المبادرة المصرية تصدر ورقة بحثية: السياسات المصرية للحماية الاجتماعية في مواجهة كورونا.. جهود كبيرة وتأثير محدود

بيان صحفي

12 أكتوبر 2021

نشرت المبادرة المصرية اليوم ورقة بحثية بعنوان "السياسات المصرية للحماية الاجتماعية في مواجهة كورونا.. جهود كبيرة وتأثير محدود"، كجزء من مشروع بحثي يهدف إلى تحليل تأثير الجائحة على الفئات الاجتماعية الهشة والمهمشة في المنطقة العربية، ومدى مساهمة نُظُم الحماية الاجتماعية السائدة في تعزيز أو تقويض العدالة الاجتماعية.

ويتم هذا المشروع البحثي بالتعاون بين مجموعة من المراكز البحثية العربية في لبنان والأردن وتونس ومصر، التي تشمل "مبادرة الإصلاح العربي"، و"مبادرة سياسات الغد"، و”المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، و”مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية”، ومجموعة من المنصات الإعلامية المستقلة وتضم درج ميديا، ومدى مصر، وإنكفاضة. 

وتتبع الورقة التي أصدرتها المبادرة المصرية اليوم سياسات الحماية الاجتماعية القائمة وتلك المستحدثة بسبب الجائحة، من خلال رصد وتحليل سياسات الحماية الصحية، وسياسات العمل والأجور والتأمينات واستجابتها لتداعيات التباطؤ الاقتصادي الذي خلفه كورونا. كما ترصد الدراسة الإجراءات المالية والنقدية التي طبقتها الدولة، لتخفيف أعباء المعيشة عن الأفراد أو لتخفيف حدة الأزمة على مجتمع الأعمال. 

ورغم سرعة رد فعل الدولة تجاه وباء كورونا وفعاليته في بعض الجوانب، فقد أظهرت الأزمة هشاشة البنية الصحية في مصر، من حيث محدودية عدد الأسِرَّة بالنسبة إلى السكان، وغياب نظم الرعاية الأولية لكشف المرض في وقت مبكر، ونقص أسرة الرعاية المركزة التي تعد ضرورة أساسية لمواجهة الحالات المتقدمة في الإصابة بكوفيد.

ولم تقم السياسات العاجلة التي تم استحداثها لمواجهة تداعيات كورونا على أسس واضحة لاستهداف الأقل دخلًا وضمان توفير الخدمات لهم، كما توضح الورقة. 

وأظهرت أزمة كورونا عجز الحكومة عن فرض سقف سعري لخدمات العلاج التي يقدمها القطاع الخاص، ما جعل من الأزمة فرصة لجني الأرباح، وخلق ضغوطا كبيرا على المصابين في ظل انتشار الوباء وعدم قدرة المستشفيات العامة  تقديم خدماتها المحدودة، لكل من يحتاجون إليها. 

 كما سلط الوباء الضوء على تدهور أحوال سوق العمل المصري، في ظل سيطرة الوظائف غير الرسمية، المحرومة من أدنى أشكال الحماية في ظروف الوباء، وهو الوضع الذي ساهم في فقدان العديد من الأسر لوظائفها أو تقليص دخلها، في ظل التباطؤ الاقتصادي.

وعلى مستوى العمالة الرسمية، لم يتم إلزام القطاع الخاص بتحمل تكلفة التقليل من أعداد العاملين المتواجدين في مواقع الشغل منعًا لنقل العدوى، أو توفير إجازات مدفوعة لبعض الحالات، مثل السيدات الحوامل، الأكثر عرضة لمخاطر الإصابة، أو الأمهات الراعيات لأطفال لا توجد بدائل للاعتناء بهم في ظل إغلاق دور الحضانة والمدارس بسبب الوباء. بينما ألزمت الدولة نفسها بتلك السياسات تجاه العاملين في القطاع الحكومي.

واتسم الإنفاق العام الموجه لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لوباء كورونا بمحدودية الموارد المخصصة من جهة، وانحياز هذا الإنفاق لمساندة مجتمع الأعمال أكثر من البنية الصحية والفئات الهشة من الجهة الأخرى.

ففي الوقت الذي خصصت فيه الدولة أكثر من 100 مليار جنيه، ضمن حزمة سياسات قالت إنها موجهة للحد من تداعيات كورونا، تم توجيه أكثر من نصف هذه النفقات إلى دعم مجتمع الأعمال والأنشطة الاقتصادية، بينما ظل ضعف أجور الأطباء مستمراً. واتسمت أشكال من المساعدة المباشرة للفقراء مثل معاشات تكافل وكرامة بالجمود النسبي في تلك الفترة.  

