في نتائج تقرير ميداني حول أحداث إمبابة: المراقبون الحقوقيون وشهود العيان يجمعون على فشل الأمن في حماية الأرواح والكنائس... إقرار مبدأ "عدالة الشارع" عبر لجوء الطرفين لاستخدام السلاح ينذر بعنف واسع النطاق

بيان صحفي

14 مايو 2011

أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم تقريراً بنتائج التحقيق الميداني الذي أجراه باحثوها في الاعتداءات الطائفية التي شهدتها منطقة إمبابة يومي السبت والأحد الماضيين (7 و8 مايو) والتي راح ضحيتها حتى الآن 15 قتيلا و242 مصاباً. وانتهي التقرير إلى أن تقييم استجابة السلطات للاعتداءات يكشف عن استمرار فشل الأجهزة الأمنية في التعامل مع ملف الأزمات الطائفية. فأجهزة الشرطة كانت تعلم مسبقا بتجمع حشود من السلفيين أمام كنيسة مار مينا بإمبابة لكنها لم تتحمل مسئوليتها عن التنبؤ بالأحداث ـ رغم وجود الشواهد الدالة على إمكانية اندلاع عنف بين الطرفين قبل حدوث الاشتباكات بنحو ساعتين أو أكثر ـ ومن ثم الحيلولة دون وقوعها. كما أن قوات الشرطة والجيش تتحملان المسئولية الكاملة عن احتراق كنيسة السيدة العذراء بشارع الوحدة بإمبابة. فقد حصلت المبادرة المصرية على إفادات تؤكد عدم وجود قوات للجيش لتأمين الكنيسة بعد هروب أفراد الشرطة المعينين على حراسة الكنيسة بمجرد وصول المعتدين إليها. وتؤكد المبادرة المصرية على أن مؤشرات عدة كانت تنذر بقيام مجموعات من المسلمين بمحاولة الاعتداء على كنائس أخري بالمنطقة، وبالرغم من التواجد الكثيف لقوات من الجيش والشرطة في الشوارع الرئيسية القريبة من كنيسة مار مينا إلا أنها لم تقم بنشر قواتها أمام باقي كنائس المنطقة مما سهل من جريمة حرق الكنيسة.

وقال حسام بهجت، المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية: "تكشف إفادات الباحثين الذين تواجدوا أثناء وقوع الاعتداءات وكذلك الشهادات التي حصلنا عليها من شهود العيان أن هناك تقصيراً واضحاً في أداء الأجهزة الأمنية وأنه كان يمكن الحد من أعمال العنف والاعتداء على الكنائس إذا كانت أجهزة الأمن تحركت بالسرعة الكافية للتعامل مع الأزمة في حدود القانون."

وحذر التقرير ـ الذي حمل عنوان "عدالة الشارع" ـ من أن رد فعل مسيحيي المنطقة على محاولة أعداد من المسلمين اقتحام كنيسة مار مينا (بحثا عن سيدة مسيحية قالوا إنها كانت قد تحولت إلى الإسلام في سبتمبر 2010 ثم اختفت في شهر مارس الماضي) وما نتج عن ذلك من تبادل استخدام الأسلحة النارية والعنف بين الطرفين بالشكل الذي أسفر عن هذا العدد الكبير من القتلى والمصابين هي جميعا مؤشرات خطيرة قد تنذر بأحداث عنف واسع النطاق أو بعودة العمليات الإرهابية التي كانت إمبابة إحدى ساحاتها في نهاية الثمانينيات والتسعينيات، ما لم يتم اتخاذ خطوات فورية لإعادة تأسيس مسئولية وسلطة أجهزة الدولة في إقامة العدل وفرض سيادة القانون، بدلاً من لجوء أطراف النزاع إلى انتزاع ما يرونه حقوقاً لهم بأيديهم كما حدث في إمبابة.

وطالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية النائب العام بأن يتسع نطاق التحقيقات في الأحداث ليتناول دور السلطات المتواجدة في موقع الحدث وما إذا كانت قد استعملت السلطات التي منحها القانون في إعمال آليات الضبط القانوني والجنائي، حيث تكشف الشهادات التي حصلت عليها المبادرة المصرية من شهود العيان وكذلك من خلال تواجدها في موقع الأحداث أن هناك تقصيراً واضحاً في أداء الأجهزة الأمنية وأنه كان يمكن الحد من أعمال العنف والاعتداء على الكنائس إذا كانت أجهزة الأمن تحركت بسرعة للتعامل مع الأزمة عن طريق تطبيق القانون. وفي هذه الواقعة بالتحديد بدا أن قوات الشرطة المتواجدة بالمكان ألقت بالمسئولية كاملة عن التدخل على قوات الجيش التي أخبرت الضحايا بأن دورها يقتصر على تأمين الكنيسة وأن التعليمات الصادرة إليها لا تتضمن التعامل مع الأهالي.

كما أكدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على أن الحق في حرية الدين والمعتقد يشمل بالطبع حرية تغيير الديانة وهو حق مكفول لكل المواطنين دون استثناء، وأنه ليس من حق أي شخص أو مؤسسة دينية التفتيش في ضمير أي مواطن وسؤاله عن ديانته أو محاولة التأثير عليه بهذا الشأن. وطالب التقرير كافة سلطات الدولة بأن تتخذ إجراءات فورية من شأنها ضمان أن تكون حرية الاعتقاد مكفولة لجميع المواطنين دون التعرض لأية عواقب أو ضغوط عند إعلان أي مواطن أو مواطنة عن تغيير معتقده الديني. وفي هذا السياق تؤكد المبادرة المصرية على أن كافة المؤسسات الدينية تتحمل مسئولية الالتزام باحترام حرية المواطنين في اختيار عقيدتهم أو ديانتهم دون وصاية أو تأثير. في الوقت ذاته فإن المبادرة المصرية تعرب عن قلقها من محاولة بعض الجماعات اغتصاب سلطة الدولة في تنفيذ القانون، أو فرض هيمنتها وأفكارها عنوة على المواطنين، وتؤكد أن الدولة وحدها هي المنوط بها التحقيق في أي مخالفات قانونية مزعومة ومحاسبة المسئولين عنها.

وبينما ترى المبادرة المصرية إشارات مشجعة في سرعة تحرك جهات التحقيق في جمع التحريات وضبط المتورطين في ارتكاب هذه الجرائم بإمبابة، إلا أنها تشدد على ضرورة أن تجري هذه التحقيقات بشفافية كاملة وأن تعلن نتائجها على الرأي العام، وأن يحال المتهمون بشكل عاجل إلى محكمة الجنايات لتتم محاسبتهم في محاكمة تتسم بالمصداقية وتستوفي كافة ضمانات المحاكمة العادلة بما يغلق الباب أمام التشكيك في أحكامها أو خضوعها لأية اعتبارات سياسية. كما تدعو المبادرة المصرية كلاً من الحكومة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يتولى حكم البلاد خلال هذه المرحلة الانتقالية إلى اتخاذ إجراءات فورية تستهدف أولا توفير الحماية لكافة أفراد وطوائف المجتمع ودور العبادة تمهيداً لاتخاذ خطوات جذرية من قبل سلطات الدولة والمجتمع المدني لمعالجة ملف الطائفية في مصر الذي ساهمت جرائم النظام السابق في استفحاله على مدى العقود الماضية حتى وصل إلى هذه المرحلة المتردية.

يمكن الاطلاع على التقرير بالضغط هنا.