
"حرية افتراضية".. دراسة جديدة للمبادرة تدعو لإنهاء قمع حرية التعبير الرقمي في قانون الجريمة الإلكترونية
بيان صحفي
أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم الأربعاء، 21 مايو، دراسة "حرية افتراضية: نحو إنهاء قمع قانون الجريمة الإلكترونية لحرية التعبير الرقمي". وتسعى الدراسة لتأطير معايير استرشادية تُمكّن المشرعين والقضاة والمسؤولين التنفيذيين ومختلف الفئات صاحبة المصلحة، من إيجاد تنظيم بديل للمحتوى المنتج والمتداول في الفضاء الرقمي، وتستهدف إحداث توازن بين اعتبار حماية وتعزيز الحقوق والحريات الأساسية للمستخدمين من جانب، واحترام القيود المقبولة على هذه الحريات للمعايير الدستورية والدولية المتعارف عليها وبما لا يخل بجوهرها من جانب آخر.
تبني الدراسة على ما رصدته ووثقته المبادرة المصرية من بيانات وملاحظات خلال اشتباكها مع طائفة واسعة من القضايا التي تضمنت تعديًا صريحًا على حريات المواطنين، تحت زعم "ترويج محتوى إلكتروني يضرّ بالسلامة والنظام العام أو الأمن القومي"، أو يروج لأخبار "كاذبة" أو يحض على العنف والتمييز والكراهية، أو حتى يعتدي على ما يسمى بالمبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري.
الدراسة، التي أعدها عمرو عبد الرحمن مدير وحدة الحريات المدنية بالمبادرة المصرية، طبّقت إطارها المقترح على واحد من أبرز عناصر منظومة القوانين التي وُظّفت لقمع حرية التعبير في الفضاء الرقمي، وهو قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 المعروف إعلاميًا بقانون الجريمة الإلكترونية، نظرًا لتعبير نصوصه بشكل متكامل عن رؤية نظام الحكم الحالي لطبيعة حدود حرية التعبير في الفضاء الرقمي، ومنهجه في تقييدها. وبينت الدراسة أن الاتجاه الغالب بين المشرعين والقضاة المصريين حاليًا هو إخضاع المحتوى المنتج في الفضاء الرقمي لأشكال خاصة من التقييد، نظرًا للانتشار الواسع لهذا الوسيط. ويتبعون في رؤيتهم تلك منهجًا أكثر تطرفًا في صياغة هذه القيود، لا يلتزم بالمنصوص عليه من ضوابط دستورية وقانونية في الفقه الدستوري المصري أو القانون الدولي لحقوق الإنسان.
في المقابل، تطرح الدراسة منهجًا مستمدًا من كلا التراثين اللذين تجاهلهما المشرع المصري، أي القانون الدولي لحقوق الإنسان والتراث القضائي المصري نفسه. وتقترح إخضاع المواد التي تنطوي على تقييد لحرية التعبير عند صياغتها لاختبار على ثلاثة مستويات للتأكد من التزامها بمعايير المشروعية والضرورة والتناسب. وتحت كل معيار من تلك المعايير الثلاثة تطرح الدراسة خطوات تفصيلية تساعد المشرع في الحفاظ على مضمون الحريات عند تقييدها. وهذه الخطوات نفسها تتأسس إما علي نصوص صريحة من الاتفاقيات الدولية وتفسيراتها المعتمدة من اللجان الأممية ذات الصلة، أو لسوابق قضائية مصرية أو دولية في سياقات تتشابه مع واقعنا.
