مقدمة:
توفير الطاقة لا يعتمد على الموارد فقط لكن وربما بقدر أكبر، على السياسات والإجراءات والخطط التي تنتهجها الحكومات في إدارة ملف الطاقة. هذا ما تؤكده خبرات العديد من بلدان العالم كما تؤكده تجربة السنوات السابقة في مصر. حيث أدت سياسات، مثل التوسع في صفقات بيع الغاز للخارج وما شابها من فساد ومثل دعم الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة والارتكاز على الغاز والبترول في توليد الكهرباء وإهمال تطوير الطاقات المتجددة، إلى سرعة استنفاد موارد وفيرة من الطاقة وإلى أزمة طاحنة.
مصر بوجه عام محدودة الموارد، في مصادر الطاقة الأولية التقليدية لا يكاد يوجد فيها فحم، وقد نفذت مواردها المحدودة من البترول منذ مطلع القرن الحالي.، ثم انخفضت معدلات إنتاج الغاز الطبيعي بسرعة شديدة و أصبحت مصر مستوردًا صافيًا للغاز عام 2015 بعد أن كانت مُصَدِّرًا رئيسيًّا للغاز في شمال إفريقيا لمدة عشر سنوات. لكن من ناحية أخرى تعتبر مصر دولة وفيرة الموارد في مصادر الطاقة المتجددة، حيث أنها من أغني بلاد العالم في الطاقة الشمسية وكذلك لديها موارد قوية في طاقة الرياح.
وقد شهدت البلاد في السنوات الأخيرة مرحلة حرجة في مجال الطاقة، لم تتمكن فيها من الوفاء باحتياجاتها الأساسية وعانت نوبات متكررة من انقطاع الكهرباء ومن توقف المصانع والخدمات عن العمل. وعلى حسب ما نشر خلال أزمة الكهرباء عام 2014 كان إنتاج مصر 24 ألف ميجاوات وحجم العجز 5 آلاف ميجاوات.
ومن الجيد أن هذه الأزمة في سبيلها للانتهاء، فحسب ما قاله السيد الرئيس خلال افتتاحه محطة كهرباء غرب أسيوط في يناير 2018، فإن البلاد تجاوزت أعباء إنتاج الكهرباء، وأن هناك فائضًا في الإنتاج، سيبلغ بنهاية العام الحالي 4400 ميجاوات.
كما أن الاكتشافات الجديدة في الغاز الطبيعي وعلى رأسها حقل Zohr في عام 2015 والاكتشافات الأخرى في دلتا النيل الغربي وغيرها أدت إلى استعادة التوازن في سوق الغاز. حيث ستكفي موارد الغاز الطبيعي بعد الاكتشافات الجديدة لتلبية الاحتياجات المحلية من الطاقة وحتى من التصدير.
لكن تشير التوقعات إلى أن هذا الانفراج لن يطول وقد لا يزيد على عشر سنوات، وقد تواجه مصر بعض مشاكل في الوفاء باحتياجاتها من الطاقة من جديد ما لم تتخذ إجراءات لتجنب هذه التوقعات.
في ظل هذه الأوضاع، وفي ظل تغيرات عالمية في مجال الطاقة من التوسع في إدخال الطاقات المتجددة، إضافة إلى موضوعات تدهور البيئة والتغير المناخي شديدي الارتباط باستخدامات الطاقة، أطلقت مصر "إستراتيجية التنمية المستدامة 2030"، والتي أعلنت فيها الحكومة أنها تستهدف " ضمان الطاقة المستدامة" واتخذت بعض الإجراءات التي ربما تتعارض مع هدف “ضمان الطاقة المستدامة” مثل التوسع في استخدام الفحم ومثل إدخال الطاقة النووية وإجراءات أخرى.
تطرح هذه الخطط والإجراءات التي قامت بها الحكومة، تساؤلات حول مدى جدوى سياسات الحكومة في ملف الطاقة وفي مواجهة المستقبل، وحول أهمية مشاركة المعلومات والحوار المجتمعي حول إدارة تلك الموارد خاصة مع الأخذ في الاعتبار النجاحات والإخفاقات السابق ذكرها.
قضية الطاقة تخص أفراد المجتمع كله، فهي تتضمن التعامل مع ثرواتهم القومية كما أن نتائج إدارة ملف الطاقة تؤثر على حقوقهم الأساسية في الصحة والتعليم وفي التنمية. لكن هذه الموضوعات رغم أهميتها قد لا تشهد إقبالًا من الجمهور غير المتخصص نظرًا إلى عدم توافر المعلومات وأيضًا للصعوبات التقنية والعلمية فيها.
تسعى المبادرة المصرية من خلال "ملف الكهرباء في مصر بين الموارد والسياسات" إلى المساهمة في تيسير هذا الأمر عن طريق تبسيط المعلومات والمفاهيم حول بعض جوانب ملف الطاقة والكهرباء والبيئة والمناخ أملاً في أن يؤدي ذلك إلى توسيع الاهتمام وتشجيع الحوار والمشاركة المجتمعية في قضايا الطاقة.و تعزيز التوجهات نحو توفير الطاقة بسعر معقول وعادل، ويضمن حماية البيئة.
وقد اخترنا في البداية التركيز على الكهرباء لأهميتها ولأنها تمس حياة الأفراد بشكل مباشر، وأيضًا لأن مصر لديها موارد هائلة لإنتاج الكهرباء من الموارد المتجددة والتي نرى أنها الفرصة نحو توفير طاقة مستدامة، خاصة في سياق توجه عالمي قوي نحو تحسين تقنيات الطاقة المتجددة وتدفق استثماراتها، والتوسع في استخدام الكهرباء في مجالات جديدة مثل في وسائل الانتقال.
تعرض الرسوم التوضيحية التالية الوضع الحالي للكهرباء في مصر، والخطوط العريضة لسياسة الحكومة في إدارة ملف الكهرباء كما يتناول بالتعليق مدى توافق هذه الإجراءات مع هدف الحكومة المعلن ووجود بدائل أفضل.