الخصوص: تاريخ من التوتر والعنف الطائفي

تقع مدينة الخصوص على الحدود الفاصلة بين محافظتي القاهرة والقليوبية، وتشكل مع كل من عزبة النخل والمرج والمطرية ومسطرد والخانكة منطقة جاذبة للنازحين من صعيد مصر للإقامة على أطراف القاهرة، حيث تحتفظ العائلات بنمط ثقافي واجتماعي أقرب إلى منشأهم. ويشكل الأقباط نسبة ملحوظة من سكان هذه المنطقة، حتى إن تاريخ العنف الطائفي في مصر عادة ما يبدأ سرده بما يعرف بأحداث مدينة الخانكة المجاورة.

ففي نوفمبر 1972 وقع اعتداء على مصلين مسيحيين بجمعية الكتاب المقدس بالخانكة وأشعلت النيران في المبنى احتجاجا على ما اعتبره سكان مسلمون تحويلا للجمعية إلى الكنيسة، فأرسل البابا شنودة رأس الكنيسة وقتها مجموعة من الكهنة للصلاة داخل المبنى، واندلعت بعدها أحدث عنف طائفي وأعمال حرق جماعي فيما يشار إليه كأول الأحداث الطائفية الكبرى في تاريخ مصر الحديث.

بعدها بسنوات، وفي 15 ديسمبر 2008، قامت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بتوثيق حادث في منطقة الزرايب بمدينة الخصوص ذاتها، حين وقعت مشادة بين مسيحي ومسلم من أبناء المنطقة تطورت فيما بعد إلى مشاجرة بين عائلتي الطرفين تم خلالها إطلاق النيران مما أسفر عن إصابات سطحية لحوالي سبعة أشخاص على الأقل من الطرفين. وقد حضرت قوة من قسم شرطة الخصوص إلى المنطقة بعد انتهاء المشاجرة وقامت بإلقاء القبض على ثمانية من المسلمين والمسيحيين تم الإفراج عنهم بعد بضعة أيام. غير أنه في اليوم التالي،  قامت قوة كبيرة من قسم الشرطة بقيادة الرائد شريف حسام الدين باقتحام منازل أربعة من الأقباط وإلقاء القبض على اثنين من الرجال وخمس من النساء واقتيادهم إلى قسم شرطة الخصوص حيث جرى احتجازهم كرهائن لإجبار أقاربهم ومعارفهم من المتورطين في المشاجرة على تسليم أنفسهم. وأثناء احتجازهم تعرض الرهائن للتعذيب وهتك العرض والتهديد بالاغتصاب حتى قام ثلاثة من الأقباط بتسليم أنفسهم في اليوم التالي ليواجهوا تهمتي الإصابة الخطأ وحيازة أسلحة نارية. ورغم تقدم الضحايا ببلاغات تعذيب ضد الضابط المذكور فإن النيابة لم تتخذ أي إجراءات بشأن هذه الانتهاكات حتى عام 2013.

وفي واقعة أقرب جرت أحداثها منذ عامين، شهدت مدينة الخصوص ذاتها اعتداءات طائفية طالت إحدى كنائسها في 3 يناير 2011. ففي ظل الأجواء المشحونة طائفيا عقب الانفجار الذي وقع بكنيسة القديسين بالإسكندرية في ليلة رأس السنة قام نحو مائتي مسلم بقذف "كنيسة مار مينا" بـمدينة الخصوص بالحجارة وحاولوا اقتحامها بالقوة، مما أدى إلى تهشم زجاج الكنيسة وبعض الشبابيك وأحد أجهزة التكييف وعدد من اللوحات التي تحمل رسومات وأيقونات دينية. ودفع ذلك آلافا من أقباط المنطقة إلى الخروج في مظاهرات متفرقة جابت شوارع الخصوص للتنديد بسياسة وزارة الداخلية المتقاعسة تجاه الاعتداءات الطائفية المتكررة، وذلك حسب ما أفاد شهود عيان وقتها للمبادرة المصرية. وقد حمل المحتجّون صلبانًا خشبية وصورًا لرموز دينية، ثم اتجه جزء منهم إلى الطريق الدائري، وقاموا بإغلاقه ومنع السيارات من المرور فيه، وهنا استعانت القيادات الأمنية برجال الدين المسيحي الذين أقنعوا الشباب المحتجين بضرورة التوجه إلى كنيسة مار جرجس القريبة من مكان التظاهرة، وهي ذات الكنيسة التي تم التعدي عليها بعد عامين في بداية الشهر الجاري إبريل 2013.

