إعادة التساؤل حول التكفير: خطاب تحريض أم حرية تعبير؟ من الإشكال الديني والسياسي إلى الإشكاليات الحقوقية

8 يوليو 2015

يحاول هذا المقال النظر في إمكان تقديم رؤية حقوقية بخصوص إطلاق أحكام الكفر والتكفير، باعتباره موضوعا أساسيا عند مناقشة خطابات الكراهية الدينية أو عند مناقشة حدود حرية التعبير بالنسبة للهيئات والتجمعات الدينية والخطاب الديني بشكل عام. وسيحاول المقال أن يتأمل هذه الإشكالية على خلفية السياق السياسي الراهن وجذوره البنيوية في الدولة العربية/ الإسلامية المعاصرة، متخذا من الحالة المصرية نموذجا.

وسيحاول المقال البناء على خطة عمل الرباط بخصوص "حظر الدعوة إلى الكراهية العنصرية والقومية والدينية التي تشكل تحريضا على التمييز والعداوة والعنف" خاصة في إشارتها لترابط حقوق الإنسان وأن الطريق إلى مواجهة خطاب الكراهية وحماية حرية التعبير يتضمن توصيات تخص السياسة العامة للدولة وتدابيرها بشأن مواجهة التمييز بشكل عام وبشأن المسئولية عن مواجهة جذور التعصب واللا تسامح والدعوة للعنف والعداوة والتمييز، وهو ما سيحاول المقال أن يقدم رؤية مفصلة فيه تتضمن الإشارة ليس فقط لحق الأقليات والفئات المهمشة والضعيفة ولكن ما يخص أيضا الأغلبية السكانية التي تدين بالإسلام في علاقتهم بالدولة، منطلقا من ضرورة صياغة توصيات مفصلة لمواجهة التمييز والتقييد الأساسيين الناتجين عما أسميه "سياسات دين الدولة"، باعتبارها مكونا أساسيا في معضلة الحقوق والحريات في علاقتها بالدين.

إشكال السياق السياسي

"التكفير حكمٌ شرعي مَرَدُّه إلى اللهِ ورسولِه، ولا يجوز الحكم به إلا بكفر صراح يرفع الرأي به أهل العلم والاختصاص من المجامع العلمية والفقهية المتخصصة إلى القضاء العادل للحكم البات فيه ، وليس من حقِّ الأفراد أو الجماعات الافتئات في ذلك ".1

ما سبق كانت أحد التوصيات التي انتهى إليها مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الذي انعقد في القاهرة في مارس الماضي، تحت رئاسة محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، الذي يتبعه المجلس، وبرعاية أحمد الطيب شيخ الأزهر.

عنوان المؤتمر كان "خطورة الفكر التكفيري والفتوى بغير علم على المصالح الوطنية والعلاقات الدولية". وحظى باهتمام ودعم كبير من مؤسسات الدولة بحضور براهيم محلب رئيس الوزراء نائبا عن عدلي منصور، الرئيس المؤقت الأسبق للجمهورية، وأيضا البابا تواضروس بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية، بالإضافة لمشاركة دولية لعدد من وزراء الأوقاف والمفتين وعلماء الدين من دول مختلفة.

الاهتمام الرسمي والدولي بالمؤتمر يأتي في سياق معركة أوسع تشهدها المنطقة وتشهدها مصر، وتبدو أحد أطرافها هي التيارات السلطوية الإسلامية على تنوعها: بين تيارات راديكالية تتبنى تكفير الحكام والحكومات التي "لا تحكم بشرع الله" ويستتبع ذلك بعض الأفكار والممارسات تجاه الشعوب والمجتمعات الخاضعة لهذه الحكومات، وتيارات سلطوية إسلامية توافقية لا تتبنى تكفير الحكام أو المجتمعات ولكن تستخدم بشكل واضح خطاب كراهية وتحريض من نوع وصف ممارسات وخطابات خصومها بأنها "حرب على الإسلام".

ومن الضروري في هذا السياق ملاحظة بعض التداخل بين نوعين التيارات، ككل تداخل أو تقاطع بين التيارات الراديكالية والإصلاحية أو التوافقية، مما استدعى من الحركات الجهادية ( التي تنتمي للنوع الأول) تصعيد هجماتها ردا على عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين ( التي تنتمي للنوع الثاني).

ولكن من الضروري أيضا ملاحظة التداخل بين خطاب التيارات السلطوية الإسلامية الإصلاحية وبين خطاب الدولة المصرية وهيئاتها الدينية من جهة أخرى، وهو ما يمثله الاقتباس الافتتاحي للمقال. الذي لا يختلف كثيرا عن خطاب جماعة الإخوان المسلمين أو جمعية الدعوة السلفية فيما يخص التكفير. وهو ما لا يختلف نظريا عن خطاب التيارات الراديكالية من السلطوية الإسلامية. لولا إن الإشكالية بشكل عملي أن أولي الأمر والقضاء وأهل العلم من الخاضعين للسلطة والمتعاونين معها - في رأي التيارت الراديكالية - قد تلبسوا بالكفر أو على الأقل متهمين به، فكيف يوكل إليهم النظر في ضبط مسألة التكفير؟! وفي المقابل يصفهم خطاب الهيئات الدينية الدولتية بالخوارج، مع ما يتضمن ذلك من "خطاب تكفير مضاد" وتبرير درجات من العنف وتجاهل الحقوق، استنادا للتراث الفقهي في تعامل "الدولة الإسلامية" مع "الخوارج".