وفي مجال السياسات التمويلية أيضا، ركزت المساعدات الدولية على مساندة المشروعات المتوسطة والصغيرة وقطاع السياحة، وهي أوجه إيجابية نظرًا إلى تميز هذه القطاعات بتشغيل العمالة الكثيفة. لكن لم يتم ربط هذه التمويلات بحماية حقوق العاملين في هذه المنشآت خلال الأزمة. 

وأخيرا، تم الاعتماد بشكل كبير خلال الأزمة على أدوات البنك المركزي، مثل مبادرات تأجيل سداد القروض الشخصية وتيسير التمويل العقاري، لكن يظل نطاق هذه السياسات محصورا في الفئات القادرة على التعامل مع القطاع المصرفي، كما توضح الورقة البحثية، ولا يمكن أن يكون بديلا لسد العجز في سياسات الحماية الاجتماعية. 

وانتهت الورقة البحثية إلى تقديم توصيات بعدد من السياسات والإجراءات التي من شأنها تعظيم موارد وقدرة الدولة على مواجهة أزمات صحية واجتماعية بهذا الحجم، بشكل أكثر شمولية: 

 * ضخ استثمارات أكبر في مجال الخدمات الصحية العامة، لتوفير خدمة أقل كلفة للفئات الأدنى دخلًا، في مواجهة القطاع الخاص الذي تعجز الدولة عن وضع سقف سعري لخدماته في وقت الأزمات، على أن يركز الإنفاق الإضافي على تحسين أجور الأطباء بهدف سد العجز الموجود في العديد من الكوادر المهمة لمواجهة الأوبئة خاصة أطباء العناية المركزة كذلك التوسع في أسرة العناية في المستشفيات الحكومية. 

* ضرورة التوسع في الإنفاق على الرعاية الأولية بهدف تحسين مؤشرات صحة المصريين في مجال انتشار الأمراض غير السارية وسوء التغذية لزيادة مناعتهم في مواجهة الأوبئة. 

* ضرورة وضع تشريعات عمل جديدة تواكب ظروف الأوبئة، تُلزِم القطاع الخاص بتحمل تكاليف أجور العاملين والسماح لهم بالتغيب أو العمل من المنزل في أوقات  تفشي الوباء. 

* العمل على الحد من تنامي سوق العمل غير الرسمي، وبناء شبكة معلومات أكثر تقدمًا عن العاملين بدون تعاقدات قانونية، لضمان توفير الحماية لهم في أوقات الأزمات. 

* وضع آلية واضحة تضمن زيادة الدعم النقدي (الموجه إلى معاشات تكافل وكرامة أو الدعم الغذائي) تساير الضغوط الاقتصادية التي تنتجها أحداث كبرى مثل الأوبئة، بالإضافة إلى معدلات التضخم السنوية. 

* إعلان بيانات أكثر تفصيلًا عن مدى تطبيق تعويضات البطالة في سوق العمل المصري، وتوفير  بيانات الإنفاق الاجتماعي في العموم بشكل أكثر شفافية، بالإضافة إلى تيسير إجراءات التقدم للحصول على تعويضات البطالة بما يتماشى مع ظروف العمل في مصر. 

* استخدام السياسات النقدية في مساندة مجتمع الأعمال وقت الأزمة كان توجهًا إيجابيًّا، لكن يجب أن يرافقه سياسات قوية لحماية حقوق العاملين، حتى نضمن تساقط ثمار النمو الاقتصادي في القطاعات التي تحظى بدعم تمويلات البنك المركزي. 

* لا يزال العمل لدى الدولة هو الجهة المفضلة للنساء في مصر، بالنظر إلى ضعف ضمانات حماية حقوقهن عند العمل في القطاع الخاص، وفي ظرفٍ مثل وباء كورونا تزداد مشكلات السيدات في العمل، بالنظر إلى تفاقم سياسات التمييز ضدهن في فرص التوظيف والأجور نتيجة للأزمة، كما تتزايد تعقيدات الأمهات منهن مع عدم مراعاة سياسات الإجازات في القطاع الخاص للظرف الاستثنائي، والذي تضمن إغلاق المدارس ودور الحضانات. هناك حاجة إلى وضع سياسات أكثر صرامة بشأن حماية حقوق العاملات في القطاع الخاص في أوقات الأوبئة. 

* إدماج المجتمع المدني بشكل كبير في سياسات مواجهة الأزمات الكبرى مثل وباء كورونا، بما يوفر رؤية أكثر شمولا وتعبيرا عن الواقع أمام صانع القرار، ويمكن المجتمع المدني من المساهمة في سد الثغرات القائمة.