وأثناء تواجد المحتجين الأقباط بكنيسة مار جرجس توجهت أعداد من المسلمين في الحادية عشرة من مساء يوم الحادث إلى كنيسة مار مينا وهم يرددون شعارات طائفية ويحمل بعضهم أسلحة بيضاء وأحجارًا وزلطًا قذفوا به الكنيسة، مما أدى إلى كسر النوافذ الخارجية واللمبات الكهربائية، وتحطيم بعض الأيقونات الموجودة في حوش الكنيسة عبر السور، ثم حاولوا دخول المبني إلا أنهم لم يتمكّنوا من فتح الباب الحديدي الخارجي.

وتعرض ستة من المسيحيين المتواجدين داخل حوش الكنيسة لإصابات سطحية بسيطة. وفور سماع الأقباط نبأ الاعتداء على كنيسة مار مينا توجّهت أعداد كبيرة منهم إلى الكنائس من أجل حمايتها، ومن بينها الكنيسة التي تعرضت للاعتداء، ثم نظموا مظاهرة خارج الباب الرئيسي للكنيسة، وهم يرددون شعارات دينية، أعقبتها مصادمات مع قوات الأمن التي رفضت خروج المظاهرة في مسيرة بالشوارع المحيطة بالكنيسة، مما أدى إلى وقوع اشتباكات استُخدمت فيها العصيّ الخشبية والأحجار من جانب المحتجين الأقباط، والقنابل المسيّلة للدموع من جانب قوات الشرطة.

ولم تلقِ أجهزة الأمن القبض على أيٍّ من المسلمين والمسيحيين في أعقاب تلك الأحداث التي اندلعت بعدها بقرابة ثلاثة أسابيع ثورة الخامس والعشرين من يناير التي انتهت بإسقاط رئيس الجمهورية.


اعتداءات الخصوص: 5- 7 إبريل

اتفقت عدة شهادات حصل عليها باحثو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على أن أجواء التوتر والشحن الطائفي بين مسلمي ومسيحيي الخصوص كانت في تصاعد على مدى عدة أشهر قبل اندلاع أحداث الجمعة الخامس من إبريل لأسباب مختلفة، أرجعها الجانب المسيحي لتحرش مستمر من قبل شبان مسلمين بفتيات مسيحيات مما أدى لقيام مشاجرة بين سمير إسكندر المنتمي لإحدى العائلات المسيحية الكبرى بالمنطقة وبين جيرانه المسلمين؛ بينما أرجع سكان مسلمون بالمنطقة الاحتقان لسلوك عائلة إسكندر وتعاملها الخشن والعنيف مع جيرانها لاسيما وأنها تمتلك المال والنفوذ.

واختلفت إفادات شهود العيان وأسرالضحايا حول سبب بداية الأحداث التي اندلعت في حوالي السابعة من مساء الجمعة، ويمكن إجمالها في ثلاث روايات:

الأولى أعلنتها وزارة الداخلية وأيدها بعض أهالي المنطقة المسلمين حول قيام طفلين مسلمين برسم علامات تشبه الصليب المعقوف للنازية على سور معهد الخصوص الابتدائي الأزهري المجاور لمنزل فاروق عوض إسكندر، وتضيف الرواية أن أحد مسئولي المعهد شاهد الطفلين فنهرهما وتدخل في المناقشة شخصان من عائلة إسكندر المسيحية بمعاتبة الطفلين خوفا من أن يقال أن ما قاما برسمه هو صلبان، ثم تطورت الأحداث إلى مشاجرة بين طرفين مسلم ومسيحي.

أما الرواية الثانية لشهود العيان فتفيد بأن أطفالا مسيحيين كانوا يلعبون كرة القدم حين اصطدمت الكرة بسيدة مسلمة، فعاتب شقيقها المسيحيين بطريقة لم تلق قبولا لدى نسيم إسكندر الذى تعامل بغلظة ورفض الاعتذار للرجل، فتجمع أقارب السيدة وتشاجروا مع إسكندر قبل أن تأخذ الأحداث منحى طائفيا.

