حول استغلال بعض شركات الأدوية للمرضى المصريين

22 أبريل 2018

رصدنا فى سنوات سابقة فجوة فى التشريعات الصحية وأوصينا بضرورة غلق هذه الفجوة عاجلا بالتشريعات المنظمة واللازمة، ومنها على وجه الخصوص ضرورة وجود تشريع محكم لتنظيم عمليات التجارب السريرية الإكلينيكية التى تجرى على اﻷدوية الجديدة فى مصر خاصة من قبل الشركات الكبرى المنتجة متعددة الجنسيات.

وكان من أسباب ذلك أن العشرين سنة الماضية شهدت تغييرا كبيرا فى وضع تلك التجارب، فقد زادت هذه التجارب بشدة خاصة فى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، وهذه الزيادة ترفع من المخاوف الخاصة بالإخلال بالمعايير الأخلاقية التى يجب مراعاتها أثناء إجراء التجارب.

كما أن هناك عدة أسباب جعلت مصر من أكثر الأماكن مناسبة لإجراء تلك التجارب من بينها الكثافة السكانية المرتفعة، والعبء المرضى المزدوج للأمراض المعدية وغير المعدية، إضافة إلى وجود بنية تحتية جاذبة للبحث العلمى ممثلة فى الجامعات ومعاهد البحث المختلفة. هذا إلى جانب انخفاض تكلفة هذه التجارب فى مصر حيث تحتل مصر المرتبة الثانية بعد جنوب إفريقيا فى قائمة الدول الإفريقية استضافة للتجارب السريرية للعقاقير تحت رعاية الشركات المنتجة متعددة الجنسيات.

كما أن وضع الكثير من المواطنين فى حال رغبتهم فى الحصول على العلاج الضرورى المنقذ للحياة والدواء المناسب فى ظل غياب نظام تأمين صحى شامل (رغم بداية السعى لتنفيذه بعد الموافقة على قانونه الجديد) حيث يمثل العلاج على النفقة الشخصية للمواطنين قرابة 70% من الإنفاق الكلى على الرعاية الصحية، إضافة لغياب الوعى حول استخدام الدواء وترشيده وفق نظام متكامل يعتمد على مدخل من طب الأسرة وعلى حوكمة رشيدة وإرشادات طبية وإكلينيكية محكمة... إلخ
ما يشكل بيئة ملائمة لإجراء مثل هذه التجارب ويؤدى إلى لجوء بعض المرضى إلى الخضوع للتجريب، على الرغم من احتمالية استغلالهم فيها بغرض الحصول على العلاج حتى وإن كانت النتائج غير معروفة بدقة؛ لأن هذا المناخ بدون تشريع حاكم منظم للتجارب يسهل من استغلال المواطنين الأكثر ضعفا واحتياجا.
لذلك ومن أجل حماية الأفراد المشاركين فى التجارب السريرية للأدوية (على أهميتها للتقدم العلمي) أصبح من الضرورى الانتهاء من وضع إطار تشريعى قوى يعمل بنظام تحكم مستقل مما يعنى وجود إرشاد واضح للمسئولين عن مراقبة التجارب السريرية أو المستثمرين المنفذين لها ما يمنع فرص التضارب فى تفسير تلك الممارسات ويسهل من فرص التعرف على التجاوزات وفرض العقوبات على من يخالفها.
***
وفى دراسة أخيرة أجريت عبر حوارات مع أكثر من ثلاثين خبيرا مصريا، بالإضافة إلى الكثير من المشاركين فى التجارب السريرية أوضحت الدراسة أن بعض هذه التجارب تواجه تحديات أخلاقية مثل حرمان المرضى من الحصول على العلاج الكفء (حالات السرطان) والذى تم إثبات فاعليته، إضافة إلى مشكلات أخرى مثل أن أدوية السرطان التى خضعت للتجارب قد تكون أدوية عالية التكلفة ومن غير الواضح كيف سيتم إتاحتها بأسعار مناسبة للمرضى المصريين فى حال ثبات فاعليتها وأمانها من خلال التجارب، وذلك يعكس عدم التزام من الشركات المتعددة الجنسيات للأدوية المجربة للدواء بالمبادئ التوجيهية لإعلان هلسنكى ومجلس المنظمات الدولية للعلوم الطبية التى تحث على أهمية استفادة سكان البلاد من نتائج التجارب التى تقام فيها حيث أشارت الدراسة المذكورة أن عددا قليلا فقط من العقاقير المختبرة فى مصر يتم ترخيصها وإتاحتها فى السوق المصرية إتاحة جغرافية ومالية فى ظل غياب نظام للتأمين الصحى الشامل حتى الآن.

على عكس ما يحدث فى الدول مرتفعة الدخل وحتى إذا تم إتاحتها فعادة ما تتجاوز أسعارها القدرة المالية لغالبية المرضى خاصة غير المؤمن عليهم صحيا.

لذلك طالبت الدراسة القائمين على البحث الالتزام بمسئولياتهم المجتمعية واحترام حقوق الإنسان، كما هو منصوص عليه فى المبادئ التوجيهية للأعمال التجارية وحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة (UNGP) التى تم اعتمادها من جميع الدول الأعضاء فى عام 2011 عند إجراء التجارب السريرية فى البلدان ذات الدخل المتوسط أو المنخفض، هذا من الناحية الدولية، أما من ناحية السلطات المصرية فعليها أن تنشئ إطارا تشريعيا فعالا يعمل بنظام محكم ومستقل آخذا بالقواعد الدولية كمرجع له، وفى الخلاصة يجب عموما النظر إلى الأبحاث الإكلينيكية كوسيلة مهمة، لإنتاج معرفة علمية قيمة للمجتمعات والإنسان ربما أو ربما ﻻ ينتج عنها خطط علاجية جديدة، لكن ﻻ يجب أن يخل هذا بحقوق المرضى وهذه الرؤية باتت أمرا مستقرا إلا فى بعض البلدان التى تعانى من تدنى مستوى الرعاية الصحية وارتفاع أسعار الأدوية ما يدفع البسطاء إلى المشاركة فى العديد من هذه التجارب، الشيء الذى قد يعرضهم للاستغلال ما يحتم من الآن الانتهاء من التشريع اللازم وإنشاء قاعدة بيانات دقيقة للتجارب السريرية التى تجرى فى مصر وإتاحة معرفتها للإعلام والمواطنين على شبكة الإنترنت وتحديثها باستمرار وضمان حقوق المرضى والحق فى المعلومات كأمور أساسية لتمكين المجتمع المدنى من القيام بدور فعال فى كشف أى ممارسات غير أخلاقية لهذا الإطار الحيوى لحياة البشر.

تم نشر هذا المقال عبر موقع جريدة الشروق الإلكتروني بتاريخ 22 مارس 2018