المبادرة المصرية ترحب بقانون بريطاني ينهي سرية ملكية الشركات في الملاذات الضريبية البريطانية
بيان صحفي
قام مجلس العموم البريطاني في شهر مايو الجاري بتمرير تشريع لمكافحة غسيل الأموال يُلزم أقاليم ما وراء البحار البريطانية British Overseas Territories بالكشف عن الأصحاب الحقيقيين للشركات المسجلة بها. يُلزم القانون الجديد تلك الأقاليم بإصدار سجل مفتوح للملاك المنتفعين للشركات المسجلة هناك بعد زيادة حدة الهجوم على المملكة المتحدة بسبب استخدام تلك الأقاليم بشكل واسع في عمليات غسيل الأموال، وعمليات التهرب والتجنب الضريبي، فضلًا عن إخفاء أموال جماعات الجريمة المنظمة والساسة في الأنظمة الديمقراطية والسلطوية على حد سواء.
ينطبق القرار على أقاليم ما وراء البحار البريطانية (14 إقليمًا أغلبهم جزر صغيرة في الكاريبي ومن بينهم أشهر ملاذات ضريبية في العالم وهم الجزر العذراء البريطانية وجزر كايمان)، ولكنه لا ينطبق على ملحقات التاج البريطانيCrown Dependencies والتي تشمل جزرًا صغيرة تتمتع بالحكم الذاتي وتقع في القنال الإنجليزي والبحر الأيرلندي بالقرب من الجزيرة البريطانية (وهي جزر جيرنزي وجيرسي وأيل أوف مان) والتي تعتبر أيضًا بمثابة ملاذات ضريبية مهمة. ويمنح القانون الجديد تلك الأقاليم مهلة 30 شهرًا حتى نهاية عام 2020 للانتهاء من سجلات الملاك المنتفعين.
وفقا لمؤشر السرية العالمية الصادر عن شبكة العدالة لضريبية، فإن تلك الجزر تقبع في مراتب متقدمة في المؤشر، فمثلًا جزر كايمان جاء ترتيبها كثالث أكثر ولاية قضائية تقدم سرية مالية في العالم، وجاءت جزر كايمان في المركز السادس عشر من بين 112 دولة،
كشفت المبادرة المصرية على مدار الخمس سنوات الماضية عن انتشار استخدام تلك الأقاليم من قِبَل العديد من الشخصيات والشركات المصرية _من بينهم نجلا الرئيس الأسبق مبارك_ لإخفاء أموالهم وتجنب دفع الضريبة المستحقة ما يكلف خزينة الدولة مليارات من الجنيهات سنويًّا، فضلًا عن إفساد مناخ الاستثمار والمنافسة التي تعطي الشركات الكبرى متعددة الجنسيات ميزة تنافسية على الشركات الصغيرة والمتوسطة التي ليس بمقدورها أن تستخدم هذه الحيل من أجل تجنب دفع الضريبة. هذا بالإضافة إلى دورها في احتدام السباق الضريبي إلى القاع الذي يجبر الحكومات على تقديم حوافز ضريبية وغير ضريبية وخفض معدلات الضريبة على الشركات الكبرى والاعتماد بدلًا من ذلك على ضرائب الاستهلاك التي تؤدي إلى زيادة معدلات التضخم التي يتحمل عبئها الطبقات الأقل دخلًا. تؤدي ضعف الحصيلة الضريبية بطبيعة الحال إلى زيادة عجز الموازنة وعبء الدَّين العام.
يذكر أن دولة جزر الكايمان كانت قد احتلت المركز السادس في قائمة أكبر الدول المستثمرة في مصر على مدار 43 عامًا من عام 1970 حتى عام 2013 حسب بيانات الهيئة العامة للاستثمار، برأس مال يقترب من 6 مليارات دولار، متفوقة على الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا. السبب في تلك الاستثمارات الضخمة لهذه الجزر الصغيرة أن الشركات القاطنة في هذه الجزر تنتمي إليها فقط على الورق لأغراض التهرب أو التفادي الضريبي والسرية، وبتتبع تفاصيل بعض هذه الشركات أمكننا التوصل إلى أن الكثير منها تنتمي إلى شركات ورجال أعمال مصريين بالرغم من كونها استثمارات أجنبية على الورق. تلك ليست الحالة الوحيدة لدولة متناهية الصغر يكون حجم استثماراتها في مصر غير متناسب مع حجمها، فتحتل المركز الحادي عشر في القائمة جزر العذراء البريطانية التي يبلغ مجموع سكانها 27 ألف نسمة ومساحتها 153 كم مربعًا. عدد الشركات في الجزر العذراء البريطانية يمثل 14 ضعف عدد السكان، أي إن هناك 14 شركة لكل نسمة وهو الأمر الذي يكشف وجود أغلب هذه الشركات على الورق فقط.
مصر تعاني ضعف الحصيلة الضريبية والتي تمثل نحو 13% من الناتج المحلي الإجمالي وهي نسبة أقل كثيرًا من المتوسطات العالمية، ويأتي نحو نصف هذه الحصيلة من ضريبة القيمة المضافة. بالإضافة إلى زيادة التضخم والدَّين العام، ويؤدي ضعف الحصيلة الضريبية إلى ضعف منظومة الحماية الاجتماعية، وتردي جودة الخدمات العامة كالصحة والتعليم والنقل وارتفاع تكلفتها في نفس الوقت.
وفي النهاية توصي المبادرة المصرية الحكومة والبرلمان المصريينِ باتخاذ المزيد من التدابير الخاصة لتضييق الخناق على التهرب والتجنب الضريبي للشركات الكبرى متعددة الجنسيات كاستمرار للسياسات التي تبنتها أخيرًا، ومنها لوائح مكافحة التسعير التحويلي transfer pricing، وقواعد مكافحة تحويل الدَّين، وقواعد عامة لمكافحة التجنب الضريبي، ومراجعة بعض الأحكام الخاصة باتفاقيات منع الازدواج الضريبي.