
تقرير الفجوة العالمية 2025: مصر ضمن أسوأ عشر دول عالميًا في المساواة بين الرجال والنساء
بيان صحفي
تعرب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن قلقها البالغ لتراجع مصر مرة أخرى في تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين 2025 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، إذ صنّفت مصر في المرتبة 139 من أصل 148 دولة، لتصبح ضمن أسوأ عشر دول عالميًا من حيث اتساع الفجوة في العدالة بين الجنسين.
يأتي هذا التراجع في ظل استمرار انخفاض نسب سد الفجوة، أي الجهود والإجراءات التي تتخذها الدولة لتقليل الفجوة بين الجنسين، ما يعكس أزمة مستمرة في حقوق النساء في مصر. فبينما تستمر الدولة في ادعاءاتها المعلنة في ملف تمكين النساء، بل وتحتفي بـ"إنجازاتها"، فإن كل المؤشرات الإحصائية وتقارير المؤسسات الدولية الشريكة للدولة إضافة إلى الواقع المحيط بالنساء تعلن جميعها تعمق الأزمة عامًا بعد عام.
يأتي تراجع مصر إلى المرتبة 139 من ضمن 148 دولة، بعد سنة من تراجعها السابق إلى المركز 135 من بين 146 دولة. . وتراجعت نسبة سد الفجوة، المنخفضة بالفعل، إلى 62.5%. فيما بلغ متوسط نسبة سد الفجوة العالمية بين الجنسين 68.8% في التقرير الأخير، مسجلًا أفضل تحسّن منذ عام 2020 بقفزة 0.3 نقطة مئوية مقارنة بعام 2024. وتعكس تلك الأرقام فجوة واسعة بين مسار التقدّم العالمي - وإن كان متباطئًا- ومسار التراجع الذي تعيشه مصر، لاسيما على مستوى الأداء الاقتصادي والسياسي للنساء.
وحتى بمقارنة مصر بدول المنطقة والقارة والدول المثيلة اقتصاديًا، يظل وضع مصر شديد السوء، إذ تأتي مصر في المركز الحادي عشر من بين 14 دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي المركز 34 من بين 41 دولة إفريقية شملهم التقرير. وبالنظر للدول النظيرة لمصر اقتصاديًا، فالوضع أسوأ، إذ أنه بالمقارنة بالدول المصنفة ضمن الشريحة الدنيا للدخل المتوسط، جاءت مصر في الترتيب 38 ضمن 40 اقتصادًا، لا تليها إلا غينيا وباكستان.
أي أن مقارنة مصر بالدولة المثيلة، اقتصاديًا أو ثقافيًا وسياسيًا في المنطقة، أو جغرافيًا في القارة، على كل تلك المستويات، تضعها ضمن الأسوأ في سد الفجوة بين الجنسين في كل المؤشرات، وهو ما يتعارض بشكل جذري مع خطابات الدولة المصرية عن ما تعده انجازات لها في مجال حقوق النساء على مدار عقد كامل، كما لا يتسق مع احتفائها بوضع استراتيجيات ومشروعات مثل "الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030" وبرنامج تنمية الأسرة المصرية، ما يعني أن الإنجازات في بعض المؤشرات لم تُترجم عملياً إلى تحسين أوضاع النساء بشكل عام.
وبالنظر للمحاور الأربعة للتقرير وموقع مصر في كل منهم تتضح الصورة أكثر.
أ. المشاركة الاقتصادية والفرص
يشكل هذا المحور باستمرار ووضوح التحدي الأكبر لنساء مصر. وتقع مصر في التقرير الأخير في الموقع 140 ضمن 148 دولة في إتاحة المشاركة الاقتصادية وعدالة النفاذ للفرص للنساء. وأغلقت مصر الفجوة بنسبة 40% فيما بلغ متوسط الدول الأخرى جميعها حسب التقرير نسبة 61% .
وكان حجم التفاوت في مشاركة النساء في سوق العمل بما يعادل 15.9%، مقارنة بـ 74.2% للرجال، وجاء متوسط دخل النساء أقل من ربع متوسط دخل الرجال، وحُزْن 7.2% فقط من المناصب العليا. وجاء أسوأ تصنيف لمصر -كما هو متوقع- في الدخل المتوقع للنساء، فجاءت مصر في الترتيب 145 من ضمن 148 دولة.
ورغم رداءة أداء مصر في تلك المؤشرات، فتلك ليست مفاجأة. فهي نتيجة طبيعية لتراكم سنوات من السياسات الاقتصادية المتجاهلة للنساء في مصر، بجانب تجاهلها لمصالح أغلب المصريين بغض النظر عن النوع. فنظرة سريعة على السياسات العامة المتصلة بالنساء والتوظيف في مصر على مدار العام الماضي تكفي لإلقاء الضوء على عمق الأزمة: من فرض إجراءات غير دستورية وغير قانونية على النساء من ذوات الدخول الأقل بإلزام أغلب نساء مصر بالحصول على إذن سفر مسبق للسعودية، بل وتوصيف أغلب نساء مصر ب"الفئات الدنيا"، وهو القرار الذي طعنت عليه المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أمام مجلس الدولة منذ أسابيع. تضاف إلى ذلك الأزمة المستمرة في تعيين المعلمات والمعلمين الناجحين في اختبارات "30 ألف معلم" و استبعاد المعلمات تحديدًا بناء على تمييز مبني على النوع، تمثل في منع توظيف الحوامل ومن أنجبن حديثًا وقت إجراء الاختبارات، بالإضافة إلى معايير التمييز الاخرى التي طبقت أيضًا على زملائهن الرجال مثل الوزن واللياقة والإعاقة. وما زالت تلك القضية تنظر أمام القضاء لأكثر من عام، بعد طعن المبادرة تمثيلًا لعشرات من المعلمات على اسبتعادهن، بل وتتمادى الدولة في تلك الإجراءات التمييزية ضد النساء خاصة، بترسيخ تدريبات الأكاديمية العسكرية في اختبارات تعيين المعلمين. وفيما يخص مؤشرات تدني دخول النساء في مصر، يمكن النظر لواقعة مثل محاولة عاملات وعمال مصنع وبريات سمنود في العام الماضي الحصول على حقهن القانوني في إقرار الحد الأدنى للأجور، بلا نجاح حتى الآن.
