
المبادرة المصرية تطالب نواب البرلمان برفض مشروع الموازنة
بيان صحفي
الحكومة تقترض لسداد الديون.. وزيادات أجور كبار الموظفين أضعاف العاملين في الصحة والتعليم
أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم الثلاثاء، 27 مايو، ورقة تحليلية بعنوان "موازنة 2025 - 2026: مصر في قبضة الديون".
تقدم الورقة تحليلًا لمشروع موازنة السنة المالية التي تبدأ في مطلع يوليو المقبل، فيما تناقش اللجان المختصة في مجلس النواب هذا المشروع، للخروج بخطة مالية للعام الجديد.
تجري مناقشة مشروع الموازنة في وقت يستمر فيه تراجع مستويات معيشة المصريين نتيجة سلسلة من القرارات الاقتصادية والسياسات التقشفية التي تتبعها الحكومة بهدف تخفيض الإنفاق العام، عبر تحرير أسعار عدد من السلع والخدمات، تشمل الوقود والكهرباء والغذاء ومياه الشرب والدواء والخدمات الصحية، ما يتسبب في موجات متتالية من غلاء الأسعار. لكن الإنفاق العام يرتفع عامًا بعد عام، يوجه معظمه إلى خدمة الديون.
تعتمد مصر بشكل متزايد على الاستدانة الداخلية والخارجية كمصدر أساسي لتوفير الموارد، الأمر الذي يؤثر بوضوح على تركيبة موازنة السنة المالية الجديدة، التي تبتلع فيها الديون والتزامات سدادها وفوائدها نحو ثلثي أوجه الإنفاق التي تخطط لها الحكومة. كما أن الطريقة الأساسية التي تعتمد عليها الدولة في الحصول على موارد جديدة لتغطية الفجوة بين الإيرادات والنفقات هي الحصول على قروض جديدة، مما يرشح هذا الوضع للاستمرار والتدهور لسنوات قادمة.
ورغم إعلان الحكومة عن اتجاهها لتخفيض الدين الخارجي، فإن موازنة 2025-2026 تعتمد على زيادة الاقتراض الخارجي بزيادة 186% مقارنة بالعام السابق.
ويستمر التقشف سمةً غالبةً على الموازنة الجديدة، حيث يتراجع الإنفاق على دعم المنتجات البترولية إلى ما يقل عن نصف مخصصات السنة المالية الموشكة على الانتهاء، ما يشير إلى المزيد من رفع أسعار الوقود، بعد زيادتها بالفعل ثلاث مرات في 2024، ثم مرة رابعة في أبريل 2025، ضمن تعهدات الحكومة لصندوق النقد بخفض الإنفاق على الدعم، بكل ما يترتب على ذلك من زيادات في أسعار السلع والخدمات المعتمدة على النقل أو استخدام الوقود نفسه. كما استمر التراجع في نسب الإنفاق على التعليم والصحة من الناتج المحلي الإجمالي، وجاءت الزيادة في مخصصات الدعم التمويني أقل من معدلات التضخم، ليتراجع الإنفاق الحقيقي على هذا البند. بينما شهدت مخصصات معاشي تكافل وكرامة زيادة حقيقة، وإن ظلت أقل من تقديرات حد الفقر.
أما فيما يخص الموارد، تستمر الموازنة الجديدة في الاعتماد على ضرائب المرتبات، والضرائب على استهلاك السلع والخدمات، بنسبة 45% من حصيلتها المتوقعة، مقابل 12.5% فقط تمولها الضرائب على أرباح الشركات، و0.7% يساهم بها أصحاب العقارات.
وتستحوذ فوائد الديون المحلية والأجنبية على حوالي 87% من حصيلة الضرائب المتوقعة في العام المالي الجديد. وهو ما يعني أن دافعي الضرائب يمولون في الحقيقة أرباح مقرضي الدولة من بنوك وأفراد ومؤسسات، في الداخل والخارج.
وشهدت موازنة العام الجديد بعض التطورات اتساقًا مع تعهدات مصر لصندوق النقد في هذا الخصوص. فحددت الحكومة سقفًا للدين العام يصل إلى 94.3% من الناتج المحلي في يونيو 2025 وينخفض إلى 90% بنهاية العام المالي الجديد في يونيو 2026. وتعتبر هذه الخطوة إيجابية وتستجيب للمطالبات الحقوقية والاقتصادية المستمرة منذ سنوات، لكن سقف الدين مازال مرتفعًا جدًا كنسبة من الناتج، كما أن البيانات بخصوصه ناقصة بشكل جوهري.
كما وضَّح عرض وزارة المالية للبيان المالي كذلك أن الحكومة تعتزم وضع موازنة متوسطة المدى لمدة ثلاث سنوات، وأن الوزارات ستقدم ميزانيتها لأربع سنوات، دون الإفصاح عن مزيد من التفاصيل بهذا الخصوص، وهي مسألة يمكن أن تساعد في تطوير عملية التخطيط، لكنها أيضًا يمكن أن تمثل قيدًا على النفقات التي قد تحتاجها بعض القطاعات. ويتطلب نجاح التخطيط متوسط المدى وتحقيقه لنتائج مختلفة عما شهدناه في السنوات الماضية أن يتم إشراك القطاعات المختلفة في عملية التخطيط على أوسع نطاق ممكن، حتى تكون الخطط المالية متوافقة فعلا مع الاحتياجات، ومبنية على رؤية أوسع للتعافي الاقتصادي، وتوفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للسكان.
