حكم جديد بإعدام 28 شخصًا في قضية اغتيال النائب العام، المبادرة المصرية: المزيد من إهدار معايير المحاكمة العادلة لن ينهي الاغتيالات
بيان صحفي
تدين المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حكم محكمة جنايات القاهرة، الصادر يوم السبت الماضي 22 يوليو، بإعدام 28 شخصًا(من المتهمين السبعة والستين)، ضمن القضية رقم 81 لسنة 2016 جنايات أمن الدولة العليا، والمعروفة إعلاميًّا بقضية "اغتيال النائب العام". وكانت المحكمة قد قضت بإعدام ثمانية وعشرين متهمًا، وبالسجن المؤبد لخمسة عشر آخرين، وبالسجن المشدد 15 عامًا لثمانية متهمين آخرين، وبالسجن المشدد 10 سنوات لخمسة عشر آخرين، كما قضت بانقضاء الدعوى الجنائية لمتهمٍ لوفاته.
والمحكوم عليهم بعقوبة الإعدام حضوريًّا 15 متهمًا، هم أحمد محمد طه أحمد وهدان، أبو القاسم أحمد علي يوسف، محمد أحمد السيد إبراهيم، أحمد جمال أحمد محمود حجازي، محمود الأحمدي عبد الرحمن علي، محمد الأحمدي عبد الرحمن علي، ياسر إبراهيم عرفات، أبو بكر السيد عبد المجيد، عبد الله محمد السيد جمعة، عبد الرحمن سليمان محمد، أحمد محمد هيثم الدجوي، إبراهيم أحمد إبراهيم الشلقامي، أحمد محروس سيد عبد الرحمن، إسلام محمد أحمد مكاوي، حمزة السيد حسين عبد العال. وحكم أيضًا بعقوبة الإعدام غيابيًّا على 13 متهمًا، وهم أحمد محمد عبد الرحمن عبد الهادي، محمد جمال حشمت عبد الحميد، محمود محمد ناجي بدر، كارم السيد أحمد إبراهيم، يحيى السيد إبراهيم محمد موسى، قدري محمد فهمي محمود الشيخ، صلاح الدين خالد صلاح الدين، علي السيد أحمد محمد بطيخ، معاذ حسين عبد المؤمن عبد القادر، يوسف أحمد محمود السيد، محمد عبد الحفيظ أحمد حسين، السيد محمد عبد الحميد الصيفي، علي مصطفى علي أحمد. |
وتُكرر المبادرة المصرية إدانتها الاستمرارَ في إصدار أحكامٍ بالإعدام في قضايا العنف، وتطالب بالتحقيق الجاد في ادعاءات بعض المتهمين وذويهم بتعرضهم للاختفاء القسري والتعذيب، وهي الشهادات التي تم تداول أجزاءٍ منها في بعض وسائل الإعلام المرئية، كما تعيد التأكيد على ضرورة توفير شروط المحاكمة العادلة واحترام حقوق الدفاع، مع صرف النظر عن التهم الموجهة إلى المتهمين، مثلما جاء في بيان أصدره خبراء الأمم المتحدة في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام العام الماضي.
وقال بن إمرسون، المقرِر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب في البيان السابق ذكره، " إن التهديد الذي يمثله الإرهاب لا يبرر التخلي عن المعايير الدولية لحماية حقوق الإنسان".
استنكر البيان أيضًا "عمليات الإعدام المنفذة دون التقيد بأدق الضمانات للمحاكمة العادلة والإجراءات الواجبة، باعتبارها غير قانونية وتعادل الإعدام التعسفي" وبالتالي "إن اللجوء إلى هذا النوع من العقاب لكبح الإرهاب يعدّ أمرًا غير شرعي بقدر ما هو عقيم في هذا الشأن. فهناك نقص في الأدلة المقنعة على أن عقوبة الإعدام يمكن أن تسهم أكثر من أيّ عقوبة أخرى في مكافحة الإرهاب. كما أنّ عقوبة الإعدام تمثّل رادعًا غير فعّال؛ لأن الإرهابيين ممن تنفذ فيهم عقوبة الإعدام قد يكتسبون مكانة متميزة هم وقضيتهم."
