أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم تقريرا حول عدد من أحداث العنف السياسي التي ضربت مصر بقوة في الاسابيع التي سبقت وتلت عزل حكومة الرئيس السابق محمد مرسي في يوليو 2013، وحملت الدولة المسؤولية الأساسية عما قد يكون أسوأ اعمال عنف في تاريخ مصر الحديث من حيث عدد الضحايا الذي تجاوز الاف القتلي والجرحى. وقدمت المبادرة المصرية تقرير "أسابيع القتل: عنف الدولة والاقتتال الأهلي والاعتداءات الطائفية في صيف 2013" إلى اللجنة القومية المستقلة لجمع المعلومات والأدلة وتقصي الحقائق التي واكبت ثورة 30 يونيو سنة 2013 وما أعقبها من أحداث  -- وذلك بناء على طلب اللجنة في اجتماع معها في وقت سابق هذا العام.

ويؤكد التقرير على مسئولية الدولة الأساسية عن انتهاكات حقوق الإنسان في تلك الفترة، سواء لمشاركة قوات الأمن بشكل مباشر في هذه الانتهاكات أو لامتناعها وتقصيرها عن حماية أرواح وممتلكات المواطنين من الاعتداءات الواقعة عليهم من أطراف غير رسمية. ويحمل التقرير أيضًا المسئولية عن أحداث عنف معينة لاعضاء وانصار جماعة الأخوان المسلمين والمتعاطفين مع حكومة الرئيس المعزول مرسي سواء لتورطهم في عنف مباشر ضد منشأت عامة أو ممتلكات خاصة، أو لتوظيفهم خطابًا يحض على الكراهية والتمييز الطائفي.

وجاء التقرير في اربعة اجزاء تناول أحداها فض اعتصاميِّ ميدانيِّ رابعة العدوية والنهضة، الذي وقع في يوم 14 أغسطس، وقد تم إفراد جزء خاص بهاتين الواقعتين حيث أنهما الأكبر من حيث عدد الضحايا والاستخدام المفرط للقوة وحجم الانتهاكات.

رابعة والنهضة: قوة مفرطة دون داع وفشل غير مبرر أدي لمقتل المئات 

ويرى التقرير ان عدد ضحايا فض اعتصام رابعة، الذي استمرت اشتباكاته لمدة 11 ساعة على اﻷقل، يتراوح ما بين 499 (وفقًا لمصلحة الطب الشرعي) و932 وفقًا لبيانات المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو الرقم اﻷكثر دقة، ويقترب من تقدير رئيس الوزراء السابق حازم الببلاوي الذي تحدث في الإعلام بصورة تقريبية عن ألف قتيل. وفي ميدان النهضة جوار جامعة القاهرة استغرق فض الاعتصام نحو ساعتين وأسفر عن وفاة 87 شخصًا.

وأكد التقرير أن قوات الأمن "فشلت في التخطيط لعملية فض الاعتصام بغية تقليل حجم الخسائر البشرية، وأنزلت عقابًا جماعيًّا على كل من تواجد داخل منطقة الاعتصام وبخاصة بعد أن قام عدد قليل ـ في أغلب التقديرات ـ من المعتصمين باستخدام الرصاص وتبادل النيران مع الشرطة. "

واوضحت مصادر التقرير ان قوات الأمن استخدمت القوة المميتة بغير وجه حق في أكثر من حالة واستهدفت عدد كبير من المعتصمين دون دليل على وجود سلاح معهم، ولم تكن هناك معظم الوقت مخارج أمنة فعليا تحمي المعتصمين الراغبين في مغادرة المكان دون التعرض لمحاولات سكان المباني المجاورة البطش بهم.

