خالد علي والحراك السياسي في مصر

10 يناير 2018

تؤرقني بداية هذا المقال، فبأيهما أبدأ حديثي: فالحديث عن التداول السلمي للسلطة السياسية في المجتمعات الشرقية ما هو إلا حديث مؤرق بطابعه، وخصوصا حينما يكون الحديث عن مصر، ولشخص خالد علي الذي أعرفه منذ بداية شبابه في منتصف تسعينيات القرن الماضي ما قد يُعد توصيفا شخصيا أو تعريفا بصديق أو ترصد لحالة شخص ذى صلة أو قرب من الكاتب، حسنا سوف أبدأ حديثي بشكل مزجي ما بين الموضوع والشخص.

أعتقد أن عقدة الأنظمة العربية السائدة إلى حد اليوم تكمن في غياب التداول السلمي على السلطة، وهو غياب نابع عن نقص في الوعي الاجتماعي كان مسيطرا على المجتمعات العربية وبدأ يزول مع انطلاق ربيع الثورات العربية، حيث لم تقم هذه الثورات إلا وكان من بين أهدافها تداول حقيقي للسلطة السياسية، وليس شكليا فقط عن طريق انتخابات تديرها الأنظمة الحاكمة مجهزة لنتائجها، أو استفتاءات مسبقة الإعداد ذات مذاق خبيث، وإذا حاولنا أن نضع سياقا تعريفيا لمضمون التداول السلمي للسلطة السياسية فأعتقد أنه لا يخرج عن كونه: هو آلية لصعود قوى سياسية من المعارضة إلى السلطة و نزول أخرى من السلطة إلى المعارضة، حسب تعريف أغلب المحلّلين السياسيين. وهو حسب جان لوي كرمون «آلية تدخل تغييرا في الأدوار بين قوى سياسية في المعارضة وأخرى في السلطة، فتعتلي قوى المعارضة السلطة بفعل الاقتراع العام و قوى سياسية أخرى تتخلى بشكل وقتي عنها لكي تنزل إلى المعارضة ضمن احترام النظام السياسي القائم».

فالتداول السلمي بالتالي هو آلية تعتمدها الأنظمة السياسية الديمقراطية، ويشترط لنجاحها: توفر وعيا اجتماعيا عاما بأهمية التداول السلمي وضرورته للمجتمع، كضمان من الطغيان على إرادة المواطنين، ووجود نظام انتخابي قانوني دستوري وعادل يضمن المساواة وعدم التمييز بين المرشحين، حتى لا يكون هناك انحياز أو تجاوز في ممارسة العملية الانتخابية ما بين المرشحين وبعضهم البعض، كما أن وجود أحزاب حقيقية في الشارع السياسي وليست أحزاب عديمة الفاعلية أو تلك التي تستجدي وجودها من يد السلطة الحاكمة، فالأحزاب السياسية الحقيقية تعد ضماناً في وقت ممارسة الانتخابات من الناحية الواقعية، حتى ولو كان لها في السباق الانتخابي مرشح بين قائمة المرشحين، كما أن في حيادية الأجهزة التابعة للسلطة وعدم ميلها أو انجرافها تجاه أحد المرشحين لدعمه وترجيح كفته دون سواه، وأخص في هذا القول المؤسسات الإعلامية، حيث يجب أن تأخذ موضوع الانتخابات أو تداول السلطة السياسية مأخذ الجد، ولا تنحاز إلى مرشح السلطة.