وفي ضوء ذلك هل يمكن أن نعد مساهمة الدولة في "ضبط ممارسة التكفير" جهدا في مواجهة شكل من أشكال خطاب الكراهية؟ أم أنها ليست إلا انحيازا للتكفير الصادر من الدولة وهيئاتها الدينية الرسمية في مقابل من ينازعونها الحق في ذلك؟

وفي وسط هذا الإشكال السياسي هل يمكن لرؤية حقوقية أن تتدخل في مسائل من نوع: من يقوم بالتكفير؟ وبأي حق؟ وهل يمكن اعتبار خطاب التكفير الصادر من الجماعات الراديكالية أو الإصلاحية أو من الدولة خطاب كراهية وتحريض؟ وهل يمكن التعامل معه أو مع بعض مستوياته باعتبارها حرية تعبير لأنه من حق لكل أهل دين وعقيدة في وضع حدود لعقيدتهم وممارساتهم ووصف ما يتعداها ويفارقها بالكفر؟

إعادة التساؤل: لماذا يعد التكفير في "سياقنا" خطاب كراهية؟

أولا: التكفير نظريا

يمكن تعريف التكفير باعتباره إطلاق حكم على ممارسة أو فكرة بأنها خارج حدود دين أو معتقد ما، وبالتالي الحكم على صاحبها بالخروج من هذا الدين أو المعتقد.

والتكفير وفق هذا التعريف يمكن اعتباره أحد الملامح الأساسية للكثير من الأديان والمعتقدات التي تتبنى المؤسسات والهيئات والطوائف المعبرة عنها أفكار أساسية أو عقيدة محددة أولاهوت يكون الاعتقاد فيه والإيمان به هو علامة انتماء الفرد أو الجماعة إلى هذا الدين أو المعتقد. ورؤساء وعلماء هذه الهيئات والمؤسسات الدينية والطوائف يتولون بشكل ما أو بآخر توضيح وتفسير حدود هذه الأفكار والعقائد والحكم على الممارسات والأفكار الأخرى ومعتنقيها، ومدى انتماءهم من عدمه لهذا الدين أو المعتقد، وفق تفسير هذه الهيئة أو المؤسسة الدينية أو الطائفة.

إذا اعتبرنا أننا نتحدث عن ممارسة التكفير مستقلة عن ما سواها، وافترضنا أنها تحدث في وضع حقوقي جيد، تلتزم فيه الدولة بحماية حرية الاعتقاد وحرية التجمع والتنظيم والتعبير وحماية سائر الحقوق الأخرى قانونا، أن الحالة الاجتماعية تتسم في العموم بقدر من التسامح بين أبناء المعتقدات المختلفة، وأن حماية الدولة للمواطن بغض النظر عن اعتقاد الديني مكفولة. فإن التكفير في هذا السياق ليس إلا أحد أوجه حرية التعبير والتجمع والتنظيم. مع مراعاة التالي:

1- تضمن الدولة أن الفرد الذي تحكم الطائفة أو المؤسسة الدينية بخروجه عن حدود معتقدها سيتمكن من ممارسة حقوقه كاملة، الدينية وغيرها، خارج حدود هذه الطائفة والمؤسسة الدينية.

2- تضمن الدولة للفرد أو المجموعة حرية تأسيس طائفة أو مؤسسة دينية أخرى تتبنى تلك الأفكار التي وصفتها مؤسسة دينية أخرى أقدم بأنها كفر أو خروج على الدين. أو التمتع بهذا المعتقد فرادى أو بأي شكل من أشكال التجمع والتنظيم.

3- تضمن الدولة حماية الفرد من أي أضرار اجتماعية راجحة متوقعة من السلوك العدائي ضد الفرد بسبب خروجه من طائفة أو مجموعة دينية أو بسبب تعبيره عن رأيه بخصوص المجموعة الدينية أو أفكارها.

وفي هذا السياق يصبح حكم التكفير جزء من حرية التعبير والتجمع المكفولة لكل مجموعة دينية ويصبح من له الحق في إطلاق هذا الحكم أو أسباب إطلاق هذا الحكم وتأثيره إشكالا داخليا في إطار المجموعة الدينية ولا يخص الدولة ولا عموم المواطنين إلا إن تضمن إطلاق هذا الحكم خطاب عداء وكراهية وتحريض.

ثانيا: التكفير عمليا

بعيدا جدا عن التصور النظري لقضية التكفير، فإن التكفير في الحالة المصرية يعد أساسا لتقييد وانتهاك الكثير من الحقوق والحريات وتهديدا كبيرا للسلامة والحق في الحياة.