ولفت التقرير الانظار الى ان قيادات جماعة الإخوان المسلمين لم تبذل أي مجهود يذكر في محاولة تقليل عدد المتواجدين من أنصارهم في الاعتصام مع بدء عملية الفض، ووضوح حجم الخطر الكبير على المعتصمين. ويظهر من الشهادات والمواد المتوفرة لدى المبادرة أن عددًا من المعتصمين استخدموا أسلحة نارية، إلا أنه من الصعب تحديد الوقت الذي بدأ فيه المعتصمون استخدام الرصاص وتقدير كمية الرصاص المستخدمة. وطبقًا للتقرير يبدو أن "عددًا من المعتصمين استخدموا الطوب والزجاجات الحارقة والأسلحة البدائية (المقاريط)، وأن عددًا أقل استخدم الذخيرة الحية وأطلق منها على قوات الشرطة ونجح في إسقاط عددًا من القتلى في صفوف الشرطة، إلا أن الواضح من شهادات شهود العيان والصحفيين وبمقارنة عدد الضحايا من الجانبين أن الأغلبية العظمى من المعتصمين كانوا من العزل، وأن اعتصام رابعة ـ تحديدًا ـ لم يكن اعتصامًا مسلحًا على الطريقة التي كان عليها اعتصام النهضة، كما أن تصريح وزارة الداخلية الرسمي، الذي قالت فيه إن قوات الشرطة عثرت على عشر قطع من السلاح الآلي و29 بندقية خرطوش يؤكد أن التعامل مع اعتصام رابعة لم يتطلب هذه الدرجة من التدخل العنيف والاستخدام المفرط للقوة المميتة." ويظهر أيضًا من مقاطع فيديو لعملية فض الاعتصام أن عددًا من القتلى لم يكن يشكل أي تهديد على الإطلاق، وأن "إطلاق الرصاص بصورة عشوائية لفترات طويلة من جانب قوات الشرطة أسقط الكثير من الأبرياء، كان بعضهم في أثناء محاولته الهرب أو الاختباء."

وتعتقد المبادرة المصرية أن قوات الأمن كان يجب عليها أن تراعي مبدأين رئيسيين في التعامل مع اعتصامي رابعة والنهضة، هما: التناسبية، وحسن الإدارة. وقال التقرير ان "من أهم قواعد حسن الإدارة في التعامل مع التجمعات والاضطرابات العامة، أنه في حالة اتخاذ قرار باللجوء إلى القوة ... ينبغي على الحكومات وضع مجموعة من الاستجابات وردود الفعل الممكن اتخاذها في أكثر من سيناريو مختلف, وكيفية التعامل مع كل سيناريو بالطريقة الملائمة والمتناسبة." ولا يبدو من الوقائع الواردة في التقرير أن قوات الأمن خططت بصورة جيدة لاحتمال محاولة صد الاقتحام، باستخدام الأسلحة النارية من قبل المعتصمين. ويظهر من الشهادات المتفرقة ومن إفادات المعتصمين أنفسهم أن اطلاق النار من جانب المعتصمين جاء فقط من ناحيتين، الأولي من بعض غرف داخل دار مناسبات رابعة العدوية، واالثانية من مبنى غير مكتمل الإنشاء، الذي يطل على شارع الطيران، المسمى بعمارة المنايفة.

وقد تحدث باحثو المبادرة إلى أكثر من 40 شخصًا، من ضمنهم متظاهرون ومصابون وأطباء ميدانيون ومسعفون وصحفيون ومراسلون تواجدوا بموقع الحدث، وأطباء باشروا علاج الحالات المصابة ومتطوعون ساهموا في حصر الجثث وفي توثيق الوفيات والإصابات ومسئولون حكوميون. كما قام باحثو المبادرة في المساهمة في حصر الجثث وفي تقديم المساعدة القانونية في مصلحة الطب الشرعي، والتواجد في المستشفيات وفي مشرحة زينهم وهو ما سمح لهم بمعاينة عدد من الجثامين وبالاطلاع على تقارير الوفاة وتقارير التشريح الظاهرية. وقد قام باحثو المبادرة ومحررو التقرير بمطالعة تقارير ميدانية عن الواقعة ومراجعة البيانات الرسمية وتصريحات المسئولين وقيادات وزارة الداخلية.

أوجه العنف الثلاثة

واضافة لعنف الدولة وخاصة قوات الشرطة التي استخدمت القوة بصورة مفرطة،  يظهر التقرير اهمية دراسة  النمطين الآخرين من العنف خلال فترة الدراسة وهما "العنف الأهلي" و "العنف الطائفي".

