عشية اعتماد التقرير النهائي للمراجعة الأممية: الحكومة مصرة على سياسات إنكار أزمة حقوق الإنسان

بيان صحفي

1 يوليو 2025

يعقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، غدًا الأربعاء الثاني من يوليو، جلسة لاعتماد التقرير النهائي للمراجعة الدورية الشاملة لملف حقوق الإنسان في مصر، بعد تسليم الحكومة المصرية ردها وملاحظاتها التي تلقتها خلال جلسة المراجعة التي انعقدت في يناير الماضي. 

قدمت الحكومة المصرية  مذكرتها للرد على توصيات المراجعة في يونيو المنقضي. وتأسف المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لكون ردود الحكومة على التوصيات لم تختلف كثيرًا عن أدائها في جلسة المراجعة، إذ تجاهلت الواقع الواضح بجلاء للجميع، لتستمر في رسم واقع مواز حققت فيه الدولة إنجازات عديدة في مجال حقوق الإنسان، مع ادعاء وجود ضمانات ليس لها وجود في الواقع، ووصف عدد غير قليل من التوصيات بأنه "مطبق بالفعل". وكالمعتاد، أبلغت الحكومة المجلس بقبولها عددًا كبيرًا من التوصيات مع استثناء ورفض أي توصية تطالبها بإجراءات ملموسة وقابلة للقياس عند انعقاد المراجعة المقبلة بعد أربع سنوات،  سواء كانت توصية بتعديل تشريع أو تصديق على اتفاقية حقوقية دولية أو إصلاح مؤسسي محدد أو إطلاق سراح معتقلين. 

وفيما تشيد المبادرة المصرية بإقدام أغلبية أعضاء المجلس الأممي بتقديم توصيات تناولت معظم جوانب أزمة حقوق الإنسان المتفاقمة في مصر– حتى وإن جاء العديد منها في صياغات عمومية لا تتضمن خطوات عملية محددة– فإنها تشدد على مسؤولية الحكومة المصرية أن تُحوّل خطابها المنفصل عن الواقع إلى خطوات عاجلة نحو إنهاء انتهاكاتها الجسيمة والمنهجية، وواسعة النطاق، والتي صارت تطال كافة قطاعات المجتمع المصري. 

وكانت 137 دولة قد تقدمت لمصر بأكثر من 370 توصية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر في جلسة انعقدت في 28 يناير الماضي. وغطت التوصيات طائفة واسعة من  القضايا كالتعذيب و"تدوير" المحبوسين والاعتقال السياسي والإخفاء القسري، وسن القوانين المعيبة بشأن الإجراءات الجنائية واللجوء والجمعيات، وملاحقة الصحفيين والحقوقيين، والانتقاص من حقوق النساء وتراجع الإنفاق الاجتماعي، وغيرها من الانتهاكات الحقوقية الممنهجة في مصر. وقد دمج التقرير النهائي للمراجعة التوصيات المتشابهة ليصبح عددها النهائي 343 توصية مجمعة. ووفقًا لمذكرة الرد المصري، فقد قررت الحكومة أن تقبل كليًا 264 منهم (بنسبة 77٪)، وأيدت جزئيًا 16 توصية (بنسبة 5٪) وأحاطت علمًا–أي رفضت- بـ62 توصية (بنسبة 18٪).

 

"منفذة بالفعل"... بالفعل؟  

 

قراءة تعليقات مصر على التوصيات، سواء تلك التي أيدتها كلية أو جزئيًا أو رفضتها بصيغة "أحيط بها علمًا"، تكشف عن نمط من استخدام عبارة ”منفذة بالفعل“ بشأن 43 توصية، تضمنت ادعاءات لا تستند لأي أساس من الحقيقة. فيدعي تقرير الحكومة مثلاً بأنها نفذت "بالفعل" توصيات تطالبها بـ: قانون شامل للعنف ضد النساء، وقانون يجرم العنف المنزلي بما فيه الاغتصاب الزوجي، وتجريم كل أشكال العقاب البدني للأطفال، ونشر برنامج تنفيذي للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وضمان تمتع المجلس القومي لحقوق الإنسان بالاستقلالية ومنحه السلطة للتفتيش على أماكن الاحتجاز، وإلغاء كل القوانين التي تميز ضد النساء والفتيات، وقصر استخدام عقوبة الإعدام على الجرائم الأشد خطورة، بل وإخلاء سبيل كل المحبوسين ممن أتموا أكثر من سنتين في الحبس الاحتياطي.