الاتهام بالحكم بالكفر والردة عن الإسلام – سيركز المقال على التفكير في السياق الإسلامي- موجب لحد الردة وهو القتل بحسب التيار الرئيسي في الفقه الإسلامي الذي يرى أن تطبيقه في يد الحاكم المسلم أو ولي الأمر، بعد اجراءات تعيين الحكم عليه والاستتابة، ويميل التيار الهامشي المعاصر الأكثر تسامحا بخصوص قضية “الردة” إلى الأخذ بآراء تراثية تدعو لاستتابة المرتد عن الإسلام مدى الحياة.2

لا توجد في القوانين المصرية أي إشارة لهذا الحد ولكن في المقابل فإن خطاب الهيئات الإسلامية الرسمية يشير دائما إلى أن حق إطلاق حكم التكفير وتطبيق الحدود هو في رأي وتقدير ولي الأمر الشرعي والحاكم المسلم وليس لآحاد الناس أو تجمعاتهم.

وبحسب الإشكال السياسي فإن منازعة تيارات إسلامية للدولة في كونها “ولي أمر شرعي” أو “حاكم مسلم” قد أدى إلى محاولة هذه التيارات أو متأثرين بخطابها إلى محاولة تطبيق حد الردة بأنفسهم على أدباء ومفكرين تم اتهامهم بالكفر، مثلما حدث مع فرج فودة أو مع نجيب محفوظ.

وفي الحالات السابقة من المرجح أن التهديد ازداد حدة مع ميل رأي علماء الهيئات الدينية الرسمية لوصف الشخص أو أفكاره بالكفر. وهو ما يجعل طرفي السجال الديني/ السياسي على اتفاق في إطلاق وصف الكفر مع الخلاف حول ما يترتب عليه.

ويزداد التهديد أيضا عندما يتورط القضاء في الحكم بما يفيد الكفر، مثل حكم التفريق بين د.نصر أبو زيد وزوجته بناء على أن أفكاره فارقت الإسلام ولم يعد مسلما ولم يعد زواجه وفق الشريعة الإسلامية ساريا.

وبخلاف ذلك يمثل حكم القضاء بما يفيد الكفر على مواطن إهدارا لكل الحقوق المتداخلة مع حرية الاعتقاد. بالنظر إلى أنه لا توجد تشريعات للزواج خارج الزواج الديني الإسلامي والمسيحي، ولا تضمن الدولة دستوريا حرية التعبير عن المعتقد وممارسته والتجمع والتنظيم على أساسه خارج الإسلام والمسيحية واليهودية. وعمليا تمارس الدولة التقييد والتمييز ضد أي تعبيرات إسلامية خارج توجهات الهيئة الدينية الرسمية، ومثال لذلك المذهب الشيعي واتجاه القرآنيين.

وبالإضافة إلى ذلك هناك تهديد كبير لكل الحقوق المدنية للمواطن نظرا لرفض مصلحة الأحوال المدنية في وزارة الداخلية الاعتراف بالديانة الجديدة لأي مواطن تحول عن الإسلام، وتدعم أحكام القضاء المتواصلة ذلك وترفض التحول الديني من الإسلام إلى غيره، وهو ما يعني أن وضع المتحول عن الإسلام سواء باختياره أو قسرا يظل معلقا، ولا يمكنه ممارسة حقوق الدينية وما يتصل بها وفق دين آخر.

هذا بخلاف وقائع التمييز والانتهاك الكثيرة التي مارستها أجهزة الدولة ضد مواطنين بسبب تعبيرهم عن معتقدات إلحادية أو تنتقد الدين، وتتمثل في الاتهام بازدراء الأديان، والتعرض للاحتجاز وسوء المعاملة والتعذيب والاتهام بالعمالة والتخابر وبث الفتنة وترويج أفكار متطرفة بقصد تهديد السلم. وفي حالات كثيرة اشترك أداء أجهزة الدولة مع اعتداءات من أفراد ومجموعات لم يتم محاسبتهم أو محاكمتهم.3

 

ثالثا: إشكاليات تحول التكفير إلى خطاب كراهية وتحريض وتمييز

مقارنة الوضع النظري الذي يكون فيه خطاب التفكير جزء من حرية التعبير والتنظيم وبين كونه عمليا تهديدا راجحا وخطاب كراهية وتمييز يكشف عن الأزمة البنيوية في سياسات الدولة.

الإشكال الأول:

أن المسلمين هنا ليسوا مجموعة دينية محددة تصدر حكم بالتكفير أو خروج شخص من عضويتها بناء على اعتقاده أفكار أو ارتكابه لممارسات ما.

وهذا الإشكال يشير لحالة تاريخية هي هو عدم وجود قيادة دينية للمسلمين على غرار القيادات الكنسية التي ترأس طائفة محددة. ولكن هناك علماء وقيادات علمية وعملية تتمثل في مشايخ المذاهب والطرق الصوفية وقيادات الجمعيات والجماعات الإسلامية بالإضافة لرؤساء الهيئات الإسلامية الرسمية.

