وزير لحماية البيئة أم الفحم؟

9 يوليو 2014

ظهر السيد خالد فهمى وزير البيئة يوم السبت 21 يونيو، فى برنامجين تلفزيونيين للحديث عن خطط الوزارة لمواجهة مشاكل البيئة، وشكلت قضية الفحم محورا رئيسيّا فى الحديث فى كلا اللقاءين. ولقد أورد السيد الوزير فى حديثه عددا لا بأس به من المعلومات، التى نعتقد أنها خاطئة، ومن الضرورى تصحيحها، لأنها تشوه المعرفة وتصل بمن ينصت إليها إلى استنتاجات ومواقف زائفة.

أولا: ذكر السيد الوزير أن مصادر الطاقة المطلوبة لصناعة الأسمنت لا يمكن توليدها سوى من ثلاثة مصادر فقط، هى: الفحم والمازوت والغاز، وأضاف بشكل تعليمى: «محروقات.. وأن طاقة الشمس لا يمكن حرقها وكذلك الهواء لا يمكن حرقه لتوليد هذه الحرارة العالية، وأنه ليس أمامنا فى مصر بعد استنفاد المازوت والغاز سوى الفحم».

وبغض النظر عن تلميح السيد الوزير إلى أن معارضى الفحم مجموعة من السذج، يعتقدون بإمكانية حرق الشمس والهواء، فيسعدنا أن نُبلغ السيد الوزير معلومة مهمة، وهى أن هناك مصدرا آخر من مصادر الطاقة الجديدة يمكن استخدامها فى صناعة الأسمنت، وهذا ما كان يقترحه معارضو الفحم، ألا وهى الطاقة المستخرجة من المخلفات. وهذا النوع من الطاقة ليس فقط قادرا على أن يوفر 100% من الطاقة التى تحتاجها مصانع الأسمنت، لكنه سيساعد فى حل مشكلة تراكم المخلفات فى مصر وهى مشكلة عويصة سيضطر سيادته إلى مواجهتها أيضا. وفى الواقع فإن هذه المعلومة ليست معلومة جديدة، لكنها معلومة قديمة ومجربة. فعلى سبيل المثال تستخدم بعض مصانع الإسمنت الأمريكية 70% من احتياجاتها من الطاقة، مستخرجة من المخلفات منذ عام 2007، أما فى هولندا، فإن أكثر من 90% من الطاقة المستخدمة فى صناعة الأسمنت بكاملها من المخلفات. ويسعدنا أن نبلغ السيد الوزير، أن الطاقة المستخرجة من المخلفات تستخدم بالفعل فى مصر فى مصانع الإسمنت، فمثلا شركة سيمكس للأسمنت، تحصل على نحو 25 %من احتياجاتها منها، وكذلك الشركة العربية تحصل على نحو 10% من تلك الاحتياجات وتسعى لزيادتها.

ثانيا: ذكر السيد الوزير أن الفحم لا يؤثر على صحة المواطن، وأكد على «أن هذه معلومات خاطئة»، هكذا! وأن «الأفران بتْحُوش 99.9% من الشوائب»، وأن «كل السموم تتكسر عند 1400 درجة»، كما أن «الفرن مالوش مدخنة».

وبغض النظر عن عدم وجود مدخنة أو عن تكسير السموم، فيؤسفنا أن نؤكد للسيد الوزير أنه من الثابت علميّا أن الفحم أكثر أنواع الوقود التقليدى ضررا على الصحة. وحتى لا يكون كلامنا مرسلا نقدم له بعض الدراسات التى أثبتت، بل وقيمت تكلفة هذا الضرر على الصحة، وكلها أجريت فى «البلاد المتقدمة» التى تستخدم أحدث تقنيات مكافحة التلوث، وتطبق أفضل المعايير البيئية. على سبيل المثال، أثبتت إحدى هذه الدراسات الأوروبية أن التلوث بالجسيمات الدقيقة فقط، جراء استخدام الفحم، يؤدى إلى وفاة نحو 24 ألف شخص سنويّا، إضافة إلى مرض الملايين وأن تكلفة هذا العبء المرضى تبلغ نحو 15 ــ 42 بليون يورو سنويّا. وأثبتت دراسة أخرى صادرة عن هارفارد فى أمريكا أن تكلفة التأثير على الصحة والبيئة من استخدام الفحم يفوق 500 مليار دولار سنويّا.

