ما بين تيران وصنافير وجزيرة الوراق

8 أغسطس 2017

بعد أن مررت الحكومة اتفاقية ترسيم الحدود المتضمنة على تسليم جزيرتى تيران وصنافير المصريتين إلى السعودية من خلال مجلس نواب لا يلقى بالا لناخبيه، وكل ما يشغل فكره هو كيف أن تكون الحكومة ممثلة فى سلطتها التنفيذية راضية عنه، ضاربة بذلك مثلا يٌحتذى فى كيفية عدم احترام الدستور، والفصل بين السلطات، وخضوع الدولة كاملة للقانون، واحترام أحكام القضاء. وفى ظل ظروف شعبية داخلية لا تخفى على أحد من حالة احتقان عامة لدى جموع المواطنين فى ظل ممارسات حكومية لا يمكن توصيفها أبدا بتحقيق مصالح المواطنين.

جاء الدور على جزيرة الوراق ، ولمن لا يعلم عن أمر هذه الجزيرة، فهى جزيرة تقع فى وسط النيل منحصرة ما بين مدينتى الوراق، وشبرا، وتبلغ مساحتها نحو 1600 فدان وهى بالتالى تٌعد من أكبر الجزر النيلية فى مصر، وتتوزع ملكية أرض هذه الجزيرة ما بين الملكية الخاصة للسكان، وبين الملكية العامة لبعض الأراضى الساحلية، والتى تقع تحت حيازة أهالى الجزيرة بموجب ما يسمى بعقود الانتفاع السنوية مع الدولة، كما أن بها أراضى تابعة لهيئة الأوقاف المصرية. 
فى صباح يوم الأحد الموافق 16/ 7 / 2017، قامت الحكومة بصحبة قوات من الشرطة باقتحام الجزيرة بين شد وجذب مع الأهالى تطور إلى كر وفر واستخدام السلاح، وهو الأمر الذى أسفر عن العديد من الإصابات بين الأهالى، وحالة وفاة لاحد المواطنين، إذ إنه من المفترض أنه حتى ولو كانت الجزيرة كاملة مملوكة للدولة فيجب أن تكون سبل الحل أكثر حرصا على مصلحة ومصير السكان الذين يفوق عددهم مائة ألف نسمة، وللعلم فإن أهل هذه الجزيرة قد مورس ضدهم محاولات سابقة منذ عهد مبارك لمحاولة الاستيلاء عليها، وقد سبق أن قام عاطف عبيد، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، بإصدار قرار بتحويل جزيرتى الوراق والذهب إلى منافع عامة، لكن الأهالى أقاموا دعوى قضائية حصلوا فيها على حكم عام 2002 بأحقيتهم فى الأرض، كما أن هناك العديد من القضايا ما بين المواطنين من أهل الجزيرة وبين قرارات تصدرها الحكومة ممثلة فى سلطتها، مثل الطعن المقام أمام محكمة القضاء الإدارى على قرار ضم ملكية أرض الجزيرة إلى وزارة الدفاع.
***
عادت مشكلة جزيرة الوراق على السطح من جديد، خلال مؤتمر إزالة التعديات على أراضى الدولة، منذ عدة أيام، عندما ألمح الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الجزيرة، وأن سكانها تعدوا على أرض من أملاك دولة، وتحولت إلى منطقة عشوائية، تصرف مخلفاتها فى النيل، وأنها تعتبر من المحميات الطبيعية وفقا لقرار الدكتور كمال الجنزورى، ووجه المهندس شريف إسماعيل إلى ضرورة أن تكون أولوية للحكومة فى التعامل معها، وأن يكون هناك مخطط لتطويرها، ودخول رجال الأعمال فيها لتحويلها إلى منطقة استثمارية، ما يعنى أنها ستكون المعركة القادمة بين الحكومة والمواطنين.