ادعاء ولاية أو وصاية الهيئات الإسلامية الرسمية، مثل الأزهر والأوقاف، على شئون الإسلام علميا هو محل جدل وصراع في الدستور، وحتى هذه الهيئات تجعل أمر التكفير للقضاء الذي يستشير الهيئات الإسلامية الرسمية.

عدم تحدد شكل مجموعة دينية موحدة للمسلمين، وتنوع وتعدد الجماعات والاتجاهات الدينية وعدم انتظامها طائفيا كان يستظل تاريخيا بكون الدولة هي "دولة المسلمين" أو "دولة الخلافة" التي تقيم الشريعة وتعبر عن هذه المجموعة من الناس دينيا وسياسيا.4 وكان قضاء هذه الدولة هو الذي يصدر حكم التكفير على المعينين من الأفراد المتهمين بذلك.

الإشكال هنا أن الدولة صارت هي الطرف في عملية التكفير وليس مجموعة دينية تعبر عن حدود اعتقادها وممارساتها.

الإشكال الثاني:

أن نموذج دولة المسلمين التاريخية التي شكلت مظلة كبيرة فوق تجمعات المسلمين تبنت افتراض وحدة دينية للمسلمين، ولو رمزية، وكان النظام السياسي يرعى هذه الوحدة، ولذلك كان الخروج من الإسلام في أوقات كثيرة خروجا دينيا وسياسيا من “جماعة المسلمين”. وكان للدولة، بوصفها معبرة عن مجموع المسلمين، سلطة على من يخرج من هذه الجماعة.

ولذلك فإن “المسلمين” هنا لهم سلطة على من يخرج منهم، فهو يخرج من إطار “دولة المسلمين” ويهددها، وتتمثل تلك السلطة في حد الردة.

وهو ما يفارق النموذج النظري في أن التكفير لا يعد تهديدا لو لم تملك المجموعة الدينية أي سلطة على من خرج من إطارها.

الإشكال الثالث:

استمرار تورط الدولة والقضاء في الحكم بما يفيد التكفير ، نيابة عن مجموع المسلمين، باستشارة الهيئات الدينية الرسمية، وما يترتب على ذلك من تهديد وتمييز – قد لا يصل لحد الردة – يعني أن سياسات نموذج دولة المسلمين التاريخية مستمرة فيما يخص الشأن الديني، ولا توجد أرضية للمواطنة تحميها الدولة يمكن أن ينتقل إليها الفرد بعد خروجه من جماعته الدينية أو من جماعة المسلمين.

الإشكال الرابع:

أن هذا الاستمرار في الحالة المصرية مثلا هو عبارة عن إطراد البنية القانونية المستقاة من الشريعة فيما يخص الأحوال الشخصية – قضايا التفريق بين الزوجين مثلا- بدون أي قطيعة تتبنى تمييز بنيوي بين الدولة الحديثة وبين السلطة التاريخية لدولة المسلمين التي امتدت لدولة أبناء محمد علي ثم إلى الجمهورية. وهذا الإطراد لا يزال مستمرا ويتم الدفاع عنه دستوريا بالاستناد إلى النص على دين الدولة والنص على كون الشريعة مصدرا رئيسيا من مصادر التشريع وسبب التضارب والتناقض بين هذا الإطراد وبين حقوق المواطنة التي يكفلها الدستور.

الإشكال الخامس:

تعاني الدولة من جراء هذا التضارب والتناقض من ارتباك شديد. حيث ترفض الدولة ممثلة في أجهزتها التنفيذية والقضائية بالأساس تحول الأفراد باختيارهم عن الإسلام.

من جهة تعبر الجهات القضائية عن أن الارتداد عن الإسلام يهدد النظام العام إن كان لديانة أخرى مثل المسيحية، ومن جهة أخرى هناك فراغ تشريعي يخص التعامل مع غير المؤمنين بغير الأديان السماوية وهو ما يعني تجاهل وجود حقوقهم المدنية والدينية كمواطنين. فلا تعترف الدولة بغير عقود الزواج الدينية الإسلامية أو المسيحية واليهودية. وعمليا لا يمكن لمواطن يحتفظ بخصوصية معتقده أو يعلن الإلحاد أن يتزوج إلا بادعاءه الإسلام أو المسيحية أو اليهودية.

هذا التناقض والارتباك القانوني بين ما استمر من سياسات للدولة يجعلها ممثلة لسيادة جماعة المسلمين على غيرهم دينيا وبين تطورها القانوني الذي يحول دون اعتماد حد الردة، يجعل مساحة “الكفر” أو "الردة" أصلا منطقة فارغة لا يظللها الحق في المواطنة وحرية الاعتقاد.

الإشكال السادس:

هذه المنطقة الفارغة التي تعاني من الفراغ القانوني والارتباك تواجه التيار السائد من التفكير الديني الإسلامي الذي ترعاه الهيئات الدينية الرسمية وتنشره التيارات السياسية الإسلامية الذي يريد أن تكون الدولة معبرة عن "سلطة المسلمين على غيرهم" باسم الهوية ويطالب بحلول الدولة الحديثة محل إمام مفترض لجماعة موحدة مفترضة للمسلمين.