بينما جاءت الراواية الثالثة حول سبب الأحداث من القس سوريال يونان كاهن كنيسة مار جرجس بالخصوص وبعض الشهود الذين أفادوا بتعرض سيدة من عائلة إسكندر للمعاكسة من جيران مسلمين، تطورت على إثرها المشاجرة بين العائلتين.

 وهناك من شهود العيان من أكد صحة الروايتين الأولى والثالثة معا.

وبعيدا عن الاختلاف حول السبب، فإن مشاجرة كبيرة وقعت بين عائلتي إسكندر المسيحية وعائلة هلال وآخرين من المسلمين، اتهم فيها أحد أفراد عائلة إسكندر ـ ويدعى نسيم جميل إسكندر ـ  بإطلاق الرصاص من سلاح ناري مما أدى لمصرع مسلم يدعى محمد محمود محمد الذي لم يكن طرفا في الأحداث، وفقا لرواية ذويه، وإنما كان قد نزل للشارع لمشاهدة ما يحدث بعدما سمع أصوات المشاجرة. كما أصيب بالرصاص ثلاثة مسلمين آخرون هم: محمد محسن سليمان، وأحمد شعبان محمد، وعلاء منصور أحمد. وبعد ساعتين من هذه المواجهات ساد المنطقة هدوء مؤقت، وحضرت سيارة شرطة بها ضابط وعدد من العساكر.

حتى هذه اللحظة، ورغم سقوط قتيل وعدة مصابين، فإن الأمر يبدو وكأنه ظل محصورا في مشاجرة بين أسرتين تصادف كون إحداهما مسلمة والأخرى مسيحية. إلا أن ما حدث في السويعات التالية حول المشاجرة سريعا إلى اعتداء طائفي طال أقباط المنطقة ومصالحهم التجارية وكنيستهم. وقد أفاد بعض شهود العيان أن مواطنا أطلقوا عليه (الشيخ مصطفى) استخدم توك توك للمرور بشوارع المنطقة والمناطق المجاورة نحو الثامنة مساء، داعيا المسلمين الذين يملكون أسلحة نارية للخروج لإنقاذ إخوانهم المسلمين الذين يتعرضون للقتل من قبل مسيحيي الخصوص.

بينما وجه كاهن كنيسة مار جرجس القس سوريال يونان وآخرون الاتهام لشخص يدعى (ع. أ.) أحد مسئولي المعهد الديني الأزهري باستخدام مكبر الصوت الخاص بالمعهد لدعوة المسلمين للجهاد ضد المسيحيين والكنيسة، موجها السباب للمسيحية.

وقد ذكر أشرف نصر الله أحد سكان المنطقة لباحثي المبادرة المصرية أن "الشيخ ع. أ. طلع على المعهد الديني، وقال في الميكرفون، النصارى قتلوا المسلمين، كل اللي عنده سلاح ينزل، عاوزين نطهر المنطقة من الأنجاس."

وعلى إثر هذه الدعوات تجمع عشرات المسيحين أمام كنيسة مار جرجس بالخصوص لحمايتها وفقا لإفادات متعددة، وخرجت مجموعات من المسلمين وصعدت لبناية يملكها فاروق عوض إسكندر، وقاموا بنهب محتويات جميع أدوارها، وألقوا ما تبقى من أثاث في الشارع، ثم قاموا بإشعال النيران في البناية التي كانت وقتها خالية من سكانها، حيث كانت عائلة إسكندر قد انتقلت إلى بناية أخرى يمتلكونها في المنطقة لكونها أفضل تأمينا. . بعدها أشعل المتجمهرون النيران في منزلين مجاورين، وحضانة المحبة، وصيدلية د. بيشوي، ومصنع صغير للحياكة بجوارها، ثم انتقلوا إلى الكنيسة المعمدانية المجاورة ورشقوها بقنابل المولوتوف، مما أدى لاحتراق واجهتها، كما حطموا بعض النوافذ وعددا من السيارات.

في هذه الأثناء ناشد كاهن الكنيسة القيادات الأمنية سرعة الوصول للمنطقة وحمايتها قبل تفجر الأوضاع، وأضاف في إفادته للمبادرة المصرية إنه اتصل بقيادات الشرطة والجيش والمسئولين التنفيذيين بمحافظة القليوبية، بينما كان عشرات من الشباب المسيحي متجمعين أمام الكنيسة التي توجد في منطقة معظم سكانها من المسيحيين.

