ستة أسباب للحديث عن حقوق الإنسان وقت المعركة

31 أكتوبر 2013

هناك أسباب شائعة يظن الناس أنها الأسباب الأقوى للاهتمام بفكرة «حقوق الإنسان» والمطالبة بضماناتها في الأوقات الحرجة. منها العمل في مجال حقوق الإنسان أو المشاعر الإنسانية المرهفة.

وفي الواقع أن العمل في مجال حقوق الإنسان في الدول التي تشهد معارك سياسية من النوع الذي نشهده قد يكون المبرر الأقوى للتغاضي عن حالة حقوق الإنسان، ففي مصر الآن هناك حقوقيون يهتفون «افرم يا سيسي» ربما من أجل الحفاظ على استمرار عملهم في مجال حقوق الإنسان، بينما يتم اتهام المدافعين عن حقوق الإنسان فعلا بأنهم «نشطاء السبوبة» رغم أن ذلك قد يتسبب في إغلاق منظماتهم و«سبوبتهم» أو التضييق عليها.

وذلك التناقض يدفعني لاستبعاد السبب الوهمي الثاني وهو المشاعر الإنسانية المرهفة لأن العقول الغبية التي لا تنتبه للتناقض السابق لن تتمكن من التفكير في حل عقلاني للتناقض بين غريزة الخوف وقت الصراع والرغبة في إنهاء الصراع لتبدأ حياة أقل توترا، والقانون وحقوق الإنسان فكرتان تحاولان الوصول لذلك، فتستسلم تماما لهجاء المشاعر المرهفة تجاه الآخر باعتبارها «تخنثا» أو «خيانة» أو غير ذلك من التفاهات.

ولكن لنحاول التفكير في الأسباب الأخرى الأكثر وجاهة التي قد تدفعك أنت - عزيزي الإنسان القارئ - لكي تفكر في حقوق الإنسان وسط المعركة ..

 أولا: أن تكون إخوانيًّا

طبعا أن تكون مستضعفا هو المبرر الأول لكي تتحدث عن حقوق الإنسان حتى لو كنت تكره حقوق أخيك الإنسان الآخر، قد يصلح ما سبق لكي يكون تعريفا للإخواني، أو للسلطوي الإسلامي بشكل عام.

كتبت من قبل أن تعريف السلطوي الإسلامي هو الشخص الذي يقوم مشروعه على ضرورة التسخيف على حرية غيره باسم هوية الأمة أو ثوابت الدين والمجتمع. وسبحان الله، قيّض الله لهذه الأمة ولهذا المجتمع ولهذا الدين، من «يحطّ» على الإسلاميين جميعا باسم هوية البلد وثوابت البلد، ولكن من منظور آخر. وفي هذه اللحظة تبدو حقوق الإنسان خطابا لطيفا للشكوى من وطأة الهوية الطافحة في «تسلم الأيادي» على أقفية محبي الشرعية.
ولذلك فإن بعض الناس يربط أي حديث عن حقوق الإنسان في وقت «الحطّ على الإخوان» بأن صاحبه إخواني أو يحترمهم، وهذا الخلط يتجاهل الأسباب الوجيهة الأخرى القادمة ..

ثانيا: ليس لديك سلاح

وبما أنك تجاوزت السبب الأول ولست إخوانيا ولا تحترم شرعيتهم، إذن فأنت في الطرف الآخر من المعركة الدائرة الآن أو لست في طرف أصلا. وفي هذه الحالة إما أن تكون مجندا في الجيش أو في الشرطة أو في أحد الأجهزة الأمنية أو أن تكون واحدا من المقربين إليهم بشكل لا يسمح بوصول أي أذى عشوائي إليك ولو على سبيل الخطأ.

لو لم تكن كل ذلك وليس لديك سلاح، يمكنك ساعتها أن تفكر أن المنظومة القانونية لحقوق الإنسان تفكر فيك كإنسان يرغب في الحياة في سلامة وكرامة، في وقت السلم وفي وقت الحرب.

ثالثا: ليس لديك تي شيرتات كافية عليها صورة الجنرال

 طبعا ستقول إنه بالرغم من عدم امتلاكك سلاحًا فأنت لست بحاجة لحقوق الإنسان، لأنك «نور عينين السيسي» ولأن هناك «بوستر» على سيارات الشرطة حاليا مكتوبًا عليه «شرطة الشعب». وهذا طبعا سبب وجيه للاطمئنان. ولكن المشكلة أنك ستضطر لإثبات أنك من «هذا الشعب» وليس «الشعب الآخر» لمخبر أو أمين شرطة أو مجند إذا حدث لا قدر الله واشتبه فيك.

 لو لم يكن لديك تي شيرتات كافية على الدوام، وليس «تي شيرت» واحدا يمكن أن يكون وقت الحاجة إليه في الغسيل، فغناؤك «تسلم الأيادي» لن يفيدك، بل سيزيد الشكوك حول كونك إخوانيًّا يمارس التقية وقت الاستضعاف.

 رابعا: ألا تكون من أصدقاء علي جمعة

 يمكن استثناء أصدقاء الشيخ علي جمعة من الأسباب السابقة، لأنه سيتحدث عنهم مع خيري رمضان على «سي بي سي» وسيوجه نداء للسيسي ووزير الداخلية للإفراج عنهم إن تم الاشتباه في كونهم من الإخوان كما حدث مع حاتم خاطر.