ولذلك يمثل خطاب الهيئات الدينية الرسمية أو التيارات السياسية الإسلامية عن تورط شخص أو جماعة في الكفر تهديدا كبيرا، فالدولة بالأساس منسحبة قانونا ومتورطة بأجهزتها وممارساتها، وبدعم مجتمعي أو بضغط مجتمعي، في التمييز وانتهاك الحقوق. والتيار الرئيسي للفقه الإسلامي يخاطب المسلمين بوصفهم “دولة” أو “سلطة” على غيرهم، وعلى بعضهم.

وهو ما يضاعف مسئولية الدولة عن فتح الباب أمام محاولات قيام أفراد وجماعات بدور "الإمام الشرعي" في تطبيق الحد بعد انسحاب الدولة وارتباكها القانوني والدستوري.

الإشكال السابع:

تواجه الدولة وهيئاتها الدينية الرسمية إطلاق حكم التكفير واتخاذ رد فعل إزائه من هذا المنطلق لأمرين:

1- تأكيد احتلالها موقع الممثل الوحيد لجماعة المسلمين، باعتبارها أحد جوانب شرعيتها السياسية في مواجهتها مع التيارات السياسية الإسلامية، ولذلك الدولة وحدها برعاية هيئاتها الدينية الرسمية هي المخول لها التعامل مع قضية التكفير.

2- بجعل مواجهة التكفير عنوانا لجهود فكرية موازية للصراع السياسي، تحاول الهيئات الدينية الرسميةلقطع الطريق على محاولة التيارات السياسية الإسلامية وصم ممارسات الدولة بالخروج عن الإسلام ولمحاولة الالتفاف على ابتزاز هذه التيارات للدولة ومنافستها في احتلال موقع الإمام الممثل لجماعة المسلمين، وتحاول هذه الجهود أن تصم خطاب التيارات السياسية الإسلامية بأنه تكفير أو تضييق لحدود الإسلام الذي يتسع لسياسات وتوجهات أخرى تشمل سياسات هذه الدولة نفسها.

2- تحاول الهيئات الإسلامية الرسمية تحجيم ممارسة التكفير لأفراد مفكرين أو فنانين سواء من خارجها أو حتى من العلماء المنتمين لها إلى أضيق الحدود نظرا لأزمة الفراغ التشريعي فيما يخص الارتداد عن الإسلام وما يمثله من أزمة لا حل لها في البنية القانونية وتفضي إلى أزمة سياسية وجدل عام يفتح النقاش حول تلك المشكلة التي لا يمكن حلها إلى بالتقدم في اتجاه دولة المواطنة وضمان الحقوق والحريات أو بالحسم في اتجاه استعادة نموذج دولة المسلمين وفقهها.

إشكاليات الدولة وإشكاليات الدين: الإشكال الحقوقي والإشكال الداخلي

في مواجهة ما تقدم فإن هناك استجابة تقليدية صدرت من جهات حقوقية ومن مفكرين وكتاب مدافعين عن حرية الرأي والتعبير وتوازت مع خطاب من الهيئات الدينية الرسمية ، وهي تتضمن الآتي:

1- الدعوة لوقف إطلاق أحكام التكفير استنادا إلى أنه لا سلطة في الإسلام مخول لها الحكم على الأفكار والعقائد ما دامت لا تصرح بالكفر بوضوح.

2- الدعوة لوقف إطلاق أحكام التفكير لأن الإسلام يتسع لكثير من الأفكار والممارسات التي يراد إطلاق حكم الكفر عليها.

2- نقد “حكم الردة" وتفنيد أصوله الشرعية أو سوابقه التاريخية، والدفاع عن الرأي الذي لا يرتب أي عقوبات على الارتداد عن الإسلام.5

هذه الاستجابات الشائعة في الخطاب الديني المعتدل أو الخطاب المدافع عن حرية الرأي والتعبير في مواجهة أحكام التكفير، يمكن القول أنها تمثل استجابة عملية محدودة تحاول تناول ما أسميه “الإشكال الداخلي” في الإسلام.وهذه الاستجابة العملية المحدودة التي تريد تحجيم إطلاق أحكام التكفير سواء من الهيئات الرسمية أو غيرها تستبطن صعوبة تجاوز الأزمة الأعمق التي تمثلها "الإشكاليات الحقوقية" السابق توضحيها.

والإشكال الداخلي هو الإشكال الديني المتعلق بأزمة حدود الجماعة المسلمة ومن المعبر عنها رسميا وكيف تنظم شئونها وتحدد المنتمين لها من غير المنتمين ويحق لها ولنخبتها الحديث عن حدود هذه الجماعة الدينية أو الجماعات الدينية المسلمة ويتعلق أيضا بمدى اتساع العقيدة الإسلامية لأفكار وممارسات أو بنقد لتشكلات تاريخية للتفكير والممارسة في تاريخ المسلمين.