ويوضح التقرير ان أعمال العنف الأهلي، أي العنف بين مجموعات مدنية غير ذات صفة رسمية، سواء كانت منظمة كتشكيلات ما يعرف "بالبلطجية" المأجورين، أو منتمية إلى تيار سياسي، او غير منظمة، قد استشرت في الفترة محل الدراسة. وعلى الرغم من تواضع مستويات التسليح المستخدمة في هذه الصدامات، إلا أنها قد أدت إلى حصد أرواح عشرات من المصريين وجرح مئات وفقدان عديدين لممتلكاتهم. وتؤدي  اعمال العنف الطائفي، أي ممارسة العنف ضد المنتمين إلى جماعات دينية بعينها دونما تمييز، وعلى أساس هويتهم الدينية،  إلى تحميل الضحايا مسئولية مواقف سياسية معينة (حقيقية أو مفترضة) اتخذتها قيادات هذه الجماعات والطوائف.

وقد تداخلت هذه الأنماط الثلاثة من العنف عبر الحوادث المختلفة التي يتعرض لها التقرير الذي ينقسم إلى ثلاثة أجزاء: الجزء الأول، يغطي الفترة من 30 يونيو 2013 حتى 5 يوليو 2013 التي اتسمت بهيمنة العنف الأهلي. الجزء الثاني، يغطى الفترة من 8 يوليو حتى 14 أغسطس التي اتسمت بهيمنة عنف الدولة. والجزء الثالث، يغطى الفترة من 14 أغسطس حتى 17 أغسطس التي اتسمت بهيمنة العنف الطائفي.

ويخرج توثيق كل أحداث العنف في هذه الفترة بشكل منضبط عن قدرة أي منظمة حقوقية أو مؤسسة بحثية منفردة، لا يمكنها أن تقدم سوى مؤشرات قد تسهم في فهم ما يجري حتى الآن. ولذا لم يتعرض التقرير إلى أحداث وقع فيها مئات القتلى والجرحى مثل أحداث رمسيس ومسجد الفتح والنزهة والألف مسكن (القاهرة) والعمرانية وكرداسة (الجيزة) وكوم الدكة (الإسكندرية) والسويس وعدة أماكن أخرى في مصر، لم يتمكن باحثو المبادرة ساعتها من القيام برصدٍ تفصيلي مباشر لها وقت تفاقمها.

عنف أهلي وتقاعس حكومي

وتناول الجزء اﻷول من التقرير أربع وقائع شهدت تصاعدًا غير مسبوق لأحداث العنف اﻷهلي (اشتباكات بين أفراد وجماعات مدنية غير ذوى صفة رسمية)، وقعت في الفترة من 30 يونيو إلى 5 يوليو، وأسفرت عن مقتل 53 شخصًا وإصابة المئات، وهي الأحداث التي كان غياب الدولة عاملًا أساسيًّا في تفاقمها. وثق الجزء اﻷول أحداث المقطم التي وقعت في يوم 30 يونيو، والمعروفة باسم "اشتباكات مكتب الإرشاد"، التي استمرت ﻷكثر من 16 ساعة، وانتهت بمصرع سبعة أشخاص وإصابة 31 شخصًا. وثق هذا الجزء أيضًا أحداث منطقة بين السرايات، التي وقعت يوم 2 يوليو، واستمرت حوالي 18 ساعة ونتج عنها وفاة 25 شخصًا وإصابة آخرين، وأحداث سيدي جابر في يوم 5 يوليو، التي استمرت لمدة 9 ساعات وأسفرت عن وفاة ستة عشر شخصًا. وأخيرًا، أحداث المنيل، في يوم 5 يوليو، التي استمرت قرابة العشر ساعات، وأدت إلى مقتل أربعة أشخاص على الأقل (بالإضافة إلى وفاة شخص أصيب في الأحداث وتوفي بعدها بـ41 يومًا) وإصابة ما لا يقل عن 103 شخص.

