ما تفعله الكارثة الطبيعية في مجتمع فقير

31 أكتوبر 2017

في السنوات الست الماضية، ووفقًا للأبحاث التي أجرتها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، تضاعف عدد الكوارث الطبيعية ثلاث مرات، وبالتالي تضاعفت الأضرار الاقتصادية التي سببتها هذه الكوارث إلى خمسة أضعاف. كان هذا ما دفع الأمم المتحدة لإعلان يوم الثالث عشر من الشهر الجاري يومًا دوليّا لتسليط الضوء على كيفية الحد من التعرض للكوارث وزيادة الوعي العالمي بالسياسات والإجراءات والممارسات الفعَّالة للتخفيف من المخاطر والحفاظ بالتالي على حياة البشر وسبل معيشتهم.

بهذه المناسبة خُصّص هذا المقال لتناول الكوارث الطبيعية ومسبباتها والخسائر الناجمة عنها، فبمقارنة بسيطة بين عدد الكوارث خلال الفترتين من 1970 إلى 1979، ومن 2007 إلى 2016، نرى أن معدلات حدوث الكوارث الطبيعية زادت من 451 إلى 1739 كارثة، أي ما يزيد على الثلاثة أضعاف، وبزيادة حدة الكوارث زاد عدد الضحايا بالتبعية، بالإضافة إلى الخسائر البيئية والاقتصادية الهائلة.

ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة للحد من الكوارث (UNISDR)، ففي الفترة من 2005 إلى 2014 بلغ عدد المتضررين من الكوارث 1.7 مليون شخصًا، وعدد الوفيات 0.7 مليون شخصًا، مع خسائر تُقدر بـ 1.4 تريليون دولارًا أمريكيًا.

كما شهدت بداية العقد الحالي إحدى أكبر الكوارث، والتي راح ضحيتها ما يزيد على 22 ألف (عشرون ألف لقوا حتفهم، وألفان مفقودون)، مع خسائر اقتصادية بلغت 210 بليون دولارًا أمريكيًا، خلال موجات تسونامي التي ضربت اليابان في مارس 2011، عقب زلزال بقوة تسعة على مقياس ريختر، خلّف آثارًا تدميرية هائلة، أبرزها كارثة فوكوشيما النووية، ولا تزال اليابان تعاني آثاره التدميرية إلى الآن.

بشكل عام، وبالاطلاع على إحصائيات أعداد ضحايا الكوارث في 2015، نجد الفقراء والفئات الاجتماعية المهمشة هم الأكثر تضررًا بالكوارث الطبيعية، كما نجد العدد الأكبر من الضحايا يأتي من نصيب الدول الأفقر، حيث هناك تسع دول فقيرة من أصل الدول العشر الأكثر تعرضًا لوقوع ضحايا نتيجة الكوارث.

والسبب بسيط، فالدول الفقيرة هي الأقل استعدادًا لمواجهة تلك المخاطر، لعدم كفاية الإمكانات اللازمة والتدابير الاستباقية المُتَّخذة، بالإضافة لضَعف البنى التحتية هناك وعدم مرونتها. مثلًا، في دراسة أصدرها البنك الدولي في نوفمبر 2015، حول الكوارث الطبيعية وتغير المناخ والفقر، جاءت النتيجة بأن 12 دراسة حالة من أصل 13 دراسة لأماكن مختلفة، تفيد بأن الفقراء هم الأكثر معاناة وعرضة للمخاطر.

ومن ناحية أخرى فسكان الدول الأفقر يسكنون البقع الجغرافية الأكثر تعرضًا للمخاطر الطبيعية، ورغم إدراكهم لحجم المخاطر التي تلاحقهم، إلا أنهم مجبرون على قبول الوضع للحصول على فرص العمل والخدمات المعيشية، وتتزايد أعداد الفقراء كل عام بسبب نزوح السكان وتشردهم وضياع ممتلكاتهم وخسارة أنشطتهم الاقتصادية، فتصل التقديرات السنوية لمتوسط الأشخاص الواقعين في مناطق الفقر إلى 24 مليون شخصًا، كما جاء في رسالة الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2017.

وطبقًا لمكتب الأمم المتحدة للحدِّ من الكوارث، فقد كان التغير المناخي خلال العام 2014 السبب في 87% من الكوارث الطبيعية. ويرجع تغيّر المناخ إلى سبب رئيسي وهو زيادة نسب تركيز الغازات الدفيئة المسبّبة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، نتيجة الاستهلاك الكثيف للوقود الأحفوري كالفحم والبترول بعد الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. وستنعكس علينا آثار التغير المناخي والاحترار العالمي عبر اشتداد موجات الحرارة والجفاف وتغير معدلات هبوط الأمطار، وكثافة الفيضانات وحدة الأعاصير.

وفي ظل الخطر الذي يهدد البشرية جراء زيادة الكوارث وحدّتها، علينا إعادة التمعن في مفهوم الكارثة، والتي هي نتاج اتحاد المخاطر الطبيعية، التي لن تختفي أبدًا، مع الأحوال المتردية، سواء اجتماعيًّا أو اقتصاديًّا أو سياسيًّا.

وفي إطار المساعي العالمية للحد من الكوارث، اعتمدت مؤخرًا الجمعية العامة للأمم المتحدة إطار عمل سنداي للفترة من 2015 إلى 2030، والذي يهدف لمنع نشوء مخاطر الكوارث، بالإضافة للحد من مخاطر الكوارث القائمة، من خلال تنفيذ تدابير اجتماعية مختلفة.

فمن ناحية يجب تحسين الأوضاع المعيشية ومحاربة الفقر، وتوفير ظروف آمنة من شأنها مجابهة مخاطر الكوارث، وخلق البيئة المرنة لاستيعاب تلك المخاطر، كإعادة النظر في البنى التحتية، كما يجب أن تتوفر القدرات البشرية والتدريبات اللازمة والتكنولوجيا الحديثة لتوفير المساعدة في حالات الطوارئ، وإرساء مبدأ الشفافية وضمان حرية التعبير والتغطية الإعلامية لمساعدة الطبقات المعدومة والمهمشة.

ولكن الوسيلة الحقيقية للحد من الكوارث، تبقى هي منع تسارع وتيرة حدوثها، ولن يكتمل هذا قبل علاج مسببات التغير المناخي، بوضع المناهج الوقائية الملزِمة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وبالحد من اقتلاع الغابات والأشجار، والاستثمار في تكنولوجيا الطاقة غير المنتجة للانبعاثات الكربونية.
________
الرسمة بعد تحطم جسر تاي بإسكتلندا عقب عاصفة اندلعت في 28 ديسمبر1879

تم نشر هذا المقال عبر موقع مدى مصر بتاريخ 30 أكتوبر 2017