وهذه المواجهة يبدو لي أن هدفها في المدى القصير هو تقليل حجم التهديد وانتهاك الحقوق الذي يصيب من يطالهم حكم التكفير. وهو جهد إيجابي من جانب لأن خطاب التكفير في هذا السياق الذي سبق توضيحه تتعارض فيه حرية التعبير مع ما يتضمنه الخطاب وتبعاته من كونه خطاب تحريض وتمييز بالضرورة.

كما أنه يصعب هنا الحديث عن إطلاق حكم التكفير باعتباره جزءا من ممارسة حرية التنظيم لمجموعة دينية محددة غير موجودة، فهذه المجموعة الدينية غير الموجودة وغير المحددة تحتل مكانها الدولة. وهو ما يجعل خطاب التكفير ذريعة لخطاب تخوين وطرد من الأمة أو تهديد لنسيج الوطن والمجتمع، كما يتردد في خطاب الدولة والهيئات الرسمية عن الإلحاد مثلا.6

كما أن اقتصار المواجهة على الإشكال الداخلي في الإسلام، يعني تسليما بسلطة التشكل المفترض لجماعة المسلمين على غيرهم والإقرار بهذه السلطة في الوقت الراهن أو النكوص عن التساؤل حولها وعن تناقضها مع قيم المواطنة.

وعلى خلاف ذلك، فإن الإشكاليات الحقوقية السبعة السابق توضيحها تتساءل حول تماهي هذه الجماعة المسلمة مع الأمة أو الشعب، ولماذا تعبر عنها الدولة، وما مدى سلطة هذه الجماعة المسلمة وفقهها إن كانت موحدة على غيرها وعلى من يخرج منها، ولماذا لا يسمح بتعدد الجماعات الدينية الإسلامية بما إن الانشقاق والافتراق هو واقع تاريخي ومعاصر فيما يخص المسلمين عقيدة وفقها وسياسة، ولماذا لا تتوفر مساحة على أرضية المواطنة لحرية الاعتقاد بما فيها الكفر بالإسلام أو الخروج منه.

ويمكن التساؤل حول أحد أشكال مواجهة الإشكال الديني التي تقول أنه لا سلطة في الإسلام تضع حدوده كدين وعقيدة ولا يحق لأحد الحكم بالإيمان والكفر، إن كانت هذه الحجة تعرقل حل إشكاليات الدولة. فممارسة بعض الحقوق الدينية والمدنية (الأحوال الشخصية) مثلا وفق دين أو معتقد معين يفترض معرفة حدود أهل هذا الدين وهذا المعتقد، وهو حق لهم بشرط إتاحة التعدد ضمن الدين والمعتقد ( تعدد الكنائس مثلا شرطة لحرية الدين وكان شرطا للإصلاح الديني في المسيحية)، ولكن عدم وجود أي تحدد على الإطلاق للجماعة الدينية الإسلامية لا يزال أحد أسباب تماهي هذه الجماعة مع الأمة أو الشعب، وتماهي الشريعة والفقه مع القانون العام.

وفي هذا السياق فإن حل الإشكال الحقوقي هو الاعتراف بتجمعات دينية للمسلمين لها حق رسم حدودها الاعتقادية والعملية واختيار الاحتكام للفقه كما تراه وتحديد من ينتمي لها ومن لا ينتمي، ولا تكون لها سلطة على من هو خارجها أو من انشق عنها. وخارج هذا السياق الفرعي، فإن أرضية المواطنة تظل أرضية الحقوق الدينية وغيرها سواء لمن ينتمون لتجمع ديني أو لا ينتمون.

وفي هذه الحالة يمكن الحديث عن خطاب التكفير كحرية تعبير وتنظيم لهذه التجمعات الدينية المختلفة، وتظل الدولة معنية فقط بالإشكال الحقوقي الذي يضمن كفالة الحقوق في أي حالة اعتقادية ويحمي من تبعات أي مضمون للعداوة والتحريض في خطاب التكفير أو في سواه.

وعندما يتم حل الإشكال الحقوقي وينفتح الباب دستوريا وقانونيا أمام التعدد الديني والانشقاق داخل الإسلام فإن جدل الإصلاح الديني وحل الإشكال الداخلي الديني في الإسلام يجد فرصا أوسع للانطلاق على خلفية من تحد عملي.

