لماذا تبني الدولة سجونًا جديدة؟

15 مارس 2017

شهدت مصر في صيف 2013 موجة من العنف السياسي الذي أدى إلى تزايد أعداد المقبوض عليهم بشكل غير مسبوق، ما ضغط على أماكن الاحتجاز ودفع الحكومة إلى إنشاء سجون جديدة لاستيعاب هذه الأعداد المتزايدة.

وقد صدر منذ عام 2013 إلى الآن، أربعة عشر قرارًا بإنشاء سجون جديدة وتخصيص أراضٍ لإنشاء سجون جديدة، منها قرارات لوزير الداخلية وقرارات لرئيس مجلس الوزراء وأخرى لرئيس الجمهورية . وكانت تصريحات وزارة الداخلية دائمًا أن الاتجاه إلى بناء سجون جديدة هو بهدف تخفيف مشكلة تكدس السجناء في أماكن الاحتجاز الحالية والتي تعد من أكبر وأهم مشكلات السجون وأقسام الشرطة في مصر، ولكن هل سيساهم بناء تلك السجون في حل مشكلة التكدس بالفعل؟ وهل كل ما تم إنشاؤه من سجون سيكون تابعًا لمصلحة السجون، بمعنى هل سيكون للسجناء المودعين في هذه السجون الجديدة مخصصات للمعيشة من مأكل وملبس ومستلزمات حياتية داخل السجن؟ وهل ستكون تلك السجون الجديدة خاضعة للإشراف القضائي الكامل؟ وهل هناك بدائل غير إنشاء سجون جديدة تُحِدُّ من مشكلة التكدس ولا تكلف الدولة مليارات الجنيهات؟

سجون تابعة لمصلحة السجون (ليمانات وسجون عمومية)

بالنظر في القرارات الأربعة عشرة الصادرة، سواء بإنشاء سجون جديدة أو بتخصيص أراضٍ لإنشاء سجون جديدة، سنجد أن بها ثلاث قرارات فقط تنشئ خمسة سجون تابعة لمصلحة السجون وهي القرارات التالية:

1- القرار رقم 1750 لسنة 2013، الصادر من وزير الداخلية، بإنشاء سجنين بمدينة جمصة، وهما ليمان وسجن عمومي.

2- القرار رقم 873 لسنة 2014، الصادر من وزير الداخلية، بإنشاء سجنين بمحافظة المنيا وهما أيضًا ليمان وسجن عمومي.

3ـ القرار رقم 4073 لسنة 2014، الصادر من وزير الداخلية، بإنشاء سجن (2) شديد الحراسة بمنطقة سجون طرة بالقاهرة وهو سجن عمومي.

وبموجب هذه القرارات تم إنشاء ليمانان وثلاثة سجون عمومية ، وبعد صدور هذه القرارات أصبح لدينا في مصر خمسة ليمانات، وهي ليمان أبو زعبل، وليمان وادي النطرون، وليمان طرة، وليمان جمصة، وليمان المنيا. وكان إجمالي عدد الليمانات والسجون العمومية وفقًا لموقع مصلحة السجون اثنين وأربعين سجنًا، زادت بموجب القرارات السابقة خمسة سجون لتصبح سبعة وأربعين سجنًا، عبارة عن خمسة ليمانات واثنين وأربعين سجنًا عموميًّا، تلك السجون السبعة والأربعون هي فقط التابعة لمصلحة السجون المصري وما عداها من أماكن احتجاز تابعة لمديريات الأمن وليس لمصلحة السجون.

سجون تابعة لمديريات الأمن وليس لمصلحة السجون (سجون مركزية)4

أمَّا عن باقي القرارات الإحدى عشرة الصادرة سواء بتخصيص أراضٍ أو بإنشاء سجون فتخص السجون المركزية5 وهي القرارات:

1- قرار رقم 2396 وزير الداخلية لسنة 2014 بإنشاء سجن مركزي بمبنى قسم شرطة بنها.

2- قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 525 لسنة 2015 بتخصيص مساحة 103,22 فدان من أراضي الدولة لإنشاء سجن مركزي وملحقاته ومعسكر لإدارة قوات أمن الجيزة ومركز تدريب ضرب نار وقسم لإدارة مرور الجيزة.

3- قرار وزير الداخلية رقم 1029 لسنة 2015 بإنشاء سجن مركزي تابع لقسم شرطة النهضة بمديرية أمن القاهرة.

