لا تخفي البلاستيك تحت السجادة

18 يناير 2020

إن الأمر مثلما نخفي التراب بعد كنس الغرفة لتبدو نظيفة لكنها ليست حقًّا كذلك، وسبب استحضار هذا التشبيه ما يروج له أخيرًا من أن البلاستيك القابل للتحلل بالأكسدة يتحلل بيولوجيًّا وأنه البديل والحل لمشكلة تراكم مخلفات البلاستيك في البيئة، بينما ما يحدث في الواقع هو أن هذا البلاستيك يتكسر فقط إلى قطع دقيقة، قد لا تراها أعيننا لكنها تتراكم في البيئة وتؤثر على الصحة.

البلاستيك مادة شائعة الاستخدام، فهي رخيصة سهلة التشكيل قوية التحمل، لكنه يتحلل ببطء شديد جدًّا لهذا تتراكم مخلفاته في البيئة، فقد تستغرق زجاجة ماء نحو خمس مئة عام حتى تتكسر إلى حبيبات دقيقة، وهذه الحبيبات المايكروبلاستيكية قد لا تتحلل بشكل كامل في البيئة ولكن تتراكم وتدخل في السلسلة الغذائية.

اهتمت دول العالم كافة بمشكلة مخلفات البلاستيك، وهناك العديد من التشريعات والبرامج والسياسات والأبحاث التي تسعى إلى معالجة وتقليل استخدام البلاستيك في كثير منها، وقد انضمت مصر أخيرًا إلى الجهود العالمية لمواجهة المشكلة، فقد ظهر عدد من المبادرات المجتمعية الحكومية لخفض استهلاك البلاستيك وجمع المخلفات، كما منع محافظ البحر الأحمر استخدام أكياس البلاستيك وتقدم نائبان من البرلمان بطلبات حظر استخدام الأكياس البلاستيكية كما تبذل وزارة البيئة جهودًا في هذا الصدد.

ورغم الترحيب بهذه الجهود وأهمية دعمها، فهناك مخاوف أن تزيد بعض هذه الجهود مشكلة التلوث بالبلاستيك بدلًا من تخفيفها عن طريق الترويج لاستخدام البلاستيك القابل للتحلل بالأكسدة كبديل آمن على البيئة بينما هو ليس كذلك، فقد صرح النائب فرج عامر رئيس لجنة الصناعة بأنه سوف يطالب باستخدام مادة بلاستيكية قابلة للتحلل كبديل، كما كانت وزارة البيئة قد أعلنت عن مبادرة لتقديم أكياس "قابلة للتحلل" إلي السلاسل التجارية الكبرى وتقديم 6 مليون يورو لإنتاج البلاستيك القابل للتحلل بالإضافة إلى مظاهر الاحتفاء والتشجيع والدعم المقدم إلى الشركة التي تورد المادة المؤكسدة، وفوق كل هذا ما هو متوقع من ضغوط منتجي ومستهلكي البلاستيك. 

فما هي مشكلة البلاستيك القابل للتحلل باﻷكسدة؟

يتميز هذا البلاستيك بأنه رخيص ولا يتطلب تعديلًا كبيرًا في التقنيات، فهو يصنع من نفس المواد المستخدمة في صناعة البلاستيك التقليدي مع إضافة مواد تسرع من تكسير جزيئات البلاستيك بالأكسدة لتتفتت إلى أجزاء صغيرة، ويزعم المصنعون أن هذه الأجزاء سوف تتحلل بيولوجيًّا بعد ذلك عن طريق البكتيريا والفطريات إلى مكونات أولية تمتص في البيئة، إلا أن عددًا كبيرًا من العلماء والمؤسسات الدولية والحكومية المهمة والمختبرات الصناعية والجمعيات التجارية يتشككون ويرون أنه لا يوجد أي يقين على أن جزيئات البلاستيك تتحلل بيولوجيًّا بشكل كامل في البيئة.

 ويأتي على رأس هذه المؤسسات الدولية البرلمان الأوروبي ومفوضية الاتحاد الأوروبي وقسم البيئة والغذاء والشؤون الريفية في المملكة المتحدة. ففي عام 2018 أصدرت مفوضية الاتحاد الأوروبي تقريرًا حول البلاستيك القابل للتحلل بالأكسدة تضمن أنه لا يوجد دليل على أن إضافة المواد المؤكسدة سوف تؤدي إلى تحلل بيولوجي كامل للبلاستيك في مدى زمني معقول خصوصًا في الظروف الواقعية وأن هذا يزيد من خطر تراكم المايكروبلاستيك في البيئة خاصة البحرية، وأن الإضافات المؤكسدة تؤثر سلبًا على جودة المنتجات المعاد تدويرها. 