وتوصي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية نواب البرلمان الذين يناقشون الموازنة حاليا برفض المشروع المقدم من الحكومة كونها لم تلتزم بالموازنة الموحدة التي وعدت بها، واقتصر الأمر على ضم بعض البيانات الخاصة بالهيئات الاقتصادية دون أن يكون توحيد الموازنة هو الأساس في مختلف أبواب المشروع، بما يتيح للنواب الصورة الكاملة التي تمكنهم من المشاركة في صنع السياسات العامة والحكم عليها.
كما تدعو المبادرة النواب إلى بالاهتمام بالنقاط التالية خلال مناقشة الموازنة الجديدة :
** تحديد سقف للدين العام خطوة إيجابية، وتعتبر هذه الخطوة إيجابية وتستجيب للمطالبات الحقوقية والاقتصادية المستمرة منذ سنوات ومنها توصيات المبادرة في عدد من تقاريرها حول الديون، لكن النسبة المحددة له من الناتج المحلي ما زالت مرتفعة جدًا، بما يتطلب وضع تصور مختلف للسياسات الاقتصادية من أجل تخفيضها، بالإضافة إلى ضرورة إشراك البرلمان في تحديد سقف الدين، واتخاذ خطوات من جانب البرلمان في حالة تجاوزه، وضمان أن يكون هذا السقف كليا يشمل أجهزة الموازنة والهيئات الاقتصادية والبنك المركزي، وليس فقط أجهزة الموازنة العامة.
** يجب أن يكون للبرلمان دور في تحديد أولويات إنفاق الأموال المقتَرَضة، بدلًا من الوضع الحالي الذي تتولى فيه الحكومة وحدها هذا الملف بدون رقابة شعبية، بينما كانت في الأصل هي المتسببة في تفاقم أزمة الديون. ولا بد من زيادة رقابة البرلمان على الاقتراض الجديد، بسرعة عرض الاتفاقات عليه، بالإضافة لتلقيه كشوف واضحة فيما يخص قروض الهيئات الاقتصادية، وشمول مظلة البرلمان للرقابة على قروض البنك المركزي الخارجية عبر الودائع الأجنبية والنظر في شروطها، المالية وغير المالية.
**يتطلب العمل على إخراج موازنة الدولة من أسر الديون خطة واضحة لتقليص الاعتماد على الاقتراض كمورد أساسي. ويتطلب هذا على جانب الإيرادات توجهًا جادًا لتشجيع القطاعات الإنتاجية والخدمية المولدة للدخل والقيمة المضافة، والعمل على إعادة هيكلة السياسات الضريبية لتصبح أكثر عدالة وكفاءة، بحيث تتحمل الجهات الرابحة نصيبها من الضرائب بدلا من تحميل العبء الضريبي الأكبر للعمال والمستهلكين، والعمل على تضييق الاستدانة الخارجية لاعتبارات ضرورية يساهم البرلمان في تحديدها. أما على جانب المصروفات، فهناك ضرورة لجدولة الديون، ومد متوسط آجال سدادها المنخفض بشدة حاليًا، حتى تخفف العبء على الموازنة، وتسمح بهامش أوسع للإنفاق على مختلف أوجه التنمية البشرية والاقتصادية، مع وضع قيود على الإنفاق على مشروعات لا تساهم في توليد الدخل ولا في تقليص النفقات المستقبلية ولا في تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان كتطوير التعليم والصحة وتوفير المسكن وفرص العمل اللائق.
** هناك ضرورة بشكل عام لمراجعة المنطق الذي تقوم عليه سياسات الدعم الحكومي، لأنها تبدو فاقدة للبوصلة الاجتماعية والحقوقية الصحيحة إلى حد بعيد. فالدعم الذي تقدمه الدولة للسلع والخدمات الأساسية، مثل التموين والضمان الاجتماعي والعلاج المدعوم من الدولة ودعم الطاقة، يفترض أن يستهدف ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، باعتبارهم أصحاب حق في المال العام، بالإضافة إلى تعويضهم عن نقص الخدمات العامة ونقص الوظائف وانخفاض الأجور بسبب السياسات الاقتصادية المتبعة. وبالتالي، فإن التوسع فيه مطلوب في ظل التدهور الحالي في مستويات المعيشة. ويختلف هذا عن دعم القطاعات الإنتاجية والخدمية المهمة التي تفيد الاقتصاد لكنها تستهدف الربح أيضًا، وبالتالي يجب أن يرتبط دعم الدولة لها بشروط تتعلق بمساهمتها في خلق الوظائف وزيادة الإنتاج والالتزام بالضرائب، مع مراجعة دور هذا الدعم دوريًا، والتخلي عنه إذا لم يحقق المطلوب منه، لأن هدف الدولة ليس مجرد مساعدة الرابحين على زيادة أرباحهم.
** العمل فورًا على رفع الإنفاق على الصحة والتعليم للوفاء بالنسب الدستورية، لأهميتها الحاسمة في التنمية وفي تقليص فجوة التفاوت الاجتماعي، وخصوصًا في ظل نقص مقدمي الخدمة الصحية والمعلمين.
لقراءة الورقة كاملة، تجدها على هذا الرابط