هل تحب العدالة حقًا؟

29 سبتمبر 2013

«لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين» هى المجموعة الصغيرة سنا وعددا والكبيرة مقاما واحتراما والتى ناضل أعضاؤها بدأب وابتكار وكفاءة حتى نجحوا فى فرض هذه القضية على المشهد السياسى وحققوا ولا يزالون نجاحات مشهودة آخرها المعركة الدائرة حاليا حول إدراج ضمانات دستورية لحماية المدنيين من تلك المحاكمات الظالمة. وحتى وإن لم تظهر النتيجة النهائية لتلك المعركة بعد، فقد نجحت المجموعة فى جعل الموقف من المحاكمات العسكرية للمدنيين معيارا يقاس عليه الالتزام بمبادئ حقوق وحريات المواطنين من عدمه.

 

اختارت هذه المجموعة طريقا صعبا لأنها لا تواجه فقط سلطة تدافع باستماتة عن أدوات حكم غير عادلة وإنما لأنها تخوض المعركة الأصعب فى مواجهة مجتمع يبارك هذه الأدوات ويتحمس لها ويراها السبيل الرئيسى القادر على تحقيق الضبط والربط وبالتالى الأمن والأمان. لم تنقطع المجموعة عن مواجهة السلطة بشجاعة وتصميم كما لم تنقطع عن محايلة المجتمع بالهداوة والصبر وآخر تلك الجهود المقال الرائع «المدنى يحاكم مدنيا» للصديقة رشا عبدالله عضو المجموعة وأستاذة الإعلام بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والذى نشر فى جريدة التحرير بتاريخ 25 سبتمبر 2013. المقال مكتوب بالعامية ويجيب بشكل دقيق ومبسط عن كل التساؤلات الخاصة بهذا الموضوع ويستهدف بالأساس المجتمع والرأى العام لا الحكومة ولا القوى السياسية.

 

●●●

 

الصعوبة فى تبنى مثل هذه القضية وغيرها من القضايا المشابهة هى أنها تتناول أدوات بطش ذات شعبية كبيرة وبالتالى أجدنى مضطرة لطرح سؤال مؤسف: هل نحن هنا بصدد إقناع الناس أن المحاكمات العسكرية للمدنيين لا تحقق العدالة أم نحن فى الحقيقة نجادل فيما إذا كانت العدالة نفسها شيئا جيدا أو مهما من أصله؟ للأسف أن جزءا كبيرا من الحماس لتلك الفكرة ينطلق من فرضية (هى بالمناسبة خاطئة تماما) أن الفوضى علاجها الضبط والربط والعقوبات السريعة الباطشة وبالتالى فإن إغراء ذلك النوع من المحاكمات يرتبط تحديدا بخلوها من ضمانات العدالة التى هى حسب هذا التفكير نوعا من الميوعة، ويحضرنا هنا بالطبع الصفات والتشبيهات التى يرمى بها الطرف النقيض لهذا المسار وهم المهتمون بقضايا الحقوق والحريات ــ المخنثين سياسيا وأحيانا فيزيقيا على حد تعبير الصحفى إبراهيم عيسى. وذلك بالطبع فى مقابل «الرجولة» التى تتجلى فى أكمل صورها لدى كل ما هو عسكرى حيث الحسم والسرعة وعدم الالتفات للتفاصيل الصغيرة التافهة البناتى مثل حقوق المتهم أو ضرورة وجود محام أو التدقيق فى الأدلة أو أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته ــ أى باختصار كل مكونات العدالة وما يمت إليها بصلة.

 

تتماشى الفكرة تماما مع الفكرة الأم «البلد عايزة راجل يلمها» و«دكر يشكمها». يا ريت لو أبعدنا فكرة العدالة عن هذا الحوار البذىء والبائس. وأستطيع أن أؤكد أن الموقف تجاه ضمانات العدالة لن يؤثر سلبا على رجولة أى شخص ولن يؤدى بمصر أن تنحرف وتدور على حل شعرها. ساندوا مطلب «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين» سنكون فقط بلدا أكثر أمانا ولن يستيقظ أحدنا ليجد نفسه قد تخنث فيزيقيا والعياذ بالله.

منشور في جريدة الشروق بتاريخ 29 سبتمبر 2013

الرابط الأصلي: هنا