استجابة لدعوى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: القضاء الإداري يعيد للطالبة حنين حقها ويلزم "التأمين الصحي" بعلاجها مجانا

خبر

10 فبراير 2022

استجابة للدعوى التي أقامتها المبادرة الشخصية للحقوق الشخصية ضد الهيئة العامة للتأمين الصحي، أصدرت محكمة القضاء الإداري حكما قضائيًا هامًا في يوم 24/1/2022. حملت الدعوى رقم  8245 لسنة 76 شق عاجل - الدائرة العاشرة قضاء إداري، وجاء قرار المحكمة بإلزام الهيئة العامة للتأمين الصحي بالتكفل بالكامل بتكاليف علاج الطفلة حنين حتى تمام شفائها.

حنين تلميذة عمرها عشر سنوات، شخّص الأطباء إصابتها بمرض تورم دموي وريدي خلقي بالطرف الأيسر منذ ولادتها في عام ٢٠١٢. حدد أطباء الهيئة العامة للتأمين الصحي العلاج الملائم لحالتها المرضية بـ"عدة جلسات بواسطة الأشعة التداخلية". ولكونها طالبة ومنتفعة بالتأمين الصحي وتقوم بسداد الرسوم الدراسية ورسوم الاشتراك في التأمين الصحي حصلت على خطابات تحويل من الهيئة العامة للتأمين الصحي إلى المركز الطبي العالمي، كونه الجهة التي يتوافر لديها هذا النوع من العلاج. ورغم حقها في الحصول على الخدمة الصحية، إلا أن أسرتها تتحمل نصف تكلفة العلاج فضلا عن مصاريف انتقال الطفلة من مسكنها في القاهرة إلى المركز الطبي العالمي على طريق الإسماعيلية، وهو ما يشكل عبئا كبيرا على أسرة الطفلة ويتسبب في ضرر بالغ للأسرة ومواردها. 

وفي نوفمبر ٢٠٢١، أقام والد الطالبة حنين دعوى أمام القضاء الإداري مطالباً بوقف وإلغاء قرار الامتناع السلبي عن علاج طفلته مجاناً حتى شفائها، لكونها طالبة ومستحقة للرعاية الصحية ولها بطاقة تأمين صحي. وذلك بعد أن تنصلت الهيئة جزئيا من التزامها بعلاج حنين مجانا، مما حرمها من التمتع بالحق في الصحة، واضطر أسرة الطالبة المريضة إلى تحمل باقي التكلفة المرتفعة لتمكينها من تلقي علاجها الذي لم تكن لتتلقاه في حال عدم تمكن أسرتها من تدبير أمرها لتوفير تلك النفقات. وذلك علمًا بأن والد الطالبة يتكفل بثمن الكشف عليها ومقداره ٣٠٠ جنيه، كما يتحمل حوالي ٤٠٠٠ جنيه شهريًا، تمثل نصف قيمة الأشعة التداخلية البالغة ٨٠٠٠ جنيه بالمركز الطبي العالمي. 

وبجلسة ١٥ نوفمبر ٢٠٢١، طالبت محامية المبادرة المصرية، الموكلة من والد الطفلة، بوقف تنفيذ وإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن علاج نجلته مجانا، وذلك لمخالفة الهيئة العامة للتأمين الصحي ما استقرت عليه الدساتير المتعاقبة باعتبار الحق في الصحة حقًا لكل مواطن، وما أقره قانون التأمين الصحي الشامل، ومن قبله قانون التأمين الصحي على الطلاب الذي بموجبه تقدم خدمات صحية وقائية وعلاجية وتأهيلية للطلاب المنتفعين بنظام التأمين الصحي حتى شفائهم (مادة ٦ من القانون)  فضلا عن قرار وزير الصحة رقم ٣٢١ لسنة ١٩٩٢ بشأن تحديد الأمراض المزمنة الخاصة بالطلاب المنتفعين بنظام التأمين الصحي ومنها" الأورام الخبيثه بجميع أنواعها ومضاعفاتها".