وأفاد شهود العيان بأن أفرادا من قسم شرطة الخصوص قد وصلوا فرادى ومتأخرين بنحو الساعتين، ثم جاء سيارة بوكس وحيدة بها عدد من العساكر، وأن قوات الأمن المركزي لم تأت للمنطقة إلا في نحو الحادية عشرة مساءً. وقد انقطع التيار الكهربائي عن منطقة الكنيسة بعد فترة وجيزة من وصول قوات الأمن التي ألقت القبض على إسكندر سمير إسكندر واحتجزته بقسم شرطة الخصوص، ثم نقلته لقسم شرطة ثان شبرا الخيمة خوفا من تعرض قسم الخصوص للاعتداء، وحرر محضر بالواقعة برقم 1599- إداري قسم الخصوص.

ووفقا لأغلب الروايات فإن مسلحين ملثمين يرتدون الجلاليب جاءوا في سيارة وعدد من عربات التوك توك بعد الحادية عشر مساء واستوقفوا بعض المسيحيين  في الشوارع واعتدوا عليهم، كما اطلقوا أعيرة نارية على المتواجدين أمام كنيسة مار جرجس، في ظل وجود قوات الأمن المركزي التي كانت تقف في الناحية الأخرى من شارع الزنانيري المتواجدة به الكنيسة. وفور إطلاق الأعيرة النارية دخلت قوات الأمن للشوارع الجانبية للاختباء، ثم أطلقوا قنابل الغاز تجاه الكنيسة.

وقد شهدت الفترة ما بين الحادية عشر والنصف وحتى الثانية فجرا سقوط الضحايا المسيحيين، حيث كان يسمع دوى الأعيرة النارية على فترات، ودون تحرك من قوات الأمن التي احتشدت فيما بعد بجوار الكنيسة دون التدخل أو تأمين الشوارع المجاورة لها. وطبقا لإفادات عدد من شهود عيان من بينهم محب زكى وبيشوي سمير، فإن رئيس مباحث قسم الخصوص الرائد شريف شوقي الذي تواجد أثناء الاعتداءات قال للمسيحيين المتجمعين أمام الكنيسة لحمايتها "أيام أبوكم هتبقى سودا"، وذلك بعدما وجه شتائم لهم وحملهم مسئولية الأحداث.

وقد أسفرت الاعتداءات عن مصرع أربعة من الأقباط ـ لم يكن لهم أي دخل في المشاجرة الأولية ـ بالأعيرة النارية. ووفقا لتقارير مديرية الشئون الصحية بمحافظة القاهرة، التي حصلت المبادرة المصرية على نسخة منها، فإن الضحايا هم:

1-   عصام تواضرس رزيق زخاري، في العقد الثالث من العمر، إصابة نارية بالكتف الأيسر وصاحبها تهتك بالمعدة والرئتين ونزيف بالصدر.

2-   مرقص كميل كامل، في العقد الرابع من العمر، إصابة نارية بالصدر. 

3-   فيكتور سعد منقريوس، في العقد الثالث من العمر، إصابة نارية بالرأس وكسور بالجمجمة.

4-   مرزوق عطية نسيم، في العقد الخامس من العمر، إصابة نارية بالوجه وتهتك بالرئة ونزيف دموي.

وقد نقل الضحايا جميعا إلى مستشفى المطرية حيث ناظرت النيابة العامة الجثث مساء السبت، وقام طبيبان شرعيان بالتشريح بالمستشفى، وذلك بعد رفض أهالي الضحايا الأقباط نقل الجثامين إلى مشرحة زينهم خوفا من تعرضهم للاعتداء أثناء النقل؛ بينما وافقت أسرة الضحية المسلم محمد محمود، والذى كان بنفس المستشفى، على نقله إلى مشرحة زينهم حيث تم التشريح.

وفقا لأحد باحثي المبادرة المصرية الذي تواجد طوال يوم السبت داخل مستشفى المطرية، فإنه لم تقع أي مناوشات بين أسر الضحايا في المستشفى أثناء انتظارهم مناظرة النيابة للجثامين وتشريح الطبيب الشرعي.  