وقد أنحصرت المواجهات في هذه الايام الستة بالكامل "تقريبًا" بين المدنيين، بعضهم مع بعض, أو ما يعرف في التغطية الإعلامية بـ"الأهالي"، سواء كانت بين مظاهرات مؤيدة للرئيس مرسي ومعارضة له، أو بين مظاهرات سياسية وسكان المناطق التي تمر بها (الذين يشار إليهم في بعض الأحيان بـ"الأهالي" وأحيانًا أخرى بـ"البلطجية" على حسب الراوي)، كما يظهر من التحقيق في هذه الأحداث ومتابعة الدوي الإعلامي الذي أحدثته بأنها قد شهدت نقلة نوعية من حيث شكل المواجهات ونطاق العنف والأدوات المستخدمة في معارك الشوارع ـ حيث تم استخدام أنواع مختلفة من الأسلحة بكثافة من أطراف أهلية في الأساس, ضمت أسلحة بيضاء وزجاجات حارقة وأسلحة نارية بدائية الصنع (مقاريط) بالإضافة إلى الأسلحة الآلية. ولا تخلو واقعة واحدة من الوقائع المذكورة في التقرير من استخدامٍ للرصاص الحي في قلب أحياء سكنية في وضح النهار, وهو ما نتج عنه سقوط عدد كبير من الضحايا في هذه الأحداث.

مواجهات بين الدولة والمتظاهرين: قوة مفرطة وعنف غير مبرر

وقعت أولى المواجهات بين الدولة والمتظاهرين المناصرين للرئيس المعزول مرسي، والتي مارست فيها أجهزة الأمن عنفا مفرطا خارج دار الحرس الجمهوري بتاريخ الثامن من يوليو, وقتل فيها على الأقل 61 مدنيًّا بالإضافة إلى ثلاثة من قوات الأمن. وقد استمرت حوادث العنف الأهلي، التي عادةً ما كانت تصاحب المظاهرات والمسيرات المطالبة بعودة الرئيس المعزول, واستمر سقوط الضحايا فيها في حين عجزت الدولة عن أداء دورها في التدخل لحماية أرواح المواطنين.

وانتهت مظاهرات 26 يوليو المعروفة باسم جمعة التفويض من اجل تأكيد الدعم الشعبي لسياسات الحكومة المؤقتة باشتباكات في مناطق عدة، نتج عنها سقوط 16 شخصًا على الأقل في الإسكندرية، ثم تصعيد في المسيرات المؤيدة للرئيس المعزول في اليوم التالي تعاملت معه قوات الشرطة بالقوة المفرطة مما نتج عنه مقتل 91 على الأقل بالإضافة إلى واحد من رجال الشرطة، واستمر التصعيد في مستوى العنف على هذا النحو حتى قرار فض اعتصامات رابعة والنهضة بالقوة في الرابع عشر من أغسطس.

العنف الطائفي: تحريض طائفي وفشل في منع جرائم متوقعة

ويرصد التقرير تصاعد تحريض قادة في تحالف دعم الشرعية الداعم للرئيس المعزول مرسي ضد قيادات كنسية وروحية قبطية عقب قيام القوات المسلحة بعزله في 3 يوليو. وقام أنصار الرئيس المعزول خلال مسيراتهم في عدة محافظات بكتابة عبارات عدائية أو مسيئة للمسيحيين والقيادات الدينية، وذلك على جدران الكنائس ومنازل وممتلكات مواطنين أقباط. اكتملت تلك الدائرة بوقوع اعتداءات على المؤسسات الدينية وممتلكات الأقباط في عدة محافظات، خصوصًا محافظة المنيا.

وأعقب فض اعتصامي رابعة والنهضة موجة من العنف الطائفي وأعمال انتقام غير مسبوقة ضد الأقباط، وذلك في عدد كبير من المحافظات، وبنمط سائد من الاعتداءات، يبدأ بتوجه مسيرات ترفع شعارات مؤيدة للرئيس المعزول إلى كنائس أو ممتلكات لمواطنين أقباط وتنتهي عادة إما بإحراق كامل لهذه المنشآت أو نهبها أو إتلاف أجزاء منها. ويحدث ذلك عادة في ظل غياب شبه كامل لقوات الأمن أو قوات الإطفاء والحماية المدنية أو القوات المسلحة. وفى بعض الحالات تصدى المواطنون من المسلمين والأقباط بأنفسهم لهذه الاعتداءات عن طريق تشكيل لجان شعبية لحماية الكنائس.