ولذلك فإن مواجهة الإشكاليات الحقوقية السابق أثناء تقييم خطاب التكفير وتحدياته يجب أن يكون بالاهتمام بنقد ومراجعة سياسات دين الدولة والإشارة إليها بوضوح ولضرورة إخضاعها لسياسات المواطنة والمساواة وحرية الدين، واتخاذ مسافة نقدية من سعي الهيئات الدينية الرسمية التي غالبا ما توصف بالاعتدال والوسطية والتسامح بينما تدعم في العمق سياسات دين الدولة وأزمتها البنيوية، وكذلك اتخاذ مسافة من الإشكال السياسي ضيق الأفق بين الدولة التقليدية السلطوية وبين مشروعات السلطوية الإسلامية والبدء في إثارة إشكال سياسي وحقوقي مختلف لا يتورط في "الحرب على التكفير" ضمن الحملات الدعائية للسلطات في صراعاتها، ولكن يدشن تعامله النقدي مع إشكالية التكفير بالدفاع عن الحق في الكفر كجزء من حرية الاعتقاد ونزع فتيل خطورة التكفير وإعادته إلى مساحة كونه جزءا من حرية التعبير والتنظيم بعد تجاوز الإشكالات الحقوقية والتقدم خطوات في اتجاه دولة الحقوق والحريات.

خطة عمل الرابط ومواجهة الإشكال الحقوقي

تمثل خطة عمل الرباط نموذجا لمحاولة مواجهة الإشكال الحقوقي وهو كيفية حظر الدعوة إلى الكراهية القومية والعنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف، وهي تولي اهتماما كبيرا لمواجهة خطاب الكراهية الدينية مع وضع ضوابط ومحددات للتمييز بين تعبيرات الكراهية الدينية التي تحض على الكراهية والعنف والتمييز وبين التعبير الديني المنطوي على إهانة أو عدم احترام مقدسات دينية أو رموز أو زعماء أو غير ذلك مما يوقع أصحابه تحت طائلة قوانين ومحاكمات بتهمة تم الاصطلاح على تسميتها "ازدراء الأديان”.

وهنا يمكن النظر إلى تمييز خطة عمل الرباط باعتباره نقطة إيجابية في اتجاه التوصية بمواجهة الإشكال الحقوقي وحده دون الوقوع في أسر الإشكال الداخلي في أي دين، حيث تمثل الغالبية الكبيرة من قضايا ازدراء الأديان في مصر قضايا ضد تعبيرات تم اعتبارها إهانة للإسلام من جانب متهمين غير مسلمين أو إهانة للصحابة من جانب متهمين شيعة، ومنذ 2011 لا يوجد إلا متهم واحد أدين بتهمة إهانة المسيحية.

ويمكن رصد التقاطع بين إشكالية التكفير وبين نطاق اهتمام خطة عمل الرباط في الآتي:

1- توصي الخطة بتطبيق حظر التحريض على الكراهية في نطاق التشريعات مع استخدام مصطلحات منضبطة منسجمة مع المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (فقرة 15)، وهذه التشريعات في حال إقرارها ستؤدي إلى وقوع الكثير من التعبيرات التي ترمي إلى ضرورة عقاب “المرتدين” أو “الكفار” أو من يروجون لأفكار كفرية مخالفة لثوابت الدين، ستقع الكثير من هذه التعبيرات تحت طائلة العقاب المتناسب.

2- الدفع بهذه التشريعات أو بداية الجدل حولها سيثير الجدل حول الصدام بين الإشكال السياسي الديني وبين الإشكال الحقوقي، حيث يجب أن تتخلى الدولة العربية هنا عن موقع “إمام المسلمين” الذي يدعي حماية الدين وثوابته واتخاذ موقع آخر يرعى فقط حقوق وحريات الأفراد والجماعات.

3- دعوة خطة عمل الرابط لمواجهة المصطلحات غير المنضبطة المعتلقة بمخالفات التحريض على الكراهية الدينية التي تستخدم كقيد على حرية التعبير سيتسبب في مراجعة القوانين التي تعاقب على التعبير عن “الكفر” تحت مسميات فضفاضة وغير واضحة مثل “ترويج أفكار متطرفة” كما في المادة 98و من قانون العقوبات في مصر. وتوقف القانون عن ملاحقة التعبيرات التي يتم تصنيفها من قبل الدين السائد باعتبارها “كفرا” يعني محاصرة أحد جوانب المخاطر المحتملة التي تنتج عن اعتبار شخص ما كافرا أو اعتبار فكرة أو ممارسة باعتبارها كفرا.

4- التأكيد على ألا تكون قوانين حظر الكراهية الدينية تتضمن تمييزا لصالح دين أو أديان أو نظم عقائدية أو ضدها أو لصالح أتباعها ضد أتباع دين آخر أو لصالح المؤمنين بدين ضد غير المؤمنين أو لمنع انتقاد الزعماء الديين أو التعليق على مذهب ديني أو مباديء دينية أو المعاقبة عليها ( فقرة 17) يعني فعليا فتح الباب لمراجعة سياسات دين الدولة وما يتبعها من ممارسات وما تتضمنه التشريعات والسوابق القضائية مما تم التطرق إليه باعتباره “سلطة للمسلمين على غيرهم” والدولة كممثل لجماعة المسلمين.

5- التوصية أن تكون القيود على الكلام هو الاستثناء من حيث المبدأ، نقطة إيجابية في صالح فك الاشتباك بين الإشكال الديني في خطاب التكفير وبين الإشكال الحقوقي، فمجرد إبداء رأي فيما يخص التكفير هو من حيث المبدأ لا يجب تجريمه، ولكن التجريم والمحاسبة تبدأ من بداية تداخل خطاب التكفير مع خطاب الكراهية الدينية الذي يجب أن يحدد بدقة ووضوح وبدون تمييز.