وبتطبيق هذا الاختبار المركب على حالة قانون جرائم تقنية المعلومات، تنتهي الدراسة إلى أن القانون في صيغته الحالية، وكذا تطبيقاته القضائية، لا يلتزم بأي من المعايير المذكورة لتقييد حرية التعبير سواء من حيث المشروعية، أو الضرورة، أو التناسب. فالقانون لا يحدد الأفعال التي يجرِّمها بدقة ووضوح، كما أنه لا يحدد كيفية إثباتها أو إثبات القصد الجنائي لها، كما لا يحدد بدقة ووضوح وشمول أشخاص الخاضعين لأحكامه ولا التزاماتهم. وكذلك لا يحدد القانون بدقة موضوعات الحماية القانونية، وما إذا كانت حمايتها ضرورية في مجتمع ديمقراطي، ولا يحدد طبيعة التهديدات التي تكتنفها وما إذا كانت مواجهتها تقتضي بالضرورة تقييد حرية المستخدمين في التعبير. كما أنه يجرّم أفعالًا مجرّمة بالفعل في قوانين أخرى ولا يقيم دليلًا على الحاجة لمزيد من التجريم أو تغليظ العقوبة. وأخيرًا، فالقانون يفرض إجراءات احترازية وعقابية غير متناسبة مع طبيعة التهديد الذي يواجه موضوعات حمايته، فيوسع من نطاق التقييد لحدود غير معقولة، ويخلّ بمضمون حرية التعبير بتقييده هذا، ولا يأخذ مصالح الأطراف الأضعف بعين الاعتبار، ويخصص موارد زائدة عن الحاجة لهذا التقييد.
فكانت المحصلة مخالفات دستورية صريحة تتمثل في التجريم بلا نص قانوني واضح، وتوقيع عقوبات سالبة للحرية في جرائم مستثناة من هذه العقوبات، وتوسيع غير مسبوق من سلطة قاضي الموضوع في تحديد الأفعال ومصادر التهديد التي شابها الغموض في نصوص القانون، وتضارب واضح بين مسلك النيابة ومسلك المحاكم، بل وبين أحكام المحكمة الواحدة وبعضها البعض. كما لا يعالج القانون في صياغته الحالية معضلة افتقار المستخدمين للأمان أو اليقين القانوني الذي يجعلهم قادرين على استجلاء قصد المشرع وضبط سلوكهم في ضوءه حتى لا يخالفوا نصوص القانون، فتحول القانون - بلغة المحكمة الدستورية العليا المصرية - إلى محض "فخ أو شرك" للمستخدمين.
وللخروج من هذا الفخ، تطرح الدراسة على المشرعين والقضاة ثلاثة بدائل مستمدة من إطارنا المعياري المقترح وهي:
-
البديل الأول: المراجعة الشاملة لنصوص القانون لضمان تواؤمها مع أحكام الدستور ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان.
-
البديل الثاني: تعديل اللائحة التنفيذية لتوضيح بعض أوجه الغموض في القانون، بما لا يتطلب تعديلات تشريعية في مواد القانون.
-
البديل الثالث: إصدار كتاب دوري جديد من النائب العام للمحققين الخاضعين لإشرافه في جهاز النيابة العامة، يحدد ضوابط وإجراءات التحقيق وتوجيه الاتهامات المستندة لمواد القانون.
وترى المبادرة المصرية أن مراجعة أحكام هذا القانون، أو على الأقل التخفيف من غموضها، سوف تزيل عقبة رئيسية في طريق مراجعة تشريعية شاملة للمنظومة الحاكمة للتعبير في الفضاء الرقمي. ولن تكتمل هذه المراجعة إلا بتطبيق الإطار المعياري نفسه على قوانين أخرى مرتبطة ومتكاملة مع هذا القانون، وعلى رأسها قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، وقانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018، وقانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003، إضافة إلى عدد كبير من نصوص قانون العقوبات ذات الصلة. كما أن هذه المراجعة التشريعية المرجوة تستلزم إصدار تشريع خاص ينظم حرية تداول المعلومات باعتبارها مكونًا أصيلًا من مكونات حرية التعبير، وتكتسب أهمية خاصة عند ممارسة التعبير في الفضاء الرقمي. من شأن إصدار هذا القانون أن يحدد بدقة ماهية البيانات والمعلومات، التي يحق حجبها وحمايتها، والتي يشكل كشفها جريمة معاقبًا عليها، وبالتبعية أن يدعم من الأمان أو اليقين القانوني الذي يفتقر إليه مستخدمو الإنترنت في مصر اليوم.
لقراءة الدراسة اضغط هنا