مشاهد من حياة عُمَّالية

4 ديسمبر 2014

المشهد اﻷول: الانتحار نتيجة لليأس من استرداد الحقوق

حدث خلال الفترة السابقة العديد من حالات الانتحار لعمال، إما فقدوا أعمالهم، أو بسبب عدم كفاية أجورهم لالتزاماتهم، أو بسبب التعسف الذي أصابهم من قبل إدارات الشركات التي يعملون بها. وتزداد احتمالات اللجوء للانتحار خصوصًا مع ضعف الحركة العمالية التي لا تستطيع انتزاع حقوق العمال، ولا تستطيع التصدي لسياسة الفصل التعسفي التي وصلت لما يقرب من 2000 عامل خلال شهر واحد وفقًا للمراصد التي تستقي معلوماتها في معظم الأحيان من وسائل الإعلام، مما يعني أن هناك الكثير من الأحداث التي تحدث يوميًا ولا تُنشر عبر وسائل الإعلام، خصوصًا مع سياسات التعتيم الإعلامية بعد 30 يونيو.

فطالعتنا صورة سعد محمد بدر، الموظف المفصول بالنقل العام، وهو يحترق أمام مجلس الوزراء بعد أن تقدم بالعديد من الشكاوى ولم يجد استجابة من أحد. وطالعتنا وسائل الإعلام بخبر انتحار فرج رزق، السائق بشركة نقل بالعبور، على لوحة إعلانات بطريق القاهرة- اﻹسماعيلية، وذلك لمروره بضائقه مالية، فراتبه 1200جنيه وﻻ يستطيع تلبية طلبات أسرته وأوﻻده. وقد ألقى محمد السيد، من السويس، بنفسه من الدور الخامس، كما شنق آخر نفسه داخل شقته بسبب عدم العمل. وقد جاء في تقرير مركز المحروسة أن عدد حالات الانتحار التي قاموا برصدها في شهر سبتمبر 2014، كان ما بين 11 إلى 13 حالة انتحار، بينهم 4 حالات عمال وعاطلين عن العمل.

هذا بخلاف ما لم يُنشر في الصحف أو أي وسائل الإعلام، مثل انتحار أيمن، عامل الحديد والصلب، بإلقاء نفسه في الترعة ليموت غرقًا بعد الإجراءات التعسفية التي تمت من إدارة الشركة تجاههم بعد الإضراب الذي قام به عمال الشركة للمطالبة بحقوقهم.

المشهد الثاني: عسكرة المصانع والشركات

قامت السلطة الحاكمة بعد إزاحة مبارك بإصدار ترسانة من القوانين التي تُجَرم الإضراب والاعتصام، بداية من قانون 34 لسنة 2011، مرورًا بقانون تجريم التظاهر والاعتصام والإضراب، انتهاء بقانون تأمين وحماية المنشآت العامة (الصادر في يوم 27 أكتوبر 2014، رقم 136 لسنة 2014) الذي جعل من الطرق والكباري منشآت إستراتيجية من يقترب منها يحاكم محاكمة عسكرية. ناهيك عن القوانين التي تمس الاقتصاد، وتحمي الفاسدين، مثل قانون منع الطعن علي العقود الحكومية. هذا بالإضافة لامتناعها عن إصدار قوانين هامة للعمال مثل قانون الحريات النقابية، وإصدار قانون عادل للعمل، وقانون بحد أدني حقيقي للأجور يطبق علي جميع عمال مصر في كل القطاعات العام والخاص والحكومي.

ولما كان ذلك غير كافٍ من وجهة نظر السلطة الحاكمة لإسكات العمال، وإيقافهم عن المطالبة بحقوقهم، وصل الأمر لداخل المصانع والشركات. وسوف نعرض كمثال حي على ما نقوله التعليمات الإدارية من قطاع اﻷمن في أحد شركات السيراميك والتي يترأس إدارة أمن مجموعة شركاتها عميد أركان حرب جيش سابق، ويرأس إدارة أمن المصانع عقيد شرطة سابق، والتي تنص على "بناء على التعليمات الواردة للشركة من جهات أمنية عليا وبناء على الزيارة التي تمت لمصانعنا اليوم يتم إتباع اﻷتي:

"ما يجب إتباعه عبارة عن 8 خطوات تنقسم لثلاثة محاور، المحور اﻷول عبارة عن استيفاء نموذج تحريات سيوزع علي جميع العاملين بالمصنع، يتم استيفاءه من قبل العامل نفسه، يرفق به 2 صورة شخصية للعامل لم يمر عليها أكثر من ثلاثة أشهر، وصورة للبطاقة الشخصية السارية، ترسل جميعًا بعد مراجعتها للجهات اﻷمنية. المحور الثاني يتعلق بمنع توزيع أو تعليق أي منشورات داخل المصانع أو الأتوبيسات إﻻ بأمر إدارة اﻷمن بالشركة، وكذلك منع التحدث في أية موضوعات سياسية أو دينية سواء فردية أو في تجمعات داخل المصانع أو اﻻتوبيسات ومن يخالف ذلك يتم وقفه عن العمل مع إخطار الجهات اﻷمنية المعنية. المحور الثالث منع دخول أيه أجهزة ﻻب توب للمصانع كما يمنع دخول العقاقير والنباتات المخدرة، كما يتم عمل تفتيش مفاجئ على الدواليب في أي وقت وكذلك السيارات".