وقال أحمد محمود، أحد أقارب الضحية المسلم، عن ملابسات الواقعة:

"ابننا ملوش ذنب زي الضحايا التانيين. ده نزل يشوف الخناقة زي أي حد.  إحنا مش عارفين ليه [سمير اسكندر] استخدم السلاح لكن هو دايما عامل مشاكل في المنطقة، إحنا منعرفش مين اللي ضرب بعد كده، فيه ناس جت من بره بعد ما سمعنا أن واحد أتكلم في ميكروفون المعهد بعد ما المسيحيين استخدموا السلاح." 

وفي مساء الأربعاء توفي أحد المصابين في الاعتداءات على الكنيسة، وهو هلال صابر هلال، الذي أصيب بحروق في معظم جسده يعتقد أنها نجمت عن سكب كيروسين على ملابسه واشعال النيران فيها، ليصل عدد القتلى الأقباط إلى خمسة.

كما أصيب في الاعتداءات كل من ميلاد سمير وهيب وإميل صليب، وكلاهما أصيب برصاصة في البطن.

في اليوم التالي هدأت الأوضاع في المنطقة، حيث أوفد شيخ الأزهر مستشاره الدكتور محمود عزب ممثلا لبيت العائلة (مؤسسة رسمية تجمع قيادات الأزهر والكنائس المصرية) واجتمع مع عدد من ممثلي العائلات المسلمين ومسئولي الأمن وقيادات دينية مسيحية بمقر كنيسة مار جرجس، واتفق خلال الاجتماع على تطوير الخطاب الديني ليدعو للتسامح والمحبة، وقيام قوات الأمن بحماية الكنيسة - كان كاهن الكنيسة قد طالب قوات الجيش بحمايتها لتقاعس قوات الشرطة عن أداء دورها- وأن يتولى بيت العائلة متابعة التحقيقات، وتنظيم لقاءات بين مسلمي ومسيحيي المنطقة بعد هدوء الأوضاع. إلا أنه وعقب انتهاء الجلسة التي عقدت في التاسعة من مساء السبت تجددت محاولات الاعتداء على الكنيسة من جانب مواطنين مسلمين كانوا يطلقون أعيرة نارية في الهواء، واستمرت عمليات الكر والفر حتى فجر الأحد.

وفي عصر يوم الأحد، وتزامنا مع الاشتباكات التي وقعت في محيط الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، تجددت الاشتباكات بمنطقة الخصوص وإطلاق الأعيرة النارية في أوقات مختلفة على المنطقة التي تقع بها كنيسة مار جرجس. فقد تجمع عشرات من المسيحيين أمام الكنيسة يرددون شعارات دينية ويطالبون بالقصاص بينما قامت مجموعات من السكان بمهاجمتهم بالمولوتوف، وسمع دوي أعيرة نارية. ومرة أخرى لم تتدخل قوات الأمن وفقا لروايات شهود العيان في بداية الأحداث، لكنها عادت واستخدمت قنابل الغاز لتفريق المتجمهرين أمام الكنيسة.

وفي ليل الأحد لقي مسيحي سادس مصرعه، يدعى داوود مكرم كامل (33 سنة)، كان قد قدم من محافظة المنيا للاطمئنان على أقاربه في الخصوص، عندما استوقفه أفراد مجهولون بمنطقة أرض الشركة نحو الثانية من فجر الاثنين، وبعد سؤاله عن ديانته اعتدوا عليه بطعنة في البطن نقل على إثرها إلى مستشفى الخانكة، حيث توفى من جراء الإصابة.

وقد أعلنت مديرية أمن القليوبية يوم الاثنين الموفق 8 أبريل عن إلقاء القبض على 30 متهما من المسلمين والأقباط بمدينة الخصوص، من بينهم خمسة متهمين من مناطق المعصرة وعزبة النخل والمطرية المجاورة، وكانوا يحملون أسلحة الخرطوش و100 صندوق بلاستيك مملوء بزجاجات المولوتوف وفقا للمصدر الأمني. وبعد عرض المتهمين على نيابة الخصوص تقرر إخلاء سبيل 15 منهم وحبس 15 آخرين بتهم حمل أسلحة نارية والقيام بأعمال بلطجة.  

