جاء فى بيان لوزارة الصحة (تم تجهيز مستشفيات العزل كأماكن لإجراء الدراسات الإكلينيكية على حالات فيروس كورونا المستجد، كما تم تصميم ملف موحد لجمع بيانات مرضى «كوفيدــ19» على برنامج اكسيل، وتفعيله على نظام الكترونى، مما يتيح تحليل البيانات الإكلينيكية، ودراسة خصائص المرضى وتقييم بروتوكولات العلاج). ونسأل لماذا لا تتاح قواعد البيانات الخاصة بالمصابين وحالات الوفاة على موقع الكترونى مثلا حتى يتاح للباحثين الاستفادة منها والمشاركة فى التقييم وطرح الحلول بدلا من الاكتفاء بالبيان اليومى بشكله الحالى، والذى يحتوى على معلومات قليلة جدا، لا تساعد على تكوين رأى أو تحليل. وللتذكير فقط، فإن آخر مسح صحى سكانى تم إجراءه يعود لعام 2014، وهى مشكلة كبيرة وخطيرة، ويجب على وزارة الصحة الالتفات لهذه النقطة وإدراك أهمية مشاركة المعلومات بشكل كامل وبشفافية.
8ــ القطاع الخاص فى الأزمة كان جزء من المشكلة، على مدى عقود، تركت الدولة القطاع الخاص يعمل بدون تنظيم وقيود، حتى صرنا فى وضع تحقق فيه المستشفيات الخاصة والمعامل وغيرها من المراكز الصحية الخاصة أرباح خيالية. وخلال الوباء، أصبح من الواضح أنه لا يمكن ترك المجال للقطاع الخاص كما فى السابق لأن الجائحة أثبتت عدم قدرتهم على الوفاء بالتزامات الصحة العامة الهامة. وكمثال، معركة القطاع الخاص مع وزارة الصحة حول تسعير الخدمات المقدمة خلال الجائحة تثبت عدم فائدة القطاع الخاص للقيام بدور فعال فى الجائحة وفى حالات الطوارئ الصحية بشكل عام، وهذا أحد الدروس المهمة التى يجب أن نخرج بها، ودور هذا القطاع فى النظام الصحى يحتاج لمراجعة وتنظيم قوى، حتى يعود لحجمه الطبيعى، وهو ما يوفره قانون التأمين الصحى الشامل الجديد لتنظيم وضبط هذا القطاع.
***
وفى الخلاصة، أحد أهم الدروس المستفادة من الجائحة هو التمسك بتطبيق قانون التأمين الصحى الشامل الجديد، والعمل بشكل جاد على استكمال تطبيقه فى مراحله الثلاث، فهى مهمة ليست سهلة وتحتاج لكثير من العمل والمتابعة والمراقبة، حتى تتحقق التغطية الصحية الشاملة لجميع المصريين بدون تمييز، بالإضافة إلى أن القانون الجديد يعالج الكثير من نقاط الضعف فى النظام الصحى، التى كانت موجودة من قبل الجائحة، وأظهرتها الجائحة بوضوح للجميع.

نشر هذا الموقع الشروق  بتاريخ ١ اغسطس ٢٠٢٠