هدى نصر الله تكتب في التحرير: إدارة قضايا الحكومة خصم وحكم

16 أكتوبر 2012

أي وضع ستأخذه هيئة قضايا الدولة في مشروع الدستور؟ سؤال يلخص جدلا حاداً يثور هذه الأيام داخل هيئة قضايا الدولة، وداخل جهاز القضاء بعمومه، حول الإبقاء علي الهيئة ضمن الهيئات القضائية من عدمه.

وينظر اعضاء هيئة قضايا الدولة الآن بشئ من التوجس مخافة أن تبادر اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور بنزع صفة الهيئة القضائية عنهم، والاطاحة بما يتمتعون به من مزايا. إن كون المرء منتسباً لإحدى الهيئات القضائية يعني تمتعه بحصانات عديدة، منها على سبيل المثال أنه لا يتم التحقيق معه فيما ينسب إليه من جرائم في غير حالة التلبس دون اذن من الهيئة التابع لها. كما أنه غير قابل للعزل. هذا علاوة علي حظوته براتب يفوق أقرانه في الوظائف العامة الأخرى. ناهيك عما يضاف له من بدلات وحوافز ضخمة منها ما يحصل عليه مقابل الاشراف على الانتخابات، وهي مهمة قاصرة علي المنتمين للهيئات القضائية.

وصحيح أن نص القانون الحالي على اعتبار هيئة قضايا الدولة هيئة قضائية، الا أن هذا الأمر محل لنقد شديد من قبل القضاة. فمنهم من لا يرون هيئة قضايا الدولة أكثى من كونها محام للحكومة، وليس في موقع القاضي الذي يحكم بين متخاصمين. حتى أن وزير العدل المستشار احمد مكى وزير كان قد كتب منذ سنوات مقالاً تحت عنوان "أضواء على اصطلاح الهيئات القضائية"، قدم فيه العديد من البراهين القانونية على وجوب عدم اعتبار هيئة قضايا الدولة هيئة قضائية. والموقف ذاته تبناه المستشار الغرياني عندما ثار الموضوع مع قانون تطبيق الاشراف القضائي على الانتخابات.

 

ورغم الدور الهام والتاريخي الذى قامت به الهيئة  منذ أنشاءها عام 1874 بموجب فرمان أصدره نوبار باشا تحت اسم لجنة قضايا الحكومة، إلا  طبيعة هذا الدور هو التمثيل القانوني للحكومة، تدافع عنها في القضايا المرفوعة منها أو ضدها. هي إذن طرف خصومة، وتمثل طرفاً واحداً في القضايا هو الحكومة، فكيف يستقيم نسب عملها للقضاء.

وانتقالها من التبعية للحكومة، لتكون هيئة قضائية مستقلة اليوم قد اتخذ مساراً متعرجاً. فمع أيامها الأولي ألحقت إدارة قضايا الحكومة بوزارة المالية  طبقا للقانون 1 الصادر سنة 1923. وفى عام 1943 صدر القانون رقم 68 ليقرر الحاقها برئاسة مجلس الوزراء، الا ان القانون 58 لسنة 1959 قرر ان إدارة قضايا الحكومة  إدارة قائمة بذاتها وتلحق بوزارة العدل،  وهو ما اتبعه القانون الحالي رقم 75 لسنة 1963. إلا أنه بعد مؤتمر العدالة الأول تم تعديل هذا النص بالقانون رقم 10 لسنة 1968  الذى قرر أن هيئة قضايا الدولة هيئة قضائية مستقلة تلحق بوزارة العدل استنادا الى ما جاء بنص المادة 167 من دستور 1971 التي تركت تحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها وتنظيم طريقة تشكيلها وشروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم إلى القانون.

وفى طلب تفسير للمحكمة الدستورية اقرت بأن هيئة قضايا الدولة هيئة قضائية، لكنها أوضحت ان دورها في طلب التفسير هو إظهار إرادة المشرع عن كتابة النصوص الدستورية فقط، وليس النظر الى دستورية النصوص من عدمها.

ومؤخرا جاءت فرصة أخرى لكتابة الدستور من جديد، واقرار أوضاع أخرى لجهاز القضاء تضمن استقلاله وتخففه مما لحق به من معيقات مؤسسية. فنشب هذا التصارع، بين اعضاء في هيئة قضايا الدولة يتمسكون بوضعهم القانوني، مدفوعين بالرغبة في الابقاء علي ما يتمتعون به من حصانات ومزايا، وبين القضاة ممن يرون أن مدلول الهيئة القضائية لا ينطبق بحال على هيئة قضايا الدولة.

إن هيئة قضايا الدولة منذ نشأتها حتى يومنا هذا ليست سوى ممثل قانوني لهيئات ومؤسسات الحكومة، ولا تمثل الدولة بالمفهوم الواسع، وهي جزء لم  يزل ملحقاً بوزارة العدل وهي جزء من السلطة التنفيذية، والقول بأنها مستقلة غير دقيق كونها تابعة للحكومة، ناهيك عن اعتبارها هيئة قضائية.

ورغم تأييدنا لنزع الصفة القضائية عنها، إلا أننا نرى ضرورة النظر بعين عادلة لحقوق أعضاء هيئة قضايا الدولة. ومع تسليمنا بأن نزع الصفة القضائية عنهم يحرمهم من العديد من الحصانات والمزايا، إلا أنه يجب الابقاء على بعض المزايا المالية، حتى لا يضاروا بشكل صارخ. ويجب التوكيد هاهنا أن الحصانات والضمانات الأخرى منحت لأعضاء الهيئات القضائية تمكينا لهم من ممارسة دورهم في إرساء العدالة، وضمان استقلاليتهم وحيدتهم ونزاهتهم عند الفصل في الدعاوى القضائية، وهو ما لم يكن متطلبا لازماً لعمل هيئة قضايا الدولة التي لا تمثل الا طرف الحكومة وحده، وليست بحال حكماً في الدعاوى بل محام لخصم فيها. وترك الأمر علي ما هو عليه يجعل – قياسا علي المهمة -  من حق اعضاء نقابة المحامين اعتبار النقابة هيئة قضايا، وكذلك الحال بالنسبة للمحامين بالإدارات القانونية بالوزارات والهيئات والمؤسسات العامة والخاصة.

* نشر في جريدة التحرير 8 اكتوبر 2012.