ذكرى عاشوراء وحقوق الشيعة : جرس إنذار متكرر

21 نوفمبر 2013

قبل أيام من ذكرى يوم عاشوراء اتصلت بعمرو عبد الله، الناشط الشيعي في مركز مصر الفاطمية. سألته على نيته هو ورفاقه التوجه إلى مسجد الحسين الخميس الماضي لإحياء ذكرى مقتل الحسين وعن الضجة المثارة حول الأمر.

أخبرني أنه سيتوجه كما سيتوجه الكثيرون  إلى ضريح الإمام الحسين، ولن يكون هناك طقوس مميزة لافتة كما هو معتاد في الدول التي يمثل فيها أتباع المذهب الشيعي  نسبة معتبرة من السكان ، ولكن سيقتصر الأمر على بعض الدعاء والذكر وأن ذلك جزء من حريته وحرية كل مصري في ممارسة شعائر عقيدته،  ولكنه أخبرني أيضا أنه تلقى تهديدات من المجموعة السلفية المسماة "ائتلاف الدفاع عن الصحب والآل"، وهي مجموعة سلفية متخصصة في مطاردة الشيعة والتحريض عليهم والدعوة لاستمرار انتهاك حرياتهم الدينية.

تقدم عمرو وآخرون ببلاغات متعددة ضد هذه المجموعة ورموزها خاصة بعد مقتل الشيخ حسن شحاته وآخرين معهم في حادثة زاوية أبو مسلم. ولكن على حد علمه وعلمنا لم يحدث حتى مجرد استدعائهم للتحقيق. والآن عمرو عبد الله محبوس منذ الخميس الماضي على ذمة التحقيق في اتهامه بازدراء الأديان وسب الصحابة، بعد أن سلمه للشرطة سلفيون من أنصار هذا الائتلاف.

قبل الخميس، أعلنت وزارة الأوقاف أنها ترفض أي ممارسة لشعيرة تنتمي للمذهب الشيعي في أي مسجد وتطالب الداخلية بمواجهة ذلك، وموقف الوزارة الثابت أنها ترفض بالأساس وجود أي مسجد لأتباع المذهب الشيعي. تحتكر وزارة الأوقاف قانونا الإشراف على النشاط الديني في كل المساجد، سواء كانت تابعة مباشرة لها أو كانت مساجد أهلية أقامها أفراد أو عائلات أو مجموعات أو جمعيات. وهو ما يعني أن السياسة الرسمية للدولة تميل للتقييد الكامل لممارسة شعائر إسلامية وفق مذهب لا يوافق ما تراه الوزارة صحيحاً للدين. 

الائتلاف السلفي ومعه ممثلون لحزب النور صرحوا أنهم يطالبون الدولة والأوقاف والأزهر بعرقلة أي محاولة لتجاوز ذلك الوضع. رغم أن العديد من السلفيين يشكون الآن من سيطرة وزارة الأوقاف التي تستغل مناخ الاستقطاب القائم للتضييق على أي نشاط لأنصار التيارات الإسلامية المناصرة لسلطة الإخوان الساقطة، ويشكون من موقف مشيخة الأزهر المؤيد لإسقاط سلطة الإخوان، ولكنهم الآن يناشدونهم استخدام نفس الأدوات ضد الشيعة.

ما حدث يوم الخميس الماضي:

أعلنت وزارة الأوقاف أعلنت أنها أغلقت ضريح الحسين، وأنها ستغلق أبواب المسجد فيما بين الصلوات وتمنع أي تجمع. توجه زملاء العمل الميداني في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" إلى ساحة مسجد الحسين. ورصدوا وجود مجموعات من السلفيين تقف على مداخل المسجد. رغم ما معروف لكراهية السلفيين للمساجد الملحق بها أضرحة، لأنه  " مكان للبدع و الممارسات الشركية" وفق "العقيدة السلفية".

التجمع المسموح به للسلفيين كان فيما يبدو متوائما مع قوات الأمن التي تواجدت منذ الصباح. كانوا يوزعون على الناس مطويات تتحدث عن "خطر الشيعة". يوقفون من يشتبهون في كونه شيعيا ويسلمونه للأمن. تكرر وفق مشاهدات الزملاء توقيف عدة أفراد وتسليمهم للأمن الذي أطلق سراحهم.

صدرت تصريحات من الائتلاف السلفي أنهم سيشكلون "لجان لرصد الوجود الشيعي" في ساحة الحسين يوم عاشوراء.

القيادي الشيعي محمود جابر توجه إلى هناك لإحياء الذكرى، وفي اتصال تليفوني معه قال لي أن شباب السلفيين تعرفوا عليه وعلى القيادي الشيعي الآخر الطاهر الهاشمي في ساحة الحسين، وكذلك على عمرو عبد الله وعدد من الشباب الناشط المعروف بانتمائه للمذهب الشيعي. وأضاف أن عدداً من المتجمهرين السلفيين بادروا  باعتداءات لفظية وبدنية على الشباب الشيعي المتواجد بالمكان فحدثت مشاجرة بينهم على إثرها قاموا بتسليم عمرو عبد الله للأمن الذي نقله لقسم الجمالية. الائتلاف السلفي أعلن على صفحته أن شبابه هم الذين قاموا بتسليم عمرو للشرطة وحرروا ضده بلاغا برقم “7654ج.ج” وبعدها تم نقل عمرو لنيابة زينهم للتحقيق معه.

