ضحايا "لقمة العيش".. استمرار إهدار حقوق العاملات الزراعيات في الحياة وبعد الموت

بيان صحفي

28 June 2025

تعرب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن بالغ حزنها وتعازيها لأسر 18 فتاة لقين مصرعهن في حادث مروع أثناء توجههن إلى عملهن في مزارع العنب بمدينة السادات، وتؤكد تضامنها الكامل مع أسر الضحايا، ومع العاملات الزراعيات في مختلف أنحاء مصر.

تأتي هذه الفاجعة بعد أسابيع قليلة من تصديق رئيس الجمهورية على قانون العمل الموحد الجديد، والذي يضم لأول مرة إدراج العاملات والعاملين في الزراعة ضمن مظلة الحماية القانونية، ولكن بلا أي إجراءات أو آليات حقيقية للحماية. وبعد المطالبات المتكررة من منظمات المجتمع المدني، وخبراء حقوق العمال، والمنظمات النسوية، والجهات الأممية، باستيفاء الالتزامات الدولية لمصر بمد الحماية القانونية لكافة أشكال العمل - وإن كانت العاملات المنزليات لا يزلن مستثنيات-، فقد شمل العاملات الزراعيات لأول مرة، لكن بلا أي ضمانات أو آليات تتماشى مع ظروف عملهن، ما يعمّق واقع التمييز والإقصاء القانوني العملي للعاملات اللائي هن من بين الأكثر هشاشة وتهميشًا.

وفقًا للمصادر الصحفية، كانت الضحايا – ومعظمهن بين سن 14 و20 عامًا – يعملن بنظام اليومية مقابل أجر يتراوح بين 120 و130 جنيهًا، أي دون الحد الأدنى للأجور المعتمد وفق حساب العمل بالساعة. كما كانت عربة الميكروباص التي تقلهن تحمل 22 شخصًا، أي ما يتجاوز طاقتها القانونية المحددة بـ15 راكبًا، في رحلة مرهقة لمسافة تقارب 60 كيلومترًا من قريتهن إلى مدينة السادات.

ولا تعد هذه الحادثة استثناءً، بل تكرارًا لنمط  إهمال ظروف عمل عاملات اليومية، خاصة في قطاعات الزراعة والصناعات البسيطة المرتبطة بها مثل التعبئة، حيث تنقل النساء والفتيات في عربات متهالكة مكتظة، بلا تأمين أو رقابة، أو مسؤولية من أصحاب العمل أو الجهات المعنية. وفي كل مرة، يُحصر الخطاب الرسمي في تحميل سائق المركبة المسؤولية، وتُعلن وزارة التضامن عن تعويضات مالية لأسر الضحايا، بينما تغيب المحاسبة الشاملة، وتلوذ المجالس القومية المعنية – كالمجلس القومي للمرأة، والمجلس القومي للطفولة والأمومة، والمجلس القومي لحقوق الإنسان – بالصمت، دون حتى إدانة لظروف العمل غير الآمنة أو النقل الجماعي غير الآمن لهؤلاء الفتيات.

تحذر المبادرة المصرية من استمرار تجاهل الدولة لحقوق العاملات الزراعيات، بما في ذلك حقهن في بيئة عمل آمنة ، ونقل كريم، وأجر عادل، وآليات حماية قانونية مناسبة لواقع عملهن. ونؤكد أن هذا الإهمال الممنهج يمثل انتهاكًا واضحًا لالتزامات مصر بموجب الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقيات العمل الدولية التي تطالب بحماية شاملة للعاملات في الاقتصاد غير الرسمي.

وعليه، تطالب المبادرة بما يلي:

1. فتح تحقيق عاجل وشفاف في ظروف العمل والنقل التي أدت إلى مصرع الفتيات، وتحديد مسؤولية أصحاب العمل عن وسيلة النقل وظروفها. باللإضافة للتحقيق ظروف عملهن وأجورهن أثناء حياتهن. 

2. مساءلة حكومية وبرلمانية بشأن استمرار استثناء العاملات الزراعيات من الحماية القانونية العملية، ومحاسبة الجهات المتقاعسة عن توفير رقابة حقيقية على بيئة العمل والنقل في هذا القطاع وخاصة في تلك الواقعة.

3. إعادة النظر في قانون العمل الموحد الجديد بشكل عام لتقليصه من حقوق العاملات والعاملين، وتفصيل آليات الحماية لتشمل جميع أشكال العمل، بما يتوافق مع التزامات مصر الدولية.

4. التحقيق البرلماني في جودة البنية التحتية للطرق في المناطق الريفية وخاصة في المنطقة التي وقعت فيها الحادثة، خاصة تلك التي تشهد تكرارًا لحوادث مماثلة.

إن استمرار تجاهل أوضاع النساء العاملات وخاصة في الزراعة والصناعات المرتبطة بها، والاكتفاء بالاستجابات الرمزية في أعقاب كل فاجعة، لن يؤدي سوى إلى المزيد من الضحايا. إن للعاملات الزراعيات حقوق أساسية، تقاعس عن الوفاء بها مشرعو القانون  والقائمون على تنفيذه. وتلك الفاجعة، وجب أن تكون انذارًا جديدًا حتى يعاد النظر في القانون، ويتم التحقيق الشامل في الواقعة.