ولم يكن ذلك مجرد قرارات على ورق، بل تم تنفيذها بالفعل. وفي مقابلات مع عمال تحدثوا عمّا حدث مع عمال السيراميك بالعاشر من رمضان: عندما هدد العمال بالإضراب دفاعًا عن حقوقهم، فدخلت قوة من الجيش وقبضت على عامل من داخل المصنع، ثم تم نقله بعد إطلاق سراحه إلى موقع إداري بعيدًا عن العمال. كما تم توقيف أتوبيس الشركة في أحد الكمائن وقامت الشرطة بإنزال أعضاء اللجنة النقابية الإدارية وتهديدهم لكي يتراجعوا عن الإضراب.

ذلك بالإضافة إلى القبض على العمال من بيوتهم فجرًا لمجرد نيتهم، أو إعلانهم عن، الإضراب للمطالبة بحقوقهم، أو القبض عليهم أثناء الوقفات الاحتجاجية. نري بذلك إلى أي مدى تحاول السلطة الحاكمة بكل أجهزتها إخفاء صرخات العمال.

ولعل ما حدث مع عمال «لينين جروب» من تعذيب العامل محمد السيد من قبل ضباط الشرطة تحت إشراف صاحب المصنع بدعوى إنشاء صفحة على فيس بوك تنتقد سياسات الشركة، بل وفصل العديد من العمال بالشركة بعد ذلك، يرينا في أي عصر نعيش. ومن المثير أن تسرع المحاكم في الحكم علي العمال وتغريمهم بتهمة الإساءة لصاحب المصنع على فيس بوك، في حين لا يتم النظر في البلاغات التي تقدم بها العامل للمحامي العام وكافة الجهات بشأن تعذيبه لدرجة كسر ضلعه.

ومن أكثر الأمور فظاظة ووحشية استخدام النار الحي ضد عمال عُزّل مسالمين يقفون أمام شركتهم للمطالبة بحقهم في الأجر الكامل، مثلما حدث مع عمال الغزل بالإسكندرية، بل والضغط على العمال بعد ذلك لكي لا يتقدموا ببلاغات ضد الضباط الذين ارتكبوا هذه الجريمة في مقابل عدم تقديمهم للمحاكمة بتهمة التظاهر.

المشهد الثالث: التعسف بالنقابيين ومحاولة القضاء علي النقابات المستقلة

مسلسل الفصل التعسفي ضد النقابيين مستمر منذ سنوات، بدأ أيام مبارك واستمر بعد إزاحته مرورًا بفترة حكم المجلس العسكري وفترة حكم مرسي حتى الآن. فقد تقدم الاتحاد المصري للنقابات المستقلة بمذكرة لرئيس مجلس الوزراء الأسبق هشام قنديل في 6 نوفمبر 2012، بأن عدد المفصولين بسبب ممارسة النشاط النقابي بعد إزاحة مبارك، واللذين استطاع حصرهم فقط، وصل إلى 503 من 40 موقع عمل، بخلاف من فُصلوا في عهد مبارك وما زالوا مفصولين من 20 موقع عمل.

ولم يكتفي المسئولين بأن أحدًا منهم لم يحاول حل هذه المشكلة، ولم يتلقى الاتحاد من وقتها حتى الآن أي رد عن كيفية تصرف الحكومة تجاه سياسات الفصل التعسفي للعمال، بل أن وزارة القوي العاملة في عهد كمال أبو عيطة أنشأت لجنة لبحث هذه القضية (بمنطق عاوز تمَوِت قضية شَكِل لها لجنة)، ولم نرى منذ إنشاء هذه اللجنة، منذ أكثر من عام، حل لقضية أي من العمال المفصولين، بل إن محاضر اجتماعات هذه اللجنة (بغض النظر عن النتائج) استخدمت ضد شكوى العمال في منظمة العمل الدولية لتوحي على غير الحقيقة بأن الحكومة تسعى في الحل.

بل إن وتيرة الفصل قد ازدادت لتطال بعد ذلك مئات (بل ربما آلاف) النقابيين والعمال بسبب ممارسة النشاط النقابي، فبالإضافة إلى حالات الفصل التعسفي من شركة «فاركو للأدوية، وفرج الله، والوطنية للصلب، وميناء العين السخنة، وسوميد، اسمنت تيتان، وكابري، وراميدا للأدوية، وسوزوكي»، وفصل كل عمال الإنتاج بشركة «كارجل» للزيوت، فقد تم مؤخرًا نقل النقابيين بنقابة عمال شركة «سبأ» المستقلة ببورسعيد إلى أماكن عمل في غير تخصصاتهم التي تعاقدوا مع الشركة على العمل بها، وقبلها تم فصل رئيس النقابة المستقلة لشركة «أليكو» بالسويس. كما تم فصل 3 من أعضاء اللجنة النقابية لعمال مصنع السيراميك الذي يمتلكه محمد أبو العينين في العاشر من رمضان.

