قانون تنظيم الفتوى الجديد يكرس احتكار المؤسسات الرسمية للشأن الديني ويخالف دعوات تجديد الخطاب الديني

بيان صحفي

12 مايو 2025


 

انتقدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إصدار قانون تنظيم الفتوى الشرعية بمجلس النواب أمس، الأحد 11 مايو 2025، لما تضمنه من مواد تضفي مزيدًا من سلطة المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية على المجتمع وتنتهك حريات الرأي والتعبير والاعتقاد. وتطالب رئيس الجمهورية بعدم التصديق على القانون وإعادته إلى مجلس النواب لمزيد من النقاش حول جدوى القانون والتداعيات المترتبة عليه. وترى المبادرة المصرية أن فلسفة القانون لا تتسق مع الإشارات العديدة في الدستور المصري إلى النظام المدني للحكم، حيث تنص المادة الثانية من نص القانون الموافق عليه على أن الفتوى الشرعية العامة هي "إبداء الحكم الشرعي في شأن عام متعلق بالنوازل التي تؤثر على المجتمع في مختلف المجالات" متجاهلة أن المجتمع المصري متنوع دينيًا وعقائديًا، ويضم مجموعات أخرى بخلاف المسلمين. 

وقد يفتح تقنين سريان الفتوى الشرعية العامة الصادرة من الجهات الدينية الرسمية وحدها على المجتمع بمختلف مجالاته مجالًا للصراع المستقبلي بين المؤسسات الدينية الرسمية وباقي مؤسسات الدولة، في حال تضارب ما ستُفتي به الجهات الدينية المنوطة قانونًا بالفتوى وما قد يطرأ على مؤسسات الدولة من مواقف وتوجهات مُستحدثة، كما حدث في موقف الأزهر من فوائد البنوك حيث أفتى شيخ الأزهر الأسبق جاد الحق على جاد الحق بحرمانيتها، أو أن تعيق هذه السلطة في الإفتاء مساحات التقدم فيما يتعلق بحقوق فئات اجتماعية مهمشة، أو تثبيط المجهودات المناهضة لممارسات اجتماعية مضرة بسلامة هذه الفئات، مثل ختان الإناث. 

يأتي القانون في سياق سياسات ممتدة منذ عام 2014 تسعى فيها السلطات إلى إحكام سيطرة المؤسسات الدينية الرسمية على كل ما له علاقة بالإسلام والخطاب الديني، بداية من نص الدستور على أن الأزهر هو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ثم إقرار البرلمان في دورته الأولى المنعقدة بين 2015 و2020، قانون تنظيم الخطابة والدروس الدينية في المساجد وما في حكمها، والذي بموجبه غُلِظَت عقوبة الخطابة بدون ترخيص. 

وحاولت الحكومة تمرير قانون تنظيم الفتوى في برلمان 2015-2020 إلا أن خلافًا نشأ بين الأزهر من جهة والحكومة من جهة أخرى على أحقية لجان الإفتاء بوزارة الأوقاف في تقديم الفتوى الشرعية، وانتهى مصير القانون إلى الأدراج، إلى أن قُدِّم مجددًا خلال الفترة الماضية، وناقشته اللجنة الدينية وسط اعتراضات من الأزهر الشريف على أهلية وزارة الأوقاف لإصدار فتاوى شرعية، ثم أجريت تعديلات توافق رؤية الأزهر في الجلسة العامة الوحيدة التي نظمت لمناقشة القانون وإقراره.

قسم القانون الفتاوى إلى نوعين، أولهما الفتاوى الشرعية العامة، والمنوط بها هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية التابعين لمؤسسة الأزهر ودار الإفتاء. وثانيهما الفتاوى الشرعية الخاصة والمرتبطة بشؤون الأفراد، ويحدد القانون ست جهات منوطة بإصدارها، ثلاث منها تابعة للأزهر هي هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، بالإضافة إلى دار الإفتاء واللجان المشتركة وأئمة الأوقاف المؤهلين. ويرأس ممثل الأزهر اللجان المشتركة.

وقالت المبادرة المصرية إن  القانون يمنح سلطات واسعة لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف (تضم 16 عضوًا) دون وجود رقابة عليها، أو تحديد المجالات التي تتطلب تقديم الفتوى الشرعية العامة والخاصة. ووفقًا للمادة الخامسة يرجح رأي الهيئة في حال تعارض الفتوى بين الجهات المعنية بإصدار الفتاوى الشرعية، ولها أن تشكل لجان تقوم من خلالها بالمتابعة المستمرة للتأكد من "تحقيق ضبط الإفتاء والتأكد من الالتزام بضوابط الترخيص" (المادة 4). كما ستُشكل هيئة كبار العلماء بالأزهر اللجنة المنوطة بإعداد اللائحة التنفيذية للقانون، وستضم اللجنة في عضويتها وزير الأوقاف ووكيل الأزهر الشريف ومفتي الجمهورية. 