ومن هنا أبدأ حديثي عن المرشح الشاب المحتمل خالد علي عمر، ذلك الشخص الذي تعرفت عليه في منتصف تسعينيات القرن الماضي ضمن فريق عمل الحركات الحقوقية، ومن وقتها كان شخصاً طموحاً لا يكل ولا يمل عن تحقيق هدفه، ولكنه لم يحد عن جادة الصواب، ولم ينحرف عن الطريق الحقوقي، وله العديد من الصولات والجولات في أروقة المحاكم، وكان منذ صغره لا يكل عن السؤال والحصول على المعرفة، ولكوني أكبره ببعض السنوات التي تصاحبها بعض الخبرات، أتذكر حين لاحت له أول فرصة للترافع أمام محاكم الجنايات لأول مرة، فلم يكن متكبراً، وانتظر قدومي واستمع لدرس في كيفية المرافعة وطريقة الحضور وما يلزم لذلك في موضوع القضية. وقد مارس من خلال مهام عمله كمحام حقوقي العديد من القضايا ذات الشأن العام، وهو الأمر الذي أنتج له وجوداً في المجال السياسي العام، وليس ذلك إلا حقا لاحقا لجهود ومتاعب قام بها، وهو من قبل ومن بعد أحد المواطنين المصريين الذي يجب أن يحترم الكافة حقهم في الترشح وفق المعايير الدستورية والقانونية.

ولكن داهمت الحق في التداول السلمي للسلطة السياسية في مصر بعض الأقلام منذ لحظة إطلاق حملة خالد علي وإعلانه لنيته في الترشح على منصب رئاسة الجمهورية، ولم أر في سلوك هذه الأقلام حيادية أو عدالة في تناولها لشخص المرشح، بل إنها قد نالت من شخصه وقللت من قيمته، وكانت بعض العناوين المرتبطة بهذا الموضوع تعيب على فقره، وكأن ليس معظم الشعب المصري ينتمي لهذا الطبقة، وتعيب على اشتغاله ببعض المهن أو الحرف للحصول على مصدر دخل، وكأن هذه المهن ليست موجودة في الحياة اليومية، أو كأنهم ينحتون حياتهم بطريقة مغايرة لحياة غالبية الشعب المصري، ولم يكن لهذه الأقلام من هدف إلا التقليل من شأن شخصية هذا المرشح الاحتمالي، ولكنهم ولعظيم الأسف لا يمهدون سوى لفكرة الابتعاد عن التداول السلمي للسلطة، والعيش في كنف لا يتغير، وكأن المواطن المصري ليس من حقه أن يحلم بالتغيير، أو أن مفاهيم تداول السلطة والحق في الانتخاب والترشح هي مجرد أفكار تكاد تكون محجوزة لفئات بعينها.

ومن ثم فإنني أقول لكم أن هذه الحقوق هي من الأساس حقوق دستورية لكل مواطني الدولة المصرية، ولكل من توافرت بشأنه الشرائط القانونية أن يتقدم ويترشح، وأن مفهوم التجمد أو التوحد عند فكرة معينة أو شخص بعينه هي فكرة بعيدة عن أدنى مفهوم للديمقراطية وللحركة السياسية والشأن العام المصري، وإن كنتم تريدون أن تعيبوا المرشح خالد علي فعليكم أن تتناولوه كمرشح لهذا المنصب فقط، وليس كإنسان له حياته الخاصة، ولن يأتي التجريح والتقليل منه كإنسان بما تريدونه من نتائج، لكون الأقلام التي لا تعف عن التشويه المتعمد إنما تكون أقلاما مغرضة ومستهدفة، وللأسف فإن ما تحصله ليس إلا التهوين من الحراك السياسي، والالتفاف حول الفكرة ومحاولة وأدها، في وقت أظن أن مصر وكل الدول العربية بحاجة إلى تفعيل الحراك السياسي وتداول السلطة السياسية، ومن نافلة القول فإن وجود أشخاص أكبر قيمة أو أقل قيمة أو مساوية لشخص خالد علي مترشحة لهذا المنصب، إنما يثري الواقع السياسي ويفعل من حقيقة وجود الديمقراطية التي يحتاج المصريون لوجودها، وتفعيل الحراك السياسي والشأن العام، لن يتأتى إلا بوجود الكثير من خالد علي من كل التوجهات السياسية.

تم نشر هذا المقال عبر منصة المصري اليوم بتاريخ 21 نوفمبر 2017