4- قرار وزير الداخلية رقم 1030 لسنة 2015 بإنشاء سجن مركزي بقسم شرطة 15 مايو بمديرية أمن القاهرة.

5- قرار وزير الداخلية رقم 2345 لسنة 2015 بإنشاء سجن مركزي بمسمى السجن المركزي بالإدارة العامة لقوات أمن الجيزة.

6- قرار وزير الداخلية رقم 1104 لسنة 2015، بإنشاء وتشغيل السجن المركزي بقسم شرطة الخصوص.

7- قرار رئيس الجمهورية رقم 3455 لسنة 2015 بتخصيص قطعة أرض 10 أفدنه بملاحة الجزيرة غرب الطريق الدائري مركز ادكو بمحافظة البحيرة لإقامة سجن مركزي عليها.

8- قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1717 لسنة 2016 بتخصيص قطعة أرض أملاك دولة بمساحة 2872.80م2 بقرية بغداد بمركز ومدينة بدر بمحافظة البحيرة، بالمجان، لصالح مديرية أمن البحيرة لإقامة سجن مركزي عليها.

9- قرار وزير الداخلية رقم 1923 لسنة 2016 بإنشاء سجن مركزي بمديرية أمن القليوبية بمسمى السجن المركزي بمعسكر قوات أمن الخانكة.

10- قرار وزير الداخلية رقم 2628 لسنة 2016 بإنشاء سجن مركزي بمديرية أمن القليوبية بمسمى سجن العبور المركزي بالمنطقة الصناعية بمدينة العبور.

11- قرار وزير الداخلية رقم 2879 لسنة 2016 بإنشاء سجن مركزي بمديرية أمن بني سويف بمسمى سجن جنوب بني سويف المركزي.

ووفقًا لقانون السجون المصري، لا تتبع السجون المركزية مصلحة السجون المصرية، وكل سجن مركزي يكون تابعًا لمديرية الأمن التي يقع في نطاقها الجغرافي ذلك السجن المركزي أو مكان الحجز الملحق بقسم الشرطة، حيث تنص المادة 95 من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 على أن "تظل السجون المركزية خاضعة للنظام المقرر بها حاليًّا إلى أن يتم إلحاقها بمصلحة السجون".

ومنذ عام 1956 وحتى تاريخه لم يصدر تشريع بإلحاق السجون المركزية لمصلحة السجون وإنهاء الحالة المؤقتة التى قررتها المادة 95 من قانون تنظيم السجون واستمرت تلك الحالة المؤقتة ما يزيد على ستين عامًا!

وكان عدد السجون المركزية بالمحافظات قبل القرارات المذكورة أعلاه قد بلغ مئة وسبعة وثلاثين سجنًا مركزيًّا، بالإضافة إلى اعتبار أماكن الحجز الملحقة بالمراكز والأقسام أو نقط الشرطة أو إدارات البحث الجنائي أو فروعها من الأماكن التي يجوز أن يودع بها المعتقلون والمتحفظ عليهم والمحجوزين وكل من تسلب حريتهم على أي وجه، وبالتالي دخلت كافة تلك الأماكن ضمن تعريف السجون الذي نفهمه من المادة الأولى للقانون 396 والساري إلى يومنا هذا.

هذا الكم الهائل من السجون المركزية وأماكن الحجز الملحقة بأقسام الشرطة والنقاط الشرطية وإدارات البحث الجنائي وفروعها، وغيرها من الأماكن الأخرى التي يجوز أن يوضع بها كل من تسلب حريته، غير كافٍ بالنسبة إلى الدولة لاستيعاب المحكوم عليهم بالحبس البسيط أو الحبس مع الشغل لمدة لا تزيد على ثلاثة شهور، والذين يكونون محلًّا للإكراه البدني تنفيذًا لأحكام مالية، وبناء عليه صدرت القرارات السابقة بتخصيص أراضٍ أو بإنشاء سجون مركزية جديدة.

هل نحتاج إلى كل هذه السجون؟

آلاف الأفدنة من الأراضي و مليارات الجنيهات تنفق لإنشاء سجون مركزية جديدة في دولة مأزومة اقتصاديًّا يعاني مواطنوها من تدني مستوى المعيشة دون جدوى حقيقية تجنى، فكما سبق أن أوضحنا فإن السجون المركزية لا تكون تابعة لمصلحة السجون والوضع القانوني الحالي للسجون المركزية يعرضها للعديد من الانتقادات الجوهرية، وبدلًا من أن تتجه الدولة المصرية إلى حل مشكلات السجون المركزية القائمة بالفعل تقوم بإنشاء سجون مركزية جديدة.