تنوعت أشكال استهداف المواطنين على الهوية الدينية، لتبدأ من الاحتجاز والإيذاء البدني والخطف والقتل. ووفقًا للوقائع التي وثقتها المبادرة المصرية فإن الأسابيع الستة بين عزل مرسي وصبيحة يوم فض اعتصام رابعة العدوية شهدت 10 قتيلًا، منهم تسعة أقباط ومسلم واحد. وكان القتيل المسلم أحد المهاجمين لمنازل الأقباط في قرية دلجا بمحافظة المنيا في أثناء مظاهراتٍ مناصرة للرئيس المعزول مرسي، حيث وقعت هجمات على مبنى تابع للكنيسة الكاثوليكية ومنازل أقباط. وقتل الأقباط التسع في عدة محافظات، منهم أربعة قتلوا في إطار اعتداءات طائفية في قرية نجع حسان بمحافظة الأقصر، واثنان تم استهدافهما في محافظة شمال سيناء، الأول منهما كان رجل دين مسيحي، والآخر تاجر خُطِفَ تم عُثِر على جثته في وقت لاحق، وواحد في كل من محافظات المنيا وسوهاج والقاهرة.

وفي تلك الفترة الزمنية القصيرة تعرضت 43 كنيسة لاعتداءات مختلفة، من بينها 27 كنيسة نهبت وحرقت بالكامل أو تم ذلك بأغلب مبانيها، بينما تعرضت للنهب أو التدمير أو الإتلاف الجزئي في الأبواب والنوافذ نحو 13 كنيسة، وتم إطلاق النار على 3 كنائس. وطالت موجة الاعتداءات 7 مدارس و6 جمعيات مسيحية منها مركزان طبيان وملجأ للأطفال، هذا إضافة إلى حرق سبعة مبانٍ خدمية والاعتداء على عشرة منازل لرجال دين مسيحيين.

واتسم نمط تعامل أجهزة الأمن مع موجة الاعتداءات على المواطنين الأقباط والكنائس، التي تلت احتجاجات 30 يونيو بالبطء والفشل معًا، حيث فشلت في الحيطة والتدخل الوقائي قبل وقوع الأحداث لاسيما في ظل الإشارات المختلفة للتوتر الطائفي واكتساب خطاب التحريض ضد الأقباط أرضية عند أنصار الجماعات الإسلامية، ثم فشلت هذه الأجهزة في التدخل السريع لمنع تفاقم هذه الأحداث، وتأخرت في تلبية استغاثات المواطنين.

 توصيات التقرير تتطلب رغبة وقدرة سياسية وتعديل السياسات الأمنية

وينتهى تقرير المبادرة المصرية بعدة توصيات تعتقد المبادرة ان تنفيذها يستلزم رغبة سياسية وتغييرات في أسلوب ونطاق عمل الأجهزة الأمنية والقوانين الحاكمة لها وإعلاء أوضح لمبادىء حكم القانون ومؤسساته.

وأعربت المبادرة المصرية عن أملها في أن "تتمتع مصر في المستقبل بمؤسسات أمنية وقضائية وسياسية قادرة على إدارة الصراعات المدنية بأساليب أنجع وأكثر سلمية، تحتكر فيها الدولة العنف ليس لممارسته خارج نطاق قانون عادل وقواعد واضحة، ولكن من أجل ضمان عدم استشراء العنف كوسيلة لحل النزاعات والحصول على الحقوق أو التعدي على حقوق الآخرين."

وفيما يختص بـ"اللجنة القومية المستقلة لجمع المعلومات والأدلة وتقصي الحقائق التي واكبت ثورة 30  يونيو سنة 2013 وما أعقبها من أحداث” أوصى التقرير بتمكين اللجنة من استدعاء كافة المسؤولين في أجهزة الدولة وإلزامهم بالحضور لأخذ أقوالهم، ومنح اللجنة حق إلزام كل الجهات الحكومية والخاصة بتزويدها بكافة المعلومات والبيانات والمستندات والأدلة ذات الصلة التي تطلبها عن المهام المنوطة بها، ومنح اللجنة سلطة الاستدعاء والتفتيش والمصادرة، مع خضوعها للمراجعة القضائية، ووضع آليات لمتابعة وتنفيذ توصيات اللجنة فيما بعد انتهاء عملها ورفع تقاريرها بما يشمل إلزام السلطات القضائية بمتابعة التحقيق فيما توصي به اللجنة مما قد يكون مشتبهًا به كمخالفات قانونية، ووضع وتفعيل قانون واضح لحماية الشهود وحماية أعضاء اللجنة والمستندات الخاصة بها، واخيرا، إعلان تقرير اللجنة النهائي للرأي العام.

