ثلاثة أسباب للاحتفاء بالحد الأدنى للأجر.. مع ضرورة مد مظلته إلى العاملين في القطاع الخاص

بيان صحفي

31 مارس 2019

أسئلة وأجوبة حول الحد الأدنى للأجر

جاء الإعلان الرئاسي عن رفع الحد الأدنى لأجر العاملين في القطاع الحكومي ليعوض هؤلاء _جزئيًّا_ عن تآكل أجورهم الحقيقية بفعل التضخم الذي شهدته مصر خلال السنوات الخمس الماضية. هذا الإجراء مفيد من الناحية الاقتصادية من أجل دعم النمو والتوظيف، ومساعدة الشرائح الأفقر على تحسين فرصها في الصحة وفي التعليم، ومن ثم تحسين أوضاعها المعيشية والخروج من الدائرة المفرغة للفقر.

يُعاب على الإجراء الحالي أنه لم يشمل العدد الأكبر من العاملين بأجرٍ من الفقراء، وهم أولئك العاملون في القطاع الخاص الرسمي وغير الرسمي. كما لم يأتِ عن طريق التفاوض بين أصحاب المصلحة المختلفين، ولم يتضمن آلية للمراجعة الدورية. وهذه العيوب تحد من الآثار الإيجابية للقرار.


هل هي خطوة في الاتجاه السليم؟

نعم، لأن المبلغ الجديد يعادل بالكاد الزيادة التي طرأت على أسعار المستهلكين، وهو أقل من تعويض أَثَر الزيادة في أسعار سلة الغذاء، التي تمثل العنصر الأكبر في إنفاق الفقراء. وكانت آخر زيادة في الحد الأدنى للأجر عام 2013، ووصلت به إلى 1200 جنيه. وعلى مدى خمس سنوات أكل التضخم القيمة الحقيقية لمرتبات صغار الموظفين الحكوميين، (والذين يشكلون حوالي ربع العاملين بأجرٍ في مصر).

إذا حسبنا القيمة الحقيقية للحد الأدنى الحكومي قبل الزيادة، والبالغ 1200 جنيه (الذي تقرر في سبتمبر 2013)، بأسعار المستهلكين في فبراير 2019 فإنها تساوي 2626 جنيهًا (باحتساب الرقم القياسي لأسعار المستهلك في شهر فبراير 2019).

وذلك بناء على أن الرقم القياسية لأسعار المستهلك في سبتمبر 2013 (والذي يقيس معدل التضخم) كان 141.6 والرقم القياسي لأسعار المستهلك في فبراير 2019 كان 304.2، وبالتالي القيمة الحالية لـ 1200 جنيه بأسعار المستهلكين في فبراير 2019 = 1200* 304.2/ 141.6= 2578 جنيه

لماذا نحتفي بزيادة الحد الأدنى كإجراء اقتصادي؟

لأنه إجراء يؤدي إلى زيادة النمو العادل والتوظيف، عبر دفع الطلب الكلي المحلي. فعندما تزيد الأموال المتاحة للإنفاق في الشرائح الدخلية الأفقر، فإن تلك الأموال تتوجه كلها إلى شراء المزيد من السلع والخدمات مما يدفع بعجلة الإنتاج وينشط الاقتصاد. ويكون أغلب طلب تلك الشرائح من السلع والخدمات من الصناعة المحلية (على عكس الشرائح العليا التي تفضل شراء السلع المستوردة)، ما يكون له أثر إيجابي على التوظيف والاستثمار.

ما هو دور الحد الأدنى للأجر في رفع معدلات النمو على المدى الطويل؟

الحد الأدنى للأجر هو الأداة الأنسب في مصر للقضاء على الفقر، كما أنه يؤدي إلى تحسين التفاوت الكبير بين دخول المصريين. انخفض نصيب الأجور من الدخل القومي خلال ربع القرن الماضي. وفي المقابل، ارتفع نصيب الأرباح (دخول أصحاب المشروعات والشركات)، وارتفع نصيب أصحاب الريوع (أصحاب الأراضي والعقارات وأصحاب أوراق الدين الحكومي). وتخلق تلك التشوهات في اقتسام عوائد النمو قيدًا على فرص رفع معدلات النمو. حيث أن عدم قدرة الشرائح العريضة من الفقراء على الالتحاق بتعليم جيد والحصول على غذاء ملائم ورعاية صحية يعني عدم القدرة على الترقي الاجتماعي، وعدم توفر أيدي عاملة ماهرة وصحية، قادرة على تطوير الاقتصاد.