على أن أكثر الأمثلة فجاجة على ما تدعي الحكومة المصرية أنه منفذ بالفعل هو ادعاؤها أن حرية التعبير مكفولة في الفضاء الرقمي والتقليدي، وكذا حريات التنظيم والتجمع السلمي وعمل المدافعين عن حقوق الإنسان في أمان. تزعم الحكومة المصرية ذلك وقتما تعتقل الآلاف باتهامات تناقض نصوص الدستور الصريحة التي تحظر العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر، ومن ضمن تلك الجرائم" إشاعة أخبار كاذبة" أو "الاعتداء على القيم الأسرية للمجتمع المصري" أو "إساءة استخدام وسائل الاتصالات"، هذا بخلاف الاستخدام المسيس للنصوص المعيبة من قانوني العقوبات والإرهاب لتوجيه اتهامات بعضوية ومشاركة وتمويل جماعات "إرهابية" أو مشكلة على خلاف أحكام القانون بحق المعارضين والمحامين والصحفيين والحقوقيين والمتظاهرين السلميين، وحتى المواطنين من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ومن مختلف الاتجاهات. بل إن زملاءنا في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أنفسهم لم ينجوا من فخ هذه الاتهامات الباطلة وما يترتب عليها من ملاحقات قضائية ما زالت مستمرة حتى الآن. هذه مجرد أمثلة تعطي صورة واضحة عن الواقع الموازي الذي تصدره مصر للمجتمع الدولي، والذي كنا نود أن يكون حقيقيًا. 

في المقابل، قبلت مصر بحماس توصيات ذات صياغة مفتوحة، خاصة تلك التي تطالبها بالاستمرار في جهودها المبذولة في مجال معين، أو تتضمن إشارات عامة لا تحدد قوانين أو أو إجراءات بعينها، وبذلك لا يمكن قياس مدى تحقيقها من عدمه في تكرار لصياغات "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" التي انقضت أربع سنوات من فترتها الخمسية وما زالت حبرًا على ورق. 


رفض مغلف بـ"الإحاطة علمًا"

 

قررت الحكومة المصرية هذه المرة عدم الرد على أي توصية بالرفض، على غرار المراجعات الثلاث السابقة، واستعملت بدلا من ذلك صيغة "أحيطت علمًا" للإشارة لكل التوصيات التي لم تقبلها وبالتالي لا تلتزم بتنفيذها. 

عللت مصر رفضها للعديد من التوصيات بوصفها ”لا يمكن لمصر تنفيذها في المرحلة الحالية لعقبات دستورية وقانونية، أو لتعارضها مع منظومة القيم الوطنية، أو احتوائها على معلومات غير دقيقة“. وبالنظر لهذه التوصيات لا يمكن فهم كيف تتعارض مع الدستور المصري، حيث  تشمل التصديق على اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والبروتوكول الخاص باتفاقية منع التعذيب، واتفاقية منظمة العمل الدولية ضد العنف والتحرش في مكان العمل، وغيرها. 

هذا الرفض المبطن لأي توصية تطالب الحكومة المصرية بالتصديق على اتفاقيات حقوقية دولية جديدة أو دعوة مقررين خواص بعينهم لزيارة مصر، يشكل استمرارًا لنهج ثابت تبنته الحكومة المصرية منذ استعراضها الدوري الأول في 2010 وهو رفض أي التزام دولي إضافي، خصوصًا في حالة البروتوكولات والاتفاقيات التي تتضمن آلية لتلقي شكاوى أو إخضاع لمراقبة دورية. يتضح ذلك في الرفض المتصلب على مدار الدورات السابقة للتوصية بالتصديق على البروتوكول الاختياري للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الخاص بإلغاء عقوبة الإعدام، أو البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب والخاص باتخاذ إجراءات وقائية لمنع حدوثه من الأصل، أو اتفاقية حظر الاختفاء القسري رغم زعم الحكومة بأنه مجرم بالفعل في التشريع المصري ولا وجود له في الممارسة. 

