"الموتى لا يذهبون إلى العمل"

المخاطرة بالعمال لن توقف الخسائر وشبكة الأمان ضرورة في زمن "كورونا"

تدعو الحكومة المواطنين للبقاء في بيوتهم لمنع الانتشار الوبائي لفيروس كورونا، لكنها تصر على ألا ينقطع العمل في قطاع المقاولات، على الرغم من تأجيل افتتاح المشروعات القومية إلى عام 2021. كما وافقت على استثناء العاملين في القطاع الخاص الصناعي من حظر التجول. أما شركات القطاع الخاص فتصر على تأجيل الإغلاق الكامل، ولم توافق على الإغلاق المؤقت للمصانع العاملة في قطاعات غير حيوية أو تخفيض عدد الورديات، كما فعلت الحكومة في القطاعات والشركات التابعة لها، حتى لو كان ذلك على حساب أرواح المصريين. وليس المقصود هنا القطاعات الحيوية التي لاغنى عنها، مثل المنتجات الغذائية والصحية، وإنما كل القطاعات. 

ومن المتوقع مع استمرار تفشي الفيروس أن يقل الطلب على المنتجات، وخاصة غير الضرورية، وهو ما يعرض تلك الشركات لانخفاض في إيراداتها أو خسائر حين لا يقبل الناس على شراء منتجاتها. 

وهنا يسمح القانون لأي صاحب عمل بأن يسرح العاملين لديه، بدون أي تعويضات، أو معاشات. وحين يمرض أحد العاملين، وهو عائل لأسرة، لا يتمتع غالبا بالتأمين الصحي الذي يكفل له العلاج. 

هل الآن هو وقت الحفاظ على الأرباح أم الأرواح؟ وهل إذا استمر الإنتاج بنفس معدلاته ومات مئات الآلاف من العاملين سيبقى من ينتج تلك السلع والخدمات؟ بالطبع لا كما يقول الرئيس الأسبق للأبحاث في البنك الدولي، برانكو ميلانوڤيتش لأن "الموتى لا يذهبون إلى العمل".

و لو بقي العمال في منازلهم دون تعويضهم ماليا من يستطيع شراء تلك السلع والخدمات؟ 

هناك 2 مليار مواطن حول العالم -أكثر من ربع البشرية- في بيوتهم وقاية من شر الكوڤيد-19. فلماذا لا تتبع مصر نفس المعايير للحماية؟

تحاول النقاط التالية رسم صورة سوق العمل في مصر، وتشير إلى مواقع الخلل القائمة فيه من الأصل، والتي تتفاقم مع أزمة فيروس كورونا. لكن الأزمة تفتح كذلك بابا للنقاش ولإصلاح بعض تلك الاختلالات.

1-  الناس بتشتغل فين؟

في 2017، كان عدد الناس اللي بيشتغلوا 26 مليون مصري. أكتر من ثلاثة أرباعهم من الذكور. منهم 8 مليون بيشتغل في الزراعة. وحوالي 3.5 مليون بيشتغلوا في البناء والتشييد. ومثلهم تقريبا في تجارة التجزئة. و3 مليون في الصناعة.

علشان نحميهم في زمن الكورونا، كل فئة محتاجة تتعامل بشكل مناسب لها.

2- الأجر اللائق ضرورة مش رفاهية

  • 7 من كل 10 ذكور بيشتغلوا مقابل أجر نقدي، و5 من كل 10 إناث بتشتغلوا مقابل أجر نقدي
  • لازم نتأكد إن كل واحد من دول بياخد أجر كافي إنه يصرف على نفسه وعلى الناس اللي بيعولهم (كل واحد بيشتغل في مصر بيعول تقريبا 2 غيره).
  • الحكومة بتدفع حد أدنى مرتب 2000 جنيه علشان الموظف يكفي احتياجاته الأساسية. لازم القطاع الخاص يدفع نفس المبلغ.

  • بكده نوفر على الحكومة مبالغ المعونات اللي بتدفعها للفقرا. 

3- العاملون الفقراء

  • في عام 2018، كان في مصر 6 من كل 10 عاملين فقراء (بيقبضوا أقل من خط الفقر اللي هو 735 جنيه في الشهر). 
  • وبين الستات النسبة أكبر، 7 من كل 10 ستات بيشتغلوا و مع ذلك فقراء.
  • وبين الشباب برضه 7 من كل 10، ونفس النسبة بين العاملين في القطاع الزراعي.
  • لو استمر فيروس كورونا، النسب دي ممكن تزيد لأن الناس هاتقبل بأجر أقل بدل ما تضطر تسيب شغلها.الحكومة هنا ممكن تحمي الناس عن طريق دفع جزء من الأجر، مقابل إلزام الشركات بعدم تسريح العاملين.