ما هي خطورة ذلك الإجراء وغيره من حزمة الإجراءات الاجتماعية على عجز الموازنة؟

لا يوجد أثر سلبي على عجز الموازنة. تعتزم مصر ضغط عجز الموازنة إلى أقل من 8٪ خلال العام المقبل الذي يشهد تلك الحزمة، وهو ما يمكن تسميته بـالعجز الحميد. فالحزمة المقررة مخصصة لجبر الضرر ومعالجة تفاوت الدخول بين الشرائح المختلفة. وفي المقابل، يفترض أن الحكومة تزيد مواردها من الشرائح الدخلية الأكثر ثراءًا واستهلاكًا من خلال الضرائب. ويسمى ذلك في نظرية المالية العامة: الدور التوزيعي للموازنة. وذلك بدلًا من زيادة عجز الموازنة من أجل دعم الأغنياء، وهو العجز الخبيث، والذي تعاني منه مصر منذ سنوات طويلة، عبر ضرائب تنازلية غير عادلة ودعم سخي يذهب إلى مؤسسات حكومية وكذلك شركات خاصة غير كفؤة، وعن غير استحقاق.

ما هو عيب تلك الزيادة في الحد الأدنى للأجر؟

العيب الأول والأهم: أنها لا تمس الأغلبية من العاملين الفقراء في مصر. فالقطاع الحكومي يوظف أقل نسبة من العاملين الفقراء، أقل من ٥٪ من إجمالي العاملين الفقراء في مصر، بحسب آخر بيانات متاحة. ويتركز الفقر بين العاملين بدون تعيين (نصف مليون موظف حكومي، منهم معلمون). كما لا تحل الزيادة مشكلة شريحة أخرى عريضة ممن هم في وسط السلم الوظيفي، الذين تقل دخولهم عن الأجر المعيشي اللازم لتغطية نفقات أسرهم.

ثانيًا: طريقة تحديد الأجر عن طريق إعلان رئاسي هي طريقة معيبة. لأنها لا تضمن وجود آلية مراجعة دورية. كما لا تضمن أن المبلغ المعلن لا يضر بسلامة الاقتصاد وقوة التوظيف. وتدعو منظمة العمل الدولية إلى أن يكون تحديد الحد الأدنى للأجر من خلال التفاوض الجماعي بين ثلاثة أطراف: ممثلي أصحاب العمل (القطاع الحكومي والقطاع الخاص بكافة أطيافه)، وممثلي العاملين بأجر (النقابات العمالية بكافية أطيافها، والمجتمع المدني)، إضافة إلى الجهات الرسمية المنتجة للبيانات التي يجب أن تستند إليها عملية التفاوض.

لماذا يجب مد مظلة الحد الأدنى إلى العاملين في القطاع الخاص أيضًا؟

لأن أولئك هم ثلاثة أرباع القوة العاملة. وأوضاعهم أسوأ كثيرًا من العاملين بالمؤسسات الحكومية. تتركز النسبة الأكبر من الفقر لدى العاملين في القطاع الخاص، وتسمى فرص عمل غير رسمية، حيث يقع الاستغلال الأكبر لتلك الأيدي العاملة. فهي فرص عمل غير منتظمة، وبدون أي نوع من التأمين، ولا ساعات عمل محددة أو إجازات سنوية ومرضية، وبلا فرص للتطوير والتدريب والترقي. وتنطبق تلك الظروف أيضًا على نسبة كبيرة من القطاع الخاص الرسمي (عدد صغير من الشركات الكبيرة، على رأسها شركات التشييد والتطوير العقاري، حيث ترتفع نسبة الفقراء من العاملين في هذا القطاع إلى حوالي 80٪ من إجمالي العاملين به).