ومن أهم مشكلات السجون المركزية التي يتم إنشاؤها بقرار من وزير الداخلية:

إشراف قضائي منقوص:

في القانون نجد وضعًا منقوصًا من الإشراف القضائي على السجون التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الداخلية، إذ أن حق الدخول إليها لتطبيق الإشراف قاصر على النائب العام وحده، أو من ينيبه من رجال النيابة العامة بدرجة رئيس نيابة على الأقل! هذا ما تقوله المادة الأولى مكرر من قانون تنظيم السجون، وبالتالي لا يستطيع عضو نيابة، أقل درجة، أن يقوم بتفتيش هذه الأماكن، كذلك لا يجوز لقاضٍ أن يدخل هذه الأماكن ويقوم بتفتيشها.

عدم مراعاة أوضاع النساء المحتجزات:

جميع العاملين بالسجون المركزية وأماكن الحجز الأخرى الملحقة بأقسام الشرطة والنقاط الشرطية وغيرها من الأماكن التي يجوز الاحتجاز بها من الرجال في حين أن تلك الأماكن يتم إيداع نساء سجينات بها رغم أن المعايير الدولية لحقوق السجناء توجب أن يكون موظفو سجون النساء من النساء.

حقوق منقوصة للسجناء:

السجناء المودعون بالسجون العمومية والليمانات لا يحصلون على حقوقهم الكاملة والمنصوص عليها قانونيًّا، تلك الحقوق المقررة نظريًّا للسجناء المودعين بسجون تابعة لمصلحة السجون منقوصة بالنسبة إلى السجون الأخرى غير التابعة لمصلحة السجون، فالقانون يشترط وجود طبيب واحد مقيم على الأقل بكل سجن عمومي وليمان، ولم يشترط ذلك بالسجون المركزية، وكافة أقسام الشرطة لا يتواجد بها طبيب ولا تجهيزات طبية، والإدارة الطبية بمصلحة السجون لا علاقة لها بالسجون المركزية وأقسام الشرطة وأماكن الحجز الأخرى.

نظريًّا يوجد حد أدنى من المأكل والملبس وأدوات المعيشة مخصص للسجناء المودعين بالسجون التابعة لمصلحة السجون، ومن المفترض أن يتم توفيره من ميزانية المصلحة، أمَّا السجون غير التابعة لمصلحة السجون فلا توجد ميزانية مخصصة للمعيشة من المأكل والملبس، السجناء المودعون في هذه الأماكن يعتمدون كليًّا على ما يوفره لهم ذووهم ويدخلونه إليهم بالزيارات.

تستطيع الاستعلام عن مكان احتجاز سجين بمصلحة السجون إذا كان مودعًا بأحد السجون التابعة لها، أمَّا أماكن الاحتجاز الأخرى غير التابعة لمصلحة السجون فلا تستطيع الاستعلام عن سجين بها من مكان واحد لعدم وجود قاعدة بيانات كالموجودة بمصلحة السجون.

ماذا نفعل لحل مشكلة التكدس؟

السجون المركزية وكما سبق أن أوضحنا تنفذ بها العقوبة على أي شخص محكوم عليه بالحبس البسيط أو الحبس مع الشغل لمدة لا تزيد على ثلاثة شهور، والذين يكونون محلًّا للإكراه البدني تنفيذًا لأحكام مالية، والمحبوسين احتياطيَّا إذا قررت النيابة العامة إيداعهم السجن المركزي حسب ما جاء بالمادة الأولى من اللائحة الداخلية للسجون المركزية رقم 1654 لسنة 1997 .

الأمر الذي يعني وجود بدائل كثيرة للتخفيف من التكدس بأقسام الشرطة ومن هذه الحلول وعلى سبيل المثال لا الحصر:

  1. تفعيل نص المادة 520 من قانون الإجراءات الجنائية التي تقرر أنه للمحكوم عليه بالإكراه البدني أن يطلب استبدال بالحبس عملًا يدويًّا أو صناعيًّا يقوم به.
  2. استبدال بالعقوبات السالبة للحرية أخرى غير سالبة للحرية في الجرائم البسيطة.
  3. الحد من التوسع في استخدام الحبس الاحتياطي وقد تقدم النائب علاء عابد رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان بمقترح يحد من الحبس الاحتياطي واصفًا إياه بأنه "إهدار للمال العام".