وبتمرير قانون العمل الجديد، يصعب تخيل أن يأتي المستقبل بنتائج مختلفة، حيث أن تقييد الحق في الإضراب، والتقييد المستمر للحق في التنظيم، وزيادة "مرونة سوق العمل"، فإن القليلات من المصريات اللاتي يصلن لسوق العمل سيستمر وضعن الهش أمام استغلال أصحاب العمل.
ب. التحصيل التعليمي
رغم أن ترتيب مصر في فجوة التحصيل العلمي هو 111 من 148 اقتصادًا، إلا أن ذلك الترتيب المتدني هو ثاني أفضل ترتيب فرعي لها. ووصلت نسبة سد الفجوة في مصر في التحصيل العلمي إلى 97.3%. غير أنه على الرغم من الوضع الأفضل نسبيًا للنساء في التعليم في مصر، مقارنة بالمحاور الأخرى، فإن الفصل بين التعليم والفرص العملية واضح، وهو ما رصده تقرير "أزمة حقوق النساء والفتيات في مصر 2019–2024"، الصادر عن المبادرة المصرية ضمن ائتلاف من المنظمات الحقوقية والنسوية المصرية في 2024، والذي يوضح عدم قدرة التعليم على ضمان مشاركة اقتصادية حقيقية للنساء.
ج. الصحة والبقاء
يعد هذا هو الترتيب الفرعي الأفضل لمصر، إذ جاء ترتيب مصر في المرتبة 78 ضمن 148 دولة. ورغم ارتفاع متوسط العمر المتوقع (73.9 سنة للنساء مقابل 70.8 للرجال)، فإن المؤشر لا يقيس جودة الحياة والصحة، أو جودة خدمات الصحة الجنسية والإنجابية المقدمة للنساء.
د. التمكين السياسي
أما في التمكين السياسي، فالمؤشر يقيس فقط مشاركة النساء في الوزارة والبرلمان والوظائف القيادية، حيث جاءت مصر في الترتيب 101 من 148 دولة. وحققت مصر نسبة سد الفجوة 15.9% مقارنة بالمتوسط الدولي 22.9% . وجاءت نسبة النساء في البرلمان في المؤشر الأفضل ب 27.7%.
ترى المبادرة المصرية في هذا الأداء دليلًا إضافيًا على أن الاحتفاء الرسمي والمبادرات الحكومية لا تعكس واقع النساء الفعلي في مصر. وأنه نتيجة طبيعية لتراكم سنوات من السياسات الشكلية والتي تفشل في مواجهة أشكال تمييز ضد النساء والفتيات. فالتعليم لا يترجم لفرص حقيقية، وفرص النساء في العمل الجيد شديدة السوء، بل والتمييز المؤسسي واضح من خلال قرارات وزارة الداخلية بالحد من حرية السفر، والتمييز المؤسسي في تعيين المعلمات بناء على معايير تميزية بشكل فج، كما أن غياب قواعد شفافة للأجور وتنفيذ قرارات الحدود الدنيا للأجور تضع النساء خاصة في موضع شديد السوء.
يأتي هذا التقرير الدولي، ليشير مرة أخرى لأهمية تغيير أنماط التدخلات لضمان حقوق النساء في مصر. ويؤكد أهمية مطلب المبادرة المصرية المتكرر بإجراء إصلاح شامل يعيد تصميم السياسات على أساس المساواة. إن الخروج من هذا التدهور يتطلب تحركًا سياسيًا وتشريعيًا عاجلًا يعيد هيكلة النظام الاقتصادي والاجتماعي في مصر ليضع النساء في مركزه لا في هامشه؛ ويعامل المصريات كمواطنات كاملات ذوات حقوق. وحتى يتم تطوير تلك التدخلات فإن هناك توصيات عاجلة لحل أزمات حالية:
· إصلاح جذري لمنظومة العمل والتشغيل بما يضمن المساواة التامة، ومراجعة كل السياسات والقوانين التي تسمح أو تتسامح مع التمييز القائم على النوع، وإلغاء القيود التعسفية مثل شرط الإذن المسبق بالسفر أو الاستبعاد من الوظائف على أساس الحمل أو الوزن أو اللياقة أو الإعاقة.
· سن قانون شامل للمساواة ومناهضة التمييز ليواجه التمييز المؤسسي في مصر - بما فيها ضد النساء في العمل- ويضمن تكافؤ الفرص في التعيين والترقية، ويضع آليات واضحة للمساءلة والإنصاف. ويرتكز على الحدود الدنيا للمعايير والمبادئ التوجيهية التي أصدرتها المبادرة المصرية.
· ضمان تنفيذ قرارات الحد الأدنى للأجور في كل القطاعات.