وفي يوم الثلاثاء الموافق 9 إبريل قام المحامي العام لنيابات شمال القليوبية بالتحقيق مع الطفلين أحمد (12 سنة) وصالح (13 سنة) – وفقا لتصريحات رسمية ـ واللذين نسب إليهما رسم شعار النازية على سور المعهد الأزهري بالخصوص. ولم توجه النيابة أي تهم للطفلين.


اعتداءات محيط الكاتدرائية المرقسية، 7 إبريل

أعلن الأنبا بطرس أسقف شبين القناطر والمسئول دينيا عن منطقة الخصوص عن تشييع جثامين الضحايا من مقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، على أن يتم الدفن بجوار ضحايا مذبحة ماسبيرو (أكتوبر 2011) بإحدى كنائس منطقة 6 أكتوبر.

وصلت الجثامين في الثانية عشرة ظهر الأحد إلى الكاتدرائية، وعندها قام بعض شباب الأقباط الغاضب بإيقاف سير السيارات بشارع رمسيس وهم يرددون هتافات دينية، وأخرى مطالبة بسقوط حكم مرشد جماعة الإخوان المسلمين. وتواجدت بعض قوات الأمن بجوار سور الكاتدرائية وبالقرب من أبوابها. بدأت الصلاة في نحو الواحدة ظهرا، وترأسها الأنبا روفائيل سكرتير المجمع المقدس، حيث ركز في كلمته على أن الأقباط لن يتركوا مصر رغم المحن، وأنهم لن ينسوا حق الشهداء. وفي أثناء الصلاة ترددت داخل الكاتدرائية هتافات تطالب بإسقاط الرئيس مرسي وتحمل نظامه المسئولية عن الاعتداءات.

وكانت دعوة إلكترونية قد أطلقها ناشط قبطي وأحد المحامين تدعو الأقباط للمشاركة في مسيرة إلى مقر وزارة الدفاع لمطالبة الجيش بحماية الكنائس، إلا أن محاولتهما عقب انتهاء الصلاة لحشد المشاركين للمسيرة قوبلت برفض وتعنيف من أغلب المشاركين، واقترح البعض تنظيم مسيرة إلى قصر الاتحادية للتنديد بالعنف ضد الأقباط.

بعدها خرجت الجثامين من البوابة الرئيسية للكاتدرائية، ووقعت مناوشات أثناء خروج المشاركين في الجنازة بين عدد من الشباب المسيحي وضابط شرطة وثلاثة من الجنود كانوا يقفون بجوار الباب الرئيسي للكاتدرائية، أرجعها شهود عيان إلى ترديد ضابط الشرطة عبارات مستفزة. وقال رامي كامل أحد شهود العيان لباحثي المبادرة:

"ضابط الشرطة قال: إمتى نخلص؟، عاوزين نغور من هنا. فاشتبك معه شباب مسيحي بالكلام، ودخل الضابط إلى الشارع المواجه للبنزينة المجاورة للكاتدرائية، ووجدنا ناس يجي عشرين واحد بيرموا طوب وزجاج وبرشطات (ألعاب نارية) وقنابل مونة فتبادلنا معهم الرشق بالحجارة."

وبعد أقل من ربع الساعة شاهد باحثو المبادرة عشرات من الشباب يخرجون من الشوارع الجانبية المجاورة للكاتدرائية، خاصة من ناحية مخرج كوبري غمرة يقذفون المتظاهرين بالحجارة والزجاجات الفارغة، كما اعتلى آخرون أسطح المنازل وقذفوا المتظاهرين بالطوب، ثم أطلقوا ألعابا نارية وسمع دوي خرطوش وأعيرة نارية. وقد توتر المشهد بين المشاركين في الصلاة، فأدخلوا السيدات أولا إلى داخل حوش الكاتدرائية ثم قام عدد منهم بتبادل الرشق بالحجارة والطوب مع المهاجمين.

وفي هذه الأثناء قام الجانبان بتكسير زجاج السيارات على جانبي شارع رمسيس واشتعلت النيران في سيارتين.

على خلاف هذا التتابع للأحداث، صدر بيان عن وزارة الداخلية بعد حوالي ساعة من بدء الاشتباكات بيان قصير جاء نصه كالتالي:

"صرح مصدر أمنى مسئول بوزارة الداخلية أنه مساء اليوم الأحد الموافق 7 الجاري وأثناء تشييع جنازة ضحايا حادث منطقة الخصوص بالكاتدرائية المرقصية بالعباسية وأثناء سير الجنازة بشارع رمسيس ، قام بعض المشيعين بإتلاف عدد من السيارات مما أدى إلى حدوث مشاحنات ومشاجرات مع أهالي المنطقة، وجارى التدخل للفصل بين الأطراف."