المحامي سيد مفتاح  الذي حضر التحقيقات مع عمرو في النيابة،  قال أنه كما جرت العادة في القضايا التي تشمل متهمين من أتباع المذهب الشيعي تم توجيه تهمة "ازدراء الأديان" ضد عمرو عبد الله، الذي تم حبسه على ذمة التحقيق ولا زال حتى الآن.

رغم عمومية اتهامات "التحريض على العنف" التي تلاحق الإخوان ومناصريهم إلا أن الائتلاف السلفي يمارس التحريض على أتباع المذهب الشيعي  ويحتفل بمقتلهم علنا على صفحاته بدون أي مضايقات.
في أول ذكرى لعاشوراء بعد انطلاق الثورة في 2011 ظن الشيعة أن مساحة الحرية التي من المفترض أن يكسبها كل المصريين بعد انطلاق ثورتهم تشمل أيضا حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر فتوجهوا إلى مسجد الحسين وكانت النتيجة احتجاز الشرطة لبعض الشيعة لفترة قصيرة، كان منهم محمد الدريني الناشط الشيعي المعروف.

منذ يونيو الماضي، محمد الدريني محبوس على ذمة التحقيق في اتهامه بحيازة سلاح غير مرخص. قبلها توجه الدريني ببلاغ يطالب فيه بالتحقيق مع أطراف اتهمها بتهديده بالقتل. لكن الشرطة لم تهتم ببلاغه واهتمت ببلاغ ضده يتهمه بحيازة السلاح غير المرخص.

في ذكرى عاشوراء العام الماضي 2012 يبدو أن حكومة الإخوان  أرسلت ما يكفى من الإشارات السلبية بشأن حرية الاعتقاد إلى الحد الذى جعل  أتباع المذهب الشيعي  يحجمون عن أي محاولة لإحياء الذكرى. وفي ظل  هذه الحكومة صدر أول حكم ضد شيعي بتهمة تدنيس مسجد وقضى فترة حبس لمدة عام – تقدمت "المبادرة المصرية" بطعن على الحكم أمام محكمة النقض_  ثم كانت الحادثة البشعة في "زاوية أبو مسلم" التي راح ضحيتها الشيخ حسن شحاته وثلاثة من تلاميذه.

في نفس الذكرى هذا العام، وبعد سقوط رئاسة وحكومة الإخوان، تدعي السلطة الجديدة  أنها تحافظ على "أهداف الثورة" التي خانتها الحكومة السابقة، ولكن لا يبدو أنها لا تحيد عن مسارها فيما يخص أحد القضايا الشائكة لحرية الاعتقاد.

ضمان الدولة لحرية الاعتقاد وممارسته هي بالأساس ضمانة لصالح العقائد والمذاهب التي من المتوقع أن تعاني من التمييز ضدها ولذلك يجب أن تحميها الدولة، لا معنى لضمان الدولة لحرية اعتقاد الأغلبية الدينية أو المذاهب التي تتمتع بقبول عام في المجتمع.

أحداث ذكرى عاشوراء هي  جرس إنذار جديد، محاولات تقييد حرية الاعتقاد وممارسته لن توقف ممارسة الناس لحرية الاعتقاد، كما يتوهم البعض الذي يتحدثون عن "مد شيعي"، ولكن كل ما هنالك أنها تزيد التوتر المجتمعي تجاه الأفكار والعقائد والممارسات المختلفة.

استمرار سيطرة الدولة على المجال الديني الإسلامي عن طريق وزارة الأوقاف، واستمرار الأزهر في لعب دور رسمي وممارسته الدعوة للتمييز ضد المذاهب المخالفة، واستمرار باقي أجهزة الدولة في دعم التمييز الديني وتخاذلها أو تواطؤها في التعامل مع التحريض الطائفي، واتجاه نصوص الدستور لإقرار تمييز ديني بين المسلمين وغير المسلمين، وبين أتباع "ديانات سماوية" وغيرهم، وبين السنة والشيعة، واستخدام الأزهر كمؤسسة دينية رسمية   في دعم هذه الممارسات التمييزية، كل ذلك يخط مساراً  مضاداً "لحرية الدين والمعتقد". هو مسار لا يؤدى لتتضيق الخناق على أتباع المذهب الشيعي وحدهم، ولكنه يكرس لاستمرار تقييد حرية الدين والمعتقد في مصر بشكل عام، ويهييء أرضاً خصبة لصدامات طائفية مستمرة ومتصاعدة قد  تنتهي أحيانا باحتكاكات طفيفة واعتقالات أو قد تنتهي كما انتهت أحداث سابقة بسقوط  جرحى وقتلى.

الإصرار على تقييد ساحة حرية الدين والمعتقد وما يرتبط به ذلك من إهدار لسلامة وكرامة الناس وسط توترات طائفية هو سير في عكس اتجاه ثورة طالبت بالحرية والكرامة للجميع.