تعود أحداث القضية إلى واقعة اغتيال النائب العام الأسبق المستشار هشام بركات يوم 29 يونيو 2015عقب انفجار سيارة مفخخة بمنطقة النزهة، أثناء مرور ركب النائب العام بها، وأدى الانفجار إلى مقتله وإصابة طاقم حراسته وبعض المواطنين، بالإضافة إلى احتراق عدد من السيارات وحدوث تلفيات بالعقارات القريبة. وأصدر المحامي العام الأول بنيابة أمن الدولة العليا أمر الإحالة بتاريخ 17 مايو 2016 ضد 67 متهمًا، منهم 51 شخصًا محبوسًا و16 هاربًا، إلى محكمة الجنايات المختصة بدائرة محكمة استئناف القاهرة، حيث بدأت أولى جلسات المحاكمة يوم 14 يونيو 2016. استمرت الجلسات على مدار عام تقريبًا، حوكم خلاله المتهمون بتهم عديدة، منها تولي قيادة جماعة أُسست على خلاف أحكام القانون والانضمام إليها وإمدادها بمعوناتٍ، والتخابر وصناعة وحيازة المفرقعات والأسلحة، والشروع في القتل، بالإضافة إلى تهم القتل مع سبق الإصرار والترصد الموجهة إلى المتهمين الثلاثة: محمود الأحمدي (21 عامًا - محبوس) وأبوالقاسم أحمد (23عامًا - محبوس) ويوسف نجم (24 عامًا - هارب). وقامت المحكمة بتاريخ 17 يونيو 2017 بإحالة أوراق 30 متهمًا إلى مفتي الجمهورية لاستبيان رأيه في إعدامهم، ليصدر حكما بعد رأي المفتي بإعدام 28 منهم.
وكانت المبادرة المصرية قد دعت في بيان مشترك سابق إلى فتح تحقيق جاد، علني، شفاف ومستقل، لكشف ملابسات هذه الجريمة، دون اللجوء إلى إجراءات استثنائية ليست في محلها، وشددت على أن التوسع غير المسبوق في استخدام عقوبة الإعدام، فضلًا عن انتهاكات عديدة أخرى لحقوق الإنسان في السنوات الماضية، لم تَحُل جميعها دون تصاعد وتيرة التهديدات الأمنية، بل أهدرت الفرصة لإجراء حوار مجتمعي شفاف وعميق حول أبعاد تلك التهديدات الجسيمة وأنجع السبل لمواجهتها.
تشوب هذه القضية العديد من انتهاكات حقوق الإنسان، وفقًا لرواية ثلاثة متهمين، ظهروا في مقطع فيديو تم نشره من قِبَل إحدى القنوات الإخبارية يوم 16 أغسطس 2016، مع القاضي في إحدى الجلسات. فبحسب شهادة محمود الأحمدي، تم تصوير مقاطع فيديو الاعترافات في أواخر فبراير بمقر الأمن الوطني بلاظوغلي، بعد تعرضه لتعذيب شديد على مدار 12 يومًا هناك.
كما قال إن محمد الأحمدي، أخاه الأكبر المحكوم عليه بالإعدام أيضًا، تعرض للتعذيب لمدة تتخطى ثلاثة أشهر، وأن بإمكانه التعرف على أحد أمناء الشرطة الذين قاموا بتعذيبه هو وآخرين من المتهمين في مقر الأمن الوطني بلاظوغلي، داخل قاعة المحكمة، ولكنه يخشى ما قد يحدث له إن فعل ذلك. لم يشجعه القاضي على تحديد هوية الجاني، بل انتقل إلى المتهم التالي، أبو القاسم أحمد، الذي شهد أيضًا باعتقاله في 15 فبراير 2016، أي تعرضه للاختفاء القسري لمدة 15 يومًا قبل عرضه على النيابة، وروى تفاصيل تعرضه للتعذيب، من صعقٍ بالتيار الكهربائي وتعليقه على الباب بالساعات، بالإضافة إلى تكبيل يديه حتى في أثناء النوم. يوضح المقطع المصور انتقال القاضي مجددًا إلى متهم آخر، أبو بكر سيد، الذي شهد أيضًا بتعرضه للاختفاء القسري لمدة أسبوع كامل، قضاه في مقر الأمن الوطني بالزقازيق، وقام بسرد تفاصيل تعرضه لمختلف أنواع التعذيب، وعرض على القاضي أن يريه آثاره التي ما زالت تظهر على جسده، ولكن القاضي رفض. وعندما روى متهم آخر ما أحدثه التعذيب من أضرار نفسية واضطرابات ضلالية، ردَّ القاضي قائلًا: "ما جايز راكبك عفريت"، في استهزاءٍ تامٍّ بما يرويه المتهم، وقام بمقاطعة كلامه قبل أن تتسنى له الفرصة لاستكمال ما تعرض له عندما طالب بتواجد محاميه معه أثناء التحقيقات، وبعرضه على الطب الشرعي، كما لم يعلِّق القاضي عندما أراه آثار الصعق الكهربائي بساقه.
تمثل جميع هذه الانتهاكات جرائم في التشريعات المصرية. وفقًا للمواد 52 و55 و60 من الدستور المصري، فإن التعذيب بجميع صوره جريمة، يعاقب مرتكبها، ولا يعول على كل قول ثبت أنه صدر عن محتجز تحت وطأته. كما تخالف مُدد الاحتجاز التي تخطت 24 ساعة بأماكن غير قانونية، ما نصت عليه المواد 54 و55 من الدستور والمواد 145 و281 من قانون العقوبات. وتجدد المبادرة المصرية تخوفها من استمرار وتيرة الإعدامات في القضايا المنظورة أمام المحاكم المختلفة، فقد تم إصدار 41 حكمًا نهائيًّا بالإعدام في خمسة قضايا من بينها قضية أمام القضاء العسكري منذ بداية عام 2017.