ولعل اضطرار اللجنة الى طلب تمديد فترة عملها التي كان من المقرر ان تنتهي في نهاية شهر يونيو الجاري وموافقة الحكومة، وفقا للجنة، على هذا التمديد يظهر حاجتها الى مزيد من الصلاحيات والقدرات من اجل القيام بعملها بشكل أفضل.

وتأمل المبادرة المصرية أن تنجح لجنة تقصي الحقائق في القيام بعمل استقصائي واسع النطاق لكونها لجنة ذات صلاحيات رسمية، على عكس المنظمات الحقوقية الأهلية التي تصل الى ما يتوفر لها فقط من الشهادات والمواد المتاحة. وتقدم المبادرة هذا التقرير إلى هذه اللجنة على أمل أن يساعد ليس فقط في كشف الحقيقة، ولكن في ملاحقة المسئولين عن مقتل وإصابة آلاف المصريين خلال هذه الأسابيع المعدودة. ونأمل أن يكون التباعد الزمني عن ذروة هذه الأحداث الدموية وقرب انتهاء خارطة الطريق المعلنة في 3 يوليو 2013 مقدمة لتوفير أجواءً أهدأ تسمح بالتعامل الجاد والمسئول مع تلك الاحداث.

واوصى التقرير بتشكيل لجنة مستقلة تضم خبراء أمنيين وقانونيين وممثلين للمجتمع المدني لاقتراح سياسات ونظم وتغييرات تقنية في أسلوب عمل الشرطة على أن تقدم هذه الاقتراحات للبرلمان القادم لوضعها في صورة قانون. وأدرج التقرير عددا من جوانب عمل الشرطة التي تحتاج لاعادة النظر ومنها تعديل القوانين المنظِّمة لاستخدام القوة والأسلحة النارية من قِبَل الشرطة بحيث تتوافق مع الحد الأدنى من المعايير والممارسات الفضلى الدولية، وإنشاء آلية رقابة مستقلة عن الجهاز التنفيذي للتحقيق في حوادث القتل أو الإصابة الخطرة، التي تنتج عن التعامل الشرطي، سواء وقعت في أماكن الاحتجاز التابعة لوزارة الداخلية أو في المجال العام (أي في الكمائن والشوارع والطرقات وأي مكان لا يتبع مباشرة جهاز الشرطة)، بهدف تعزيز المحاسبة والحد من ممارسات العنف غير القانوني والاستخدام المفرط للقوة وللرصاص. 

ودعا التقرير إلى وضع التعديلات القانونية الملائمة للتعامل مع خطاب التحريض على العنف دون التعدي على الحق في حرية التعبير السلمي عن الآراء.

وقد اعتمد التقرير الذي جاء في 86 صفحة على تحقيقات باحثي المبادرة المصرية الذين راقبوا أحداث العنف وأجروا مقابلات مع شهود عيان وصحفيين وأطباء ميدانيين ومسعفين، وأطباء وعاملين في مستشفيات محيطة بأماكن الاشتباكات.  ويعتمد التقرير أيضًا على التصريحات الإعلامية للمسئولين السياسيين والأمنيين، وعلى البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية ووزارة الصحة، وعلى مراجعة مدققة لمئات المواد المصورة سواء تلك المتاحة على الإنترنت على مواقع الصحف والمواقع الإخبارية أو تلك التي أتيحت للباحثين من هواتف خاصة في أثناء جمع الشهادات أو من بعض الصحافيين. وقد واجهت عملية جمع الشهادات صعوبات بالغة بسبب هشاشة الوضع الأمني فى الكثير من أحداث العنف مما عرقل عملية الملاحظة المباشرة.

للمزيد من المعلومات ولترتيب لقاءات صحفية:

جاسر عبد الرازق

gasser@eipr.org

01069796897