كما تبنى نفس الرواية ـ التي تفيد بأن الاشتباكات اندلعت عندما بدأ المشيعون بتحطيم السيارات قبل أن يتصدى لهم الأهالي – بيان صدر عن عصام الحداد، مساعد رئيس الجمهورية للشئون الخارجية، باللغة الإنجليزية في 8 إبريل.

إلا أن شهادة أحد ضباط الشرطة المكلفين بتأمين الجنازة جاءت لتكذب هذه الرواية الصادرة عن كل من إدارة العلاقات العامة بوزارة الداخلية ورئاسة الجمهورية. فقد نقلت وكالة بلومبرج الإخبارية في تقرير نشرته عن الأحداث في 8 إبريل شهادة (الرائد محمد حسن) أحد ضباط قسم الوايلي المشاركين في القوة المكلفة بتأمين الكنيسة خارج الكاتدرائية والتي ذكر فيها أن "سكان المنطقة التي تقع بها الكاتدرائية المرقسية قاموا بإلقاء الحجارة والزجاجات على المشيعين أثناء خروجهم من الجنازة أمس."

بعد اندلاع الاشتباكات بدأت قوات الأمن في إطلاق قنابل الغاز تجاه المشاركين في الجنازة أمام البوابة الرئيسية للكاتدرائية، مما دفع غالبيتهم للتدافع إلى داخلها، بينما ظل عدد قليل منهم أعلى سور البوابة يتبادلون الرشق بالحجارة مع المهاجمين خارج الكاتدرائية، ثم تحركت قوات الأمن ووقفت أمام بوابة الكاتدرائية الرئيسية. وكان مسئولو الأمن التابعون للكاتدرائية في هذا الوقت يجرون الاتصالات مع قيادات وزارة الداخلية لحماية الكاتدرائية لاسيما بعد تسلق مهاجمين لأسورها وقذف الموجودين داخلها بالحجارة في ظل وجود قوات الأمن، بينما غاب رجال الدين المسيحي عن المشهد ولم يكن لهم أي تواجد ظاهرا في داخل الكاتدرائية.

وفي هذه الأثناء لم يتوقف إطلاق قنابل الغاز على أبواب الكاتدرائية وداخلها، وبشكل مفرط لدرجة أنها وصلت إلى مسرح الأنبا رويس الذي يبعد أكثر من مائة متر من البوابة الرئيسية. وقد شاهد باحثو المبادرة ـ كما ظهر في العديد من مقاطع الفيديو ـ أعدادا من المهاجمين يقفون بجوار مدرعات الشرطة، ويلقون الحجارة والزجاجات على الكاتدرائية بينما تقف قوات الأمن بجوارهم دون تدخل سوى بإطلاق قنابل الغاز في اتجاه الكاتدرائية.

وقد تواجدت سيارة إسعاف واحدة داخل الكاتدرائية أخذ ينقل إليها المصابون الذين تزايدوا بمرور الوقت، حتى اشتكى المسعفون من نفاد الأدوات الطبية وعدم قدرتهم على تحمل علاج الأعداد القادمة. وبحلول الساعة الخامسة قام باحثو المبادرة بإحصاء خمس إصابات بالخرطوش وأكثر من عشرة بجروح قطعية نتيجة الزجاج والطوب، إضافة للعشرات من حالات الاختناق والإصابات السطحية. وقد حضرت سيارتا إسعاف أخريان بعد استغاثات عديدة لمسئولي الدولة.

وقد شاهد باحثو المبادرة المصرية كردونا امنيا لقوات الأمن، عبارة عن صفين من  الجنود: الأول يقف قاطعا شارع رمسيس بجوار نهاية سور الكاتدرائية من الناحية القريبة لمسجد النور،  ويتجمع حوله عشرات من المسلمين، الذين يستنكرون ما يحدث، ويتهمون الشرطة بالتورط في تصعيد الأحداث. أما الصف الثاني من الجنود فكان يقطع شارع رمسيس من بداية سور الكاتدرائية من ناحية مخرج كوبري غمرة، ووقف هناك عشرات من المواطنين، بعضهم يحمل أسلحة الخرطوش ويرشقون الكاتدرائية بالحجارة، وهم يسبون المسيحيين. وقد بدا أنهم من سكان المنطقة حيث تواجدت سيدات كن يرددن عبارات لتسخين الأجواء ويخاطبن المتواجدين بأسمائهم. بينما تركت الشوارع الجانبية أمام الكاتدرائية مفتوحة، وهي التي من خلالها بدأت الاعتداءات.

