حصاد الفصل التشريعى الأول
قارب الفصل التشريعى للبرلمان على الانتهاء، فهل قدم البرلمان أوراق اعتماده لناخبيه؟ أم أنه آثر أن يقدمها للسلطة التنفيذية «الحكومة»، مستهدفا بذلك رضا الحكومة وليس رضا المواطنين. فعلى الرغم من وجود العديد من المواد الدستورية التى وسعت من سلطات البرلمان وصلاحيته ــ وبغض النظر عن نقاط الضعف فى مواد الدستور فيما يخص عمل البرلمان إلا أنه منذ أن انعقد البرلمان وبدأ فى مراجعة ما تم اتخاذه فى غيبته من قرارات بقوانين، ظهر على السطح أننا أمام هيئة برلمانية غير منحازة إلى دوائرها الانتخابية، أكثر من انحيازها لصانعى القرار السياسى. فعلى الرغم من المواد الدستورية التى تجعل من البرلمان أن يكون سلطة تشريعية ورقابية قوية بدرجة ما، إلا أنه لم يقم بتفعيل دوره الحقيقى، فلم يلاحظ رجل الشارع أن هناك تشريعات قام بها البرلمانيون دونما إرادة الحكومة، فكل ما تم الموافقة عليه من قوانين كانت عبارة عن مشروعات قوانين تقدمت بها وزارة العدل، باعتبارها أسلوبا من الأساليب التى تناقش من خلالها القوانين.
ولكن هناك الأسلوب الأمثل والطريقة الحقيقية لذلك، والمتمثلة فى أن يخرج التشريع من صلب البرلمان، عن طريق لجانه المختلفة. فحتى القرار بقانون الوحيد الذى لم يوافق عليه البرلمان، وهو قانون الخدمة المدنية، قد تم تقديمه مرة جديدة من الحكومة كمشروع قانون فى نفس الدور التشريعى الذى رفض فيه البرلمان هذا القرار بقانون، على الرغم من نص الفقرة الأخيرة من المادة 122 من الدستور بقولها «وكل مشروع بقانون أو اقتراح بقانون رفضه المجلس، لا يجوز تقديمه ثانية فى دور الانعقاد نفسه». وعلى الأقل كان الأحرى والأوجب أن تتعامل الحكومة والبرلمان مع هذا القانون بموجب هذا النص، ولا يتم تقديمه أو مناقشته فى هذا الدور التشريعى.
***
حتى على المستوى الآخر من عمل البرلمان وهو الدور الرقابى على أعمال الحكومة، لم يقدم البرلمان أوراق اعتماده لهيئة الناخبين، فقد قام بالموافقة على الموازنة العامة للدولة بما تضمنته من مخالفات دستورية، فيما يخص موازنة الصحة والتعليم، وقد بدأ ذلك الدور الرقابى للبرلمان بمنح الحكومة الثقة بعد الاستماع ومناقشة بيانها، كما أقر المجلس اتفاقية قرض بين وزارة الدفاع ومجموعة من البنوك الفرنسية بضمان وزارة المالية.
وبرغم وجود العديد من المشكلات والأزمات التى يعانى منها الشعب المصرى، وبشكل عالٍ جدا فى مستوى القضايا الاقتصادية، إلا أن البرلمان الذى يغلب على طابعه السيطرة المغلبة من قبل «ائتلاف دعم مصر» لم يُرَ المواطن البسيط أو العامل أو الموظف ذو الدخل المحدود أى تحسن فى مستوى المعيشة، أو أى تفعيل لهذا الدور الرقابى. وبرغم اشتعال ملفات الفساد على كثير من الأصعدة التى تخص لقمة العيش وحياة الفقراء، لم يسمع المواطن عن أى خبر فى سحب ثقة من وزير، أو تفعيل فعلى وحقيقى لهذا الدور الرقابى الذى يجب أن تظهر نتائجه انعكاسا فى حياة المواطنين. ولعل أهم تلك القضايا الشائكة والتى تخص الشارع المصرى هى قضية فساد القمح، والتى تم تشكيل لجنة تقصى للحقائق من قبل البرلمان خصيصا لهذه القضية الشائكة، ولكن لم يسمع المواطن خبرا يثلج صدره، إلا من خلال المواقع الإخبارية ومفادها جميعا تصالح الدولة مع المجرمين من قراصنة القمح مقابل سداد ما أظهرته التحقيقات من مبالغ مالية، وهذا الملف مجرد عينة لما يعانيه الشعب المصرى من فساد ملء الأرض شرقا وغربا.
***
وأرى أن الباب لم يزل مفتوحا أمام البرلمان المصرى ليقدم ولو ورقة واحدة تتمثل فى عدم الموافقة على قرض صندوق النقد الدولى، الذى يفقر الأجيال القادمة، ويزيد من معاناة الأجيال الحالية، فربما إذا فعلها البرلمان الذى لم يقدم إلا ما تتطلبه منه الحكومة، متناسيا هيئة ناخبيه، وهم بسطاء وفقراء هذا الشعب ورفض هذا القرض، كان ذلك بمثابة تعويض لفقراء الشعب عما سلف، ومصالحة عن ما لم يقدمه البرلمان.
وأقول للهيئة البرلمانية، إن الشعب الذى قمتم بزيارته أكثر من مرة فى فترة الدعاية الانتخابية، والذى تجولتم بشوارعه، ودروبه، وعاينتم بأعينكم ما يعانيه، ينتظر منكم أن تكونوا إلى جواره فى أزمته الطاحنة والتى طالت القدرة على المعيشة وارتفاع معدل الفقر والبطالة، ولا تجعلوا علاقتكم به كما قال صديقى الشاعر إيهاب البشبيشى فى إحدى قصائده «فما المنتمى، غير أنك تشعر بأنك منهم. فهل أنت منهم؟». تم نشر هذا المقال عبر بوابة الشروق الإلكتروني بتاريخ 31 أغسطس 2016