4- ليه لازم نحسن ظروف العمل في القطاع الخاص؟

  • القطاع الخاص لا ينصف العاملين لديه. شركات ومكاتب ومحلات ومستشفيات ومدارس القطاع الخاص بتوفر عمل لواحد من كل أربعة مصريين بيشتغلوا. 
  • هم بيساعدوا أصحاب الشركات دي تحقق أرباح كبيرة، لكن في المقابل الشركات دي مش بتكفل لهم عمل لائق.
  • من بين كل 10 عاملين في القطاع الخاص، فيه 7 بيشتغلوا من غير عقد يحميهم، ويعرفهم حقوقهم وواجباتهم. وفيه 7 مش متأمن عليهم يعني، ما عندهمش تأمين صحي يعالجهم ولا معاش لما يكبروا.
  • والظروف بتكون أسوأ كتير في القطاع الخاص غير المنظم، زي الورش الصغيرة أو المحلات الصغيرة في الأحياء العشوائية. وده قطاع بيوفر عمل لاتنين من كل أربع مصريين بيشتغلوا. 

  • وعلشان الحكومة تقدر تحمي العاملين، ممكن تبدأ حملة تشجع القطاع الخاص الصغير والكبير على توقيع عقود مع العاملين، مقابل انها تدفع التأمين الصحي والاجتماعي لمدة سنة عن كل عامل.


5- ليه تعويضات البطالة مهمة في مصر؟

  • مع انتشار الوباء، عدد الناس اللي هتفقد وظايفها هيزيد. الناس دي محتاجة مساعدة في احتياجاتها الأساسية. 
  • في الدول المتقدمة الحكومات بتدفع إعانة بطالة، وبتمولها من الضرايب. 
  • في مصر لو طبقنا ده على ال3 مليون ودفعنا لكل عاطل 1500 جنيه في الشهر تكلفتها هتبقى 54 مليار في السنة. وده مبلغ بسيط بالنسبة للحكومة، بيساوي حوالي 5٪ من إيرادات الضرائب المتوقعة السنة القادمة. 

  • ده مبلغ قد اللي الحكومة وعدت تدفعه لأصحاب شركات قطاع السياحة والطيران، كتعويضات عن الخسائر بسبب الفيروس كوفيد-19. لكن في حالة تعويضات البطالة هايروح لعدد كبير من الناس،  دخلها قليل أصلا وقدرتها محدودة على التكيف مع الأزمات.
  • دي ضرورة إنسانية وكمان ضرورة اقتصادية، لأنها بتحافظ على جزء من دخول الناس بحيث تفضل قادرة انها تشتري احتياجاتها، وبالتالي تفضل عجلة الاقتصاد شغالة.

6- من قبل كورونا: مافيش وظايف كفاية

  • في سنة 2018، الاقتصاد حقق نمو حوالي 6%، لكن ما استفادش منه عدد كبير من الناس ولا الشركات. 
  • فيه 15 ألف شركة جديدة تأسست. لكن كان عدد الناس اللي فقدوا وظايفهم قد تقريبا عدد اللي لقوا وظايف. وفي حوالي 600 ألف شاب وشابة زهقوا من البحث عن عمل وفقدوا الأمل و في 3 مليون شخص كانوا بيدوروا على شغل، لكن مش لاقيين.
  • وبكده يكون الاقتصاد اللي حجمه خمسة تريليون جنيه خلق صافي 15 ألف وظيفة فقط وده أقل رقم من سنة 2011.

  • محتاجين أكتر من أي وقت نعيد نظر في نموذج النمو اللي مصر بتتبعه، ونركز على النمو اللي بيخلق وظائف.

7- إزاي نضمن سلامة الناس اللي مضطرة تروح أشغالها؟

  • كلمة السر هي تخفيف الازدحام. ده معناه إن أي حد ينفع يقعد في بيته، يقعد في بيته. ولازم يوصل له دخل يغطي أساسياته. الحكومة عملت كده مع موظفينها. وتقرر صرف 500 جنيه شهريا للعمالة غير المنتظمة ودول حوالي 300 ألف مواطن.
  • اللي مضطر ينزل، بيعمل تضحية كبيرة علشان يقدم لنا خدمة عظيمة. لازم يلاقي مواصلات فاضية ورخيصة أو مجانية، دي خطوة لازم الحكومة توفرها.

  • لازم برضه مكان العمل يكون فيه عدد  قليل يسمح بالتباعد الاجتماعي. الحكومة وعدت إنها تعمل كدة مع عمال البناء اللي بيشتغلوا في بناء البنية التحتية والمشروعات القومية، وإنهم يشتغلوا على دوريات. القطاع الخاص ماحددش موقفه وطالب الحكومة انه يكون صاحب قراره، ومن حقه يكمل ثلاث ورديات في أي قطاع.
  • كل الإجراءات دي معناها تكاليف. جزء من التكاليف دي لازم يتحملها صاحب العمل، بحسب حجمه وإمكانياته، أهمها المطهرات وأدوات الوقاية الصحية، وتنظيم ورديات غير مزدحمة. وجزء آخر تتحمله الحكومة، أهمها مواصلات آمنة نظيفة مجانية، وإعانة بطالة وتأمين صحي.
  • وأفضل وسيلة للمواءمة بين ضرورة العمل وبين الحماية من الوباء هي التفاوض. كل قطاع وكل صناعة يتناقش مع ممثلين للعاملين لديه بإشراف الحكومة.