وشاهد باحثو المبادرة عددا من الشباب يردون بقذف الحجارة من داخل الكاتدرائية على المتواجدين خارجها، بينما اشتبك الطرفان خارج السور في تبادل للقذف بالحجارة والمولوتوف وقنابل المونة وما بدا وكأنه مسدسات محلية الصنع. كما شاهد الباحثون مجموعة من الأقباط داخل الكاتدرائية يمسكون بجندي من الأمن المركزي، وهناك من يحاول الاعتداء عليه بينما يقوم بحمايته آخرون، وتم نقله لجوار أحد الأبواب الخلفية للكاتدرائية بعد تأمينه وتفريق المتجمهرين حوله، وفي هذا الوقت كان باب الكاتدرائية الخلفي بجوار النفق المؤدي لمنطقة دير الملاك وحدائق القبة يفتح ويغلق على فترات. 

وفي نحو السادسة مساء ووفقا لإفادات متنوعة فإن عددا من الأقباط تمكن من إدخال بعض أسلحة الخرطوش، وقد شوهد عدد من الشباب يعتلون سور بوابة الكاتدرائية يطلقونها في مواجهة آخرين خارج الكاتدرائية يهاجمونها أمام الغرف المخصصة للأمن.

كما شاهد باحثو المبادرة عملية تسليم اثنين من المسيحيين كانا يحاولان الدخول للكاتدرائية للبحث عن أخيهما، عندما احتجزهما شاب مسلم وسلمهما لضابط بالشرطة وقال له إنهم من محافظة المنيا، وتعرضا للضرب أثناء تسليمهما من الشخص الذى احتجزهما.

وطبقا لتصريحات صحفية لوزارة الصحة والسكان فأن عدد ضحايا أحداث الكاتدرائية بلغ حالتي وفاة و89 مصابًا. وأعلن الدكتور خالد الخطيب، رئيس الإدارة المركزية للرعاية الحرجة والعاجلة أن جميع المصابين خرجوا من المستشفيات بعد تلقيهم العلاج وتحسن حالتهم، باستثناء 22 مصابًا فقط مازالوا يتلقون العلاج بمستشفيات دار الشفاء، وعين شمس التخصصي، والقبطي، والزهراء الجامعي، والشرطة بمدينة نصر، والعذراء بالزيتون، وأن الإصابات تراوحت بين طلقات نارية وخرطوش وجروح مختلفة. بينما أعلنت وزارة الداخلية عن إصابة 16 شرطيا في الأحداث تم نقلهم للعلاج بمستشفيات الشرطة.

وأعلنت السلطات لاحقا أن حالتي الوفاة نتيجة أحداث الكاتدرائية كانتا لكل من: محروس حنا إبراهيم (30 سنة) وأصيب بطلق خرطوش أودى بحياته، بينما أشارت تصريحات صحفية متعددة إلى أن الضحية الثانية هو أحمد سيد عبدالعال (26 سنة) والذي سقط من أعلى سور الكاتدرائية أثناء نزع كاميرات للمراقبة فأصيب بكسر بالجمجمة ونزيف بالأذن، وفقا لذات للتقارير.

وأصيب في الأحداث بيشوي وصفي (22 عاما)، ويعمل صحفيا بموقع جريدة الشروق، وذلك أثناء تغطية الأحداث. ووفقا لتصريحات محب فانوس مدير المستشفى القبطي لجريدة الشروق فإن "التقرير النهائي لحالة بيشوي يثبت إصابته بجرح أعلى الكتف وفي الجانب الأيمن من الرقبة بعرض 5 سنتمترات  وعمق 10 سنتمترات، وهو جرح متسخ جدا نتج عن تعرضه لتهتك بالأنسجة في هذه المنطقة وكدمة في الرئة اليمنى."