طبعا يمكن استثناء أصدقاء ومعارف أي شخص مهم ولديه «خاطر» مع من لديهم سلاح، ولكني ذكرت علي جمعة تحديدا لأني منزعج بشدة منه، وسأوضح ذلك بالتفصيل في مقال لاحق.
 أما غير ذوي المعارف فمن الضرورة أن يفكروا في المنظومة التي تتعامل مع كرامة الإنسان لمجرد كونه إنسانًّا، لحمايته من المنظومة المتبعة في أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم والسجون المصرية التي تتعامل مع الإنسان بطريقة: قل لي من تعرف أقل لك هايحصل فيك إيه بالظبط.

 خامسا: أن تكون انقلابيًّا ذكيًّا

وهذا يعني ألا تفكر مثل الدكتور مصطفى حجازي، المستشار السياسي للرئيس غير السياسي عدلي منصور، ولكني فضلت عدم ربط اسمه بعنوان السبب لأني منزعج منه أكثر من انزعاجي من علي جمعة، ولأني حاولت أن أستخدم كلمة «انقلاب» في سياق إيجابي نكاية في أنصار الشرعية الساقطة، وتعبيرا عن ابتهاجي بقلب سلطة الإخوان وهذا لا يتضمن بالضرورة تأييد كل ما ينتج عن ذلك، لأن هناك انقلابيين مغفلين سيتسببون في ضياع الانقلاب.

أن تكون انقلابيا ذكيا يعني أن تبني تفكيرك وخطابك على عكس ما يروجه مصطفى، أن تدرك جيدا أننا لسنا موحدين وأن هناك انقسامًا شعبيًّا كبيرًا، وأن التيار السلطوي الإسلامي لديه جماهير كبيرة، ليسوا أعضاء في تنظيمات ولا إرهابيين ولا يحملون السلاح، ولكنهم لديهم أفكار سخيفة عن «مشروع إسلامي» يلصقون عليه أحيانا بوستر «الديمقراطية والشرعية». وأن تكون انقلابيًّا ذكيًّا يعني أن تتعامل مع هذا الجمهور - الذي حمل تيارا ما للسلطة -  بحذر ولا تعاديه بالكامل وأن تحاول الحفاظ على كرامته حتى وسط المعركة، ولا تطلق عليه جزافا وتعميما وصف «الإرهابيين» لأنك وقتها تصبح مثله وهو يصف متظاهري 30 يونيو بأنهم قطيع الأجهزة الأمنية.

أن تكون انقلابيًّا ذكيًّا يعني أن تحاول - ولو من وراء قلبك - أن تفكر في حقوق الإنسان باعتبارها شيئا سيلجم قطعان المخبرين والمبتذلين، الذين خدموا كل شيء مبتذل في كل وقت وفي كل مكان، من تحويل المزيد من الناس المستائين أو غير المستائين إلى مظلومين بفعل الوشاية والتحريات الأمنية البائسة والفشل الشرطي التاريخي والغشم المسلح، لينتقل المظلومون بعدها ومن يتعاطفون معهم إلى صف «مقاومي الانقلاب».

 سادسا: أن تكون إنسانًا ذكيًّا

لا أحتاج لكتابة الكثير هنا، فالإنسان الذكي يدرك وحده أن فكرة حقوق الإنسان تخدم الحد الأدنى من مصالحه، وتمثل أرضية أساسية لرغبته في حياة يتمتع فيها بالسلامة والكرامة مهما كان تفكيره السياسي والديني، ومهما تغيّر تفكيره السياسي والديني وبدون أن يضطر لإثبات ولائه لسلطة ما.

طبعا من يحمل تفكيره السياسي والديني رغبات سلطوية تتطلب التسخيف على الآخرين هو غبي بالضرورة ومن المفترض أنه قد غادر هذا المقال بعد السبب الأول.
ومن لديه الذكاء الكافي ليدرك أن رغبته في حياة كريمة يجب ألا تكون مرهونة بهوية المنتصر في معارك سياسية ودينية، سيجد نفسه مهموما بهذا الأمر دون محاولات إقناع. ولم يخب ظني، ووجدت بالفعل كل من أظنهم قد هتفوا من قلوبهم «عيش. حرية. كرامة إنسانية» يفكرون في حقوقهم وحقوق خصومهم في الوقت نفسه كلما كان ذلك ممكنا، بل يحددون انحيازهم واتجاههم وقت المعارك بالخطوات الأقرب نحو هذه الحقوق وما هو أفضل منها.
الإنسان الذكي منحاز بالتأكيد إلى الانقلاب على الإخوان، لأن أنصار الشرعية الساقطة هم سخفاء بالضرورة كما تمت الإشارة إليه قبل قليل. ولكنه رغم ذلك، وبعيدا عن أي مشاعر مرهفة، يدرك ببساطة أن استباحة الفرد الخصم لمجرد كونه خصما أو للاشتباه في كونه خصما هو شيء خطير وسيئ وقد يطوله في النهاية (راجع الأسباب السابقة) أو سيحوّل ذلك حياته لجحيم وصراع مستمر لأن الشخص السخيف سيظن أن كرامته وسلامته مرتبطان بالضرورة بسلطة تشبهه تشترك معه في نفس القدر من السخافة، أي أنه سيكون مناصرا للمشروع السلطوي الإسلامي أو مشاريع سلطوية أخرى، تكره كلها حقوق الإنسان وتكره أيضا الشخص الذكي الذي لا يرضى بأقل منها لنفسه. ولأنه يريد أن يحظى بها تلقائيا فهو يطالب بها لكل الناس بدلا من أن يضطر لأن يكون من حاملي السلاح أو أن يتحمل عبء صداقة على جمعة ومصطفى حجازي.