الحكم بإدانة مصنع تيتان للأسمنت في وادي القمر لتسببه في أضرار بيئية وصحية
بيان صحفي
رحبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بالحكم الصادر عن محكمة الجنح المستأنفة في الدخيلة بتاريخ 21 مارس 2018 في الجنحة المستأنفة رقم 2322 لسنة 2018 والذي يدين مصنع الإسكندرية لأسمنت بورتلاند عن تسببه في تلوث البيئة وانتهاك حق السكان المجاورين له في الصحة.
وكان بعض سكان منطقة وادي القمر في غرب الإسكندرية، المجاورة للمصنع، قد تقدموا بشكوى إلى جهاز شئون البيئة وأيضًا ببلاغ إلى النيابة العامة في شهر أغسطس 2015، يتهمون فيها مصنع الإسكندرية لأسمنت بورتلاند بالإضرار بصحتهم من جراء تلوث الهواء الذي تسببه انبعاثات المصنع. وقامت النيابة بمعاينة محل سكن المشتكين وأثبتت تراكم الغبار والأتربة على الأسطح والبيوت، كما قام جهاز شئون البيئة في 30 أغسطس 2015 بالتفتيش على المصنع وأثبت وجود مخالفات في ارتفاع نسبة الملوثات داخل بيئة العمل. وفي ديسمبر من العام نفسه قامت النيابة بتحويل المشتكين إلى مستشفى الصدر في كوم الشقافة في كرموز لتوقيع الكشف الطبي عليهم، والذي أوضحت نتائجه أن جميع المشتكين، وعددهم عشرة، بينهم أطفال ونساء، يعانون الأمراض الصدرية والحساسية.
وفي يوليو 2016 قامت النيابة العامة بإحالة الدعوى إلى محكمة جنح الدخيلة في الإسكندرية. وجهت النيابة العامة في الدعوى (6645 لسنة 2016) ثلاثة اتهامات إلى رئيس مجلس إدارة شركة الإسكندرية لأسمنت بورتلاند بصفته المسئول عن المصنع: عدم اتخاذ الاحتياطات والتدابير اللازمة لمنع انبعاث ملوثات الهواء، عدم اتخاذ التدابير الخاصة بتداول وإنتاج المواد الخطرة، وأنه تسبب بخطئه في إصابه المجني عليهم نتيجة إهماله ورعونته وعدم التزامه بالقوانين واللوائح.
وبتاريخ 2018/1/18، أصدرت محكمة الجنح حكمها بتغريم رئيس مجلس إدارة شركة الإسكندرية لأسمنت بورتلاند غرامة قدرها عشرون ألف جنيه عن كلٍّ من التهمتين الأولى والثانية وبمئتي جنيه عن التهمة الثالثة، كما قضت بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة، وقد استأنف محامو الشركة الحكم وفي 21 مارس قضت محكمة الجنح المستأنفة في الدخيلة بتأييد الحكم السابق.
وتَعتبِر المبادرة المصرية هذا الحكم إنصافًا للسكان المشتكين، وتأكيدًا لحقوقهم في الصحة والسلامة البيئية. ويكتسب هذه الحكم أهمية خاصة نظرًا إلى أن القوانين واللوائح البيئية الحالية تسمح للمصانع شديدة التلويث مثل مصانع الأسمنت والمصانع التي تستخدم الفحم بالتواجد والعمل في المناطق السكانية المأهولة وهو ما يمثل تهديدًا شديدًا لصحة وسلامة هؤلاء السكان.
وأوضحت المبادرة أنها رغم ترحيبها بالحكم فإنه يظل استثناءً نادرًا، نظرًا إلى الصعوبة القانونية في إثبات ارتكاب المصانع مخالفاتٍ بيئية، فغالبًا ما تقدم المصانع أوراقًا رسمية تثبت الامتثال لما يحدده القانون من معايير للتلوث المسموح بها، والتي كثيرًا ما تتناقض مع الأدلة والوقائع التي يوثقها السكان المحيطون بالمصنع، ومنها أن مصنع الإسكندرية لأسمنت بورتلاند الذي تمتلكه شركة تيتان الدولية، قدم أوراقًا على سجل أدائه البيئي الممتاز وعلى امتثاله للمعايير بينما يوثِّق الأهالي ،_الذين يعانون طائفة واسعة من الأمراض_ عشرات الصور والفيديوهات للانبعاثات الملوثة من مدخنة المصنع.
ويزيد من الصعوبة القانونية أن الجهات المسببة في التلوث ومنها مصنع تيتان، دأبت على الدفع بكونها ليست مصدر التلوث الوحيد أو المتسبب الوحيد في المرض، ورغم أن _مما لا شك فيه_ استنشاق غبار الأسمنت يضر الصحة ويفاقم المرض فإن المصنع يصر على التمسك بشيوع الاتهام للإفلات من العقاب.
وشددت المبادرة على أهمية تعديل القوانين واللوائح البيئية وعلى عدم السماح بالصناعات شديدة التلويث بالتواجد في الأماكن السكانية، وأيضًا على تحسين المعايير البيئية للتوافق مع التوصيات الدولية، إلى جانب رفع كفاءة منظومة التفتيش والمحاسبة البيئية، وأيضًا الشفافية في إتاحة البيانات وقراءات الرصد البيئي للسكان وإفساح المجال أمام مشاركة السكان في مراقبة أداء المصانع.
خلفية:
يقع مصنع شركة الإسكندرية لأسمنت بورتلاند - تيتان، في منطقة وادي القمر في غرب الإسكندرية، ولا يكاد يفصل السور الجنوبي للمصنع عن المنطقة السكنية سوى 10 أمتار، وتتسبب الرياح السائدة هناك في توجيه انبعاثات المصنع إلى مساكنهم.
كان لوبي شركات الأسمنت، والتي في أغلبها شركات أجنبية، قد قاد حملة للضغط، أسفرت عن السماح بالتوسع في استخدام الفحم ضمن مزيج الطاقة في مصر حتى يحتفظ بأرباحه العالية التي اعتاد عليها لسنوات طويلة، كان يحصل خلالها على الغاز المدعوم الرخيص. من المعروف أن الفحم من أشد أنواع الوقود التقليدي تلويثًا للبيئة وضررًا على الصحة وهو ما فاقم من التأثير الضار لمصنع تيتان على السكان.
يشتكي أهالي المنطقة منذ سنوات ما يسببه المصنع من تلوث في البيئة وضرر على صحتهم وصحة أطفالهم، وقد رصدوا العديد من المخالفات ونشروها على وسائل التواصل الاجتماعي، وسبق أن تقدموا بالعديد من الشكاوى إلى وزارة البيئة وجهات أخرى معنية دون جدوى، كما قاموا برفع عدد من الدعاوى القضائية ضد المصنع بسبب مخالفاته القانونية والبيئية وقدموا شكوى إلى البنك الدولي الذي يمول المصنع. وقد قام مكتب المحقق التابع للبنك الدولي بزيارة استكشافية إلى المنطقة في سبتمبر 2015 وعقب ذلك تمت إحالة الشكوى إلى آلية الالتزام بمكتب المحقق والذي وجد أن المصنع يثير مخاوف كبيرة بشأن تأثيره البيئي والاجتماعي وأنه سيقوم بإجراء تحقيق مكثف في الموضوع، وقد قامت بعثة من مكتب المحقق بإجراء التحقيق الميداني في يناير 2017 ومن المتوقع صدور التقرير النهائي من مكتب المحقق خلال الشهور القليلة القادمة.