تلك الإجراءات البسيطة والتي لن تكلف الدولة أموالًا طائلة كبناء سجون جديدة من الممكن أن تساهم بشكل فعال في حل مشكلة التكدس إذا كان الهدف من إنشاء السجون الجديدة هو بالفعل حل مشكلة التكدس وتحسين ظروف الاحتجاز.


المراجع:

  • "الداخلية" تكشف سبب إنشاء سجن مركزي جديد في "15 مايو"، 5 يونيو 2015، http://www.elbalad.news/1566404
  • الليمانات وفقًا للقانون المصري تنفذ فيها الأحكام الصادرة بالسجن المشدد على الرجال، وعرَّفت المادة 14 من قانون العقوبات السجن المشدد بأنه تشغيل المحكوم عليه أشق الأشغال التي تُعيِّنها الحكومة مدة حياته إن كانت العقوبة مؤبدة أو المدة المحكوم بها إن كانت العقوبة مؤقتة ولا يجوز أن تنقص العقوبة المؤقتة عن ثلاث سنين ولا أن تزيد على خمس عشرة سنة إلا في الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانونيًّا.
  • السجون العمومية وفقًا للقانون المصري تنفذ فيها الأحكام الصادرة على الأشخاص المحكوم عليهم بعقوبة السجن والنساء المحكوم عليهن بعقوبة السجن المشدد، والرجال المحكوم عليهم بعقوبة السجن المشدد الذين ينقلون من الليمانات لأسباب صحية أو لبلوغهم سن الستين أو لقضائهم نصف العقوبة المحكوم عليهم بها أو ثلاث سنوات، أي المدتين أقل وكان سلوكهم حسنًا خلالها، المحكوم عليهم بالسجن لمدة تزيد على ثلاثة أشهر إلا إذا كانت المدة الباقية وقت صدور الحكم أقل من ذلك ولم يكونوا مودعين من قبل في سجن عمومي. وعقوبة السجن كما جاء بالمادة 16 من قانون العقوبات هي وضع المحكوم عليه في أحد السجون العمومية وتشغيله داخل السجن أو خارجه في الأعمال التي تعينها الحكومة المدة المحكوم بها عليه، ولا يجوز أن تنقص تلك المدة عن ثلاث سنين ولا تزيد على خمس عشرة سنة إلا في الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانونيًّا.
  • وبالتالي لا يوجد لها مخصصات مثل السجون الأخرى متعلقة بمعيشة السجناء فيها.
  • السجون المركزية تنفذ بها العقوبة على أي شخص محكوم عليه بالحبس البسيط أو الحبس مع الشغل لمدة لا تزيد على ثلاثة شهور والذين يكونون محلًّا للإكراه البدني تنفيذًا لأحكام مالية، والمحبوسين احتياطيًّا إذا قررت النيابة العامة إيداعهم السجن المركزي حسب ما جاء بالمادة الأولى من اللائحة الداخلية للسجون المركزية رقم 1654 لسنة 1971. والإكراه البدني كما عرَّفته المادة 511 من قانون الإجراءات الجنائية يكون لتحصيل المبالغ الناشئة عن الجريمة المقضي بها للحكومة ضد مرتكب الجريمة، ويكون بالحبس البسيط، وتقدر مدته باعتبار يوم واحد عن كل خمسة جنيهات أو أقل، ومع ذلك ففي مواد المخالفات لا تزيد مدة الإكراه على سبعة أيام للغرامة ولا على سبعة أيام للمصاريف وما يجب رده والتعويضات، وفي مواد الجنح والجنايات لا تزيد مدة الإكراه على ثلاثة أشهر للغرامة وثلاثة أشهر للمصاريف وما يجب رده والتعويضات.
  • الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون.
  • قرار وزير الداخلية رقم 113 لسنة 1962 بشأن السجون المركزية بالمحافظات.
  • قرار وزير الداخلية رقم 5 لسنة 1969
  • https://www.almesryoon.com/%D8%AF%D9%81%D8%AA%D8%B1-%D8%A3%D8%AD%D9%88%D...