6- المعايير العالية لتحديد القيود على حرية التعبير وتحديد التحريض على الكراهية التي تدعو الخطة إلى الاستناد لها في التشريع ووفي التطبيق (مراعاة سياق الكلام وتأثير المتكلم ونيته ومحتوى الكلام وتأثير مدى الكلام في وسيط نشره ورجحان وشوك ارتكاب فعل عنيف أو يتضمن تمييز بسبب هذا التحريض)في (فقرة 29) سيفتح الباب أمام تقييم خطاب التكفير باعتباره إشكالا حقوقيا، وإذا كان خطابا يؤدي في النهاية وفق هذه المعايير إلى وقوع ضرر من عدمه وبالتالي سيخرج منه كافة خطابات التكفير التي لا تنطبق عليها معايير اعتبارها خطاب كراهية.

7- سيؤدي ما سبق إلى دفع التعبير الديني لالتزام حدود حرية النقد الديني بما لا يتطرق لكونه خطاب كراهية أو ممارسة التكفير كجزء من حرية التجمع والتنظيم في نطاقات دينية فرعية لا تحاول جعل المجتمع كله نطاقا دينيا، وبالتالي الدولة، أو ممارسة أي مجموعة دينية سلطة على من سواها أو من يخرج منها.

8- توصي خطة عمل الرابط بأن مواجهة تحديات خطاب الكراهية وأسبابه الجذرية يحتاج لمجموعة أشمل من السياسات العامة التي تحتفي بالتعددية وتدعمها وتمكّن للأقليات الدينية وغيرها ( فقرة 37)، ولكنها تفتقر لإشارة للظاهرة العامة في غالبية الدول العربية/ الإسلامية والتي تتمثل في سياسات دين الدولة باعتبارها إشكالا حقوقيا كبيرا ويمثل أرضية لخطابات الكراهية ولممارسات التمييز والتقييد التي تمتد للدساتير والقوانين كما تقدم تفصيله.

9- توصي خطة عمل الرباط الدول بدراسة إنشاء هيئات معنية بالمساواة لها صلاحيات موسعة ولديها آليات لرصد وجمع المعلومات بشكل منهجي حول خطاب وجرائم الكراهية ( فقرة 46)، وهو ما يمكن أن يدعم في مصر مهام المؤسسة التي نص الدستور على تأسيسها وهي “مفوضية مكافحة التمييز”. ونظرا للصعوبات العملية التي تعوق مسار تعديل ومراجعة القوانين والسياسات العامة بشكل فعال فإن دعم مؤسسات تعمل على هذا الجانب سيشكل دعما كبيرا لمواجهة الإشكال الحقوقي، بحيث تعمل هذه المؤسسات كفاعل كمراقب ومتابع لعمل مؤسسات الدولة وتأكيدا على جانب مواجهة الإشكال الحقوقي في القضايا التي تمثل تقاطعا للشأن الديني مع الشأن الحقوقي.

وتكمن الأهمية العملية لدعم إنشاء مثل هذه المؤسسات إلى أن تحدي إنشائها وعملها بفاعلية سيواجه الإشكال البنيوي في الدولة العربية وسيمثل تحديا لعمل هيئات الدين الرسمي وخطابها وللممارسات التمييزية وغير الدستورية في المحاكمات القضائية وممارسات الأجهزة الأمنية وغيرها، بشرط الدعوة لاستقلال عمل هيئات المساواة وتمكينها من ممارسة دورها والإعلاء من دورها في مواجهة تحديات الصراعات الدينية بدلا من اتكاء الدولة على الهيئات الدينية بما يدفع لتعقد الإشكال البنيوي المتعلق بدين الدولة بدلا من محاولة تجاوزه في إطار حقوقي وديمقراطي.

المراجع:

1-توصيات المؤتمر الدولي الثالث والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية،مارس 2014 http://www.awkafonline.com/portal/?p=7947

2-من مقدمة د.عبد المعطي بيومي لكتاب "التكفير بين الدين والسياسة"، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 1999 http://www.cihrs.org/?p=6411

3-لمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع لتقرير "حصار التفكير. قضايا ازدراء اﻷديان خلال عامين من الثورة"، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية 2013

http://eipr.org/report/2013/09/11/2210

4-لمزيد من التفاصيل عن افتراضات الوحدة الدينية للمسلمين والدولة كإمام ممثل لجماعة المسلمين كأساس للسياسات الدينية يمكن مراجعة "لمن المنابر اليوم؟ تحليل سياسة الدولة في إدارة المساجد"، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية 2014

http://goo.gl/1bzYZV

5-من ضمن هذه الاستجابات كتاب "التكفير بين الدين والسياسة"، مرجع سابق

تم نشر هذا المقال عبر موقع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بتاريخ 8 يوليو 2015