ترتكب مصانع الأسمنت، حتى قبل استخدام الفحم، مخالفات لمعايير انبعاثات الملوثات فى الهواء بشكل فادح، وقد سجلت وزارة البيئة لها عام 2011، على سبيل المثال 850 يوما مخالفة، ذلك وهى تستخدم الغاز الطبيعى، أنظف مصادر الوقود التقليدى. ونأمل أن يوضح لنا الوزير كيف انبعثت هذه الغازات والأتربة، أو يوضح لنا التقنيات التى ستمنع انبعاثات الزئبق والرصاص والملوثات العضوية المسرطنة، ودع عنك غاز ثانى أكسيد الكربون، كما نتمنى عليه أن يزور حلوان وطرة، أو منطقة وادى القمر فى الإسكندرية على سبيل المثال، وأن يؤكد للسكان هناك أن الفحم فى الأسمنت سيُحَسِّن من هذه الأوضاع وأنه ليس ضارّا بالصحة.

ثالثا: ذكر السيد الوزير أنه لا يوجد دعم فى الطاقة لمصانع الأسمنت، حيث أكد على أن «مافيش دعم خلاص للمصانع»، واستطرد مفسرا السياق التاريخى لصناعة الأسمنت «إحنا إللى طلبنا من المصانع تحول من المازوت للغاز.. (لأن).. لما الاحتياطات البترولية زادت فى مصر كان بيطلع الغاز وكان بيتحرق، ففكرنا نستخدم الغاز ده ونِدِّيه للمصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة».

وبغض النظر «عن الغاز إللى كان بيطلع مع البترول وبيتحرق»، والذى يختلف كلية عن الغاز الطبيعى، نود أن نؤكد للوزير على أن مصانع الأسمنت، كثيفة الاستهلاك للطاقة مازالت تحصل ليس فقط على الغاز الطبيعى ولكن على الكهرباء ومنتجات البترول مثل: السولار، وجميعها بأسعار مدعومة، بل إن الأسعار التى تدفعها هذه المصانع للكهرباء مثلا، تقل عن أسعار بعض الشرائح المنزلية، وأن هذه الدعم يُترْجَم إلى أرباحٍ تدخل جيوب أصحاب المصانع. وأنه لم ينشر حتى تاريخه رسميّا أى قرار حول تعديل أسعار الطاقة لهذه المصانع، إلا إذا كانت هذه أمورا تتم فى الخفاء، ويسعدنا أن نحيله فى هذا الصدد إلى تصريح السيد رئيس الشركة القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس»، بتاريخ 24 مايو الماضى فى جريدة المال، ذكر فيه أن مصانع الأسمنت، والأسمدة فى مصر، تحصل على أكثر من مليار قدم مكعب يوميا من الغاز، وأن مصانع الأسمنت تدفع 6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بينما تستورده الحكومة بسعر 14 دولارا، وذلك حسب قول السيد الوزير نفسه.

لا يتسع المجال هنا للرد على كل تفاصيل اللقاء، ولكنى أرغب فى الإشارة إلى موقف البنك الأوروبى الذى اعتبر استخدام الفحم ضمن صناعة الأسمنت، من الممارسات الفضلى وطبقا للمعايير الأوروبية، بأن أقول إن البنك الدولى أصدر حظرا منذ العام الماضى على تمويل المشروعات التى تستخدم الفحم، وفى كل الأحوال منذ متى تعتبر سياسات البنوك الدولية عموما مرجعية عندما يتعلق الأمر بصحة ورفاهية المواطنين فى الدول الفقيرة مثل مصر؟ وأما فيما يخص قدرتنا على «تطبيق المعايير البيئية»، وبرغم أن هذا لم يكن أبدا الاعتراض الرئيسى من قبل معارضى الفحم، وإنما تحليلا للأوضاع يجب اعتباره، ألا يجدر أن يختبر الوزير قدراته فى القضاء على تلوث البيئة المزمن والمميت من مصانع الإسمنت، فى طرة وحلوان والإسكندرية وغيرها الآن، قبل المخاطرة بإضافة تلوث الفحم؟

حرص السيد الوزير، أكثر من مرة فى حديثه التلفزيونى على تقديم نفسه كخبير فى البيئة، لكن حديثه فى خضم دفاعه عن استخدام الفحم، اتسم فوق ما رأينا، بالميل إلى الإنشائية واللجوء إلى أطروحات تستهين بعقل المشاهد ومعارفه. وليس خافيا أن السيد خالد فهمى كان من المناصرين لاستخدام الفحم، بل إن الاتفاقيات الأولية مع شركات الأسمنت تمت فى عهده حينما كان وزيرا فى حكومة هشام قنديل. ولقد زاد من بواعث القلق لدينا أن أولى تصريحاته، حتى قبل أن يحلف اليمين الدستورية، كانت تتعلق بخطته لإدخال الفحم لاستخدامات الصناعة. ونحن نأمل أن يراجع السيد الوزير مواقفه وتصريحاته، وأن تكون مهمته الأولى والأخيرة هى الحفاظ على البيئة ونظافتها وحمايتنا من التلوث، وأن يحرص على أن يذكره التاريخ كمدافع عن البيئة والصحة وليس كوزير للفحم.

تم نشر هذا المقال علي موقع الشروق بتاريخ 8 يوليو 2014