والآن يأتي حكم القضاء الإداري بإلزام الهيئة العامة للتأمين الصحي بالتكفل بكامل تكاليف علاج حنين، ليُعَدّ انتصارًا لحقها الأصيل في الصحة وفي التغطية الصحية والحماية من التأثير الكارثي للمرض على أسرتها. كما يمثل الحكم تفعيلا للدستور والقوانين القائمة بالفعل، والتي تكفل حق المواطنين في الصحة وتحميهم من الوقوع في المخاطر المالية بسبب التكلفة المالية للخدمة الصحية.

وفي هذا الصدد، قال تقرير مفوض الدولة في قضية حنين إن "امتناع الهيئة العامة للتأمين الصحي على هذا النحو يكون منافيا للواجب الدستوري والقانوني، لاسيما إذا كانت حالة المريض لا تتحمل البطء الروتيني والبيروقراطي في الإجراءات الإدارية، وحيث الثابت أن الهيئة العامة للتأمين الصحي قد امتنعت عن توفير العلاج اللازم والمقرر للحالة المرضية - ولم تنكر الجهة الإدارية ذلك أو تنفيه، و من ثم فإن مسلكها في هذا الشأن يعد قرارا سلبيا مخالفا للقانون، الأمر الذي يتعين معه التقرير بإلغاء القرار السلبي المطعون عليه بامتناع الهيئة العامة للتأمين الصحي عن صرف العلاج والدواء المقرر لعلاج حالة ابنة المدعي المرضية (وهو) إجراء حقن باستخدام الأشعة التداخلية بالمجان". 

وأوصى تقرير المفوضين بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن توفير العلاج والدواء المقرر لعلاج حالة ابنة المدعي المرضية. 

غير أن هذه القضية تثير سؤالًا هامًا: هل يتعين على المواطنين مقاضاة أجهزة الدولة للحصول على حقوقهم؟ 

فهذه القصة متكررة ويتعذر على الغالبية العظمى من المواطنين اتخاذ نفس الإجراءات التي قامت بها أسرة حنين لضمان الحصول على حقوقهم. بالطبع هناك العديد من الحالات المشابهة لحالة الطفلة حنين، وليس من المنطقي أن تلجأ كل منها إلى القضاء الإداري، وتنتظر شهورا قد لا تتحملها حالتها الصحية، للحصول على حقها في العلاج المناسب. 

إن اضطرار المرضى وذويهم إلى الإنفاق من جيوبهم للحصول على حقهم في الصحة، لا ينفصل عن تراجع ترتيب القطاع الصحي في أولويات الإنفاق الحكومي، حيث يحتل المرتبة الخامسة في هذه الأولويات في موازنة العام الحالي. ورغم زيادة مخصصاته بنحو 15 مليار جنيه عن العام السابق، فإنها ما زالت لا تتجاوز نصف ما حدده الدستور، على خلاف التأكيدات الحكومية حول التزامها بالنسبة المستهدفة. ( للمزيد يمكنكم قراءة تقرير المبادرة عن موازنة ٢٠٢١ / ٢٠٢٢).

ولذلك فإن مصر واحدة من أكثر الدول التي تزيد فيها نسبة المدفوعات المباشرة التي يتحملها الأفراد من إجمالي الإنفاق الجاري على الصحة والتي تصل إلى 62.1% (كما في حالة الطالبة التي اضطرت أسرتها إلى تغطية تكلفة غياب الحماية الصحية).

ويعتبر مؤشر المدفوعات المباشرة من الجيب على الصحة مؤشرا هاما لتتبع مستوى الحماية من المخاطر المالية في مجال الصحة. فالمدفوعات الصغيرة نسبياً قد تكون لها تبعات مالية شديدة خصوصا بين الأفراد القريبين أصلاً من خط الفقر. وبشكل عام في ظل ضعف الإنفاق الحكومي على الصحة و دون وجود حماية للأفراد من المخاطر المالية، ستزيد نسبة الأسر والأفراد الذين قد يقعون في الفقر بسبب إنفاقهم المباشر على الصحة من جيوبهم.

ويبين الشكل المرفق - ومصدره تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي - وضع مصر من هذه الزاوية مقارنةً بالمتوسطات العالمية.

نسبة المدفوعات المباشرة التي يتحملها الأفراد من إجمالي الإنفاق الجاري على الصحة في مصر ومجموعة من الدول ذات الدخل المتوسط (%) (بيانات عام 2018)