في رفضها مجموعة أخرى من التوصيات خلف عبارة "أحيطت علمًا"، تدعي الحكومة المصرية أن قانون الإرهاب يستخدم فقط في قضايا الإرهاب ولا يستخدم ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمتظاهرين السلميين، وأن الدستور المصري لا يسمح باستخدام القوانين الجنائية للحد من حرية الرأي والتعبير، إلى غير ذلك من الأساطير. ورفضت الحكومة أي ادعاءات بوجود قيود على نشاط المجتمع المدني، أو أي شكل من الاعتقال التعسفي، أو أن هناك متطلبات تحد من الحق في التجمع السلمي أو التظاهر أو حرية الإعلام التقليدي أو الرقمي، أو أن  القوانين المصرية تستخدم لعقاب الإفراد على مثليتهم الجنسية. ولم تقبل بتوصية متعلقة بإزالة الحجب عن المواقع الصحفية المستقلة، وضمان حرية  وأمان المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان، وهي توصية اعتبرت الحكومة أنها تتضمن "إشارات غير صحيحة بشأن وجود قيود مفروضة على المنظمات غير الحكومية والمنابر الإعلامية المستقلة." ولم تقبل الحكومة بالتبعية أية توصية تدعو لتعديل ملموس لمحتوى التشريعات المنظمة للتعبير والتنظيم والتجمع السلمي.  

وفي السياق نفسه، رفضت الحكومة المصرية الحديث عن حقوق الأقليات الدينية والإثنية، مع الإشارة إلى أن حقوق المواطنة منصوص عليها في الدستور بما يضمن المساواة بين جميع المواطنين. وذلك بالرغم من أن الدستور نفسه يميز بين المواطنين حسب الدين والمعتقد، فلم يعترف إلا بالديانات الإبراهيمية (الإسلام والمسيحية واليهودية)، ومن ثم؛ ترتب على عدم الاعتراف بالمجموعات الدينية الأقل عددًا مثل البهائيين حرمانهم من كامل حقوقهم المدنية مثل الزواج والطلاق وممارسة الشعائر الدينية، والإعلان عن معتقداتهم بحرية وتخصيص مقابر لدفن الموتى منهم. كما تهربت الحكومة من أية التزامات بشأن التوصيات التي تدعوها لتحقيق المساواة وعدم التمييز ضد الأقليات الدينية وحمايتها.


إيجابيات محدودة

 

على الجانب الإيجابي، أيدت مصر توصيات هامة متعلقة بمواضيع مختلفة، منها: زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي، وإنشاء برامج للحماية الاجتماعية تحد من تأثير الأزمة الاقتصادية، والوصول لنسبة 100٪ من تغطية التأمين الصحي الشامل بحلول عام 2030، بل وتقوية خدمات الطب النفسي، وضمان تمتع جميع الأطفال بالحق في تعليم جيد، واحترام حق المهاجرين في عدم الترحيل القسري ووصولهم وأطفالهم للخدمات الأساسية، وزيادة الإنفاق الحكومي على خدمات تنظيم الأسرة. وإن كنا ندرك أن أغلب تلك التوصيات تدعو الحكومة فقط للنظر في اتخاذ خطوات غير محددة أو قابلة للقياس العملي في مجملها، فإننا نرحب بتأييد الحكومة لتلك التوصيات، وننوى القيام بدورنا في مراقبة التزامها بتلك التعهدات. 

في المحصلة النهائية، جاءت ردود مصر على توصيات الدورة الرابعة من المراجعة الدورية الشاملة متماشية مع كل من تقريرها الوطني، وتعليقاتها أثنآء جلسة المراجعة: فأوضاع حقوق الإنسان في مصر - وفقًا لنظَّارة الحكومة- بأفضل حال، وكثير من التوصيات لا تستدعي الجهد لأنها منفذة بالفعل. وبذلك جاء تقرير الردود ليستمر في رسم واقع مواز تراه الدولة وحدها لأوضاع حقوق الإنسان في مصر. 


خلفية 

 

تقدمت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بخمسة تقارير منفصلة لآلية الاستعراض الدوري الشامل قبل عقد الجلسة، تضمنت تقريرًا فرديًا قدم لمحة عامة حول تدهور الوضع الحقوقي منذ جلسة الاستعراض السابقة عام 2019، فضلًا عن تقارير جماعية شاركت فيها المبادرة مع منظمات أخرى، تناول أولها الانتهاكات المنهجية داخل منظومة العدالة الجنائية كالتعذيب والإخفاء القسري والمحاكمات غير العادلة وسوء أوضاع الاحتجاز، فيما غطى الثاني حقوق المدافعين عن حقوق الإنسان وإساءة استخدام قوانين الإرهاب لمعاقبتهم، وتطرق الثالث إلى أزمة حقوق النساء والفتيات في مصر، بينما خُصِّص الرابع لرصد انتهاكات الحريات الرقمية وحرية التعبير والإعلام.  كما  أصدرت المبادرة المصرية تعليقًا على تقرير الحكومة المقدم للاستعراض الدوري الشامل حمل عنوان "الواقع الموازي".