بل وصل الأمر إلى حرب علنية من أصحاب الأعمال بالتعاون مع الاتحاد العام لعمال مصر ضد النقابات المستقلة، لدرجة أن رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، أحمد الوكيل يعترض على تقنين أوضاع النقابات المستقلة بحجة تفتيت العمال وإضعافهم. ويعلن أصحاب الأعمال صراحة أنهم لن يجلسوا للتفاوض سوى مع اتحاد عمال مصر. بل نجد الكثير ممن ليس لهم علاقة بالعمال من قريب أو بعيد يكتبون المقالات النارية يتهمون فيها النقابات المستقلة بالخيانة والعمالة للخارج، وتوقيف عجلة الإنتاج، على سبيل المثال لا الحصر المستشار القانوني لنقابة الصحفيين.

وفي الوقت الذي يعلن فيه أصحاب الأعمال ومنظماتهم عن انحيازهم الكامل للاتحاد الذي اعتادوا على الجلوس معه، وضمنوا ولاءه لهم على حساب العمال (يكفي أن نذكر أنهم يجلسون للحوار لإصدار الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص منذ أكثر من عام ولم يصدر هذا الحد الأدنى حتى الآن، ولم يعلن هذا الاتحاد أي اعتراض على ذلك بل دائمًا ما يظهر ممثلوه وهم يصافحون ممثلي أصحاب الأعمال ضاحكين وكأن شيئًا لم يكن). نجد أن الحكومة بأجهزتها الأمنية والحكومية تنتهج استراتيجية أخرى مفادها تكسير القيادات النقابية التي تدافع عن حقوق العمال، سواء كانت مستقلة أو تابعة للاتحاد العام، وبروزة نماذج لا تعبر عن العمال ولا تنتمي إليهم على أنهم ممثلو الاتحادات المستقلة، لكي تستخدمهم في الحوارات الاجتماعية المزعومة، حتى تظهر أمام المنظمات الدولية على أنها تنفذ الحوار الاجتماعي كما نصت عليه الاتفاقيات الدولية.

فقد وصل الأمر إلى أن وزيرة القوى العاملة والهجرة ترسل إلى لجنة التشريعات قانون للنقابات لا يعرف عنه أحد شيئ، فقد امتنعت عن نشره لكي يرى العمال أصحاب المصلحة الحقيقية والوحيدة القانون الذي ينظم نقاباتهم. وﻻ نرى على صفحات الجرائد سوى التراشق بينها وبين اتحاد نقابات عمال مصر. ولم تكتفي بذلك، إلا أنها في لجنة الحوار الاجتماعي المزعومة التي تناقش مسودة قانون العمل جعلتها سرية فلا تنشر المسودة التي تُناقش لكي يتحاور بشأنها العمال، وسائر المجتمع. بل أنها في الجلسات الأخيرة للحوار في الأسبوع الماضي لم تدعُ أي من وسائل الإعلام، ولم تسمح بأي اعتراض على ما تطرحه من مواد وتصر على تمرير التعديلات التي اقترحتها الوزارة بدون أي تعديل، كما صرح بذلك أحد المشاركين في الحوار في وسائل الإعلان. وكأنها بذلك تتبع مع العمال ـ بشأن أهم قانون يخص حوالي 20 مليون عامل بأسرهم ـ نفس الطريقة التي اتبعتها الدولة مع الشعب المصري في كل القوانين القمعية، فتضعنا أمام قوانين صدرت بالفعل مخالفة للدستور وللاتفاقيات الدولية التي يتغنون بأنهم يحترمونها. فهذه الحكومة لا تتحمل مجرد الحوار، فكيف لها أن تصل لقوانين تؤدي لاستقرار عادل لعلاقة العمل؟

ولا ننسي هنا أن نلقي الضوء على الدور التقليدي الذي يمارسه الاتحاد منذ أكثر من ستين عامًا، مع كل الأنظمة، حتى نظام الأخوان رغم قصر عهده، وهو إظهار الولاء لهذا النظام حتى ولو على حساب العمال الذين من المفترض أنه يمثلهم، ففي الوقفة الإحتجاجية، يوم الثلاثاء 28أكتوبر 2014، من قبل النقابات التابعة للاتحاد العام لعمال مصر والتى شارك فيها كل من مصطفي بكري، وسامح عاشور وذلك لمساندة الجيش ضد الإرهاب، وتفويضه في القضاء علي الإرهاب، لم يقل لنا هذا الاتحاد أليس من الإرهاب أن نحرم أسر عشرات الآلاف من العمال من أجورهم شهور طويلة، أليس من الإرهاب أن نحرم عشرات الآلاف من حق العمل بالفصل التعسفي، أليس من الإرهاب أن يظل ملايين الشباب والشابات عاطلين عن العمل، لماذا لا تتحدثون عن ذلك النوع من الإرهاب؟!

تم نشر هذا المقال على موقع مدى مصر بتاريخ 3 ديسمبر 2014