بعيدا عن أروقة المحاكم وعن الأوراق وعن السجلات، فهل استيقظت الدولة على وجود هذه الجزيرة بمن عليها من مواطنين فجأة، أو أن هؤلاء السكان قد قاموا باحتلال الجزيرة بين عشية وضحاها، أم أن هناك تاريخا مزج ما بين الأرض والناس، وأن هذا التاريخ يؤكد قدم وجود الحياة فوق أرض الجزيرة، وأن الحكومة منذ زمن بعيد لا تلقى بالا إلى هؤلاء المواطنين فى خدماتها، تاركة إياهم فى تقضية أمورهم بشكل ودى، وحل مشاكلهم بعيدا عن صخب الأروقة الحكومية. كما أن أهالى الجزيرة قد ارتضوا بمعيشتهم فى ظل تراخى الحكومات المختلفة عن النظر إليهم أو إلى مشاكلهم. فهل يحق للدولة أن تقوم فجأة بسحب البساط من تحت يد هذا العدد الغفير من مواطنيها، وهى التى لم تفعل ذلك مع من استولى على أراضى الظهير الصحراوى، ومن قاموا بتسقيع الأراضى الحكومية المشتراة للزراعة وحولوها إلى مستعمرات سكنية، بل تعاملت الحكومة معهم بالرفق واللين مطالبة إياهم بتوفيق أو تسوية أوضاعهم، وفى ظل قانون منع الطعن على العقود التى تبرمها الدولة، وفى ظل غياب حقيقى للشفافية وتداول المعلومات لا نستطيع أن نعلم كيف تمت هذه التسوية.
أما أن الأمر يختلف هنا لكون أهالى الجزيرة من الفقراء، وليسوا من رجال الأعمال، تسعى السلطة المصرية لاقتلاع جذورهم من الجزيرة، مرة على أساس أنها محمية طبيعية، ومرة على أساس نوع ملكيتها لكونها ذات وضع استراتيجى خاص، ومع كل هذه الاحتمالات والأطروحات الحكومية لا يجوز أبدا التضحية بمائة ألف من المواطنين، أم أن المواطنين طبقات أو درجات مختلفة، لا يتم تصنيفهم وفق الانتماء، وهو ما يُطلق عليه العرق، ولكن يتم التصنيف حسب هوى السلطة الحاكمة، وهو ما عبر عنه الشاعر المصرى الكبير إيهاب البشبيشى بقوله «فما المنتمى غير أنك تشعر بأنك منهم. فهل أنت منهم».
***
قد كان الأولى من الحكومة بدلا من زيادة عمق الجراح المصرية التى فاقت الحدود خلال السنوات الأخيرة، فبدلا من أن تقوم بمساعدة الأهالى على تقنين وضعهم، ومساندتهم فى حل مشاكلهم الحياتية كمواطنين مصريين من تعليم ومواصلات وزراعة وتموين إلخ، تسعى إلى محاولة تهجيرهم، وهو السعى الذى بدأته حكومات مبارك المتعاقبة، والذى كان عاقبته الدائمة هى الفشل، ولكن الوضع الآنى لا يحتمل أن تزيد السلطة هوة ومساحة الخلاف والفراق بينها وبين المواطنين، فى ظل أحوال معيشية متردية، لا يتحملها سوى الفقراء من أبناء هذا الوطن، أم أن أبناء هذا الوطن من غير الفقراء هم فقط ذوو الحظوظ والأهمية لدى السلطة؟.
الحل هو محاولة التسوية الودية مع الأهالى، فليس هناك مبرر لاستخدام العنف الذى لا ولن يولد حلولا بل تعقيدا، ولن يكون تهجير أهالى الجزيرة بمثابة حل، إنما الحل الأمثل يكون فى احتواء المواطنين وحل مشاكلهم الحياتية، وإن كان للدولة حقوق فى جزء من مساحة أرض الجزيرة فلا سبيل إلا بتمليكه بيعا لواضعى اليد عليه وحائزيه، فالرصاص وأفواه البنادق لا توجه إلا للأعداء فقط، والأرض لمن عليها.

تم نشر هذا المقال عبر بوابة الشروق الإلكترونية بتاريخ 17 يوليو 2017