انهيار منظومة حماية اللاجئين في مصر
انتهاك منهجي وواسع النطاق لمبدأ عدم الإعادة القسرية وحق اللجوء
تشهد مصر تصعيدًا غير مسبوق في انتهاك حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء، إذ تزايدت حملات الاعتقال الجماعي والإعادة القسرية بشكل ملحوظ خلال عام 2024 والنصف الأول من عام 2025، بينما يظل قانون اللجوء الجديد رقم 164 لسنة 2024 -المعيب تشريعيًّا- معلقًا من دون لوائح تنفيذية أو إشراك في إعادة المناقشة أو إعداد اللوائح التنفيذية مع أصحاب المصلحة والمتخصصين.
وقد استهدفت حملاتُ التوقيف والقبض والإعادة القسرية السودانيين الفارين من الحرب في السودان بشكل أساسي، إلا أن الانتهاكات طالت أيضًا لاجئين من جنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا والسوريين بعد سقوط نظام بشار الأسد، وبغض النظر عن وضعهم القانوني، إلى أن أصبح الوصول إلى الحماية والإقامة في مصر شبه مستحيل. وتفاقمت الأزمة مع فرض قيود إدارية ومالية صارمة للحصول على التأشيرات، وزيادة فترات الانتظار للتسجيل والإقامة إلى مدد غير مسبوقة، ما دفع الغالبية إلى البقاء في حالة من "عدم الانتظام القسري"1، وجعلهم عرضة للاعتقال والترحيل في أي لحظة، حتى من بين حاملي وثائق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. فضلًا عن الحرمان من الوصول إلى الخدمات الأساسية والتعرُّض لخطر الاستغلال من دون حماية قانونية.
تستمر مصر في تفويض مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر بإجراء عمليات التسجيل وتحديد وضع اللاجئين، وإعادة توطين اللاجئين وطالبي اللجوء المقيمين في مصر. كما تعمل الحكومة المصرية على كتابة اللوائح التنفيذية للقانون رقم 164 لسنة 2024 (قانون اللجوء الجديد الذي صُدِّق عليه في ديسمبر/كانون الأول 2024) على الرغم مما تلقاه من انتقادات شديدة2. لم تُشرك الحكومةُ المصرية وكالاتِ الأمم المتحدة3 أو المجتمعَ المدني بأي شكل في عملية تطوير اللوائح التنفيذية لقانون اللجوء الوطني الجديد، على الرغم من الطلبات المتكررة والوعود الغامضة من جانب الحكومة باتباع نهج شامل في تطوير اللوائح التنفيذية. في الوقت نفسه، شاهدنا في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، تكثيف سلطات الدولة استهداف اللاجئين وطالبي اللجوء في حملة غير مسبوقة من حيث حجمها وأساليبها. فقد استهدفت السلطات مجتمعات اللاجئين من خلال عمليات التوقيف والتفتيش في الشوارع التي تستهدف الأشخاص -فيما يبدو- على أساس لون البشرة، تحت ستار التحقق من قانونية أوراق الهجرة.
وقد أدت هذه الاعتقالات -التي شملت في بعض الأحيان ما يصل إلى مائة شخص في الحملة الواحدة- إلى العديد من حالات الاحتجاز والترحيل اللاحق. كان العديد من اللاجئين المقبوض عليهم يحملون وثائق قانونية من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلا أن ذلك لم يمنع السلطات من احتجازهم وترحيل عدد كبير ومتزايد من اللاجئين وطالبي اللجوء، بعد مصادرة وثائق المفوضية أو -ببساطة- التظاهر بعدم وجودها. وفي بعض الحالات داهمت السلطات منازل اللاجئين وطالبي اللجوء في الأحياء المعروفة بتجمع أعداد كبيرة منهم، وهي ممارسة أخرى تكاد تكون جديدة تمامًا على سياسات الدولة المصرية تجاه مجتمعات اللاجئين.
وفي حين أنه من الصعب تأكيد وجود علاقة سببية مباشرة بين تلك السياسات والممارسات العدوانية المتزايدة ضد اللاجئين وطالبي اللجوء، وبين التصديق على قانون اللجوء، الذي لم تصدر لائحته التنفيذية بعد، إلا أن هناك ارتباطًا وثيقًا يتضح في التزامن الدقيق بين التشريع والتغير الملحوظ في السياسات التنفيذية. فمع التصديق على القانون، بما في ذلك الأحكام التي تنتهك اتفاقية 1951 بعبارات صارخة، بات واضحًا أن السلطات المصرية قد شرَعت في تأسيس هيكل -لا يزال حتى الآن محصورًا على الورق- مصمَّمٍ لجعل الحصول على اللجوء والحماية الدولية أمرًا بالغ الصعوبة، والأهم من ذلك جعل أوضاع اللاجئين وطالبي اللجوء خاضعة تمامًا لتقدير السلطة التنفيذية وأهوائها.
يشير حجم وطبيعة استهداف اللاجئين وطالبي اللجوء في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025 -على نحو لا يشبه أي شيء شهدناه في العقود الثلاثة الماضية- إلى أن مئات الآلاف من اللاجئين وطالبي اللجوء معرضون لتهديد مباشر وجسيم، مع التجاهل المستمر من قبل السلطات لوضع اللاجئين المحمي قانونًا. يهدف هذا التقرير المشترك الذي أعدته "منصة اللاجئين في مصر" و"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" إلى تسليط الضوء على الحالات التي وثقتها الجهات الفاعلة المحلية المعنية بالحماية ومنظمات المجتمع المدني على الأرض في مصر، ما يدل على الطبيعة المنهجية والمتعمَّدة لاستهداف سلطات الدولة للاجئين وطالبي اللجوء.
يركز التقرير على الأزمة المتفاقمة التي تواجه مئات الآلاف من اللاجئين/ات وملتمسي/ات اللجوء في مصر والقادمين/ات الجدد، عبر رصد وتوثيق أنماط انتهاكات بحق مئات الحالات التي تعرض فيها اللاجئون للاحتجاز والترحيل دون مراجعة قضائية أو ضمانات للإجراءات القانونية الواجبة.
1 نقصد بعدم الانتظام القسري، بقاء الأشخاص في وضع غير معترف به رسميًّا، لأسباب خارجة عن إرادتهم، نتيجة الأوضاع الإدارية أو القانونية أو الأوضاع الاقتصادية.
2 منصة اللاجئين في مصر والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، دراسة تحليلية معمقة حول مشروع قانون لجوء الأجانب (14 نوفمبر 2024)، متاح هنا، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومنصة اللاجئين في مصر، ملخص سياسات حول مشروع قانون لجوء الأجانب، (14 نوفمبر 2024)، متاح هنا.
3 المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين وآخرون، رسالة من مجموعة من المقررين الخواص إلى الحكومة المصرية بشأن بعض أحكام "قانون اللجوء" المُعتمد مؤخرًا، (17 ديسمبر 2024). متاح هنا.