في عام 2018 أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا يعتبر أن العبوات البلاستيكية القابلة للتحلل بالأكسدة لا تعتبر قابلة للتحلل البيولوجي ولا تتطابق مع المواصفات الأوروبية.

وقبل ذلك، في عام 2015 أشار تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بعنوان: "البلاستيك القابل للتحلل الحيوي بالأكسدة والنفايات البحرية"، إلى أن البلاستيك القابل للتحلل بالأكسدة لا يعتبر حلًّا للحد من النفايات البحرية، وحذر من أن وصف المنتجات بأنها "قابلة للتحلل" يزيد من ميل الجمهور إلى إلقاء القمامة.

وفي نوفمبر 2017 وجهت 150 جهة عالمية نداء يدعو إلى فرض حظر على المواد البلاستيكية القابلة للتحلل بالأكسدة لأن دلائل مهمة  تشير إلى أن هذا البلاستيك لا يتحلل بيولوجيًّا فعليًّا بل يتفتت إلى أجزاء صغيرة ومايكروبلاستيك تزيد مخاطر التلوث بالبلاستيك. شملت هذه الجهات علامات تجارية كبرى مثل Marks & Spencer، وNestle، ومنظمات بيئية مثل الصندوق العالمي للحياة البرية (WWF) وأعضاء في البرلمان الأوروبي ومجموعة واسعة من الأكاديميين والمؤسسات الدولية والحكومية ومعامل الاختبار والروابط التجارية.

وفي الولايات المتحدة أصدرت جمعية صناعة البلاستيك ورقة موقف عام 2018 تعرب عن أن العديد من خبراء إدارة المخلفات والبلاستيك يرون أن البلاستيك القابل للتحلل بالأكسدة لا يمكن التأكد فعلًا من أنه يتحلل سريعًا أو بيولوجيًّا في الواقع، وأن استخدام مصطلح التحلل البيولوجي هو استخدام مضلل.

هناك حاليًّا نحو 6 مليارات طن من البقايا البلاستيكية، يضاف إليها نحو 300 مليون طن كل عام ويتسرب سنويًّا نحو 13 مليون طن إلى المحيطات ويقدر أنه بحلول عام 2050 سيكون وزن البلاستيك في المحيطات أكثر من وزن جميع الأسماك فيه.

لو كان حل مشكلة البلاستيك العصية على الحل بهذه السهولة لتبنت دول العالم خصوصًا المتقدمة إضافة المواد المؤكسدة إلى البلاستيك بدلًا من حظرها بل ومعاقبة ترويجها كما حدث، ففي فبراير 2015 قضت محكمة ميلانو بأن الأكياس البلاستيكية وغيرها من المنتجات التي تحتوي على المضافات "d2w" لا يمكن تسويقها قانونيًّا باعتبارها "قابلة للتحلل البيولوجي" وفقًا لمعايير السوق الأوروبية. وتم تغريم الشركة ومنعها من استخدام المصطلح. جدير بالذكر أن هذه المادة هي نفسها التي يتم توريدها في  مصر حاليًّا.

نتصور أن مواجهة مشكلة البلاستيك يجب أن يتم ضمن رؤية تهدف إلى حماية البيئة والصحة والموارد الطبيعية وتتبنى مبادئ التسلسل الهرمي للمخلفات وهي: تقليل البلاستيك، إعادة الاستخدام كلما أمكن، ثم إعادة التدوير. وهو ما يستدعي تدعيم البنية التحتية والتشريعية لإدارة المخلفات واستخدام حوافز التسعير ومشاركة المنتجين في المسؤولية ورفع الوعي لدى المستهلكين ضمن خطوات أخرى، والبحث عن بديل للأكياس البلاستيكية يجب أن يتم كحلقة ضمن هذا السياق،  ويجب أن يكون البديل صديقًا للبيئة وأن يساهم في حل المشكلة وحماية البيئة وليس العكس.

 البلاستيك القابل للتحلل بالأكسدة لا يحل مشكلة مخلفات البلاستيك في البيئة لكنه يخفيها فقط تحت السجادة!

نشر هذا المقال علي موقع الشروق بتاريخ ١٧ يناير ٢٠٢٠