وترى المبادرة أن حصر القانون لأدوار الإفتاء الشرعي على الجهات الدينية الرسمية، يؤدي إلى تقييد حريتي التعبير والمُعتَقَد في المجتمع المصري، إذ تتركز سلطة الفتوى في يد المؤسسات الدينية التابعة للدولة، وبالتبعية يُسلَب من المجتمع عامةً حقه في التأويل الديني غير المُلزِم (الفتوى)، كما يُسلَب نفس الحق من الأفراد والجهات الدينية غير التابعة للمؤسسات الدينية الرسمية، وكذلك علماء وأساتذة الفقه الإسلامي غير الأعضاء في الهيئات التي حددها القانون على سبيل الحصر، ومن بينهم مفتي مصر السابق.

بالإضافة لذلك، يوسع إطار تطبيق القانون من حيز الرقابة على مساحات التعبير عن الرأي؛ حيثُ يقوم القانون في فلسفته على منع "غير المؤهلين" من إصدار الفتاوى، على الرغم من أن الفتاوى في حكم الدين هي تأويل غير مُلزم لمتلقيها. مما يثير التساؤل عن من يُحدد طبيعة المؤهلات اللازمة للتمتع بإبداء الرأي الديني، وماهية الآليات التي ستُستَخدَم مستقبلًا لضبط إصدار الفتاوى.

ورغم أنه ورد في المادة الأولى من  القانون أن أحكامه تسري دون الإخلال بـ "الإرشاد الديني والاجتهادات الفقهية في مجال الأبحاث والدراسات العلمية والشرعية"؛ إلا أن القانون لم يتضمن على سبيل التحديد تعريفات واضحة للإرشاد، وأوجه اختلافه عن الفتوى الشرعية العامة أو الخاصة.
كما أعطى القانون للأزهر الشريف منفردًا صلاحية إعداد برامج التأهيل والتدريب في مجال الإفتاء، على أن تعقد وزارة الأوقاف هذه البرامج بالتنسيق مع دار الإفتاء المصرية. واشترط أن يكون أعضاء لجان الفتاوى الشرعية الخاصة، التابعة لوزارة الأوقاف، من خريجي الكليات الشرعية في الأزهر الشريف والأقسام المناظرة لها. 

أما فيما يتعلق الإجراءات العقابية، نص القانون على الحبس بمدة لا تزيد عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن 50,000 جنيه ولا تزيد عن 100,000 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من يخالف أحكامه، وألزم القانون المؤسسات والوسائل الصحفية والإعلامية والمواقع الإلكترونية وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها ومحتوياتها بنشر الفتوى الشرعية الصادرة من المتخصصين، مما يعني بالتبعية توسيع رقعة الرقابة لتشمل وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية، والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي. وتوسيع رقعة تجريم حرية الرأي من خلال تغليظ عقوبة النشر خلافًا لنص المادة 71 من الدستور المصري، والتي تمنع توقيع عقوبات سالبة للحرية فيما يتعلق بـ "جرائم النشر". وخلافًا للمادة 29 من القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام، التي تنص على نفس الشئ إلا في جرائم التحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في الأعراض. بموجب هاتين المادتين، طالبت نقابة الصحفيين، بحذف عقوبة الحبس في المادة 8 من القانون، في خطابٍ موجه لرئيس مجلس النواب، والاكتفاء بالغرامة وهو ما لم يستجب له مجلس النواب.

وبناءًا على كل ما سبق، تطالب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية رئيس الجمهورية بعدم التصديق على القانون وإعادته إلى مجلس النواب لمزيدٍ من النقاش حول جدواه وتداعياته، لما فيه من مخالفة لمبدأ مدنية نظام الحكم في مصر، ولما قد يترتب عليه من تقييد حقوق المجتمع في حرية الرأي والتعبير والاعتقاد من خلال إحكام سيطرة المؤسسات الدينية الرسمية -وعلى رأسها الأزهر- على الفتاوى، ولفتحه بابًا يرسخ معوقات جديدة قد تمس بقدرة الفئات الاجتماعية المُهَمَشة على انتزاع حقوقها.